|
جريمة !!
|
علامات استفهام محمد ابراهيم الشوش عندما يصبح الطب مسخرة لست متخصصاً في تناول القضايا الخدمية التي تتصل بمشاكل الناس اليومية. أقول ذلك مجرد تسجيل حقيقة قد لا تهم القارىء كثيراً، فالذين يتفرغون لهذه الغاية كثيرون، يلاحقون الأحداث وتلاحقهم. ولا اقول ذلك معاذ الله - تعففاً أو تعالياً، فالذى لا يشعر بنبض الشارع ليس كاتباً ولا صحفياً ولا انساناً. والكاتب الحق هو صوت من لا صوت له وطبل من لا يملك طبلاً. وعدم تخصصي وانصرافي عن هذا اللون من الكتابة انما نشأ لبعدى فترة طويلة من الزمن عن المسرح المحلي، ومثل هذه المشاكل اليومية لا تأتى - ولا يمكن تناولها - فرادى، وتحتاج الى احاطة كاملة بالوضع الذي نشأت فيه. فالتسيب في قضية ما لا ينحصر فيها بل يرتبط بوضع معين تفرعت عنه قضايا مماثلة. وينطبق ذلك على قضايا الاهمال والفساد. وتناول أي قضية بمعزل عن القضايا اليومية الأخرى المتصلة بالتعليم والصحة والمعيشة والنقل.. الخ، وتخصيص الحديث عنها قد يؤدى الى سوء فهم اذ يوحي بأن كل شىء آخر على ما يرام. وبلدنا والحمدلله يعج بالمشاكل والنقائص والنغائص وكلها تتنافس للاستحواذ على اهتمام الكاتب، وترتبط ببعضها البعض فلا يمكن الحديث عن خلل في مستشفى أو جامعة أو شركة ما اذا كان الخلل شاملاً في كل المسستشفيات والجامعات والشركات. ومهمة الكاتب ألا يركز اهتمام القاريء في قضية فرعية وينسى الصورة العامة. مهمة الكاتب ان يربط ويستخلص النتائج العامة. تحضرني في هذا الصدد قصة الطفل الذي سأل اباه: لماذا رقبة الجمل طويلة كهذا يا أبى؟ اجاب الأب: وما هو الصحيح في الجمل يا بنى حتى تسأل عن رقبته؟ تناول قضايا الناس تحتاج الى احاطة كاملة بالوضع الذي نشأت عنه وذلك لم يتيسر لي. وحين كانت تعترضني مثل هذه القضايا، كنت استعين بصديقى عثمان ميرغنى واعتبره وصديقى الدكتور زهير السراج خير من يتناول هذه القضايا اذ لا تنقصهما الشجاعة والتعاطف والتعبير المتوتر الساخن الذى يثير اهتمام المعنيين وهذا هو المطلوب. لكن معاناة الناس قد نفخت في اشرعة الأخ عثمان ميرغنى وارتفعت به الى ميدان واسع غير واضح المعالم يصارع فيه بسلاح غير محدد السنان والمنشأ والتصويب، ثلاثين آدمياً يديرون في اعتقاده ثلاين مليون نائماً أو غافياً أو متراخياً أو مغشياً عليه من الموت. واخشى ان توقظ الطبول التي بدأ يدقها - بدل الثلاثين مليوناً النائمين، اصحاب السهام الماضية الذين يعرفون اشياء كثيرة يخبئونها لمثل هذا اليوم، فيضيع وقته بعد اليوم لا في حل مشاكل الناس بل في الدفاع عن نفسه. والذى ادخلنى في هذا الحديث عنوان لم افهمه على وجهه الصحيح في بادىء الأمر اذ شخصن القضية وافرغها من محتواها الخطير جداً. يقول بأن «طلاب الطب ببخت الرضا يطالبون بابعاد عميد كليتهم» قلت وأنا أمر ببصرى: سبحان الله لقد انتهى الطلبة من الحرق والضرب واتهامات الفساد الى تعيين العمداء وفصلهم ثم وقع بصرى على الفاجعة الكبرى، القضية ليست قضية عميد يفصل أو يبقى وانما قضية جريمة كبرى ترتكب في حق التعليم والطب ومستقبل العلاج والصحة في هذا البلد، مما يجب ان تتدخل فيه الدولة على أعلى المستويات ومنظمة الصحة العالمية، وان لم ابالغ المحكمة الجنائية. فقد كشف بيان الطلبة ان هناك مساعدين اثنين لتدريس علم التشريح ومحاضرين في علم الكيمياء الحيوية ومحاضراً واحداً في كل من الباطنية والنساء والتوليد والاطفال بينما لا يوجد اي مدرس في اقسام علم وظائف الاعضاء وعلم الامراض، وعلم الادوية، والجراحة، والطب النفسي والجلدية، والعيون، والعظام وعلم التخدير. مثل هذه الكلية لا توجد في اي بلد في العالم الا ان يكون القائمون على الأمر قد فقدوا عقولهم تماماً، كيف نشأت مثل هذه الكلية اصلاً وعلى اي اساس بنيت؟ ألا يحس هؤلاء بالذنب تجاه التعساء المرضى حين يعالجهم طبيب متخرج من هذه الكلية التي ان فقدت المعلم فهي الى الاجهزة والمعدات والامكانات أشد فقراً؟ ثم ماذا يفعل هذا العميد على مدى خمس سنوات على رأس مؤسسة خالية من هيئة التدريس لا تمتلك تقويماً ثابتاً ولا تلتزم بالمواعيد؟ وكيف يأتيه النوم طوعاً أو كرهاً والطلاب يقولون «وما خفى أعظم» وهل هناك شىء أعظم من ذلك. ان على الدولة ان تنشىء فوراً لجنة لتقصى الحقائق وتستعين بخبراء من خيرة كليات الطب في العالم لتقييم هذه الكلية وكل كليات الطب التي نشأت كنبت شيطاني في كل انحاء السودان واغلاق كل كلية غير مؤهلة لتدريس الطب. والطب يتصل بحياة الناس وحياة الناس ليست مسخرة. أما طب بخت الرضا - ان صدق ما يقوله الطلاب عنها - فهي ليست في حاجة الى استاذ تخدير وعندها مثل هذا العميد. الرأي العام 6/6/2006.
|
|
|
|
|
|