يقع سؤال "تجمع المهنيين من أنتم؟" الذي ثار في الإعلام الحكومي وشبه الحكومي وبين بعض المعارضين أنفسهم في سياق سقطات مهنية تعتري إعلامنا. كان أول احتجاج لي عليها في نحو 1977 حين جرع الإعلام ظاهرة البلابل أسئلة قاتلة قلت إنها اغتالتها. وكتبت في مقال لي عنوانه "ظاهرة البلابل: لأن التراب في الحنجرة" أقول:
"ويتحمل مخبرو الصفحات الفنية ومنظمو المقابلات الإذاعية القسط الأكبر في ذلك الوزر. فقد تولوا نيابة عنا تطويق الظاهرة بعدد من الأسئلة المغلوطة والاستنتاجات السخيفة. وبفضلها تحولت ظاهرة البلابل إلى الدفاع. وكان لابد أن تُمنى بالخسران لأنها (كظاهرة) مما يكسب بالهجوم". وجئت بشيء من هذه الأسئلة لأنقضها. وهي:
1-ستنتهي البلابل إلى التكرار متى اعتمدن على ملحن واحد هو بشير عباس.
2-ما الذي يبقى من الأخوات البلابل متى تزوجت واحدة أو أخرى؟
3-إنهن طليعة بنات الأسر في الغناء بما يطعن فيمن سبقنهن.
ووجدت نفسي أحتج على الأسئلة غير المهنية في مناسبة سؤال الإعلاميين للشيوعي أو الشيوعي السابق عن صلاته كما حصل للمرحوم محمد إبراهيم نقد وأمين حسن عمر. ووددت لو أن نقد صرف السؤال كتطفل على علاقته بربه من سنخ ما يجري في محاكم التفتيش المسيحية. وعَرض لي السؤال مرة في لقاء تلفزيوني فصرفته كسؤال غير مستحق الرد عليه. فلم آت للسياسة من باب الدين حتى تكون شعائره الحكم على حسن سياستي. ونسيت أن اضيف أن السؤال زبط على من جاءوا للسياسة من بوابة الدين. وذكرت ذلك مرة للدكتور على الحاج حين انكشف حال "قصره العشوائي" في الصحف في 1988. فقت له لو لم تكن أخاً مسلماً لما حاسبناك ببينةمن الدين. وسيطرأ على سؤال الصلاة تحرير في هذه الحالة ليقرأ: لماذا تصلي صلاة لا تنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، ولا يسلم المسلمون بها من حرمجيتك الفاقعة وأذاك؟"
أما سوء مهنية سؤال "تجمع المهنيين: من أنتم؟" فماثلة في أنه يُلقى به في باب الاحتجاج لا الرغبة في المعرفة. والاحتجاج ليس من شيم الصحفي الذي عدته التحري. فمتى نشأ مثل هذا السؤال في خاطر الإعلامي استل أدوات التحري، عدة الشغل، حتى يبلغ مقصوده. وكان باب التحري في هوية "تجمع المهنيين: من أنتم" متاحاً. فأحد زعمائه الأبكار الدكتور محمد ناجي الأصم في أسر السلطة منذ بدء الثورة. طولة أشفقتنا جميعاً عليه بالنظر لغل الحكومة عليه. فلم يسمع عنه أحد منذ اعتقاله وبدا كرهينة حتى يسفر التجمع عن نفسه. وخشينا على سلامته من فرط غبن الحكومة على التجمع "الغامض" وتحسبنا أن تفش ذلك فيه. فقد رأينا انفراط جأش الدولة وصعلكتها حتى مع أطفال المدراس ناهيك عن زعيم في مقام الأصم. لم يشفع السائلون عن هوية التجمع سؤالهم بالالتماس من الحكومة إطلاق سراح الأصم فيأمن ويدير معه حواراً حول التجمع بما في ذلك "من أنتم". وأنا على ثقة أنه لن يردهم خائبين على بينة كلماته الواعية النيرات التي ظل ينشرها لسنوات. وآمل أن تكف الوسائط عن هذا السؤال طالما لم تتصالح بعد مع فكرة إطلاق سراح الأصم، والدعوة لإخلاء سبيله، لتجلس إليه باستحقاق وتسأله عما بدا لها. أما السؤال عن تجمع المهنيين في وجود من بوسعه الإجابة عليه متى انحل قيده . . . فما لحنان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة