زمان عندما كنا طلاباً في جامعات مصر الشقيقة.. زميلي الذي يسكن معي في الشقة رجع من السينما ليلاً وفي وجهه بعض الامتعاض.. وحكى لي سببه.. قال لي أن بطل الفيلم شاب متدين ركب التاكسي مع حبيبته.. وعندما وجد نفسه منفردين في المقعد الخلفي قال مستغفراً (ما اختلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما..).. في الحال التفت إليه سائق التاكسي قائلاً (الله يسامحك..)..
سألت رفيقي وما المشكلة.. قال لي إن جميع من بالسينما ضحكوا إلا هو.. لأنه لم يفهم أين النكتة..
قلت له.. لأن سائق التاكسي هو ثالثهما فيصبح هو الشيطان.. هذا ما أضحك الجمهور..
قبل أيام وقفت لأشترى خبزاً.. كان يقف أمامي رجل بادرني بتعليق قائلاً (والله يا أستاذ ظلمنا أولادنا.. كنا قايلينهم مبرمين شعرهم على الفاضي..).. ولفت نظري طبعاً إشارته لتسريحة الشعر.. وتذكرت نفسي لما كنت في مثل عمرهم.. كنا أيضاً نعبر عن جيلنا بشعر كثيف لا يمكن التعامل معه إلا بـ(خُلال) وهو مشط خشبي متين بأسنان كبيرة.. بدأ تصنيعه محلياً في السودان وفي الحال التقطته المصانع الصينية فصنعوا لنا آخر أجمل منه من البلاستيك بأسنان حديدية أقل سمكاً..
وبدلاً من البناطلين الضيقة التي يلبسها شبابنا اليوم كنا نفتخر بموضة اسمها (الشارلستون) وهو بنطلون ضيق في الأعلى وواسع جداً في الأسفل عند القدمين.. لكل شباب زمانه وطقوسه وهبته..
الذين خرجوا في ثورة 1924 ضد المستعمر البريطاني هم أيضاً الشباب.. وكذلك من خرجوا في أكتوبر 1964.. وأيضاً من خرجوا في أبريل 1985.. كلهم هم الشباب.. تتعدد أشكالهم وطقوسهم الاجتماعية والموضة في زمنهم.. ويتفقون في كونهم شباباً متحمساً مخلصاً يبحث عن ذاته..
جيل من الشباب يصنعون فن الحقيبة.. ثم يأتي جيل آخر يستمتعون بأغاني الحقيبة، ثم يخلفهم شباب جديد يستمتعون بأغاني إبراهيم عوض وعثمان حسين ووردي وكابلي وإبن البادية والطيب عبد الله.. ليخلفهم جيل مصطفى سيد أحمد وخوجلي عثمان والنور الجيلاني.. ثم يأتي جيل محمود عبد العزيز وتستمر مسيرة الأجيال..
كلهم شباب نابه.. فقط تظل مشكلتهم في الحكاية التي بدأت بها هذا العمود.. حكاية سائق التاكسي.. الذي لم يفهم كلامه رفيقي في الشقة أيام الدراسة في القاهرة..
البروفيسور حسن مكي في حوار مع صحفيي صحيفة “التيار” قبل عدة شهور قال إن أكتوبر وأبريل لا ينطبق عليهما مصطلح (ثورة).. وعندما سأله الصحفيون بغضب لماذا؟ رد لأن كلتا الإثنتين أتت بالقدماء الأجداد لا القادمين الجدد..
طالما أن كلمة (الشباب) متحركة مع الزمن مثل ضوء الشمس من لحظة الشروق إلى الغروب.. في كل مرة تضيء وجوهاً جديدة أليس من الحكمة أن نثبت حالة (الشباب) ونتعامل معها بمفهوم مختلف.. نجردها من ضيق الفئة العمرية إلى سعة الطموحات الدهرية المستمرة.. فالمطلوب دولة شابة لا تشيخ حتى بعد أكثر من سبعة آلاف سنة من عمرها المديد بإذن الله..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة