كثيرون هم الذين يتدَّثرون بعباءة الحكمة في مظهرهم العام ولكنهم يخبئون في دواخلهم ، إحساساً عميقاً بالهزيمة والخوف والفزع من فكرة أن مآلات الأمور أصبحت بيد الشعب السوداني ولا أحد غيره ، أولئك هم الذين ترعرعوا وتربوا على أدب التعالي السياسي وعدم الشعور بالأمان كلما كانت المساواة والعدالة ناجزة ، هم أرباب النظام السابق وأعوانه ومنتفعيه وسدنته ، يتمنَّون كل يوم أن تعود الإنقاذ ويعودوا للهتاف الزائف والشعارات المهرجانية والرقص والهز مع الرئيس المخلوع على أشلاء الجوعى والغلابة والمسحوقين ، يحلمون أن يصحون من غفوتهم ليكتشفوا أن كل ما حدث كان مجرَّد كابوس.
بعضهم أو أغلبهمم أصبحوا اليوم يُعرِّفون أنفسهم تحت مُسمى (خبير إستراتيجي) في المنابر والإذاعات والفضائيات ، وأغلبهم يعلم الجميع إنتسابهم السابق إلى أجهزة الأمن في النظام السابق أو أروقة المؤتمر الوطني المحلول ، ينظرون إلى الأمور بأعينٍ أخرى غير أعين الشعب ، ويُحلِّلون الوقائع والأحداث برؤية مضادة للمنطق أولاً ومخالفة لما يراه جمهور الشعب العريض ثانياً ، ويُحرِّفون الحقائق لصالح أمنياتهم الخائبة ويتهمون المجني عليه ويدعون إلى نُصرة المُعتدي ، لماذا يفعلون ذلك ؟ لأنهم ما زالوا يقاومون آلام وأوجاع الفطام من التغذي على ثدي دولة المحاصصات والشُلليات والمنفعيات البائدة ، مثل هؤلاء لا نستحي أن نقول عنهم أنهم ليسوا رجال المرحلة وهم غير قادرون على تحمُّل تبعاتها (حرية - سلا - عدالة).
أحدهم وفي قناة فضائية عربية إنتقد تصريح الإمام الصادق المهدي والذي أفاد فيه أن على الفريق محمد حمدان دقلو إن أراد أن يحكم السودان أن ينتمي إلى حزب سياسي ويُدمج قواته في الجيش السوداني ، مُتحجَّجين في نقدهم ذاك بأن لا مناسبة تستدعي الإمام للإدلاء بهذا التصريح ، فضلاً عن قولهم أن الفريق حميدتي لم يُصرِّح يوماً أنه يريد حكم السودان ، وكأن هؤلاء الذين ينتحلون صفة الخبراء الإستراتيجيون لم يسمعوا يومماً بفقه (قرائن الأحوال) و(تحليل الوقائع عِوضاً عن الأقوال) ، والمعلوم لدى الجميع أن كل حركات وسكنات الفريق حميدتي هي عبارة عن شواهد ودلاائل لا تقبل الشك في رغبته لتبديل وجهته العسكريي البحتة إلى وجهة عسكرية سياسية ، وقد نصح الإمام االصادق سعادة الفريق بما يستوجبه العُرف والقانون في ممارسة العمل السياسي العام والذي يأتي في أعلى مستوياته الترشح لرئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء.
أما الإشارة المُستترة في تصريح السيد الإمام الصادق فهي تتجلى في محورية التحوُّل (المدني) لكل عسكري يُفكِّر في الولوج إلى عالم السياسة ، إذ أن العسكرية والسياسة لا تلتقيان على مستوى الشخص في مضمار الممارسة السياسية إلا عبر الأنظمة الشمولية ، أما النظام الديموقراطي الذي بات الآن مطلباً شعبياً وحزبياً عاماً ، فإن أمره لا يستقيم إلى بإرجاع العسكر إلى قوميتهم المهنية عبر وزارة الدفاع والهيئات العسكرية التي يعتمدها الهيكل التنظيمي للدولة ، مضافاً إليها وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني ، لأجل ذلك قلنا وقالها الشعب السوداني بكل إصرار (مدنييييااو).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة