وأنا في مواصلات السودان البائسة اشغل نفسي بقراءة لافتات متعددة لوزارات ومراكز ودور أحزاب وحتى الدكاكين والبقالات ومحلات بيع الأجهزة المنزلية والمطاعم الشعبية والفنادق وخلافه. الكمساري الذي يعبر الطريق كل يوم عشر مرات لا يحفظ تلك الاسماء فهو منشغل دائما بشيء أهم من صناعة القنبلة الذرية. أما أنا فاستمتع بذلك متعة بالغة. والمتعة تكمن في أنني اكتشف أن بلدنا غنية جدا بالأسماء الفخمة والضخمة. وزارة التخطيط الاجتماعي ، وزارة التخطيط الاستراتيجي ، ولن تصدقوا ، الهيئة العامة للطاقة الذرية ، وهيئة علوم الفضاء (يا للهول) ووزارة البحث العلمي والتكنولوجيا ، المجلس (الأعلى).. وعض على كلمة (أعلى) هذه بالنواجز فستقابلك كثيرا ، والهيئة العامة للطرق والجسور (لاحظوا ...الطرق).. ومجلس مكافحة المخدرات (ملاحظة هذا المجلس لا توجد أي إشارة لتبعيته لوزارة الداخلية ولا جهاز الأمن ولا حتى وزارة الصحة)... مركز الصداقة السودانية الصينيةوالسودانية التركية والسودانية المريخية واتحاد رجال الاعمال الاتراك والسودانيين واتحاد الشباب الافريقي ، والعربي ، والواغ واغي ، أما البقالات البائسة فيكتب فوقها (هايبرماركت كورينا) وكارفور ومول صابرين ، اما المدارس ورياض الأطفال والجامعات الخاصة فستشعرك بأنك تعيش في كوكب أورانوس: الأكاديمية (الدولية) للطفل ؛ أكاديمية مستقبل الفضاء لرياض الأطفال) ، الأكاديمية البريطانية الأمريكية البرتغالية السنغالية للغات ، أما المراكز فنحن نعتبر الدولة رقم واحد في الإنتاج البحثي العلمي متفوقين على دول العالم أجمع (مركز أبحاث الذرة ، مركز استشعار المستقبل ، مركز العلاج بالأعشاب والرقية الشرعية من العين والسحر ، مركز بحوث الطاقة النووية (غالبا يشتكي العاملون فيه من انقطاع الكهرباء باستمرار ومعاناتهم من الحر الشديد) ، مركز ابحاث الإيمان والإعجاز العلمي في كل الكتب السماوية وغير السماوية ، مركز البحوث البايولوجية ، مركز دراسات الآليات الثقيلة ، مركز جوليا للتجميل ، مركز زومبا للرقص الإيقاعي ، مركز دراسات الفقر والحب ، مركز بحوث الحرب والسلام (إدارة حفيد تولستوي) ، ... يا لطيف... استمتع بالقراءة والكثير من الاسماء بها أخطاء نحوية وإملائية وخاصة ترجماتها الإنجليزية. اما الأحزاب ؛ فالحزب البراغماتي (حمدوكي) الليبرالي الديموقراطي التوسعي العلماني الإسلامي ، حزب الأمة فرع المنشية ، حزب الأمة فرع أمدرمان ، حزب التقوى والمحبة ، حزب الليبراليون المستنيرون ، حزب ست الودع أرمي الودع لي كشكشي...الخ تعبر بي الحافلات وأنا أقرأ متجاهلا عطسات عجوز مصابة بالسل خلفي ، أو متابعة احتكاكات رجل بامرأة عبر الفخذين وجسده يخر عرقا ، وآخر يبصق سفته من الشباك الذي أمامي فابتلع نصف بصاقه بهدوء ورضى، والسائق الذي يحاول تفادي حفر الأسفلت وقيعان البالوعات غير المغطاة لأن أغطيتها الفولاذية تتعرض للسرقة دائما مما أحبط الوزارات والمراكز البحثية ومجالس التخطيط وهيئات الطرق والجسور فتركوا كل شيء على عواهنه سخطا ومقتا. لا يمكنك أن تستمع أبدا بشيء أثناء جلوسك على مقعدك في الحافلة سوى مشاهدة تلك الأسماء التي لن تقابلها سوى في نييورك أو طوكيو أو كوكب سوبر مان الذي تم تدميره.
09-18-2019, 01:47 AM
مرتضي عبد الجليل مرتضي عبد الجليل
تاريخ التسجيل: 10-04-2010
مجموع المشاركات: 3097
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست