|
التونسيون يزهون بربيعهم والتجربة مباركة بقلم جورج ديوب
|
07:13 PM September, 17 2019 سودانيز اون لاين جورج ديوب-استراليا مكتبتى رابط مختصر
عجبا لكم أيها التونسيون وإعجابا بكم . أعرب أنتم أم إفرنج , أم هبطتم من كوكب بعيد لم ينغمس سكانه بعد بمفاسد الأرض , أم أنتم رسل مبعوثون لتهدونا إلى صراط العدالة والحرية والديمقراطية ؟ أسئلة توحي بالغباء والسخافة , لكننا نطرحها عن قناعة بسبب الأوضاع المأزومة في المنطقة العربية التي تئن تحت صراعات ونزاعات مسلحة منذ زمن بعيد , ما أن تخمد قليلا في منطقة حتى تعود لتندلع في منطقة مجاورة , ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء , وتدمير كامل للبنى التحتية وهجرانها من أهلها . يحدث ذلك بغياب القوى الشعبية الأكثر اهتماما بأحوال الشعب ومتطلبات حياته المعيشية اليومية وممثلي تلك القوى وحرمانهم من الوصول إلى موقع صنع القرار , كل ذلك لأننا مبتلون بأنظمة حكم إستبدادية قمعية فاسدة يوهموننا عبر وسائلهم العديدة بالقائد الفذ , الضرورة , الأكثر قدرة على قيادة البلاد وعدم وجود من يملك تلك المواصفات ليتولى موقع القيادة . نعم لقد فرغت البلاد من المؤهلات القيادية , منهم من استشهد من أجل لحظة بهية ومنهم من فر هاربا خارج الحدود تاركا وراءه قتلى لا يجدون من يقيم لهم مراسم الدفن فطمروا بمقابر جماعية مع التنكر لأسمائهم ومنحهم أرقام . فلم يكن محمد البوعزيزي الوحيد الذي افتدى وطنه وشعبه بروحه ودمه وإنما سبقه وتبعه كثيرون والصفحات ما زالت مفتوحة لتسجيل الشهداء اللاحقين . لكن يبقى جسد محمد البوعزيزي البركان الذي كانت له إرتدادات فيما حوله , والنموذج المشجع للعديد من الدول العربية على الإقتداء , فكانت إنتفاضة كل من الشعبين السوداني والجزائري . يتنافس على موقع الرئاسة التونسية 26 مرشحا يمثلون كافة اتجاهات الطيف التونسي , من توافق وتعارض , من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومن المنضويين تحت رايات دينية إلى اللادينيين وكذلك الملحدين والعلمانيين دون إقصاء لأحد , والجماهير هي التي تقرر من تراه مناسبا أو من تقبل بطروحاته وشعاراته لقيادة البلاد في المرحلة القادمة , مع تأكيد جميع المرشحين على أن الفائز سيكون بخدمة التونسيين جميعا وليس لتابعيه ومؤيديه كما جرت عليه العادة في بعض الأقطار العربية , وستجري الإنتخابات تحت مراقبة 120 ألفا من المراقبين موزعين على كافة المراكز الإنتخابية وبحضور 1600 إعلامي من دول عدة , وقد جرت الجولة الأولى يوم الأحد الماضي في 15 من هذا الشهر وستجري الجولة الثانية أواسط الشهر القادم في حال عدم حصول أي من المرشحين على الأغلبية المطلوبة . وهكذا تكون تونس قد اجتازت مرحلة الإختبار الصعب وبدأت مرحلة اللحاق بالعصر الحديث . إن التجربة الديمقراطية التونسية لن تنحصر داخل حدودها بل ستشع على جوارها وعلى محيطها العربي وستقتدي بها شعوب ودول عدة .فقد بدأ السودانيون والجزائريون يزدادون عنفوانا وصمودا على طريق إقامة النظام المدني العادل , وقد تمكن السودانيون فعلا من اجتياز مراحل خطيرة تكاثرت فيها المنعطفات والمطبات حاول معها العسكر الإنقلاب على الثورة والقفز على السلطة , لكن الوعي والصمود والإصرار على تحقيق الوعد أفشل تلك المخططات وتصويب المسار , وها هم الآن بصدد بناء سودان ديمقراطي جديد يتماهى مع ضرورات العصر . إن العربي ليس متخلفا عقليا وهو كغيره من أبناء الأرض يملك من الحكمة والمعرفة والقدرة ما يؤهله لبناء وطن يجاري البلدان المتقدمة لو أتيحت له فرص حقيقية بامتلاك زمام المبادرة والمنافسة وحرية الرأي والتعبير . ونماذج نجاحاتهم واضحة خارج أوطانهم , حيث برزت منهم قامات كان لها بصمات هامة في المجتمعات التي لجأوا إليها , حتى أن كثيرين منهم قد تفوقوا على نظرائهم من أهل البلد الأصليين بعلومهم وابتكاراتهم واختراعاتهم , ولو أتيحت لهم في أوطانهم الأصلية نفس الفرص التي أتيحت لهم في الخارج لارتقوا بها إلى مستوى تلك الدول وربما تفوقوا عليها . إن مشكلتنا في الوطن العربي مرتبطة بالأنظمة الإستبدادية الحاكمة التي تريدنا فارغي العقول , مكممي الأفواه ومقطعي الأوصال لا نقوى على الحركة , ليبقى النظام ( الضرورة ) هو صاحب القول والفصل وهو الملهم , العالم بضرورات المرحلة . ولهذا فقدت تلك الدول مقومات النجاح والتقدم , وغابت عنها الدساتير وطي القوانين , وحل محلها اجتهادات فردية لا سند قانوني لها . إننا نتطلع إلى عهد جديد يعم الوطن العربي من محيطه إلى خليجه بحريته ومدنيته وديمقراطيته , تنتفي معه أسباب الكبت والحرمان والجهل والتخلف . كما نبارك لتونس وللتونسيين عرسهم الديمقراطي الجديد مع مزيد من التقدم والنجاح . وللشهيد محمد البوعزيزي مفجر إنتفاضة التونسيين أن إبشر , فاستشهادك أسس لجمهورية عصرية حديثة , ومنحهم مزيدا من العزيمة والقوة للقضاء على نظام الإستبداد وتحقيق إقامة نظام العدل والمساواة . لروحك الرحمة ولنا الإقتداء .
|
|
|
|
|
|