كتبت كثيرا عن مشكلة من يتم توزيره في عهد الكيزان ؛ فقبل الوزارة أو المنصب ترى الرجل يتحدث بعلم ومنهج حتى إذا ما وطأت قدماه باب مكتبه الوثير تحول لضب بفم خال من الأسنان واللسان. وقد كنت أحسب أن ذلك مرض قد لاحق الكيزان وحدهم كوباء من الله يجتاحهم ويجتاح من ينضوي تحت ردائهم لكنني أرى الفيلم الهندي يتكرر يوميا ، وآخر ضحاياه التعليم على فم السيد القراي. السيد القراي أصبح يتحدث كستات الشاي (مع احترامي لستات الشاي) وأقصد بذلك أنه أطلق تصريحات شديدة السذاجة عن برنامجه لإصلاح التعليم فقال بأنه سيدرس اللغة الفرنسية في المرحلة الثانوية والانجليزي منذ الروضة وسيعيد السلم التعليمي لستة ثلاثة ثلاثة وسيدخل المسرح في المدارس...وكثير من مثل هذا الهراء ولا أعرف هل عندما يصبح الشخص صاحب منصب حكومي يتعمد مخاطبة الجهلاء بعقولهم لاستقطابهم كما كان يفعل فرعون الذي استخف قومه فأطاعوه أم أن عقل المسؤول نفسه يصاب بالشلل.. دعوني أولا أقول بأننا من الجيل الذي درس بسلم ستة ثلاثة ثلاثة ودرسنا اللغة الفرنسية في الثانوية وكانت هناك حصة مسرح بل وكان هناك مسرح كامل ولا زالت حتى اليوم توجد جمعيات أدبية وكل هذا الطلس عاصرنا ما عاصرنا منه وهو ليس بالشيء الجديد. السيد القراي يتحدث كما لو كان يرتشف الجبنة في السوق العربي تحت مظلة برج البركة. بدلا عن أن يكون أكثر جدية في نقاش مأساة منظومتنا التعليمية التي انهارت منذ الاستقلال. لقد درسنا اللغة الفرنسية في الثانوي العالي وأساسا الاستاذ الذي كان يدرسها لم يكن يعرف كيف ينطق الحروف الفرنسية على وجهها الصحيح ولا أعرف من زملاء الدراسة من انتهى به الأمر متحدثا بالفرنسية؟ كان هناك مسرح وكان هناك طلبة مسرحيون فشلوا في حياتهم العلمية والعملية بل والمسرحية لأن القضية أكبر من طرح القراي الساذج. ولكي أكون أكثر فائدة سأورد ملاحظات على مشكلة منظومتنا التعليمية ما قبل الجامعية في شكل نقاط كالتالي:
● إن علاج هذه المنظومة لا يتم بهذه الطريقة بل بدراسات منهجية علمية ضخمة وعبر كفاءات عالية وليس كفاوات قحط. ● وفوق هذا فعلاج المنظومة التعليمية لا ينفك عن علاج المنظومة الاقتصادية والسياسية... لان التعليم تحديدا لا يمكن الا أن يتم وفق سياسات عامة..فكيف نضع سياسات لمدارس الخرطوم وتطبق في زالنجي؟؟ اولاد العمارات ما بعرفو الجمل (مع الحشمة) وتلاميذ القرى والفرقان ما بعرفو التلفزيون الفارق الثقافي ضخم فكيف يتم وضع منظومة فدرالية ناس بلعبو بالعضم في الرملة وناس بلعبو بلاي ستيشان. ● دعنا نرى كم عدد معلمي اللغة الانجليزية بالنسبة لعدد الطلاب من الروضة وحتى الثانوي؟ كيف سيتم توفير عشرات الآلاف من الأساتذة الأكفاء في اللغة الانجليزي لينتشروا في القرى والحضر في كل ولايات السودان؟ ● كيف سيتم صناعة آليات ومناهج تواكب التطور العلمي في المدارس على المستوى العالمي في ظل تلاميذ فصولهم عبارة عن سقيفة من قش وبعضهم داخل كهوف الجبال وبعضهم في العراء وبعضهم لم ير بأم عينيه شيئا اسمه الجوال بل ولم تصعقه الكهرباء يوما لأنها لم تدخل إلى منافيهم البعيدة عن الحضارة الإنسانية. السيد القراي لو ذهب لشمال كردفان فسيجد قرى بأكملها بلا كهرباء بل وبلا حتى أبراج للهواتف النقالة.. ولم يعرفوا يوما شيئا اسمه المرحاض (مش التواليت الأفرنجي)؟ يتحدث القراي وكأنه جاء من كوكب زحل وكأنه لم يعش بين ظهرانينا هنا من قبل. وقد رأينا كيف أن حمدوك قام بتعيين طفلة مستشارة لشؤون الطفولة مقلدا السويسريين والألمان في مظهر رقي كاذب لا قيمة له الا الاستعراض. ثم ختم القراي بؤس حديثه قائلا بأنه إذا جاءته (بنية) بمؤلف لها بالانجليزية عن الثورة فسوف يضمه للمنهج. ومن الواضح أنه يرمي بحديثه إلى (اضنين) بنية محددة ، ولو كان رجل دولة لقال: - وسوف نجري مسابقة نزيهة وشفافة لاختيار أفضل مؤلف بالانجليزية عن الثورة لنضمه للمنهج. وهكذا يفتح الباب أمام جميع الصبية النوابغ ويحفزهم للتنافس النزيه وفق مبدأ المساواة وليس بذات محسوبية الكيزان. لكن من الواضح أن القراي لا علاقة له بمسائل الدولة وأنه يعتقد أن البلد أصبحت زريبة أهله يفعل بها ما يشاء ويلغوث فيها ما شاء له من لغوثة كما ظن بقية (كفاوات) حمدوك. نحن نخرج من حفرة لنقع في دحديرة وحق آلهة كل الحضارات البشرية...نحن مصابون بلعنة وساجور .. وقد انحشر فينا خازوق كبير أكبر من برج إيفيل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست