كان (يُدير) شقاوتنا بحِنكة إداري مقتدر.. *شقاوة الصِغر.. ونحن نقضي معه إحدى إجازات مدارسنا السنوية.. *ومن ضروب فنونه الإدارية إغراءنا بسمك البلديَّة.. *فكافتيريا بلديَّة عطبرة كانت مشهورة ــ وقتذاك ــ بأشهى أنواع السمك الفِرَايْد.. *ومن أجله كنا نضحِّي بالشقاوة.. والحوامة.. والسينما.. *ولعله ورِث هذه الحنكة الإدارية من والده قبل دراسته لها بجامعة الخرطوم.. *وقبل صقلها بالموهبة.. والمعرفة.. والتجريب.. *فقد كان والده ــ سلمان نصر ــ (شيخ) منطقة الخندَّق.. وشيخ شيوخها الأكابر.. *وعلى خُطاه سار ابنه عبد الرحمن حتى غدا (نجماً) إداريَّاً.. *فهو أحد نجوم العهد المايوي ــ والبلاد ــ في مجال السلكين؛ الإداري والدبلوماسي.. *سواء محافظاً للبحر الأحمر وجنوب دارفور.. أم سفيراً بالقاهرة.. *كما كان مشرفاً إداريَّاً لمنطقة أبيي في مهمة (تخطيطية).. *وقبل ذلك ــ وبعده ــ كان عضواً باللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي.. *ورغم كل نجاحاته ــ حيثما وضِع ــ لم يكن مُحِبَّاً للأضواء.. *ما كان يتكلم كثيراً.. ولا يظهر كثيراً.. ولا يتعامل مع الإعلام كثيراً.. *ولكنه (يعمل) كثيراً.. وفي صمتٍ يحفه التواضع.. *وكان مثل غيره من رموز ذلكم العهد؛ عفيف القلب.. واليد.. واللسان.. *وهذه شهادة حق نقولها في حقه ــ وحقهم ــ رغم كرهنا لمايو.. *أو بالأصح؛ رغم موقفنا المبدئي الكاره لكل نظام لم يأتِ عبر صناديق الاقتراع.. *فما من أحد منهم حامت حوله شبهات (الثراء الحرام).. *وكل مال يُوضَع بين أيديهم لمهمةٍ ما يُصرف فيها ــ وعليها ــ إلى آخر مليم.. *أو يُعاد ما تبقَّى منه إلى خزائن الدولة.. بالمليم.. *والمال الذي وضِع تحت تصرفه لمهمة أبيي لم يزغ منه جنيه (جاي وللا جاي).. *وبلغ من شِدَّة (ضبطه) أن انتزع من نميري إعجاباً.. وشهادة.. *آخر مرة عاودته فيها ــ وهو على سرير المرض ــ كان كعادته صامتاً.. وأكثر.. *و(أكثر) هذه إلى حد أن قِيل لي إنه لا يتكلَّم (خالص).. *فكان ردي ــ الذي أعقبته بتحدٍّ ــ إنه صمت المُتأمِّل.. لا صمت المُتألِّم.. *وتمثل التحدي في سؤال بالنوبية: (أترطن) أنت؟.. *فأجاب من فوره بنوبية تتكسر كأمواج على ضفاف المرض (نعم أرطن بالأنداندي).. *ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة تجاوبت معها ضحكات الحاضرين.. *ولكن؛ الضاحكون أولئك ترتسم على وجوههم إمارات الحزن الآن.. *فقد غيَّب الموت أحد أفذاذ (فن) الإدارة في السودان.. *ولحظة خروج النعش تصيح أرملته (نبوية) صيحة توقَّفت عندها ــ ومعها ــ كثيراً.. *توقَّفت وقفة المُتأمِّل ــ مع الصمت ــ كما كان يفعل زوجها.. *صاحت ابنة خالي العمدة حسن محمود (يعني خلاص خروج بلا عودة؟!). *فالذي خرج بلا عودة كثير.. كثير!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة