|
قصص قصيره من أمدرمان القديمه...!!
|
حكاية قصيرة حاج مقبل والحرامي/هلال زاهر الساداتي Nov 26, 2006, 11:36
سودانيزاونلاين.كوم Sudaneseonline.com
ارسل الموضوع لصديق نسخة سهلة الطبع
حكاية قصيرة
حاج مقبل والحرامي
كان حاج مقبل رجلاً جسيماً يخيل للرآءي انه ربما كان ممن تبقي من سلالة العماليق من البشر الذين انقرضوا في التاريخ وتبقت فضلة من جيناتهم انفلتت من الاندثار , واكثر ما يطالعك فيه ذراعان وكفان كمقذافي المركب , وقدمان كجسم المركب ذاته ولا يوجد لهما مقاس بين الاحذية فهما في التوصيف ( اكس اكس اكس لارج ) , ولذلك هو ينتعل مركوباً يفصله تفصيلاً عند الحذّاء والمركوب له من الحجم والثقل ما ينوء بحمله الطفل الصغير , وكان الي جانب انتعاله لذلك المركوب يستعمله كسلاح عند الضرورة مما سيجئ ذكره لاحقاً , وكان تبعاً لحجم الرجل كل ما يمت اليه بصلة من لباس وادوات , وكان نسيج وحده في ملبسه فكان يلبس عراقي وسروال وطاقية علي رأسه صيفاً وشتاء و ولم نره مرة واحدة يرتدي جلابية , وكان يزين وجهه الضخم شارب كبير ولحية مستديرة متوسطة الشكل , ويحمل في يده طول الوقت مسبحة طويلة حباتها كبيرة في مثل جسامة صاحبها . وكان للرجل دكان في السوق لتأجير الدراجات وتخصص في نوع واحد من العجلات له اطارات عريضة تستطيع السير في التراب والرمال والاماكن الوعرة من الطرق وكان يطلق علي الواحدة اسم ( العجلة الدبُل ) والحق ان دراجات الرجل كانت جيدة ولذلك يؤجرها بسعر أغلي من اسعار المحلات الاخري في السوق , فقد كان ايجار الدراجة قرشان للساعة الواحدة بينما ايجارها بقرش ونصف قرش في السوق , وكان لا يتسامح ابداً في التأخير أي اذا تجاوز المؤجر الزمن ولو كان نصف ساعة او اقل , ولذلك كان الاطفال والصبية يتفادون التعامل معه . هذا في السوق , واما في الحلة فانه كان يضطجع او يجلس علي عنقريب منخفض بدون فرش امام باب منزله منذ اول المساء وجل ساعات الليل , وبجانب العنقريب تجد فروة الصلاة و ابريق الماء . وفي احدي الليالي شق سكون الليل صراخ النساء مستغيثات ( ووب علينا – الحرامي – الحقنا يا حاج مقبل – ووب ووب – الحرامي – الحرامي ) , وكانت الاستغاثة آتية من بيت جيران حاج مقبل , ونهض من عنقريبه مسرعاً وفي لحظات هدر صوته ( افتحوا لي الباب – افتحوا الباب , ومع فتح الباب اندفع كالصاروخ داخلاً , واختلط الصياح مع كلام الحاج , وتبين من الضجيج قولهن : ( الحرامي جوه التُكُل ( المطبخ ) , وقال الحاج للنسوة : ( ادخلن جوه وخلوا لي النجس ده ) , وخاطب الحرامي بصوت مجلجل : اطلع بره يا زول والله لو دخلت ليك حأجيب أجلك , وامسك بفردة مركوبه شاهراً لها كالسيف , وبعد برهة من الزمن اندفع الحرامي خارجاً , واستقبله الحاج بضربة صاعقة من مركوبه علي رأسه , فوقع الحرامي مغشي عليه , وحمل الحرامي علي كتفه الي الخارج , وصاح بابنه ليأتيه بحبل والسوط وجردل ماء . واتلم الجيران واهل الحلة القريبين وكل متحفز ليصيب الحرامي بصفعة او ركلة في انتظار صحوته من غشيته , وكتف الحاج الحرامي وربطه الي رجل العنقريب وصب عليه اكواباً من الماء , وكان الوقت شتاء , فانتفض الحرامي صاحياً وهو يرتجف من البرد والخوف , واراد كثيرون ضربه ولكن الحاج حال دون ذلك قائلاً لهم : ( خلوه لي ) , واستقبل الحرامي بضربات موجعات من السوط , ويعقبه بصب الماء عليه ويردفه بلسعات السوط , والحرامي يصيح ويتوسل والناس يحمسون في الحاج قائلين ( جودوا الكلب النجس ) , والحاج لا يحتاج الي وصاية , فضربة واحدة منه ربما تعادل عدة ضربات من الرجل العادي , ويصيح الحرامي شقي الحال , ( يا اخوانا سلموني للبوليس – يا حاج خلاس تبت – يا اخوانا انتوا ما مسلمين – ما قلنا ليك خلاس يا حاج – والله تبت لله ورسوله ) – ولكن كل ذلك لم يحرك ساكناً في الحاج , واستمر في مباشرة عمله التأديبي بهمة ونشاط وربما خالطه بعض الانتشآء , وكأنه يؤدي واجباً مقدساً , ويزيد من حماسه تشجيع المشاهدين الملتفين حول الحرامي وصياحهم ( جودوا – جودوا كمان ) , وبكي الحرامي بصوت عال وتوسل : ( عليك الله يا حاج – عليك النبي – عليك شيخك خليني – تبت لله والرسول ) والي هنا اظهر البعض الرأفة بالحرامي المسكين الذي كان يرتجف كورقة في مهب الريح وتسيل دموعه علي وجهه مختلطة بقطرات الماء الذي يصبه الحاج علي جسده كله , وأخيراً اكتفي حاج مقبل وفك وثاق الحرامي واطلق سراحه والذي انطلق كالمقذوف الناري جارياً بكل قوته مبتلاً مضروباً مذعوراً .
هلال زاهر الساداتي
25/11/2006
|
|
|
|
|
|