*ومالك الحزين لماذا سميناه كذلك ؟.. *فربما هو طائر سعيد... وأول من أطلق عليه هذا الاسم هو الذي كان حزيناً.. *أو ربما قاس علامات حزنه على مقاييس حزن البشر.. *والبشر هؤلاء أنفسهم كيف نميز بين السعيد منهم والحزين من إمارات وجوههم ؟.. *فالحزن والسعادة (حالة) داخلية ليس بالضرورة أن يراها الآخرون.. *والضحك قد لا يعبر عن السعادة... ولا التجهم عن الحزن.. *ومعمرة بريطانية العالم نُشرت لها صور مختلفة تعبر عن مراحل حياتها الطويلة.. *هي طفلة... وهي طالبة... وهي عروس... وهي عجوز.. *وفي كل الصور هذه تظهر عابسة الوجه... وكأن أحزان الدنيا كافة بداخلها.. *ولكن حين سُئلت عن السر في طول عمرها قالت (السعادة).. *وربما لو وُجه لها سؤال آخر عما إن كانت سعيدة الآن لخرجنا منها بإجابة محيرة.. *وسبب الحيرة أن سعادتها هذه تنظر إليها من بين حجب الذاكرة.. *أو تحاول استحضار لحظاتها من غياهب التاريخ لتهب إجابتها روح الحاضر.. *فالسعادة دائماً لحظات ماضوية... بينما الحزن لحظات آنية.. *أو نحن نعجز عن القبض عليها بأيدي مشاعرنا في لحظتها... ونجترها لاحقاً.. *والسبب في ذلك أن القلق من زوالها يحيط بها - وبنا - من كل جانب.. *القلق من زوالها بفعل المرض... أو المنغصات... أو الخوف من المجهول.. *فإن اطمأنت نفوسنا ألا شيء حصل...تكون هي قد ولت.. *وتعقبها لحظات سعادة أخرى فنجهضها أيضاً بالقلق ... والخوف... والتوتر.. *ومن ثم فلا أدري كيف يتم تصنيف الشعوب السعيدة من الحزينة.. *أي بالافتراض الجمعي لأحاسيس السعادة... لحظة التصنيف.. *فربما هو مثل تسميتنا لذلك الطائر بالحزين... من محض الملاحظة الظاهرية.. *بينما قد يكون هو - في حقيقة الأمر - من أكثر الطيور سعادةً.. *فلا المال يصلح مقياساً للسعادة... ولا الشباب... ولا الصحة... ولا الحب.. *فكل تلكم العوامل يتربص بها القلق... ويتهدد وجودها.. *فالغني يخشى زوال نعمته... والقوي ضياع قوته... والمحب تنكّر محبوبه.. *وقد يسأل سائل هنا : طيب وما الحل ؟.. *الحل - وأقوله متفلسفاً لا عالماً - أن نجتهد في (القبض) على لحظات السعادة.. *أن نشعر بها وقتياً... لا بأثر رجعي بعد افلاتها منا.. *أن نعيشها لحظةً بلحظة... لا أن نجترها ذكرى من بعد ذكرى.. *وهنا قد يسأل آخر أيضاً : وهل ينسحب هذا علينا - كسودانيين - بحالنا الراهن؟.. *والإجابة : لا ؛ فنحن الآن (حالة) فريدة لا تخضع لعلم... أو تفلسف.. *وربما ينظر العالم إلينا كشعب يجسد كل معاني (الحزن النبيل).. *أو لكل منا على أنه نسخة بشرية من (مالك الحزين !!!).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة