:: منذ العام 2010، لم يعد تقرير المراجع العام يذكر كل الحقيقة لنواب البرلمان والرأي العام.. قبل ذاك العام، كان التقرير واضحاً في ذكر الحقائق، ولكن فجأة غيَر المراجع العام شكل التقرير بحيث يبدو غامضاً.. والأسبوع الفائت لم يًخيب ديوان المراجع العام الظن..إذ قدم تقريره السنوي مغلفاً ب(فقه السترة)، كما كل عام منذ تقرير العام 2010 .. وما يجب أن ينتهجه ديوان المراجع هو الشفافية في عرض وإستعراض تقارير آداء أجهزة الدولة عند نهاية كل عام، وليس المراوغة بالأرقام ..وتقرير هذا العام (ماكر)، ومراد به تغطية قرص العبث بالغربال..!! :: وعلى سبيل المثال، لم يذكر التقرير- لاتصريحاً ولاتلميحاً- حجم الكلي المال المعتدى عليه .. بل راوغ عقول النواب والرأي العام بتلوين هذا الحجم بنص فحواه :( بلغت جملة الاعتداءات على المال العام غير المستردة 4,6 مليون جنيه)، وللأسف، هذا النص - في مقام كما مقام البرلمان - خدعة بصرية وعقلية، ومراد بها تقليل حجم المال المعتدى عليه ..فالتعريف القانوني - وكذلك الأخلاقي - للمال العام المعتدي عليه ليس هو فقط المال غير المسترد، بل المال المسترد أيضاً..!! :: نعم، حاصل جمع المسترد وغير المسترد هو حجم المبلغ المعتدى عليه، وهكذا تتلقى البرلمانات المعلومة في الدول التي أجهزتها الرقابية لا تتوجس من ذكر الحجم الكلي للمال المعتدي عليه، ولا تنتهج نهج ( فقه السترة)..إن كان الحجم الكلي للمبلغ قليلا، يطمئن البرلمان والرأي العام على سلامة لأجهزة التنفيذية وسلامة الإجراءات المالية والمحاسبية، وإن لم يكن الحجم قليلا تعالج البرلمانات وبقية الأجهزة الرقابية تلك الأجهزة بالعقاب، وكذلك تعالج الاجراءات المالية والمحاسبية بالتصحيح، أوهكذا القصد - في الدول ذات الأنظمة الراشدة- من إعلان (الحجم الكلي للمال المعتدى عليه)..!! :: ولكن هنا، حيث موطن ثقافة (أم غًمتي)، تقرير مراجعنا العام - بذكاء غير خارق - يغض الطرف عن ذكر حجم المال المسترد، ويكتفى بذكر حجم المال غير المسترد.. ويفعل ذلك لتضليل الرأي العام بخبر هزيل من شاكلة ( المال المعتدى عليه بسيط خالص، 4,6 مليون جنيه)..فالشفافية لاتعني نصف الحقيقة، أو كما يفعل نهج المراجع العام.. وما يجب أن يؤمن به ديوان المراجع هو ان الشفافية في عرض وإستعراض تقارير آداء أجهزة الدولة هي البداية السليمة للإصلاح .. ولو كان بالبرلمان برلمانيا حصيفا، لإقترح برفض التقرير وإحالته إلى اللجنة المختصة، ولكنهم طيبون..!! :: ثم تحدث التقرير عن مائة شركة حكومية لا توجد ايراداتها في (الموازنة العامة)، وان الشركات المدرجة في الموازنة العامة فقط (20 شركة ) من جملة (120 شركة).. تلك حقيقة مؤلمة، ولكن لا يفصح التقرير العام - أي ما يتم عرضه للبرلمان والرأي العام - عن أسماء هذه الشركات التي لاترد إيراداتها في الميزانية العامة .. ولاعن أسماء الوحدات الحكومية التي تتهربت من المراجعة بالتلكؤ والرفض ..تهرب عام واحد عن المراجعة كان يجب أن يرغم ديوان المراجع على فضح أسماء وأنشطة الشركات والوحدات المتهربة، ولكن يًعد التقرير ويًقدم - لنواب البرلمان والرأي العام - بنهج (مشطوها بي قملها).. ولذلك، يتهرب المتهربون ويعتدي المعتدون..!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة