في مقالي السابق (النوبة الجدد: وأختلافهم الثقافي) كتبت عن قبائل الكرنقو والمساكين .. كتبت عن أختلافهم الثقافي عن بقية النوبة في نسب الأبناء إلي الأم وليس الأب .. كما ذكرت أنهم يعتزون بأجسادهم العارية بدل الزي .. كما أنهم يشتهرون بلعنة المرأة بسبب الحيض حيث تصير المرأة نجسة متى ما بلغت سن البلوغ .. ما أسميته ب "النجاسة العمرية" التى لا توجد عند أي مجموعة أخري من مجموعات النوبة. مقالاتى هذه هى بمثابة فتح بصيرة لأبناء النوبة ليعرفوا أن ما يحاك ضدهم بواسطة النوبة الجدد هو في حقيقته أنقلاب حقيقي يحمل سمات ثقافية مختلفة ودوافع مختلفة .. والمقالات هى محاولة للتلاقح الثقافي ودعوة إلي الدارسين في مجالات الأنثروبولجي والأثنوغرافي وغيرها لزيارة تلك المناطق المهمشة ونبش المزيد من الثقافات المتفرّدة التى تزخر بها الجبال، وفوق ذلك نرنوا إلي أن نعرف الأخر ونعرّف أنفسنا بما تزخر به بلادنا ولكي نحترم بعضنا رغم أختلافاتنا الثقافية. في هذا المقال أتحدث في كلمات عن قبائل الأطورو (أتورو) والهيبان من قبائل النوبة الجدد وأختلافهم الثقافي عن بقية النوبة .. وسوف أتحدث عن "لعنة الجذام"، زواج المحارم، والحب المشروع بعد الزواج. قلت أن النوبة الجدد هم مجموعتين لغويتين من أصل إحدي عشرة مجموعة لغوية تكون عموم الشعب النوباوي .. 1. مجموعة الكواليب: وهي أكبر المجموعات وتضم الكواليب ومورو وهيبان واتورو وتيرا وليرا وام حيطان والهدرة وكاو ونارو وفنقر والشوايا. 2. مجموعة تلودي والمساكين وتضم قبائل تلودي والمساكين واجرون وكلولو وقبائل طجة وغيرها. أضف أن هناك قبيلة أخري من مجموعة كادقلي فى مجموعة النوبة الجدد وهى قبيلة كرنقو بكل فروعها .. من أعقد الأنظمة الأجتماعية في كل قبائل الجبال وربما علي مستوي السودان هى التي توجد بين قبائل الأطورو والهيبان. رغم أن القبائل السودانية تتبع أنماط ثقافية محددة بين فروع القبائل أو خشوم البيوت داخل القبائل مثلاً الزواج بين أبناء العمومة في داخل خشم البيت أو الفرع (ناس فلان زوجته أخته بت عم أبوه)، فإن قبائل الأطورو والهيبات يلغون كل هذه الأدبيات وينتهجون أنماط أخري، مثلاً أن خشم البيت clan الذي يعتبر أصغر وحدة فى القبيلة، في الحقيقة لا صلة له من قريب أو بعيد ببقية ثقافات القبيلة، فإن هذا الفرع الصغير يؤسس لثقافة قائمة بذاتها ويلتزم فقط بالعموميات في نظام القبيلة مثلاً ممكن لفرع المعين أن يتبع النظام الأبوي في نسب الأبناء وأخر يتبع النظام الأموي وثالث يتبع الأثنين معاً وأخر يقر بحق المرأة وثالث يجعل المرأة من حقوق الرجل وأخر يقر بالمهر وأخر يقر بالمهر مقابل عدد الأبناء أي لو الرجل يريد عشرة أبناء ولم تنجب المرأة عشرة فعليها إرجاع جزء من المهر مقابل ما لم تنجب وإذا تطلقت المرأة ولم تكمل عدد الأبناء الذين يجب أن تنجبهم مقابل المهر فعليها أرجاع المهر المقابل. وفي حقيقة الأمر ليس هناك أحد يعرف أنظمتهم الأجتماعية إلا هم، لأن ليس هناك ثوابت حتى تستطع أن تقف عليها وتبنى عليها إلا في حالات قليلة، من تلك الحالات هى "لعنة الجذام" التى تأتى بممارسة الجنس خارج إطار الزوجية، فالأطوراوي أو الهيبانى لو زنا عليه الأعتراف بالزنا وإلا سوف يصيبه الجذام حسب التابو الأجتماعي، كما أن لو ظهر الجذام في أسرة فإن ذلك دليل علي "لعنة الجذام" بسبب الزنا. ورغم هذا التابو الصارم في محاربة الزنا، لكن الزنا مشروع لديهم أجتماعياً، فالواحد يزني ثم يأتى ليعترف ليزيل عنه اللعنة مما جعل المكاشفات الجنسية أشبه بالمسلسل الترفيهي لهم. ولعل من أجمل الأشياء الثقافية ولكن لا تفرحون بها، هى صرامة منع التزواج بين الأقارب في كثير من فروع هذه القبائل، فإن زواج الأقارب أمثال زواج بنت العم أو بنت الخال شبه محرم قطيعاً. ومع هذا التحريم الجميل الذي يستلهم الحديث الشريف "أغتربوا ضووا" أي أبتعدوا في الزواج تصحوا بمعنى تنجبون أبناء أصحاء، مع ذلك تجدهم يقلبون هذا النظام الجميل رأساً علي عقب في حال وفاة الزوج، ففي هذه الحالة يحل للمرأة الزواج من أبن أختها وفي حقيقة الأمر هو شبه الشخص الوحيد الذي يحق له الزواج منها. هل فهمتم، تتزوج أبن أختها يعنى أبنها، فالمرأة يحل لها الزواج من أبن أختها، يعنى أبن أختها يغطي كدح خالته وهذا من المحرمات القطعية فى الأسلام! ومن أغرب الأشياء لهذه القبائل هى إستمرار التمتع بالحب حتى بعد الزواج، فإن عقد القران لا يعنى حق الزوج في زوجته إلا بعد أتمام المهر وإن لم يكمل الزوج المهر فإن أي شخص أخر يحب هذه الفتاة يمكنه أن يمارس معها الجنس ولو وجده الزوج فإن علي الزوج أن ينسحب من مسرح الحدث بكل هدوء دون ضوضاء ويترك الشخص الأخر يقضي ما يريد وعلي الزوج أن يلوم إلا نفسه فقط لأنه هو من قصر فى سداد المهر. وحتى بعد أتمام المهر ودخول بيت الزوجية، فإن الزوجة يمكنها أن تواصل بحثها عن الحبيب المفضل، فإن وجدته فإنها تطلق زوجها بسبب أنها لم تعد تحبه بعد ولا تريد أن تمارس خيانة زوجية من خلفه خوفاً من لعنة الجذام. مواقف في غاية الصراحة بين الزوجين. ورأس التابوهات وقمة سنامها هو تابو منع الأكل فى حضرة النسيب أو معه والتعليل لهذا المنع من أشد ما أخذ أنتباهى، سبب هذا المنع هو أن نسيبك لو رأك تأكل الطعام أو أكلت معه، فإن مشاهدته لك وأنت تأكل الطعام كمشاهدته لك وأنت تمارس الجنس مع أبنته، ولعمري هذا أغرب من مصاعب الدنيا السبعة. لكن يجب أن تتذكروا أن التنوع الثقافي عند النوبة ليس له حدود!
بريمة محمد أدم بلل البقاري من أبناء جنوب كردفان بتاريخ التاسع عشر من يونيو 2017م
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
بريمة محمد أدم بلل البقاري
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست