الأسبوع الماضي احتضنت قاعة وزارة الإعلام الإتحادية حدثا مهما.. بدا للوهلة الأولى محض حدث اقتصادي .. ولكنه في واقع الأمر ذو بعد اجتماعي خطير.. يحمل دلالات عميقة.. تتجاوز فوائده المواطن المستفيد.. إلى الدولة نفسها.. فهل من كسب أفضل للدولة من أن تكون إحدى مؤسساتها قد حققت اختراقا لجهة التصالح مع مواطنيها في واحدة من أهم وأخطر الساحات.. ساحة علاقات الإنتاج وتعقيدات الأرض.. من حيث الملكية والنزع والتعويض إلى آخر البؤر المشتعلة.. أو المحتقنة على أهبة الاشتعال.. في كثير من المناطق..؟ ليكون مشروع سكر النيل الأبيض استثناءً.. وتقدم إدارتها يوم الخميس الماضي.. وفي حضرة الإعلام.. شهادة مخالصة.. تحسب لها.. وهي التوقيع على اتفاقية تقديم تقديم خدمات الري للمزارعين بمنطقة مشروع سكر النيل الأبيض.. في مساحة إضافية تقدر بحوالي 16000 فدان.. وهذه المساحة تضاف لمساحة سابقة بذات الحجم.. أي أن هذه المساحة وبموجب هذه الاتفاقية ستحظى ولأول مرة بخدمة ري دائم طوال العام..! ليس هذا فحسب.. بل إن الشركة والتي ستتكفل بتوفير المياه طوال العام.. بجانب خدمات أخرى تقدمها.. سنأتي لذكرها.. لا سلطان لها على المزارع في اختيار تركيبته المحصولية.. فهو حر في أن يزرع ما يشاء.. متى شاء.. وإن رغب في زراعة قصب السكر.. فالشركة حاضرة لتقديم كل العون له.. إذن كان طبيعيا يومها.. أن يكون ذاك الاحتفاء من الدولة ممثلة في السيد نائب رئيس الوزراء وزير الإعلام والسيد وزير الصناعة والسيد وزير الدولة للمالية وممثل ولاية النيل الأبيض.. وبحضور ممثلي الولاية بالبرلمان.. وممثلي المزارعين أصحاب المصلحة الحقيقية كما سماهم السيد حسن ساتي مدير مصنع سكر النيل الأبيض.. وهو من موقعه كأبرز رموز صناعة السكر في البلاد الآن.. والمخول له بالحديث باسم القطاع بأكمله أشار إلى نقطة مهمة.. وهو يستعرض تاريخ هذه الصناعة.. مؤكدا أن صناعة السكر في السودان.. ومنذ بواكير عهدها لم تكن مجرد صناعة فحسب.. بل إن مشاريع السكر كانت دائما مجتمعات متكاملة تقدم لمنسوبيها خدمات ضخمة.. تتمثل في المدن السكنية مرورا بخدمات المياه النقية والكهرباء والعلاج والمواصلات وانتهاء بالتعليم.. ونظرة عجلي إلى مشروع سكر النيل الأبيض يؤكد أن المشروع لم يقل عن سابقيه إن لم يتفوق عليهم.. ولعله ولسبب من هذا قال مدير المشروع عقب توقيع عقد الخدمات للمزارعين.. (إن واحداً من المبادئ والقيم الجوهرية لشركة سكر النيل الأبيض هو أن معيار النجاح لا يقاس فقط بالمؤشرات المالية كهامش الربح والعائد من الاستثمار وإنما أيضاً بالقيمة المضافة التي يقدمها المصنع للمجتمع من حوله ولمحيطه الوطني العريض، وأيضاً بإسهامه في إحداث التنمية الاجتماعية والاقتصادية في الريف، فصناعة السكر ترتبط عضويا بمفهوم التنمية الريفية، وأي مصنع سكر يتم تأسيسه فإنه يعني تلقائياً قيام مدينة متكاملة حوله بكامل خدماتها من صحة وتعليم وكهرباء ومياه شرب نقية، شهدنا ذلك منذ تأسيس مصنع سكر الجنيد وكنانة وغيرها وها نحن نشهده اليوم في مصنع سكر النيل الأبيض). إذن كانت هذه شهادة مخالصة قدمها يومها السيد حسن ساتي مدير أحدث شركات السكر الوطنية.. لصالح الدولة.. فماذا قدمت الدولة..؟ صحيح أن وزير الدولة للمالية السيد مجدي حسن يسن قد أكد جاهزية الدولة واستعدادها للوفاء بالتزاماتها تجاه سكر النيل الأبيض.. وصحيح أن وزير الإعلام قد أشاد بالدور الاقتصادي والمجتمعي لسكر النيل الأبيض.. ولكن الصحيح أيضا أن السيد موسى كرامة وزير الصناعة.. قد نوه إلى ضعف مساهمة المصانع الوطنية في مقابلة احتياجات الاستهلاك المحلي من السكر.. ولكن كثير من المراقبين يتساءل عن مدى مسؤولية الدولة عن هذا الضعف الذي يعتري قطاع السكر عموما.. وسنكتفي بعرض ثلاثة أرقام فقط تكشف.. لا نقول حجم الأزمة.. بل حجم المؤامرة على قطاع السكر.. نواصل السبت..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة