|
اسوأ رئيس ... بقلم جهاد الخازن
|
جهاد الخازن الحياة - 21/05/06//
هل جورج بوش أسوأ رئيس أميركي في السنوات المئة الأخيرة، أو في التاريخ الأميركي كله؟
لست من الجرأة أن أسأل هذا السؤال، وإنما أنقل عن دراسات عدة بدأت في أوائل 2004 وازدادت مع كل خبر سيئ من داخل الولايات المتحدة، ومن العراق وأفغانستان وكل مكان حول العالم.
الجدال ثار بعد أن أجرت جامعة جورج ميسون وشبكة أخبار التاريخ استطلاعاً شمل 415 مؤرخاً طلب منهم تقويم أداء جورج بوش، فقال 80 في المئة منهم أنه يعتبرون أن إدارته الأولى فشلت، وقال أكثر من نصفهم إنهم يعتبرونه أسوأ رئيس منذ الانهيار الاقتصادي الكبير في الثلاثينات، وقال 12 في المئة إنه أسوأ رئيس على الإطلاق.
المؤرخون من الفئة الأخيرة زادوا كثيراً منذ 2004، وقد صرح بعضهم بأنه أصبح يعتبره أسوأ رئيس لأن الاستطلاع سبق الإعصار كاترينا وانهيار الوضع في العراق، والتنصت على الأميركيين.
عندما يُسأل الأميركيون عن رؤسائهم، يختارون دائماً جورج واشنطن وأبراهام لنكولن وفرانكلن روزفلت كأفضل ثلاثة رؤساء. أما أسوأ رؤساء فهم عادة جيمس يوكانان الذي أدى تردده الى نشوب الحرب الأهلية، وأندرو جونسون الذي تبع لنكولن بعد اغتياله وكاد يعزل، واتهم بممالأة الجنوبيين وعرقلة إعادة التعمير، ووارن هاردنغ الذي ترأس إدارة فاسدة، وهربرت هوفر الذي انهار الاقتصاد في أيامه... ولن أزيد هنا ريتشارد نيكسون فهو مكروه واضطر الى الاستقالة تحت وطأة فضيحة ووترغيت، إلا أن إنجازاته حقيقية، خصوصاً في السياسة الخارجية.
الآن جاء جورج بوش ليسبق كل هؤلاء في الفشل، فهناك سؤالان يحكم بالجواب عنهما على كل رئيس: الأول كيف واجه تحديات يومه، والثاني هل الأميركيون في نهاية عهده أفضل وضعاً منهم في بدايته.
نحن نحاسبه على العراق، وكذلك يفعل الأميركيون، وسأعود لاحقاً إلى الحرب لإسقاط صدام حسين والكذب الذي سبقها وأحاط بها واستمر حتى اليوم. غير أن كوارث إدارة بوش لا تقف عند العراق.
جورج بوش ورث عن إدارة بيل كلينتون سنة 2001 فائضاً في الموازنة بلغ 86.4 بليون دولار. وكان أن بوش خفض الضرائب وتسبب في عجز قياسي في كل موازنة سنوية لاحقة وضعتها إدارته، حتى أن مجلس الشيوخ صوّت مرة أخرى في آذار (مارس) الماضي لرفع سقف الدين العام بمبلغ 781 بليون دولار فوصل إلى تسعة ترليونات دولار، بعد ان كان 5.7 ترليون دولار في آخر سنة مالية قبل بوش. غير أن أرقام الموازنة الجديدة التي أقرت الأربعاء الماضي، وحجمها 2.7 ترليون دولار رفعت سقف الدين الى 9.6 ترليون دولار.
الأرقام تبدو خيالية، ومع ذلك فهناك أكبر منها لأنها لا تشمل نفقات الضمان الصحي والتأمينات الاجتماعية، فهذه البرامج في عجز يبلغ حوالى 43 ترليون دولار، بزيادة تبلغ 20 ترليون دولار على رقم السنة ألفين. بكلام آخر، الإدارة في حاجة إلى 43 ترليون دولار لتغطية جميع التزاماتها نحو مواطنيها في مجالي الطبابة والتأمينات.
الأرقام السابقة صحيحة على رغم أنها تبدو خيالية، فأعود بالقارئ إلى ما يهمنا شخصياً منها، فالحرب في العراق كلفت الولايات المتحدة وحدها حتى الآن 300 بليون دولار، وكانت الكلفة على الجميع، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة والعراق نفسه 500 بليون دولار. ويرجح الخبراء أن التدخل العسكري الأميركي لن ينتهي حتى تكون نفقات الحرب على الولايات المتحدة وحدها قد وصلت الى ترليون دولار.
موازنة الدفاع الأميركية في الموازنة الأخيرة بلغت 558 بليون دولار بزيادة سبعة في المئة عن السنة الماضية، وهي بذلك أكبر من مجموع موازنات دفاع دول العالم الأخرى مجتمعة، وهذا بعد نهاية الحرب الباردة ووقف سباق التسلح.
مع ذلك الولايات المتحدة اختارت في الأيام الأخيرة توبيخ روسيا والصين على انفاقهما العسكري، بل هي حاضرت روسيا في الديموقراطية، كما لو أنها نشرت الديموقراطية فعلاً في الشرق الأوسط كما وعدت.
نائب الرئيس ديك تشيني وبّخ روسيا زاعماً أنها تستخدم سلاح النفط والغاز لابتزاز جيرانها، وهو ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد تحدثا عن دور غير مساعد لروسيا، وتبعهما الناطق باسم وزارة الخارجية شون ماكورماك فتحدث عن إنفاق روسيا العسكري وكم تحتاج لدفاعها. وقد رد الرئيس فلاديمير بوتين بالقول أن روسيا ستعزز قوتها التقليدية والنووية للدفاع عن نفسها ضد الضغوط الخارجية.
أما الصين فاتهمها ماكورماك بأنها منهمكة في توسيع قواتها وأسلحتها النووية وطائراتها وصواريخها البالستية. وأضاف: «نعتقد بأن التوسع العسكري الصيني يزيد على حاجتها».
وهكذا فمسؤول أميركي يقدر ما هي حاجة الصين، ويكاد يكون الأمر «نكتة» لولا أننا نتحدث عن أسلحة نووية وصواريخ، فالولايات المتحدة تعترض على الإنفاق العسكري لروسيا والصين، مع أن إنفاق كل منهما لا يزيد على 30 بليون دولار في السنة في مقابل 558 بليون دولار للولايات المتحدة كما أسلفنا.
المنطق يقول أنه يفترض أن تحتج روسيا أو الصين على الإنفاق العسكري الأميركي لا العكس، غير أن المنطق غائب في إدارة بوش، لذلك فشعبيته داخل الولايات المتحدة هبطت إلى أدنى مستوى لها حتى لم يبقَ دونه سوى ريتشارد نيكسون في أحلك أيام فضيحة ووترغيت.
وقد هبطت شعبية جورج بوش في الخارج أيضاً بعد أن كانت ارتفعت كثيراً عندما تعاطف العالم كله مع الولايات المتحدة بعد إرهاب 11/9/2001. وتُظهر استطلاعات الرأي العام في أوروبا تراجعاً في شعبية الرئيس وبلاده، وقد سحبت إسبانيا قواتها من العراق، وبدأت هنغاريا وبولندا وأوكرانيا وهولندا وإيطاليا سحباً تدريجياً لجنودها. ومن نافلة القول إن شعبية الرئيس وبلاده أدنى ما تكون في البلدان العربية والإسلامية مثل مصر والمملكة العربية السعودية وتركيا وباكستان.
هل يستطيع جورج بوش أن يخرج من الحفرة التي أوقعته فيها سياسته الخرقاء لينجو من لقب أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة؟ ليس لي رأي في الموضوع غير أن المؤرخين يستبعدون ذلك، فأكمل غداً.
|
|
|
|
|
|