|
|
 أركو مناوي والمهمة المستحيلة ..!
|
بعد أن وجد نفسه في وضع صعب ترتب على تزايد العقبات التي تعترض تنفيذ إتفاق أبوجا خاصة بعد أن تبين للرجل أن توقيعه بمفرده على الاتفاق ليس كافياً لتوفير الأمن والاستقرار ووقف إطلاق النار بدارفور أخذ مني أركو مناوي يبحث عن مخرج ينقذه من ورطة ذلك الاتفاق ومن هنا نستطيع أن ندرك أبعاد تهديده بالإنسحاب من إتفاق أبوجا »إذا لم تنشر قوات الأمم المتحدة باقليم دارفور في أقرب فرصة ممكنة« وذلك ما أدلى به الرجل إلى وكالة الاسيوشيتدبرس مؤخراً .
لعل أكبر المشكلات التي تكتنف الأوضاع الأمنية في دارفور تتمثل في الطابع العرقي للحركات المسلحة والمجموعات القبلية في دارفور ويتجلى ذلك في الانقلاب على قيادة عبد الواحد محمد نور في مؤتمر حسكنيتة بإعتباره من قبيلة الفور بينما ينتمي مني أركو مناوي إلى الزغاوة ولذلك وفي جو تصاعد واشتعال حدة حمية الانتماء القبلي والعرقي حدث شرخ كبير أدى إلى فرز هائل في »الكيمان« تجلى بصورة واضحة في التظاهرات الطلابية التي نظمها جماعة عبد الواحد في الجامعات والمعاهد العليا في الخرطوم بل وفي معسكرت النازحين التي نجح عبد الواحد في استدرار تأييدها بالإصرار على شرط يروق لها يتمثل في التعويض الفردي للنازحين.
برز التأثير العرقي والقبلي بصورة أكبر في تضاؤل تأثير حركة العدل والمساواة لا لسبب إلا لأن جزءاً كبيراً من قبيلة الزغاوة التي ينتمي إليها خليل ابراهيم رئيس الحركة قد شعر بأن من مصلحة القبيلة التوحد خلف مناوي بدلاً من تشتيت الجهود في حركتين متنافرتين مما أضعف من فصيل خليل ابراهيم الذي لم يبق معه تقريباً غير من ينتمون إلى خطه الفكري والسياسي المساند للمؤتمر الشعبي بزعامة الترابي وليس أدل على ذلك من اجتماع مجلس شورى قبيلة الزغاوة »جناح مناوي« لتعضيد ومؤازرة الرجل وللمشاركة في رسم خريطة طريق للحركة والتي يبدو أن لذلك المجلس تأثيراً كبيراً في قيادتها وتوجيهها لمصلحة القبيلة وبالطبع لا أقول ذلك لتأكيد سيطرة مناوي على الزغاوة وإنما لتأكيد انحياز نسبة مقدرة وبدرجات متفاوتة للرجل بالرغم من أن هناك بطوناً من الزغاوة ليست مقتنعة تماماً بقيادة مناوي ولعل تمرد دكتور شريف حرير المدعوم الآن من الرئيس التشادي ادريس دبي والذي يتمتع بقدر وافر من الثقافة والتجربة مقارنة بمناوي المتواضع في الخبرة والتعليم يؤكد هذه الحقيقة ويعبر عن الخلافات الكبيرة التي تكتنف الساحة الدارفورية التي يبدو أنها لا تزال حُبلى بالتطورات الكفيلة بتهديد إتفاق أبوجا .
من جانب آخر فإن القبائل العربية ظلت تتململ منذ وقت طويل خاصة بعد أن رأت الحملة الإعلامية المحلية والعالمية التي استهدفتها ولعل عدم إشراكها في مفاوضات أبوجا يعبر عن التهميش الذي ظلت تشكو منه بالنظر إلى أن الفصائل الثلاثة التي فاوضتها الحكومة يقودها أشخاص لا ينتمون إلى القبائل العربية ولعل البيان الذي صدر من مجلس شورى القبائل العربية يوم 8/6/2006م والذي رهن تأييدها لاتفاق أبوجا بتحقيق »السلام العادل والانصاف الكامل الذي يضمن لها حقوقها المشروعة في العيش بسلام مستحوذة على أنصبتها في السلطة والثروة وأية ترتيبات عسكرية وأمنية« حسب ما ذكر البيان يكشف جانباً من ذلك التذمر .
يضاف إلى ذلك البعد الخارجي في قضية دارفور وارتباط بعض الحركات المسلحة بأجندة خارجية وسأركز هنا على تشاد التي تمور بأحداث جسام حيث لم يستقر الوضع ويحسم لمصلحة الرئيس ادريس دبي الذي ثبت تزويره للانتخابات الأخيرة ومن شأن تطور الأحداث في تشاد أن يؤثر على دارفور بالنظر إلى التداخل القبلي وانتشار السلاح بكل تأثيراته على الأوضاع الأمنية.
علاوة على ذلك فإن إحدى نقاط الضعف الكبرى في اتفاق أبوجا تتمثل في منح السلطة للفصائل المسلحة وليس لأهل دارفور الذين تمردت باسمهم وتاجرت بقضيتهم بالرغم من أن تلك الفصائل مجتمعة لا تمثل أكثر من ثماني في المائة من أهل دارفور وعلاوة على الطابع الانتهازي للحركات المسلحة الذي أثبتته تلك القسمة الضيزى والظالمة فإن الاتفاق مضى في ترسيخ ذلك الظلم حين أفرغ المؤتمر الدارفوري تماماً من أي تأثير وشل حركته بحرمانه من أي دور غير أن »يبصم « على الاتفاق تماماً كما حدث مع المجلس الوطني عقب توقيع اتفاق نيفاشا وبذلك فقد جعل الاتفاق من الكل -المؤتمر الدارفوري- جزءاً ومن الجزء - الحركات المسلحة - كلاً ومنح الشرعية للجزء وسلبها من الكل الأمر الذي جعله مسخاً مشوهاً ظالماً وصعب التطبيق كونه يفتقر إلى قيمة العدل ويكرّس لثقافة البندقية التي فرضتها نيفاشا على الساحة السودانية كوسيلة وحيدة لنيل الحقوق بغض النظر عن الوزن الجماهيري الحقيقي لحاملي البندقية !
لعل تلك التعقيدات هي التي جعلت الاتفاق بشكله الحالي متعذر أو على الأقل صعب التطبيق وليس أدل على ذلك من المادة»48« من الاتفاق والتي تنص على تكوين سلطة دارفور الاقليمية الانتقالية خلال »21« يوماً من توقيع الاتفاق فهل من دليل على أن الاتفاق يواجه مشكلات حقيقية أكبر من ذلك كونه تعثر في محطته الأولى حيث لم تُشكّل سلطة دارفور الاقليمية بالرغم من مضى أكثر من شهر ونصف حتى الآن على التوقيع وهل من دليل على أن معظم نصوص الاتفاق حول تقسيم السلطة تشير إلى الحركات المسلحة الثلاث وتمنحها جزءاً من تلك السلطة بالرغم من أن اثنتين من تلك الحركات لم توقعا ولن توقعا على هذا الاتفاق بشكله الحالي.
في ظل التعقيدات التي أشرنا إليها ليس غريباً أن يرهن مناوي وصول وفد المقدمة- وليس وصوله هو - أو تعيين مساعد الرئيس المشرف على دارفور بولاياتها الثلاث - بتنفيذ ستة شروط لم يرد أي منها في الاتفاق ولم يقررها مجلس الأمن الدولي ! ترى أليس من حق مناوي البحث عن مخرج من الورطة التي دخلها مضطراً واختلاق أعذار أوهى من بيت العنكبوت للتملص من اتفاق يعلم هو وغيره أنه لن يفضي بشكله الحالي إلى سلام دائم في دارفور؟!
الاستاذ/الطيب مصطفى
|
|
 
|
|
|
|
waleed500
عاصم ابوبكر حامد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست