|
القيامة الآن : مشهد توثيقي لأحداث ثورة يوليو 1971 (المواجهة أو في نهار صيف ساخن)
|
عفوا لأن تكرر هذا البوست لكن بتجاربي أعلم أن العنوان له دور كبير في التداخل في هذا المنتدى فعذرا لمن سبق وأطلع على هذا البوست والدعوة للآخرين لكي يشهدوا على بسالة أولئك النفر الذين لم يهابوا الموت رغم حبهم للحياة.
(المواجهة أو في نهار صيف ساخن)
المكان حوش السرايا بالسجن العمومي ( كوبر ) بمدينة الخرطوم بحري ، الزمان 18 أغسطس 1971 . خارج الأسوار الجو مغبر والوجوه مكفهرة تلفها الحيرة بعد ردة 22 يوليو، داخل الأسوار المئات من المعتقلين السياسيين الذين زج بهم في ذلك المكان الضيق تلفحوا السماء وتوسدوا الأرض والأركان يمضغون وجع الهزيمة وطعم الكآبة ويلوذون بالصمت والغضب النبيل. غربان ونسور تحوم حول المكان كأنها تنتظر وجبة يتم إعدادها في تلك الساحة.. وقبل أن يطول الترقب تتعالى فجأة صيحات ووقع أقدام تهز الأرض حين اقتحمت مجموعة من جنود قوات سلاح المظلات قلب ساحة السجن وهم بكامل عتادهم الحربي كأنهم في قلب معركة . أخذوا يملئون المكان بصيحاتهم وقرقعة أسلحتهم ، ووسط تلك الضجة يهبط كالمارد في وسط الساحة أبو القاسم محمد إبراهيم وهو يزبد ببذاءاته المعهودة ويداه تقطران دما فقد كانتا لا تزالان ملوثتان بدماء الشهيد الشفيع (1) ورفاقه عبد الخالق وجوزيف . قبل أن يلملم حوش السجن أطرافه ، ويستوعب المعتقلون ما يجري ، كان هناك جيش آخر من جنود المظلات يطوق المكان وقد تحلق أفراده فوق حائط سور السجن ومجموعة أخرى من الحرس والجنود ولجت الساحة يتوسطهم السفاح جعفر نميري وملابسه العسكرية ملطخة بدماء شهداء معسكر الشجرة (2)، أحد ضباط السجن الكبار يأمر المعتقلين بالخروج من العنابر والمثول أمام الرئيس ونائبه في وسط الساحة ، جنود سلاح المظللات أحاطوا بالنميري وأبو القاسم ليحموهم من غضب ضحاياهم ... ( منّ يحمي منّ ومن منّ ؟ .. ) وأخذوا يشهرون أسلحتهم نحو صدور المعتقلين ، نميري يسب ويلعن الشيوعيين والحزب الشيوعي بألفاظ بذيئة، الخوف يتسرب ببطء إلى القلوب الواجفة ، بعض من هؤلاء زجو هنا لأسباب واهية ، وما شهدوه في هذا السجن من مشانق وأعمال قتل وحشية تخلع لها القلوب و ما تزال الصور تتراءى للجميع .. الموت والحياة هنا يفصل بينهما خيط واه . الحزن يصارع الغضب ، شبح الموت يطوف حول المكان فأي أرواح سيقبض الليلة.. أبو القاسم يسهل فمه بالسباب والنهيق .. والنميري يصرخ بحقد وبربرية ويده على زناد مسدسه ثم .. يأتي الأمتحان الأخير .. كرامة الرجال تمتحن.. نميري يتحدي .. بالأحرى الملك النمرود الكنعاني يتحدى ، والويل للعقلاء حينما تتجمع السلطة والبطش بيد جاهل مغرور . - أنا ربكم الأعلى فليبرز لي من بينكم نبي ليجادلني ، فلتأتوا لي بإبراهيمكم كي يسلبني جبروتي وحقي في أن أحي وأميت .. من يملك غيري الآن أن يحي ويميت ... ما العمل !! حتى الشمس هنا لا شرق لمشرقها ولا غرب لغروبها حيث المكان يخاصم الفصول ....... الامتحان كان قاسياً قسوة ذلك النهار الحار - الشيوعي فيكم كان راجل يطلع لي برة ( نميري يتكلم ويده على زناد مسدسه ) - ..................... صمت ، سور عال وهاوية سحيقة والموت أقرب من طرفة عين. ويواصل الطاغية: - (كان رجال وعاملين فيها شيوعيين أطلعوا لي بره يا ........) - ..................... - ( اولاد ...... ) وقبل أن يكمل أنبرى له أحد الإبراهيميين المعتقلين وقال بصوت مسموع - صلاح مازري .. عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني وتقدم إلى الجهة التي أشار إليها النميري غير عابئ بالموت .. وبهت الذي كفر .. وقبل أن يفوق من دهشته علا صوت إبراهيم آخر من بين الصفوف - سعودي دراج عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني وأنضم إلى رفيقه المهندس صلاح مازري في الجهة التي أشار إليها النميري وأردفه صوت ثالث ورابع وخامس و ... - حسن قسم السيد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني - عبد المجيد النور شكاك عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني - الحاج عبد الرحمن عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني - الرشيد نايل عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني - مصطفى أحمد الشيخ عضو الحزب الشيوعي السوداني - محمد خلف الله عضو الحزب الشيوعي السوداني - عوض الصافي عضو الحزب الشيوعي السوداني - عوض شرف الدين عضو الحزب الشيوعي السوداني - إبراهيم الشيخ عضو الحزب الشيوعي السوداني - ........................ - .................... - .................... وسكت الكلبان الأحمقان التافهان نميري وأبو القاسم عن النباح المباح وخرجو ذليلين منكسي الرأس من حوش السرايا بسجن كوبر بعد أن ألجمتهم شجاعة أولئك الرجال الذين تدافعوا بالعشرات إلى حيث يكمن الموت وإلى حيث توجد الحرية ، بعضهم ديمقراطيين وبعضهم لم تربطه علاقة بالحزب الشيوعي إلا خلف تلك الجدران السميكة ، اختاروا الموت بشرف ، حملوا أعناقهم على أكفهم وتوشحوا أكفانهم على رؤوسهم ضاربين عرض الحائط بغريزة البقاء فكانوا أشجع ما يمكن أن يكون في ضروب البسالة والصمود . هامش
(1) الشهيد الشفيع أحمد الشيخ رئيس أتحاد نقابات العمال ونائب رئيس الاتحاد العالمي لنقابات العمال وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، حاصل على وسام السلام عام 1964تعرض للتعذيب وقتل على يد أبو القاسم أحمد إبراهيم وفقأت عينه وعلق على حبل المشنقة وهو جثة هامدة وذلك بعد مضي 60 ساعة فقط على فشل حركة يوليو 1971 (2) مذبحة الشجرة يروى فيها بعض شهود العيان بأن نميري وأبو القاسم كانا مخمورين وشاركا بأطلاق النار عند تنفيذ أعمال القتل بالضباط وضباط الصف الذين قادوا الحركة التصحيحية في19 يوليو 1971 منهم الشهداء هاشم العطا، وبابكر النور، ومحجوب طلقة، وعبدالمنعم الهاموش، وأبشيبة، ومعاوية عبدالحي، وأحمد جبارة........
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: القيامة الآن : مشهد توثيقي لأحداث ثورة يوليو 1971 (المواجهة أو في نهار صيف ساخن) (Re: عاطف عبدالله)
|
الأخ عاطف تحية واحترام
ما ذكرته هنا هي مواقف شجاعة وما ذكر في أماكن أخرى يتعلق بالمواقف الشجاعة من الأفراد الذين تعرضوا لردة الفعل الانتقامية القاسية من النظام الحاكم..
لقد ذهل الكثيرون من النتائج الدموية التي تعرض لها خيرة الشباب من بني الوطن
وانعقدت ألسنة آخرون وهم يهمون أن يسألوا من هو المسئول عن فقدان هؤلاء الشباب لأرواحهم
هل هو الحكم أم التنظيم الذي دفع بهم في حركة معروف نتائج الفشل فيها أن يتعرض المشارك فيها لأبشع الصور الانتقامية كما ذكر ووصف ما تعرض له الضباط الذين شاركو في حركة رمضان ضد نظام الجبهة الإسلامية..
نعم هناك من يقول هذا الحاكم المسلح .. من قام إليه بالسلاح.. فهو صنو أقل ما ما يوصف بينهم مبارزة مسلحة تسيل فيها دماء..
وها هو الرئيس المسلح يقول من جاءنا متحزم خرجنا له عري
والأكثر من ذلك يستمر التساؤل عن هؤلاء العلماء والخبراء الذين حصرتهم الأحزاب وقيدت تفكيرهم في نهج معين أقرب إلى الثبات أو قل العقم الذي لا رجاء من خصوبة بعده..
ويدخل في هذا الحيز حزب الأمة الذي يمكن أن توصف إمكانياته البشرية والخبرات المتوفرة لديه بأن يحقق النجاح والتقدم للبلاد من أول وهلة اتاحة الفرصة له في القيادة.. وها هي التجارب تدل على أن هذه الخبرات والخبراء ظلوا في وضع محاييد .. دون أية نتائج فعلية أو حركية عملية يمكن أن تصف في خانة العمل الجيد ..
كذلك الأحزاب الأخرى .. يزداد شقاء منتسبيها بسياساتها وتعمل قياداتها على فقدان الفرص المرة تلو المرة حتى يندهش الحجر من من ثبات وجوه هؤلاء النفر وجماد الجباه لا تند عرقاً وخجلا..
هذا هو الحال
لماذا راحو لماذا ضاعوا ومن أضاعهم..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: القيامة الآن : مشهد توثيقي لأحداث ثورة يوليو 1971 (المواجهة أو في نهار صيف ساخن) (Re: المسافر)
|
صديقي المسافر أسئلتك كلها مشروعة والأمر لا يقتصر على حزب دون الآخر ولكن ما أتحدث عنه ليس موقفا بطوليا للحزب الشيوعي أو للشيوعيين بل موقفا بطوليا لسودانيين ، يعني "الرجالة" بمفهومها الشعبي السوداني طبقت في كوبر في أغسطس 1971
أما تسائلك الأخير
Quote: كذلك الأحزاب الأخرى .. يزداد شقاء منتسبيها بسياساتها وتعمل قياداتها على فقدان الفرص المرة تلو المرة حتى يندهش الحجر من من ثبات وجوه هؤلاء النفر وجماد الجباه لا تند عرقاً وخجلا.. هذا هو الحال لماذا راحو لماذا ضاعوا ومن أضاعهم.. |
فهذا تصعب الاجابة عليه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: القيامة الآن : مشهد توثيقي لأحداث ثورة يوليو 1971 (المواجهة أو في نهار صيف ساخن) (Re: عاطف عبدالله)
|
وقد كانت مكافاتنا-الشعب السوداني - للقتلة ببقائهم احرارا يتقلدون المناصب ويؤسسون الاحزاب ويعيثون في الارض فسادا مما شجع غيرهم علي التمادي فيما هو افظع واشنع بقتل الالاف وتعذيب في بيوت الاشباح ودارفور اليوم والجنوب من قبل... وما فائدة توثيق وبعض من الاسماء الذي ذكرت عاشت ورات كيف كان جزاء السودان لمعذبيهم وقتلة اخوانهم والمرحوم صلاح مازري ذهب من الفانية منذ شهور مثالا بعد ان راي ذلك .. التوثيق في هذه الحالة نوع من النوستالجيا وتعذيب لمن بقي منهم .. العدل هو التوثيق لوحيد ..وما مهازل محاكم ما بعد الانتفاضة الا لعب علي الذقون ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: القيامة الآن : مشهد توثيقي لأحداث ثورة يوليو 1971 (المواجهة أو في نهار صيف ساخن) (Re: abubakr)
|
Quote: - الشيوعي فيكم كان راجل يطلع لي برة ( نميري يتكلم ويده على زناد مسدسه ) - ..................... صمت ، سور عال وهاوية سحيقة والموت أقرب من طرفة عين. ويواصل الطاغية: - (كان رجال وعاملين فيها شيوعيين أطلعوا لي بره يا ........) - ..................... - ( اولاد ...... ) وقبل أن يكمل أنبرى له أحد الإبراهيميين المعتقلين وقال بصوت مسموع - صلاح مازري .. عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني وتقدم إلى الجهة التي أشار إليها النميري غير عابئ بالموت .. وبهت الذي كفر .. وقبل أن يفوق من دهشته علا صوت إبراهيم آخر من بين الصفوف - سعودي دراج عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني وأنضم إلى رفيقه المهندس صلاح مازري في الجهة التي أشار إليها النميري وأردفه صوت ثالث ورابع وخامس و ... - حسن قسم السيد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني - عبد المجيد النور شكاك عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني - الحاج عبد الرحمن عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني - الرشيد نايل عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني - مصطفى أحمد الشيخ عضو الحزب الشيوعي السوداني - محمد خلف الله عضو الحزب الشيوعي السوداني - عوض الصافي عضو الحزب الشيوعي السوداني - عوض شرف الدين عضو الحزب الشيوعي السوداني - إبراهيم الشيخ عضو الحزب الشيوعي السوداني - ........................ - .................... - .................... |
الحكا ليك الحكاية ما حكاها ليك صاح يا عاطف عبد الله!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: القيامة الآن : مشهد توثيقي لأحداث ثورة يوليو 1971 (المواجهة أو في نهار صيف ساخن) (Re: abubakr)
|
Quote: وقد كانت مكافاتنا-الشعب السوداني - للقتلة ببقائهم احرارا يتقلدون المناصب ويؤسسون الاحزاب ويعيثون في الارض فسادا مما شجع غيرهم علي التمادي فيما هو افظع واشنع بقتل الالاف وتعذيب في بيوت الاشباح ودارفور اليوم والجنوب من قبل... وما فائدة توثيق وبعض من الاسماء الذي ذكرت عاشت ورات كيف كان جزاء السودان لمعذبيهم وقتلة اخوانهم والمرحوم صلاح مازري ذهب من الفانية منذ شهور مثالا بعد ان راي ذلك .. التوثيق في هذه الحالة نوع من النوستالجيا وتعذيب لمن بقي منهم .. العدل هو التوثيق لوحيد ..وما مهازل محاكم ما بعد الانتفاضة الا لعب علي الذقون ... |
أخي أبوبكر أتفق معك قلبا وقالبا .. العدالة عندما تجد طريقها هي أفضل توثيق ولكن قد تكون الكتابة والمطالبة بالحق بداية الطريق إليه .. أو يمكن أن تعدهم أضعف الايمان
| |
|
|
|
|
|
|
Re: القيامة الآن : مشهد توثيقي لأحداث ثورة يوليو 1971 (المواجهة أو في نهار صيف ساخن) (Re: عاطف عبدالله)
|
الحكاية صاح يا حسين حكاها لي الراحل العزيز حسن قسم السيد بحضور عدد من الأصدقاء في القاهرة 1992 وكذلك حكاها لي الصيق العزيز عوض الصافي وهو جار لي في الديوم الشرقية وزميل عمل سابق في الطيران المدني وكلاهما { حسن قسم السيد و عوض الصافي } ليس من شهود الواقعة فقط بل من صناعها ، تلك اللحظة المحتشدة بالرجولة الحقة
الخطآ الوحيد في رواية عاطف كما وصلت له يتعلق ب الحاج عبدالرحمن فقد خرج مع اؤلئك الرجال الصناديد لكنه لم يعلن إنه عضو اللجنة المركزية للحزب فقد كان قد خرج من الحزب في إنقسام 1970 ولأنه رجل شجاع إتخذ ذلك الموقف
طيب يا حسين احكي لينا الرواية الصحيحة حسب مالديك من معلومات عنها علمآ أن معظم صناع تلك اللحظة مازالوا بين ظهرانينا ويمكن سماع شهادتهم
| |
|
|
|
|
|
|
|