أبناء جيلي من الذين بلغوا الخمسين عاماً أو أولئك الوالجون إلى عالم الستينات ، أطالبهم وعلى ما تشابكت في أذهانهم من مشاغل الحياة بتفاصيلها المختلفة ومنغِّصاتها التي لا تنقطع ، أن يضعوا أنفسهم تحت دائرة النقد الذاتي النزيه ، وأن (يسلِّموا) أنفسهم طواعيةً إلى محاكم عدالة التاريخ حول ما يمكن أن نعتبرهُ (جُرماً) في حق هذا الوطن وفي حق أجيالٍ قادمة أو بالأحرى ماثلة الآن في حياتنا ، بل وتجاوزت بمثولها مراحلها العمرية وما يتناسب مع طبيعة صباها الباكر لتقف أمامنا على أبواب المبادرة والثورة والدفاع عن الحق المطلق وتحوزُ بكل جدارة على (حِكمة القيادة) ، ونحن ما زلنا نراقب صامتين ، أو نتفرَّج في إندهاشٍ وإستغراب وكأننا (إستحلينا) مرارة القعود واليأس وقلة الحيلة ، نحن جيل النكبة السياسية من الذين عرفنا التاريخ ولم تُحجب عنا تفاصيله وإضاءاته الزاهية ، ثم ذُقنا طعم الحرية في أكتوبر وأبريل وتدَّربنا على الفعل الديموقراطي وجنينا بعض ثماره وإن لم تنضج لتصبح يانعة ، لكن يكفينا إن رأيناها بأم أعيننا وإستنشقنا عطرها نزاهةً وإبداعاً وقيَّماً خالدة أقل ما إحتوت من نفائس كانت مؤسسية الدولة والمساواة وإستقلال القضاء وحرية الصحافة وقومية الإعلام الرسمي ، نحن جيلٌ (سلَّمنا الجَمل بما حمَل) ولم نقاوم قيد أنمله عندما جاءت الإنقاذ في جُنح ليلٍ بهيم لتبيد أحلامنا وآمال الوطن وتهدم ما تم بنائه من منهج ديموقراطي وعلى عِلاّته على شفير السيوف وإزهاق الأرواح وتكبيل الأفواه لستة عشر عاما هي عمر النظام المايوي البغيض ، وليت إستسلامنا كجيل وقعودنا عن المقاومة طيلة الثلاثين عاماً الماضية كان إستسلاماً سلبياً يستهدف مجرد الصمت والحياد ، بل إنجرفنا إلا من رحم ربي في التجاوب مع مستهدفات حملة التقتير والإفقار والتشريد التي مارسها النظام الحالي ضد الدولة ممثلةً في مؤسساتها ومشاريعها الوطنية والقومية وضد كفاءاتها الوطنية التي أنبنت فيما بعد أعمدة التنمية في بلدانٍ كثيرة على مجهوداتها وسواعدها النزيهة ، ثم تركنا الساحة العامة للفعل السياسي والإقتصادي والمهني والثقافي والفكري والإعلامي حكراً مكتسباً لا يقبل النزاع ولا النقاش لأصحاب المرامي المسمومة والمُعبأة في أبهى و أفخر المواعين الخادعة ، لم نتوانى عن ترك الحبل على القارب فيما يتعلَّق بمصير أبناءنا من هذا الجيل الذي لولا عناية الله ولطفه لوقع بكل يُسرٍ فريسةً لآفة التطرف الفكري والثقافي من جهة وآفة الإستلاب الحضاري الخارجي من جهة أخرى ، وجب علينا ن نعترف بأننا جيل النكبة الذي لم يتوانى عن التجاوب مع أجراس الحق التي أعلت رنين الباطل ونحن على علمٍ بذلك و لكن آثرنا السلامة وإعتبرنا أن الحياة (مكاسب) و(إنجازات) فردية ، لذا كان من الطبيعي أن (يُنشل) الوطن من جيوبنا على حين غُره ، ذلك لأن الوطن بكل بساطة (مكسب جماعي) وتتعارض مصالحة دائماً مع فكر الجنوح المتطرف والجارف تجاه الذاتية والأنا .
Quote: سلَّمنا الجَمل بما حمَل..... بأننا جيل النكبة الذي لم يتوانى عن التجاوب مع أجراس الحق التي أعلت رنين الباطل ونحن على علمٍ بذلك و لكن آثرنا السلامة وإعتبرنا أن الحياة (مكاسب) و(إنجازات) فردية
شكرا استاذ هيثم ولك من الإحترام ما تستحقه.. دعني اختلف معك قليلا حول هذه العبارة. انا من الجيل الذي ذكرت.. لا يا استاذ / هيثم نحن لم نسلم الجمل بما حمل انما اهدينا الى الوطن العزيز (السودان) هذه الكوكبة من الشباب من الجنسين، والتي اثارت دهشتك ودهشتنا ودهشة العالم اجمع، هذا الجيل الذي تراه يقاتل من اجل وطن حر يسع الجميع ويبسط قيم السلام والعدالة الإجتماعية، ما كان له ان يكون لو لا نا نحن الذين ذقنا طعم الديكتاتوريات المر، وتذوقنا حلاوةالديمقراطية لهنيهات، فهم ابناؤنا الذين ربيناهم عى هذه القيم، حين سكبنا لهم عصارة تجاربنا في سلوك ديمقراطي راقي، انني اكاد اجزم انه حتي اولئك الذين يمارسون الأقصاء حاليا لا يستطيعون ممارسته داخل اسوار بيوتهم، لماذا؟ لأن قيمة الديمقراطية والحرية اصبحت عندنا وعندهك ضرورة من ضروريات التربية الأسرية المنزلية: 1-من منا لا يقدر زوجته وحقوقها كزوجة؟ 2- من منا لا يستمع لصصغيرته او صغيره بكل رحابة صدر؟ 3- من منا يستطيع أن يفرض رأية وسلوكه على اسرته الصغيرة؟ لا يأخي الكريم، نحن جيل وسيط نقل هذه القيم الى هذا الجيل العظيم، فكان ولو لا جيلنا ما كانوا... لذا يمكنك تسمية جيلنا جيل حمل مسئولية العبور الى الكرامة والعزة، فالشهداء هم فلذات اكبادنا التي تعلمت منا.. خمسون عاما أو تزيد كفيلة بفعل الأفاعيل في القدرات البدنية لجيلي، يكفي فيها قول ابو الانبياء( رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾(مريم: 4) فرفقا بنا ودعنا نرى صغارنا يقطفون ثمار غرسنا. ولك في الأخير كل الحب والتقدير جمال المنصوري
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة