ثلاثون عاماً من شمولية الحكم والإستبداد وفرض الرؤية الواحدة ونبذ الآخر ، من شأنها أن تفعل الكثير في مُجمل الإتجاهات ، فقد إستبد النظام البائد ليفرِض عبر مقصلة التمكين لمنسوبيه ومن سار حولهم رافعاً شعار الإنبطاح والتكالب اللا أخلاقي تجاه المصلحة الشخصية ، فأصاب البلاد الشلل التام في كافة القطاعات وإنعكس ذلك سلباً على كل شيء بما في ذلك الأخلاقيات العامة والمباديء الأساسية التي كان لا يختلف حولها إثنان ، خصوصاً في المؤسسات العريقة كالخدمة المدنية وغيرها من المشاريع القومية التي لم يكن لأحد في زمان سابق أن يصدق وصمها بداء الفساد ووصمة التمكين بإسم الدين المُفترى عليه بما هو ليس فيه .
لذا لا أجد طائلًا من إستغراب الكثير من الشرفاء الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل تحرير هذا الوطن وإعلاء شأن مواطنه ، من ما آل إليه أمر المؤسسات الإعلامية في حقبة الإنقاذ البائدة ، ولأجل تأكيد سيادة المنتمين للنظام وتحفيزهم وإعلائهم بما لا يستحقون ، تم طرد كل الكفاءات والخبرات التي كانت تقف على الإدارة الفنية والتخطيطية لشتى المؤسسات الإعلامية ، وفي مقدمتها الإذاعة والتلفزيون ، فجعلوها بلقعاً من كل الذين قامت على أكتافهم حركة الإعلام المرئي والمسموع وأودعوا أمرها إلى ثُلة من أنصاف الموهوبين والفاشلين على المستوى الإداري والفني والإبداعي ، وبذلك إنفتح الباب على مصراعيه عبر الإعلام الرسمي لكل من أراد أن يرفع راية التطبيل للنظام الحاكم وسدنته والسير على هُدى شعاراته الكاذبة .
حينذاك أصبح الإعلام السوداني الرسمي وشبه الرسمي والخاص الذي تم تمويله بأموال الدولة وتسليمه لمهرِّجيها من المنتمين إلى عُصبتها ، مرتعاً لأضعف مستويات المواهب من المذيعين والمحاورين والفنانين والممثلين والمحلَّلين والصحفيين ، أما أصحاب المواهب والمقدرات الحقيقية فقبعوا في بيتوهم عقوداً من الزمان ينظرون من بعيد إلى تلك المهازل ، ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، في هذه الحقبة الإعلامية المظلمة ، لم يكن لكثير من المبدعين وأصحاب االخبرة في المجال أيي باب للولوج إلى تلك المهنة ، دون أن يكون الفرد منهم مزوَّداً بكثيرٍ من الصفات الرديئة أهمها إنعدام الكرامة والكبرياء وعدم الحياء ، فضلاً عن عدم التردُّد في توسُّل ومُداهنة من ليس لهمم قيمة سوى إنتمائهم إلى أهل السلطة والتزلُف إليهم .
وعلى إشراقات الثورة المباركة ، يتطَّلع الشعب السوداني إلى بناء قومية حقيقية للأجهزة الإعلامية الرسمية للدولة ، ونشر فعَّال لثقافة العدالة والمساواة والحرية في تعبيرها عن مكوِّنات هذه البلاد وشعبها ، فضلاً عن إعتماد مبدأ المهنية البحتة في تعاملها مع الأخبار ورصدها للوقائع وتحليلها دون خوف ولا وجل طالما أنها بذلك لم تُخالف الدستور والقانون ، يجب من الآن فصاعداً أن تؤول إنتمائية العمل الإعلامي في شتى قطاعاته إلى المصالح الشعبية البحتة ، بما في ذلك دورها في فضح حركة الفساد والتجاوزات التي قد تقع فيها السلطات الحكومية ، نتطلع إلى إعلام نزيه ومُحايد ولا ينتمي إلا للحقيقة المُطلقة ، وتهابهُ الحكومات والمؤسسات العامة والخاصة فيما يختص بفضح وكشف مخالفاتها وتقاعساتها وتقصيرها عن أداء الواجب العام والخاص تجاه المستفيدين من خدماتها من عامة الشعب السوداني .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة