وأنا أعود من أهلي لأواصل الدراسة في مدرسة حنتوب الثانوية بعد توقفها لمدة ثلاثة أيام ، هي أيام الحداد على القائد جمال عبد الناصر ، نزلت في منطقة السوق الصغيّر بمدينة ود مدني من البص الذي أقلّني من قريتنا ، وحملت حقيبتي الصغيرة على كتفي ، واتجهت بالبصات الداخلية ( ضل وكنب ) إلى السوق الكبير . وفي موقف بصات السوق الكبير تجولت على الأكشاك التي تحيط بالموقف من كل جانب ، ثم اتجهت راجلا إلى منطقة سوق الخضار ،، وهي كانت منطقة محببة لي ، لا أزور مدينة ودمدني إلا وأجد نفسي متجولا بين بائعي الخضار ، حيث كانت تشدني ربط الجرجير والفجل ، وأكوام الطماطم ، والعجّور والتبش ، والورق ، والملوخية ، وغيرها من خيرات الجزيرة والنيل الأزرق ،،، كما أن ذاك البوفيه الذي يتوسط السوق وتدور خلاطاته بأنواع العصير الطازج من البرتقال والموز والمانجو والجوافة والقريب فروت كان دائما يشدني ، فكنت أدلف إليه وأتناول كأسا ( كباية ضخمة مضلّعة مصنوعة من زجاج سميك ولها مقبض ) وأدفع للرجل سبعة قروش وأنا راض تماما ، وكانت الجوافة باللبن تعلو قائمة طلباتي دائما ، وأخرج من السوق وأنا ممتلئ شبعا ، أتجشأ نكهة الجوافة والحليب المقنن ،،، ومن هناك أتجه نحو البنطون وطبعا أفضّل الرفاص الخاص بالمدرسة لأنه يوفر عليّ قرش تذكرة البنطون ... وفي زيارتي تلك وأنا أسير وأتلفت بين محلات بائعي الخضار ، إذا برجل يناديني : يا أخينا ، يا أخينا ، يا أخينا ... التفتّ ناحية الصوت ، فإذا برجل في أربعينات العمر ، ضخم الجثة ، ضخم العمامة ، نظيف الثياب ، يتصبب عرقا ، كان هو الذي ينادي . قلت له وأتبعت قولي بإشارة إلى صدري : أنا ؟ قال : أيوة . مد الرجل يده ، وسلّم عليّ ، وقال : أنا مشبّهك يا يا ولدي إنت من أولاد وين ؟ فأجبته مباشرة : أنا من معتوق .. فعانقني الرجل ، وقال لي : يا سلاااام ، أنا برضو قلت كده ... أظنّك ما عرفتني ؟ قلت : لا والله . قال : أنت ود منو في معتوق ؟ قلت : أنا ودقاسم . قال يا سلاااام ، بالله إنت ودحاج قاسم ؟ مسألة حاج قاسم هذه نبّهتني ، وجعلتني أفكر في طريقة الخلاص ، فلا يوجد شخص في معتوق يدعى حاج قاسم ، كما لا يوجد شخص في معتوق لا يعرفك حين تقول أنك ودقاسم ... لكنه يقول لك ، بالله إنت من ناس ودقاسم ،،، هكذا فقط يتأكد لك أن الرجل يعرفك وأنه من معتوق ،،، بدأ الرجل يشرح مشكلته : أنا عمك فلان ود فلان ، من معتوق ، وقاعد هنا في الاسبتاليا ، عندنا حاجة فلانة عيّانة ، والجماعة ليهم تلاتة يوم ما جونا ، ولا رسّلوا لينا مصاريف ، أها أنا قلت خليني النّشوف ود أخوي ده يمكن يدينا حاجة تمشينا لي حد ما الجماعة يجيبوا لينا مصاريف ... أجبت الرجل بعدم إمكانيتي مساعدته ، وقلت له أنني طالب ولا أملك أي مال أقدمه له ،، وأنني لا أملك حتى قرش البنطون ... ترجاني الرجل أن أقدّم له أي شئ . لكني بدأت في الانسحاب ،،، واتجهت من هناك لشجرة الحراز الواقفة أمام مشرع البنطون ، وصممت أن أنتقل لحنتوب فورا بأقرب الوسيلتين ، البنطون أو الرفاص خوفا من أن يلاحقني الرجل ،،، وكان ذلك اليوم الوحيد الذي لم أتناول فيه كأس العصير الذي اعتدت أن آخذه كلما مررت بسوق الخضار ... وفي حنتوب كان معي من أيناء معتوق ما لا يقل عن عشرة ، سألتهم جميعا عن أي مريض من معتوق يرقد بمستشفى مدني في تلك الفترة فأكّدوا لي أنه لا يوجد أحد ،،، وأعدت عليهم الأسماء التي أوردها الرجل فقالوا أنّها أسماء لم يسمعوا بها ،،، كان الرجل نصّابا ، يريد نهب مصروفي ، لكني لا أعلم بقية خطته ...
03-22-2005, 10:44 PM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
بس أعتقد لازم يكون له ضحايا ... تعرف أنا لما رجعت في الإجازة حكيت للوالد ، قال لي : والله اتلومت ، كان تديهو ريال وللا خمستاشر قرش ، يمكن يكون جيعان ،،،
03-23-2005, 05:56 AM
THE RAIN
THE RAIN
تاريخ التسجيل: 06-20-2002
مجموع المشاركات: 2761
أبو ذر المطر تأتيني تحاياك من أعالي الجمال ، فتعيدني إلى تلك البقعة الشامخة التي أخرجتنا إلى هذا العالم من بين ذرات رمالها، وشعابها التي تدفق في الأزرق فتحرك ساكن أمواجه وكأنها قد تشبعت بروحنا الطلابية التي كانت تكتنفنا في ذاك الزمان ، في ذاك المكان ،، ومدني كانت - في نظر سكان حنتوب وطلابها- جزءا من حنتوب ،، ومن أغرب الشياء أنني كنت أحس بالأمان وأنا في حنتوب وهي قبل الكبري كانت تعتبر بقعة نائية ،،، لكنّ أشجار النيم ، والميادين الخضراء وجنائن الشاطئ كانت تملؤنا إلفة وتحتضن صبانا ، فنألفها كما نألف أسرنا وقرانا ... ونصب ذاك الزمان يختلف عن نصب اليوم ،،
ود قاسم لك التحية بس عندي سؤال عندما اجبته بأنك لا تملك حق البنطون هل كنت صادقا؟ واذا كانت معك نقود هل كنت ستعطيه؟ على العموم قصة حلوة وبصراح اتتيع ما تبكتبه بشوق وانت ومعك آخرون
03-23-2005, 11:28 PM
saif massad ali
saif massad ali
تاريخ التسجيل: 08-10-2004
مجموع المشاركات: 19127
لاحول ولاقوة الا بالله ,اسع الزول ده مالقي الا الطلبة ينصب عليهم .علي اي حال خير عرفناك كده من معتوق عندنا واحده علي النيل الابيض اسمها ام عتوق بالرطانة همشكوريب
03-25-2005, 11:09 PM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
سيف لك التحية أعتقد أن الرجل كان يعرف حساباته جيدا ، فمدينة مدني كانت تعج بالمدارس ، وبالطلاب ، فكل أنحاء الجزيرة وغيرهم من أبناء المناطق الأخرى كانوا يفدون إلى مدني إما طلابا في حنتوب أو مدني الثانوية أو غيرها من مدارس مدني في تلك الفترة ،، والرجل يعتبر هؤلاء قليلي التجربة أو على الأقل يمكن دغدغة مشاعرهم برسم سيناريوهات معينة ... أهلا بك ضيفا علينا في معتوق ، فأهل القطينة وخاصة أهلك الدناقلة عاشوا بيننا في معتوق ، ومنهم العم المرحوم أحمد كورينا ، وعلي محمد علي شقيق الفريق بشير محمد علي ، وأبناء أحمد طه ، وعبدون طه ، وعبدالله الزين ، واشخاص آخرين لا تسعفني الذاكرة الآن في استحضار أسمائهم ،، وقد عاش بعضهم سنوا عديدة وبعضهم توفي هناك في معتوق .. وبين معتوق والقطينة علاقات قوية جدا ،،، وربما أنك تعرف أبناء مالك أحمد الشيخ من أبوحبيرة والدويم ، وهم أيضا مرتبطين بمعتوق ...
03-24-2005, 01:14 AM
ودقاسم
ودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146
أخي الرشيد لك التحية أنا كنت عائدا من أهلي ، ومن المؤكد أنني كنت أحمل في جيبي مصروفي ،،، فالمسألة ليست مقام صدق أو كذب ، المسألة كانت مقام حيلة وتصرف ،،، كان تفكيري منصبا في أنني لو حاولت التكرّم على الرجل بجزء من مصرفي فسيقوم الرجل بخطف محفظتي التي تحتوي كامل المصروف ،،، كنت أتصرف وأنا مقتنع تماما أن الرجل يحاول أن ينصب عليّ .. لذا لم أفكر مطلقا في أن أمنحه شيئا مما عندي ..
03-24-2005, 01:36 AM
A.Razek Althalib
A.Razek Althalib
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 11818
عبد الرازق الطالب سلامي بالرغم من أن الرجل كان جهامة ، وكنت أمامه كقزم إلا أنه لم يتمكن من مراده ، وقد كشف نفسه بسهولة لم يكن يتصورها ،،، وكنت أقول أن هذا الرجل بصحة وعافية ويمكنه القيام بعمل ما لينقذ نفسه من الوضوع الذي يعيشه إلا أن الإنسان أحيانا يرتكب الجرم بحق نفسه ..
الاخ العزيز ودقاسم اذكر وانا برلوم فى امريكا,وقد تم تحذيرى مرارا من النصب والنصابين وذلك بحكم المنطقه التى كنت اسكن بها.. احدى الليالى كنت عائدا للمنذل وعند خروجى من السياره ظهر شخص فجاه فى الظلام و اخبرنى ان لديه "جذمة" جلدايطاليه فاخره ماركتها مشهوره اظنها جورجانى او شئ من هذا القبيل. المهم ..طلبت منه ان افحصها جيدا قبل اتمام البيعه... وفعلا ..تحسستها جيدا و تاكدت انا جديده لنج..قمت بشمها للتاكد من رائحه الجلد الاصلى...قلبتها عده مرات للتاكد من خلوها من اى عيوب..كنت احس ان هناك شئ ما و لكننى من اتمكن من معرفته بالرغم من كثره التدقيق و البحث.. المهم تمت البيعه ورجعت البيت وانا اطير فرحا ولاثبت للشباب العــزابه اننى تفتيحه و ما بتغشا... طلب منى الشباب رؤيه "الجذمه" العجيبه كانت المفاجاه الفردتين شمال... لم انم تلك الليله من الخجل و الغيظ.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة