|
ماهي العلمانية مقال جديد لدكتور عمر عبد العزيز
|
من هم العلمانيون ؟
العلمانية مصطلح حديث قديم كثر الجدل حوله وتباينت الآراء حول تعريفه فيما اختلطت الأيديولوجيا بالمعرفة المجردة وقوفا على هذا المصطلح وتنويعا عليه . بعض الآراء تجير المصطلح على العلم وتتعمد نطق كلمة العلمانية ( بكسر العين ) أي بتجييره على العلم .. وهذا الرأي ينطلق من ان هذا المصطلح قرين الفكر المادي الاوروبي او ما يسمى أحيانا بالمذهب الرياضي الجبري او بالرؤى البرهانية العقلية .. وبغض النظر عن المسميات فان أنصار هذا التعميم يعتبرون العلمانية دليلا على الاعتداد المطلق بالعقل الصرف وتبعا لذلك بمركزية الإنسان في الفكر والوجود وهو مايتعارض مع القوانين الإلهية السابقة على الإنسان والأكثر شمولا من قدراته المحدودة . هذا النوع من التعريفات يأخذ على العلمانية مثلبة الاقتصار في قراءة الشواهد والتجليات على الحالة الإنسانية وحدود إدراكها مما يجعل العلمانية في مجابهة مؤكدة مع الدين من حيث انها لا تعتبر الدين إلا طقسا فرديا يهم صاحبه ولا علاقة للأمر بالمجتمع او العلم .. هكذا !!. الرأي الآخر والأقرب الى الحقيقة يجير العلمانية على العالم .. أي على تلك الرؤية الكونية التي ترى في التجليات والشواهد العلمية والثقافية تعبيرا عن تداخلات إنسانية وحضارية مؤكدة وسياقية . هذه لنظرة وجدت مقدماتها التاريخية عند المتصوفة المسلمين ممن اعتبروا الظواهر الكونية والاختلافات الدينية تعبرا عن اصل واحد يتوق الى التوحيد ولكن بطرائق متباينة وأساليب متعددة . ولم تكن تلك النظرة الصوفية قاصرة على المسائل العقائدية بل ايضا على ظواهر الوجود التي تؤكد في نهاية المطاف الحقيقة الكلية للناموس الإلهي الساري في الكون والطبيعة والمجتمع . تلك النظرة لم تأت من فراغ بل من الأصل الحنفي الابراهيمي لعقيدة التوحيد التي مثل الإسلام ذروة سنامها وخلصها من شوائب الشركيات والاجتهادات الدنيوية الكثيرة . تاليا دخلت اوروبا في تفاعل حيوي مع هذا الفكر حيث تمثلها القديس الانجيلي توما الاكويني .. ايضاسافونارولا وجوردانو برونو ممن مهدوا لعلاقة سوية مع العلم والعالم ولم يتقاطعوا سلبا مع الديانات او الفلسفات السابقة عليها .. وبهذا القدر مهدوا للعالمية بالمعنى التي ذهبت اليه العلمانية الاوروبية المتجددة . العلمانية في هذا السياق تعني مشروعا يتجاوز المحلي والإقليمي الى العالمي والكوني .. لكن هذا المشروع قد يكون ارادويا مركزيا كما هو الحال مع نظريات المركزية الأوروبية او مع الامركة الثقافية الراهنة مما يعني ان الفكرة بذاتها ليست هي المشكلة بل من يقوم على تبنيها وتطبيقها .. فالحاصل ان الذين يتبنون الأفكار الإنسانية الطبيعية يحيلونها الى مشاريع سياسية وينمطونها ذهنيا ويقعرونها تنظيرا مما يصبغ عليها طابعا مجافيا للأصل الذي قد نختلف حوله ولكن دون ان نفقده معناه الاول.
|
|
|
|
|
|