|
الآن علمت فانطلقي !
|
منصور شاشاتي
وتعلمت معك ، كيف أهفو لصحبة الجبل.. كيف استلقى على العشب اليابس ، وأحسب عدد النجوم .. استجدى حدائق الليل علها تعيرني ، لأجل عينيك، نصف القمر.. تعلمت منك أن أفتح عيني على الدنيا ، فلا تكون رتيبة. فأنت أعطيتني قدر الحياة الحلو الذي نسيناه : دهشة الطفل، وأن نرى لألف ، وبألف عين تكرر الأشياء !.. لأجلك أكتب ، وأنا من أقسم قبل أن يراك ، بأن المستحيل هو العشق ، وبأن الحب كلمة جوفاء يرددها المذياع ، ساعة نقود السيارة ، وسط زحمة الشوارع والناس والأشلاء.. نقرأها في كتاب منسوخ ، أو تأتى على لسان أسفه الشعراء. فنتلهى بها، مع قهوة العصر، أو في حانات المدن الغريبة، عندما يأتي المساء.
ولأن الثابت فينا لا يتغير ، أقنعت نفسي بأن الأفضل هو الذي كان ، حتى أكتشف معك العشق فأدركت بأن المتغير فينا هو الأجمل !! وللحظة ، كدت أن أقلب كل معايير الموروث بذاتي.. ولكن.. تريدين أن تعرفي لماذا؟! لماذا ترحلين أنت وأبقى ؟!
نعم سترحلين، لأن هاجس الرحيل يسكنك منذ التقينا. أما أنا فأبقى.. لأن القاطن في بالوعة وحل ، ولأني أضج بعقد الدنيا ومن فيها.. فأنا ابن المأساة العربية ، الذي يجيء في زمن التخندق والقناصة ، والزحف على حد السيف ، والموت برصاصة لا يعرف من أطلقها كيف!!
الآن علمت ، فانطلقي، ثم لا تسألي عربيا واحدا لماذا ؟ لماذا يموت فينا الفرح قبل أن يولد. ؟ لماذا.. لماذا.؟
الآن علمت، فانطلقي، ولا تسألي عن أية صدفة هوجاء تلك التي أتاحت لنا بأن نلتقي.. فأنت فراشة صيف تسافر بحثا عن حقل ورود.. قد تنخدعين ببالوعة وحل، ولكن لبعض وقت.. فهنا لا يبق إلا الدود.. أرجوك أن ترحلي الآن وقد علمت بأن هذا الطين الفاسد فينا ، لن يخلق إنسانا.. ولن يكون على يديك ، البدء والتكوين ، فلست إلها.. ونحن لا نعيش زمن الثورة ، مذ هجرنا الحلم ، وطرحنا الضلع ، في صديد الشهوة والأكذوبة.. فكيف تنتظرين أن تتحقق فينا، وعلى يديك أنت ، النبوة والأعجوبة !!
تعلمت منك الكثير، فدعيني الآن لجرحى.. لن أقاتل.. لن أصفق للقاتل، ولن أذرف دمعة حزن واحدة على المقتول. وباختصار شديد، أريد أن أقول ، بأنني اكتشفت الآن، أن المغول لم يدمروا بغداد.)!!
|
|
|
|
|
|