كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
|
 ونسة !
|
عرفناه في حينا البسيط المغبر منذ الصباح الباكر والى منتصف الليل .. حي من عامة أحياء السودانيين العتيقة .. شوارع بعضها مضاء وغالبها مظلم به مجارى للسيول ومياه المنازل .. حى به دكان صغير يبيع كل شى من الابره الى حبوب الصداع الى الفول وموية الجبنه لشباب الحى الذين يصنعون (البوش ) فى الامسيات رغم ان لبعضهم ثلاجات بها كل مطايب الدنيا .. اشتراكية السودانيين الاثيرة .. عرفناه رجل يضج حيوية .... اسمه بشارة ... يشجع المريخ للحد الذي يجعله يحرص حتى التواجد أمام بوابة الإستاد بالعرضة جنوب لساعة أو ساعتين (يغالط ) ويشتم ويكبر ويهلل في أحاديث المشجعين التى يغيب فى غالبها المنطق وتحضر العاطفة وأكياس (التمباك ) وأدخنة السجائر (البرنجى ) ، سكن في حينا (عذابى ) لكنه رغم ذلك حاز على براءة (استقامة ) وصك عفة دحضت تماما ( شقاوة العذابة ) التى كانت (مقطعا ) في اغانى السودان يوما ما ، يسبق الجميع الى المسجد خاصة فى صلاة الصبح ويحرص عقب الصلاة على (ورد التيجانية ) ورغم ان المسجد المجاور لسكنه يتبع لجماعة سلفية ترى ان سبحته وأوراده (بدعة ) لكنه لم يكن يابه كثيرا بلفت النظر الذى يرسل اليه بين الحين والاخر وكان يصدهم بالقول .. انما المساجد لله واورادى لله والتيجانية لله ... وكان حين يتلقى بامام المسجد (الحاج صبرى ) يفرد سبحة اللالوب ويفركها وهو يقول والحاج صبرى يبتسم بارتياح .. حاج صبرى ناسك ديل قول ليهم ان بصلى معاهم بسبحتى دى فرضى ونافلتى والله كريم بعدين اكان ادونى (صفر ) انا راضى .. فيضحك العم صبرى ويضجك الحضور وننصرف لم تعلق ضغينة من احد باحد
فى المناسبات يتقدم الصفوف ففى الافراح لا يترك (ملحوظة ) الا بادر بازلتها بنفسه فان اتى مركب (الفنانين ) سال وتحرى عن (المغنى ) حتى يصله ويساله ( اسمع يا ولد انت زول غناى ولا برنسة ساى ) وضوح حارق .. وينتظر الاجابة الخجولة ( والله اهو .. انشاء الله نبسطكم ) يرد المطرب (هاني الحداشر ) وهو يمسح بمنديل انيق على وجهه ويصلح من ياقة قميصه كناية عن الاهمية والرقم (11 ) لسكنى مطربنا الصبي بأحد حارات (امبده ) فيرد (بشارة ) .. (طيب شوف واسمع الكلام دا كويس أول شي عاوزنك تدينا كم حاجة لمحمد ميرغنى وحاجة لود الشفيع وتفتح لينا سحارة الكاشف وتمرق لينا نغم رصين واسمع لو ما حافظ (ضابط السجن ) لود بارا ولا (فى بنات الجيل بشوف حسنك فريد ) من هسة (عدادك ) ناقص وبتمو ليك (بلنجات ) و شكلة تفترتق حفلتك !
ويخرج (بشارة ) ليكمل واجباته فى العرس .. يتفقد الناس والضيوف وله مع هذا ضحكة ندية ومع ذاك مناكفة كروية ضاجة وينحنى فوق (الحاجة سكينة ) وهى امراة عجوز تقاوم الزمان بروح معنوية عالية تضخ فى شرايينها العافية والحياة وشهدت غالب (ميلاد ) ابناء وبنات الحى حتى اللائى تزوجن والذين هاجروا وساحوا فى الارض لذا تكون حاضرة فى اسئلة الخطابات والهواتف وثرثرات العائدين فى استقبالات المطارات .. كيف فلان وفلان و(حاجة سكينة كيف بالله ) ، ينحنى بشارة ويدور بينه والحاجة سكينة حديث طويل ينتهي بان يجرى من أمامها وهى تصيح .. الله يقطع طاريك يا مسلط .. وهو يضحك والفضول يجتاح من يتابعون المشهد !
بشارة حين يبدا الغنا ينصت لبرهة ثم يقتحم الساحة بمنكبه العريض وصوته الجهورى (ابشروا ) ويمر على الجميع ويستقبل بحفاوة بالغة فان كان المطرب من اولئك المطربين (الافراج المؤقت ) غادر الحفل متسللا وتسللت خلفه ومعى استاذ حسين وصباحى موظف المطار ادريس وكيل النيابة الذى يحرص على اخفاء وظيفته لانه اكثر الناس مرحا وثرثرة فى المجلس نتسلل الى مجلس مسائى يقيمه بشارة امام منزله يبدا (الحضور ) فى الوصول اليه بعد العاشرة مساء حين يرش ساحة صغيرة امام مدخل بيته حتى (يتبلك ) التراب من الماء ثم ينثر (خمسة او ستة ) من كراسى الجلوس الكبيرة وفى طرف مقامها (حافظة مياه بارده ) وطاولة صغيرة يرفعها بالواح من الطوب – يجمعها كل يوم لان البعض جعلها (اقوان ) للدارفورى – وعلى الطاولة يضع مسجل (NATINOAL ) عتيق لكنه (محافظ ) بجواره اشرطة كاسيت لقائمة بيضاء ( محمد ميرغنى ) (عبد الرحمن عبد الله ) ومحمد الامين وعبد العظيم حركة وزيدان ابراهيم والبلابل والاخطر شريط كاسيت (غناء عود ) لاحمد جاويش ... ضاعت كل رجاءاتى لبشارة وقبرت فان اعرف مصدره او انسخ منه نسخة واحدة تروى ظمائ لغناء احمد شاويش هذا المبدع ... والانسان
يا الهي لبشارة مجلس (مبالغة ) قمة الإمتاع والمؤانسة حين تنزلق الأحاديث هنا وهناك فن وسياسة وكرة وتصوف و(حركة ) يطوف بروحه فوقنا (ارض الحبايييييييييييييييييييييب ) يا رمز المحنة مغنيا لكسلا و(القليب الراسمو حنة يبدو من قلبك احنا ) ... ومجلسنا يتمدد ويتسع ساعة بعد ساعة فكل ما غذى الليل السير الى حلكته كلما اتانا ضيف و(عضو ) واحيانا عابر سبيل يسالنا عن (جرعة عمارى ) او (دكان فاتح ) ثم نصر عليه ليكرع جرعة ماء باردة واحيانا توجد (فوله ) وافدة الينا من (ابو الزهور ) ياتى بها صديقنا (فخرى ) وهو شاب نحيل وهالك رغم انك اذا رايته (ياكل ) لاصبت بالذعر فهو (حريف سفسفة ) وصناعة الاشتهاء للاكل اذا رايته يعد الطعام ويشرف على اعداد صحن فول لاخذك العجب فى ضبطه لمقادير صناعة طعام لا تنساه قط ولو كان فى بساطة فول بزيت سمسم وبعض الملحقات الصغيرة .
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
 Re: ونسة ! (Re: Osama Ahmed)
|
| Quote: اشتراكية السودانيين الاثيرة |
وعبر الأثير..
تحايا لفتة النظر للمساكين رحمة..
وياها..
اللفتة بارعة..
| |
|
|
|
|
|
|
| |
محمد حامد جمعه
على محمد على بشير
Osama Ahmed
A.Razek Althalib
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست