من أجمل الأحاسيس والمشاعر الوطنية التي راودتني عند إنطلاق هذه الثورة الشبابية المقدَّسة ، ما بدا في الأفق القريب من عواطف هذا الشعب المُعلم تجاه بعضه البعض ، فإن كان الهُتاف في الشوارع (كُلنا دارفور) مجرد شعار تداولته أصداء الثورة ، فهو بالنسبة للبناء الوحدوي القومي رسالةً سريعة ووضيئة المعالم إلى أهلنا في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة ، تفيد أن هذا الإنفصام (المظهري) بين مكوِّناتنا كمجتمع لم يكن سوى صدأ بدأت إرهاصات الحقيقة في إعمال طاقاتها لإزالته ، وإظهار الواجهة الحقيقة للعواطف التي تجيش بقلوب السودانين إيماناً بوحدة المصير المشترك وضرورة سيادة مؤسسية الدولة والعدالة والمساواة ، وهذا فعلاً ما يشبه تقاليدنا الموروثة وعاداتنا وثقافتنا المرصودة ، بل وديننا الإسلامي الذي لطالما نبذ الفُرقة والتشرزم والشتات بما عبَّر عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادهُم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحُمى) ، لقد ظلَّت أولويات الصراع السلطوي في المركز وعبر سيادة دولة التوَّجه الحضاري المزعوم ، تشحذ كل طاقاتها الإعلامية والأمنية والإستراتيجية في إتجاه حجب هذه العواطف الراسخة بين أبناء هذا الشعب ، والتي كانت ومنذ آلاف السنين ترياقاً ناجعاً للجراح التي قد تسبِّبها التعددية العرقية والإثنية والعقائدية في بلدٍ مُترامي الأطراف مثل السودان , ولكن يبدو أن العناية الإلهية وكعادتها في الإغداق على هذا الشعب بالوفير من الرضا والكرم الرباني ، قد أبعدت وعطَّلت أدوات إغتيال هذه العواطف والروابط التي تبدَّت سافرة في وقت الإنعتااق من سجن (وحدوية) التوجه الفكري والثقافي والسياسي الذي حاولت حكومة المؤتمر الوطني فرضهُ قسراً ولكن يبدو أن ذلك كان دون جدوى بفضل الله وتوفيقه ، وأصدق دليل على ذلك أنه لم يزل موجوداً وحيَّاً في قلوب اليُفع والشباب ، لأنهم لم ينسوا أن يبعثوا برسائل التضامن والإحساس بما يعاني أهلنا في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق من ويلات الحرب والتشريد والتنكيل التي لا مردود منها سوى التمهيد المستميت والامُنقطع للإبقاء على النظام السياسي الحالي على سُدة الحكم ، والأنكى من ذلك أن يتم تمويلها من موارد البلاد بما فيها بعض خيرات تلك المناطق التي ترزح في لُجة الصراع ، فأصبحت أكثر مناطق السودان فقراً وتخلُّفاً ومواجع ، على الذين يتحدثون عن فترة إنتقالية تسبق إعداد البلاد لحكم ديموقراطي يؤسِّس لدولة المؤسسات والعدالة والمساواة أن يعلموا أن هذه الفترة لديها مهمة عسيرة وتحتاج إلى كثير عزمٍ و حصافةٍ وعمل دؤوب ، ألا وهي إعادة تأهيل المناطق التي عانت من الحروب لعقوٍد من الزمان ، تأهيلاً تنموياً وإعمارياً وعدلياً ونفسياً ، حتى يكونوا قادرين على المساهمة الفعَّالة والإيجابية في بناء المنهج الديموقراطي والإنخراط بسلاسة في حركة البناء التنموي المُستدام ، التحية لكل من رفع راية (السودان لكل السودانيين) .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة