المقال أدناه، بالعنوان أعلاه، منشور في الصحف الاليكترونية في ١١ ديسمبر ٢٠١٨.. و الثورة اندلعت في الدمازين في ١٣ ديسمبر ٢٠١٨ و في عطبرة في ١٩ منه.. أي أن الثورة بدأت في أم درمان ثم انتشرت إلى بقية أنحاء السودان.. و المدينة السباقة للثورة ليست ما يهمني هنا، إنما المهم هو تكاتف الشعب السوداني ضد الظلم تكاتفا دون سابق اتفاق.. كان جميلا في عفويته ملء الإصرار على التصدي للظلم مهما كان الثمن..
و قد ظللنا نشاهد نفس التكاتف و التعاون طوال الأشهر الماضية.. و لا نزال نراه في ساحات الإعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة من التلاحم و التعاضد و الإيثار على الأنفس.. ما أشاهده اليوم في ميدان الاعتصام شاهدته في ملحمة أم درمان بين الشعب و زبانية المحلية المجسدين للبشير.. فاغرورقت عيناي بالدموع حين شاهدت الزبانية ينهزمون أمام الشعب الثائر.. و البشير يسقط في سوق أم درمان, و إليكم المقال:-
"لا يغرنك الهدوء الذي تراه أمامك في سيارات فارهة، مظلل زجاجها، تتعالى على الواقفين على الأرصفة.. تراها و لا ترى من بداخلها.. و حافلات تتأبى على الزاحفين في الشوارع تمرق مسرعة و أيادي الواقفين مرفوعة تستجدي الحافلات أن تتوقف رحمة بأبناء السبيل..
* لا تأمن جانب الاستكانة اليومية التي تراها في وجوه الراجلين و الراجلات و الزاحفين و الزاحفات في الشوارع مع الصباح طلبا للرزق.. و أرزاقهم ليست ضمن أجندة البشير الذي لا يكترث كثيرا لندرة الخبز .. و لا لتدني نوعيته و تضاؤل حجمه.. و لا للجنيه يفقد بريقه.. و لا لعدم حصول المواطن على مبتغاه من وديعة أودعها المصارف، و يستجدي الصيارفة للحصول على المزيد من وديعته.. لكن كل الصيارفة في ثياب أسرى قرارات البشير..
* الحياة تطارد الجميع إلى دوائر اليأس و ال################.. و يرتفع ترمومتر الأسى في المواصلات.. و الوقود.. و الزحام.. و ارتفاع الأسعار لا مدى له.. و الأزمات تتواتر و تتراكم و يتطاول اليأس يمحق الآمال القديمة القديمة دون رحمة..
* إنها مشكلة الجميع، مشكلة لا تقلق البشير بمثلما تقلقه انتخابات عام ٢٠٢٠؛ و هو يؤمن سلطانه بالميليشيات.. يغدق أموالنا عليهم و على دستوريين مؤلفة قلوبهم للدوران حول سفهه و تغطية سوءات نظامه مقابل رواتب و مخصصات وامتيازات و بذخ يضاعف ديون السودان و يكسر جناح الجنيه..
* و عمال المحلية يركلون أواني ستات الشاي و يطاردون الباعة المتجولين.. و الباعة يتجارون هنا و هناك مبتعدين عن عتاولة الكشات حاملين ما تيسر لهم حمله في هرج و مرج.. حابلهم يختلط بنابلهم.. و يصطدمون بالمتسوقين في زحمة الأسواق.. و المتسوقون في يأس يحاولون رتق ميزانياتهم المخرومة بتدابير ابتكرها السودانيون.. To make the ends meet.. :- (قدر ظروفك!)
* و قد تجد في السوق من (يقدر ظروفك).. و غالباً ما لا تسمح ظروف من قد يقدر ظروفك أن يقدرها لأن البشير قد ضيق الخناق على كل من يقدر ظروف الآخرين.. و الغضب يمشي عاريا غير آبه برجال الأمن المنتشرين بكثافة في كل ركن من أركان المدينة.. و النفوس مهيأة للانفجار.. و لم يعد هناك مكان للخوف عند شتم البشير و نظامه أمام الجميع في المنتديات و بيوت الأفراح و الأتراح.. و في أي تجمع للسودانيين..
* الكل يلعن البشير!
* و بالأمس شاهدت شرارة تنطلق في سوق أم درمان، دفارا ينزل منه عتاولة المحلية.. يطاردون الباعة المتجولين.. و ستات الشاي يتجارين هنا و هناك.. و جمهور المتسوقين جماعات جماعات يلتقطون الحجارة يمطرون بالحجارة دفار المحلية.. قذائف وراء قذائف.. و الشرطة تطلق الأعيرة النارية في الهواء.. و عتاولة المحلية يهرولون منهزمين إلى الدفار و الدفار يهرب.. و الحجارة تهطل محشوة غضبا ساطعا قادما من جميع الاتجاهات.. غضبا لا تخطئه العين..
* إنه الإحساس بالظلم العام.. إنها الغبينة يفشها العامة دون سابق اتفاق.. و الحجارة ترمز عن كثير .. كانت مقدمة للهيب مكتوم في القلوب..
* فلماذا اندفع الجميع للدفاع عن ستات الشاي و الباعة المتجولين بتلك الصورة العفوية.. و لا علاقة مباشرة تربطهم بالضحايا الهاربين من عتاولة المحلية؟
* لا أحتاج أن أقسم بالله العظيم و كتابه الكريم لأقول لكم إنها الغبينة العامة كان يفشها كل من قذف حجرا على الدفار.. و لو حدث و دخل البشير، وقتها، سوق أم درمان، و بدون حراسة، لتلقى من الحجارة ما يدفنه هناك قبل أن يعود إلى كرسيه المريح في القصر الفخيم!
* و يقيني أن كل مواطن مخلص للسودان يصب جام لعناته يوميا على المحليات و الجبايات و ارتفاع الأسعار و الصفوف و حكومة المؤتمر الوطني و عمر حسن أحمد البشير..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة