جنوب كردفان:القوميات العربيةعبرالزمان والمكان وتداعياتالحربالأهليةوفرص السل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 06:51 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-16-2004, 03:35 PM

بريمة محمد أدم/ واشنطن


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
جنوب كردفان:القوميات العربيةعبرالزمان والمكان وتداعياتالحربالأهليةوفرص السل

    جنوب كردفان:القوميات العربيةعبرالزمان والمكان وتداعياتالحربالأهليةوفرص السلام (4)


    القبائل العربية ودورها في أقتصاديات المنطقة وضرب التمرد
    لمواردها الأقتصادية وتفكيك روابطها الأجتماعية (4)
    بريمة محمد أدم/ واشنطن
    [email protected]
    خلاصة:
    في المقالات السابقة تحدثت عن البقارة، كشعب، تراث وتأريخ؛ كما تحدثت عن دور الحرب الأهلية في تدميرهم وتهجيرهم وضرب مقومات وجودهم. في هذا المقال أتحدث عن جزء من دور البقارة الأقتصادى في المنطقة ولنري كيف قام التمرد بضرب هذا المورد الأقتصادي الهام مما سهل عليه تهجير هذه القبائل. ومن خلال علاقات تعايش تأريخية بين القبائل أتطرق عليها في هذه المقال نستشف كيف كان عمق الروابط بين القبائل وكيف قام التمرد بتخريب هذه الروابط، التى هي نتاج تعايش دام أكثر من مئتى عام. وبمناسة السلام أضع يدى مع أيدى الجميع وسوف أقدم ببعض المقترحات لفتح المراحيل وكيفية فك خناق الزراعة الآلية عن القرى العربية والنوباوية مما يساعد على إعادة حياة الريف (التى لا يمكن التنازل عنها) وتقليل التأثير السلبى للزراعة الآلية. كما أتحدث عن كيفية معالجة الثأر القبلى وإسترداد الثروات المنهوبة وأثر ذلك في مستقبل نزع سلاح هذه القبائل ودوره في تعزيز فرص السلام.

    مدخل: بومير الفرنسى وزيراً للثروة الحيوانية في كردفان عام 1964

    بروفسر بومير، رجل فرنسى، إلتقيتة وبعض الزملاء في معهد البحر الأبيض المتوسط الدولى لإنتاج المحاصيل وكان محاضراً بقسم الموراد الطبيعية المتجدده، وحينما رأنى الرجل في قاعة الدراسة تفحصنى بدقة وبنظرة تنم عن الرجل تدور في ذهنه أسئلة حيال شخصى وأنا الوحيد ذو البشرة السمراء؛ ربما ذلك هو السبب، لكن ببراءة الأستاذ المتمرس أشار الرجل إليّ قائلاً من أيّ الدول الأفريقية أنت؟ قلت له إنى من جامايكا، مستهذئاً بالرجل ظاناً أنه لا يعرف شئ عن أفريقيا ناهيك عن السودان. فقال البروفسر أنت سودانى. بهرت من ذلك وقلت له صدقت ولدي حديث معك بعد المحاضرة. وفي فترة الأستراحة القصيرة أخبرته بأنى من كردفان؛ فقال الرجل بالعربية أنت "كباشى" قلت له أخطأت أنا "حازمى" من قبائل الحوازمة، فرد البروفسر إذن أنت "بقارى"؛ قلت له هذه صحيحة. سألنى هل تحضر إلىّ لتحدثنى عن كردفان والرعى أم أنا أحضر إليك وأحدثك عن ذلك. فقلت له فلتحضر أنت ووعدته بكباية شاى من طراز سودانى فيه النعناء والهبهان فلبى الرجل الدعوة. بدأت بسؤاله متى وكيف عرفت كردفان، فقال الرجل كنت وزيراً للثروة الحيوانية في أقليم كردفان عام 1964 م!! سألته ماهى أهم برامج وزارتكم لتطوير المراعى؟ قال الرجل ليس لدى ميزانية بهذا الخصوص البته، ثم أضاف الرعى في كردفان لا يحتاج إلي تطوير مراعيه، بل يحتاج إلي المحافظة عليها. سألته كيف إذن حافظتم عليها؟ أجاب من أيّ شئ؟ قلت من المهددات التى كنتم ترونها؟ قال البروفسر لا توجد مهددات. قلت في نفسى لم افشل في أستجوابى للرجل، فسألته هل هذا يعنى إنك كنت تأخذ راتبك من حكومتى دون أن تقدم شئ؟ (إتهام مبطن في صيغة سؤال). قال الرجل لا. قلت إذن ماذا قدمت؟ قال البروفسر هناك إمراض كثيرة تعيق الثروه الحيوانية فكان إهتمامى ينصب في توفير عناية بيطرية وتدريب كوادر ووحدات متحركة. سألته عن مستقبل الرعى، قال عدم إستقرار الرعاة وعدم إقامة مشاريع زراعية في مناطقهم؟. صمتُ طويلاً. ثم قلت له شعرت أنك تصفعنى في وجهى. قال لا بل هذه الحقيقة وأنا أحب السودانيين كما أحببت لحم ذنب الضأن الكباشى ( المعروف بأم سعين) ولحم غزلان جبل الداير في جنوب كردفان. قلت إذن ما حكاية عدم إستقرار الرعاة، تريد أن يظل أهلى رعاع حتى ينقرضوا بفعل محاصرة المدن لهم؟ قال الرجل إستقرار الرعاة سوف يؤدي إلي كارثة بيئية كما أن المشاريع الزراعية هى إبادة بطيئة للمراعى والرعاة. ذلك النمط من التعامل مع البقارة هو ذات النمط الذى أنتهجته الحكومات المتعاقبة، الذى يؤكد الأهمال للرعاة قبل بهائمهم.

    سلب إرادة الاقليم بالتحكم في موارده الأقتصادية

    الثروة الحيوانية تعتبر أهم موارد جنوب كردفان الأقتصادية حتى بداية السبعينيات عندما أدخلت مشاريع الزراعية الآلية التى قضت على المراعى الخصبة وحولت إقتصاد المنطقة من الرعى إلي الزراعة الآلية التى يتحكم فيها غرباء وافدين على المنطقة مما يعنى سلب إرادة الاقليم بالتحكم في موارده الأقتصادية وزعزعة بنيته الأقتصادية الأساسية. تزخر المنطقة بثروة حيوانية ضخمة تقدر بحوالى أربعة ملايين رأس من الأبقار تمثل عصب الأقتصاد السوداني. يعتبر القطاع الرعوي من أكبر القطاعات الأقتصادية بعد الزراعة. فى جنوب كردفان تربى الأبقار والضأن والأغنام. ففي الغالب يوجد نوعين من الثروة الحيوانية: البلدي والجبلي. يربى الرعاة من العرب البلدي من البقر، الضأن والماعز وهو أجود وأكثر لحماً ولبناُ من النوع الجبلي الذي يربية النوبة ودائماً ما يكون مستقراً. تعتبر الثروة مصدراً غذائياُ هاماً بالنسبة للحوم والألبان التى تعتبر مصدر غذائي يومي ضمن الوجبة الغذائية التقليدية. أما الإبل فهي تحضر في فترة التجوال في الصيف حيث تضيف لرصيد جنوب كردفان الرعوى الاقتصادي ولكن تقل أهمية الإبل كمصدر غذائى يومي حيث لايستهلك العرب والنوبة لحوم وألبان الجمال. إن تربية الأبقار تظل أهم مورد إقتصادي للمنطقة وبالتالى تطويرها وتحسين نسلها والأستفاده منها بطرق حديثة يظل حداًُ فاصلاً بين تطويرإقتصاد المنطقة أو تخلفه. إن محاولة فك خناق الزراعة الآلية عن الرعاة وفتح المراحيل وتحسين ظروف معيشتهم وتطويرهم تعتبر محاولة لإسترداد إرادة الأقليم السليبة ودرء لعوامل التخلف في المنطقة.
    الحكومات المتعاقبة وأهمال وتدهورومصَّادرة المراعي

    لعل القارئ يتفق أو يختلف مع الرواية السابقة عن بروفسر بومير، لكننى أرى أنه من العبط أن تهتم الحكومة بالعلاج البيطرى دون الأهتمام بالأنسان الرعوى. ذات النمط من التعامل هو الذى ساد كل الحكومات الوطنية وغير الوطنية همها الأول والأخير جمع الضرائب وتحقيق فوائد مادية من الرعاة دون تطويرهم أو تطوير مناطقهم أو المحافظة عليها ومنع تدهورها. إن عرابوا السياسة السودانية يفتوننا بأن تطوير مصادر الرعى هى مسألة تندرج تحت تنمية أقاليم السودان المختلفة التى تعانى نفس المشكلة. فقد رأينا تطوير المراكز الحضرية بفتح الطرق وإنشاء المدارس، ومد خطوط الكهرباء والمياه الصحية وغيرها، فماذا تم بشأن الرعاة الذين يعتبرون ثانى أكبر قطاع منتج بعد الزراعة التى يصروفون علي مدخلات إنتاجها جل مزانية الدولة قبل الحرب الأهلية.
    إن المتتبع لاقتصاديات المنطقة يري ملائمة جنوب كردفان للرعى وأستغلال الرعاة لمراعى المنطقة وأدغالها خير أستغلال. إن دور القبائل العربية دور أساسى في دفع إقتصاديات المنطقة وإن الأهتمام القومي بالأقليم جاء كون المنطقة تعتبر رصيد هام للثروة الحيوانية عصب الاقتصاد السودانى الوطني. أن فشل الحكومات الأقليمية والمركزية وعدم مقدرتها على تطوير هذا القطاع الأقتصادي الهام والأستفاده منه أو الأعتناء به والمحافظة علية أو محاولة منع تدهوره يؤكد الأهمال المزري الذي يلاقيه الرعاة أنفسهم قبل بهائهم. إن إفتتاح المشاريع الزراعية على المراعي وأغلاقها طرق ومسارات ومراحيل الرعاة التقليدية أدي إلي محاصرة الرعاة في بئات هامشية جافة وشحيحة المراعي وقليلة الموارد المائية مما أدى إلي ظهور أمراض جديده وغريبةعلى الرعاة من ثم نفاق حيواناتهم بفعل المرض أو قلة المرعى، أضف إلي ذلك وقوع الرعاة عرضة لإبتزاز أصحاب المشاريع الزراعية الذين يجنون أمولاً طائلة بحجة دخول البهائم أراضيهم الزراعية، علماً أن تلك المشاريع أنشئت في مسارات تقليدية لم يراع فيها الأرث التقليدي للمنطقة والقبائل التى ترعى فيها.
    إن أشكالية الزراعة والرعى أشكالية تأريخية قديمة. كانت فى الماضى حيازات الأراضى فردية على مستوى الأسرة حيث توجد مساحات بينية بين المزرارع تكفي لتغلغل البهائم خلالها، كما أن البهائم بتغذيتها على مخلفات الزراعة ساعد على تكامل الزراعة والرعى وأستغلال البيئة بصورة مثلى. إن نقل تجربة الرعى والزراعة من الأقليم الأوسط بما يشوبها من تجنى على رعاة الجزيرة وأقليم البطانة، تجربة خاطئة، لم يراع فيها إختلاف ظروف و طبيعة الرعى والرعاة فى أقليم كردفان عن رعاة الجزيرة. أصبحت التجربة عن كونها محاولة لتحسين ظروف المنطقة إلي طامة أجتاحت المنطقة محاوله خلق بيئة ثقافية جديدة عن طريق تحويل الرعاة من الرعى بعد نفاق حيواناتهم أوإنسداد سبل الرعى أمامهم إلي مجموعات مستقرة تفتقد المهارة والخبرة لكسب سبل عيشها، مما يعنى تحويلهم من قوة منتجة إلى عبء أقتصادي للمنطقة.
    إن إعادة الرعى على أسس سليمة لايقل أهمية من أيّ مشروع تنموي أقتصادي للمنطقة، بل بعتبر أهمها. كما أن أهمال المنطقة وفرض الأمر الواقع قد يؤدي إلي حروب دامية بين الرعاة وأصحاب المشاريع الزراعية، علماً أن الرعاة يعتبرون قوة مسلحه ومدربه بسبب الحروب الدائرة في المنطقة.

    قصة كومى تؤكد دورالتمرد في ضرب التعايش السلمى في المنطقة

    في حوالى عام 1972 م كنت حينها صبياً صغيراً وفي بداية مراحلى الأبتدائية، وفي نهاية عامى الدراسى رحل بنا العم عثمان، الشقيق الأكبر لوالدى، من منطقتنا كركراية شمال شرق كادقلى إلي إحد جبال النوبة المجارة، يسمى الجبل "حجير على"، على هذا هو والد الاخ كومى، لقضاء فترة الرشاش هناك ورعى بهائمنا في جوار ذلك الجبل. وكان عم عثمان له قصة مع ذلك الجبل، حينما كان في مستقبل حياته الزوجية كانت زوجته كثيرة الهروب من منزل الزوجية إلى ديار والدها، فقرر عمى أن يذهب بها إلى مكان لا تهتدى منه أبداً إلى ديار أبيها، فأختار أن يذهب بها بطريق ملتوى يأخذ قرابة يومين ثم يأتى بها إلى حجير على من الناحية الأخرى وهو لا يبعد كثيراً عن قريتنا. في حجير على أقام عمى كل الخريف وقد أهدى له أهل القرية أراضى زراعية يفلحها وكانت زوجات العم على (والد كومى) يقمنّ بحراستها حينما يذهب عمى إلي الزراعة. وبعد فترة عرفت عمتى أن المكان لا يبعد كثيراً وقررت الهرب. كان عم على يشدد على زوجاته بحراستها وإذا شردت لا ينتظرنه في المنزل (ذلك إنذار خطير). وفى ذات يوم هربت عمتى. وفي المساء كانت زوجات عم على في حالة لا توصف، فقد كال لهن عم على الصاع صاعين وزيادة. وعندما شارفت عمتى قريتنا لقيها إحد أهلنا في القرية يرتع بحصانة، فقال لها أين عثمان، تلعثمت العمة. ركب الرجل حصانة والكرباج على رأس عمتى حتى مكان عم عثمان. وأستقر عم عثمان هناك حتى رزق بأبنه الأكبر ثم عاد. وفي تلك السنة التى رحل بنا عم عثمان كان كومى صغيراً في سنى، وقد أحضره عم على لكى يرعى الغنم لعم عثمان مقابل عجلة للسنة. كان كومى نحيل الجسم يحب المصارعة (تمسى الصراع في جنوب كردفان). وفي اليوم الأول لكومى مع الأغنام بدأ كومى يتحدانى في الصراع، كنت أخذه كالقشة وأقذف به بعيداً وفي كل مرة ينهض كومى واقفاً لمصارعة أخرى، حتى تشنجت أعصابى فرفعته من فوق رأسى ثم وقعت عليه بجسمى الممتلئ، شحق كومى شحقة ظننته قد مات، جاء أدم إبن عم عثمان يهرول يريد أن يضربنى. كل أبناء النوبة الذين يحضرون لرعى البهائم لا تتناسب أوزانهم مع سنهم، فهم خفيفى الوزن لدرجة ملحوظة مقارنة بضخامة أجسام أبناء العرب في سنهم. ظللنا أنا وكومى نرعى الأغنام ثم تم ترقينا إلي رعى الأبقار حتى صرنا شباباً. وفي عام 1980 م شاءت الاقدار أن نأتى أنا وكومى نقودوا فرقان الرعاة إلي حجير على. وصلت ظعينة كومى عند الغروب وتأخرت ظعينتى. وحينما حضرت إلي القرود الذى يقع جنوب حجير على وتحت جنح الليل كنا نسمع صوت كومى وهو يتغنى. وحينما سمع صوت حركت ظعينتنا نادانى قائلا "يا أم جلبه" من كلمة الجلابة، وكنت أنادية البودا (عشبة ضارة تنبت في المشاريع الزراعية). فقال لى "والدتى تنتظرنا" فقلت لأخى بلل والراعى عمر هيا بنا فأنها وليمة عظيمة وكانت كذلك. بعد نهاية الوليمة رجع صغار الرواعية وظللت أنا وكومى في الحفل الذى أقيم بمناسبة قدومنا حتى شارف الصباح. وظللنا مع كومى إخوة لا ننقطع إلا عندما نذهب إلي المدرسة. وعندما نرحل إلى القوز في شمال كردفان كنا نقيم الصراع مع أولاد البديرية وفي طريق رحلتنا نرقص ونحتفل مع كل القبائل التى نمروا بديارها. هكذا تربى معنا كومى حتى زواجه وصار رجلاً لا مثيل له في الكرم والشهامة وبهاء الطلعة التى حباه الله بها وحسن العريكة. عندما قام التمرد إنحاز كومى إلي جانب التمرد وقاد رجاله ليلحق بظعينة حماد حريبات (من قبائل الحوازمة التى تربى معها كومى) شمال منظقة أم حيطان. دارت بين الفارسين ورجالهم معركة حامية الوطيس أغتيل فيها حماد حريبات (تعرفه كل قبائل الحوازمة شرق كادقلى) ثم دارت الدائرة وأغتيل كومى على وهرب رجاله. وعندما سمعت قريتنا بمقتل كومى ذهبوا لتقديم العزاء فوجدوا أن سكان حجير على هجروا المكان. وبسبب المجزرة التى وقعت في قرية البخس (تحدثت عنها في المقال السابق) هجرت قرى الفنقلو والدروت المنطقة، وبسبب مجزرة أبو سفيفة هجرت القبائل من منطقة الدبيبات (قرية من قرى القبائل العربية) وقرية حرامى (من قرى النوبة) وهجرت قرية أم سنينة، وقرية القفيل وغيرها من آلاف القرى في جنوب كردفان.
    ضرب أواصر التعايش أدى إلي وجود الثأر القبلى

    هناك مئات الحالات المشابهه لهذه القصة التى أوردتها في الفقرة السابقة التى تؤكد مدى الترابط بين القبائل التى تسكن المنطقة، وتؤكد أيضاً ما آل عليه التمرد في فك وتخريب الروابط بين القبائل التى تقطن المنطقة. وإن مثل هذه الجرائم النكراء التى أرتكبت في حق أبرياء كحماد حريبات ورجاله لا تنساها القبائل العربية في المنطقة؛ حادثة مقتل أبوبكر المدير النور ورفاقه، حادثة مقتل موسى حسين، حادثة مقتل الحجاج الخمسة (أولاد سردار)، حادثة مقتل أدم المامون الشفيع وغيرهم منحوته في ذاكرة الجميع. إن السلام الذى ترحب به هذه القبائل نراه محفوفاً بالمخاطر مالم يتداركه أولوا الأمر. إن لهذه القبائل تراث لا يمكن تجاوزه وأن ما تم بشأنها لا يمكن معالجته إلا من خلالها وبواستطها وليس بالوكالة عنها أو تجاهلها.
    التمرد في جنوب كردفان وإغتصاب ماشية القبائل العربية

    أن من سخافة الأقدار أن أبناء النوبة الذين يقاتلون من أجل تنمية جنوب كردفان، هم أنفسهم يقومون بهدم المقومات الأقتصادية للمنطقة المتمثلة في الرعى، حيث يتم إختطاف المواشى ونهبها من الرعاة والتغذي عليها، أو تهريبها عبر جنوب السودان وتسويقها فى الأسواق الأفريقية المجاورة للجنوب. أن هذا النهب والتخريب لم يتم أعتباطاً من قبل مجموعات النوبة المقاتلة، إنما يندرج تحت مخطط ضرب القبائل العربية التى تسكن المنطقة وهدم مقوماتها الأقتصادية ومحو أثارها الثقافية وتقتيل فئاتها المتعلمة وإبادة شريحة التجار العرب فى المنطقة. أن النوبة في جنوب كردفان يعلمون قبل غيرهم دور القبائل الرعوية في تحسين الظروف الأقتصادية المعيشية والغذائية للمنطقة بأدخال منتجات الألبان ضمن الوجبة الغذائية للنوبة عن طريق تبادل المحاصيل الزراعية بمنتجات الألبان مع القبائل الرعوية. أن دور القبائل العربية في تنشأة أجيال من أبناء النوبة بأستخدامهم في الرعى زاد من وعى النوبة الثقافى والأجتماعى وأنفتاحهم على محيط المدن والأقاليم المجارورة كشمال كردفان، التى يعتبر الوصول إليها سيراً على الأقدام من الأمور المستحيلة عند النوبة في الماضى. أن أستخدام أبناء النوبة في الرعى للأعراب أدي إلى أمتلاك النوبة للماشية وأن تحسن ظروف النوبة المعيشية لم يتم حقيقةً إلا بعدما تحول الجيل الذي أمتلك الماشية بواسطة الرعى إلى رعاة أنفسهم.
    أن الدور الثقافي والأجتماعى للقبائل العربية لاينحصر في تحسين الظروف الأقتصادية المعيشية للمنطقة فحسب، بل يتعداه إلي خلق نسيج إجتماعى متجانس لغوياً (اللغة العربية القاسم المشترك للمنطقة) ودينياً ( %75 من النوبة مسلمون). أضف إلي ذلك دور القبائل العربية في دفع عجلة تقارب ثقافات القبائل بعوامل الزواج، المصاهرة، وحسن الجوار الذي دام أكثر من مئتى عام.
    إن نهب ثروة القبائل العربية عمل إجرامي قذر يستهدف تبديد مصادر إقتصاد جنوب كردفان خاصة والسودان عامة، وضرب وقطع أواصر التعايش السلمى بين القبائل. إن الشجاعة والفروسية المتأصلة فى القبائل العربية والمعرفة التامة بطبيعة وأحوال المنطقة وقبائلها ساعد الرعاة في تتبع الجناة ومعرفة هوياتهم وقبائلهم في أغلب الأحيان، مما يعني أن السلام القادم في المنطقة سلام مشروط بأسترجاع ثرواتهم المنهوبة ومعاقبة الجناة. إن الذين يشعلون جهيم الحرب في المنطقة إنما يقاتلون قتال أجوف ليس فيه أجندة وطنية تخدم مصلحة جنوب كردفان بل تدمره كوطن وتلهب نار الفتنة بين أبناءه وتعججها وأن عودة هؤلاء من أرض المعركة تكون عودة من القتال الأصغر إلي القتال الأكبر: محاربة الأمية، الجهل، التخلف، وفوق كل ذلك معالجة الثأر القبلي وأسترداد الثروات المنهوبة.

    فك الحناق عن الرعاة

    فك الخناق عن الرعاة يتطلب إزالة المشاريع الزراعية من المراحيل ومراكز المياة والمنازل. فك هذا الحصار ليس أمراً سهلاً أولاً إن المخططين الزراعيين أبناء مدن، ثقافتهم ثقافة مدن وينظرون إلي الرعاة نظرة دونية بأنهم أناس متخلفون ولزم تحضيرهم بتحويلهم إلي سكان مدن أو تجاهلهم. ثانياً أن أصحاب المشاريع قطاع رأسمالى غنى يمتلك المال والكلمة والوساطة لتقديم أجندته بأنشاء مزيد من المشاريع.
    وهذه النقاط تنطوى على الأتى:
    أولاً: تحويل الرعاة بين يوم وليلة بسحب البساط من تحت أقدامهم وتحويلهم إلي مزارعين لا تسنده النظريات الأنثروبولوجية التى تقول من الصعب تحويل نمط سلوك الفرد في فترة زمنية وجيزة والأمثل هو تعليم الصغار وتحويلهم تدريجياُ.
    ثانياً زيادة المشاريع الزراعية أدى إلي تدهور البيئة بازالة أشجارها، وتهجير حيواناتها، أضف إلي ذلك تناقص الأنتاج نتيجة لتدهور خصوبة التربة وعدم وجود الأسمدة مما جعل المشاريع الزراعية تتبع نظام الزراعة المتنقلة مما يعنى إبادة بئات جديدة ومحاصرة قرى آمنة وتهجيرها وطرد الرعاة من مراعيهم.

    ما الحل
    أولاً:
    يحتاج الرعاة إلي دائرة نصف قطرها 20-30 كيلومترات في مناطق إستقرارهم خالية من المشاريع الزراعية. ففي داخل هذه الدائرة يمكن للقرى أن تمارس زراعتها المتنقلة وحيازاتها الأسرية كما كانت قبل إنشاء المشاريع الزراعية وبالتالى يمكننا إعادة حياة الريف إلي عهدها السابق حتى يتم تطويرها تدريجياً. كما يحتاج الرعاة من القبائل العربية والنوبة إلي مراحيل عرضها 1-2 كيلومترات. تبتعد المراحيل عن بعضها البعض مسافة أقلها مسيرة 2-3 ساعات على الأقدام وبالتالى وجود هذه المسافات الشجرية سوف يخدم كمصدات للرياح، يوفر حطب الوقود لأصحاب المشاريع الزراعية والقرى، يحمى الحيوانات البرية ويحافظ على النظام البيئ والدورة المائية للامطار. وهذا الأقتراح سوف يقتطع أقل من 25 % من الأراضى الزراعية وهى أقل من النسبة الشجرية التى يجب توفرها في أيّ مشروع زراعى على حسب متطلبات وزراة الزراعة لحماية البيئة.
    ثانياً:
    معالجة الثأر القبلى بين القبائل والتى سوف يرى الجميع أنه واحد من أهم أسس السلام في المنطقة بالأضافة إلي معالجة مسألة الأموال والثروات المنهوبة. فقد عرفت الحكومة والتمرد دور وأهمية السلام على مستوى الريف. فقد عقد القائد يوسف كوه مكى عدة لقاءات وأبرم أتفاقيات مع بعض القبائل العربية، كما أن الحكومة أدخلت فكرة حلف الكتاب والتآخى بين القبائل، كل ذلك كان بحثاً عن الوئام المفقود. إن معرفتنا التامة وقراءتنا المتأنية لتراث هذه القبائل تؤكدان أن المنطقة قادمة على أشكالات أمنية حقيقةعلى مستوى الريف لا يمكن التحكم فيها من قبل السلطات المتمركزة في المناطق الحضرية، بل يجب علاجها علي مستوى نظار، عمد ومشايخ هذه القبائل وقياداتها في المنطقة. يعلم الجميع أن القتل قد طال كل أسرة سودانية وأن هناك 2.5 مليون نسمة أزحقت أرواحهم وأغلبهم من الأبرياء أمثال أهلنا في جنوب كردفان، وأن معالجعة هذا الجرح يحتاج إلي عمل قومى ومحلى وشعبى، ولكن هناك مناطق ماذالت تأن تحت ألم هذه الجراح التى تراها إنها عملاً إجرامياً عمداً كان مقصود لذاته مما جعلها تتمسك بحقوقها في محاسبة الجناة ومعالجة جُرحها وإسترداد ثرواتها. ومن القضايا التى نراها ذات أهمية قصوى هى إحتفاظ القبائل بأسلحتها حتى تتم مسألة معالجة قضية السلام على مستوى الريف وإعادة النازحين إلي قراهم والصبر على ذلك السلاح حتى نري بوادر الوئام والأنسجام والطمأنينة التى فقدها إنسان جنوب كردفان تعد من جيد وتدب الحياة في أوصال الريف وفي ذلك الوقت يبقى لك حال مقام وإن المقام الأن ليس مقام نزع السلاح أو التحدث عنه وأن الحال ليس حال سلام ومازالت تطالعنا صحف الأنترنت بأن الحركة الشعبية في جنوب كردفان ريفى سلارا تعتقل الأساتذة والتجار وهو ذات المخطط الذى تحدثنا عنه والذى يندرج تحت مخطط ضرب القبائل العربية التى تسكن المنطقة وهدم مقوماتها الأقتصادية ومحو أثارها الثقافية وتقتيل فئاتها المتعلمة وإبادة شريحة التجار العرب فى المنطقة.

    وسوف أناقش هذه البنود تحت المستقبل السياسى للاقليم وسحب أسلحة القبائل وعدمة على ضوء ما تقوم به لجنة السلام التى تختص بشؤن الأرض وتقديم حلول ترضى طموحات القبائل العربية.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de