|
الأستاذ معاوية يس في : ندوة تضيء ملامح فن «الحقيبة» والمرجعيات التراثية -
|
ضمن نشاطات الخرطوم عاصمة للثقافة العربية ندوة تضيء ملامح فن «الحقيبة» والمرجعيات التراثية
دبي ـ حازم سليمان: يتسم المناخ الثقافي السوداني بالكثير من التنوع والخصوصية، الأمر الذي منحه جملة من المميزات التي قلما يتمتع بها بلد عربي آخر، نظراً لتنوعه الجغرافي والعرقي والحضاري، هذا التنوع كانت إفرازاته الدائمة على الأشكال الثقافية الأدبية والبصرية والسمعية، ومن هنا فإن اختيار الخرطوم عاصمة للثقافة العربية لهذا العام يعتبر اعترافاً حقيقياً بهذا التنوع الفني، ويعطي فرصة مطلوبة لهذا البلد في أن يعبر عن هذه الخصوصية الثقافية. وأن يُظهرها ويبرز مقوماتها للكثير من الناس الذين لا يعرفون الكثير عن ثقافة هذا البلد لأسباب عديدة لسنا في وارد ذكرها الآن. إن الغناء والموسيقى في السودان يمثلان أبرز أشكال التعبير الإبداعي وفي الوقت نفسه يمثلان أكثر المساحات ظلمة بالنسبة للمتلقي العربي، الذي لم تتح له الفرصة حتى الآن في التواصل الموضوعي مع أنواع وأشكال هذا الفن، الذي يعاني إهمالاً حقيقياً على مستوى التوصيل والتوثيق. وخاصة تلك الأشكال القديمة منه، كفن «الحقيبة» الذي انبرى معاوية ياسين عبر محاضرته التي استضافها النادي الاجتماعي السوداني لتقديم إضاءة عليه الذي رأت تسميته النور في عام 1954، وهو بذلك من الأنماط الفنية المعاصرة، حيث يجزم الباحثون في تاريخ الغناء في السودان ان الأغنية الحديثة ولدت في مستهل القرن العشرين. إلا أن السودان عرف العديد من الأشكال الغنائية مثل «العديل والزين» و«الدلوكة» والمناحات، وكان الدوبيت الأكثر شيوعاً وبدع فيه الشعراء الأوائل، لكن المناطق السودانية الأخرى وبعيداً عن العاصمة كانت تعيش فن الطمبورة مع واحد من الفنانين الذين حققوا شهرة كبيرة، وهو محمد ود الفكي بابكر. وأشار معاوية ياسين إلى ان الشكل المبدئي الذي اتخذته أغنية «الحقيبة» ظل يترك ظلاله على الغناء حتى اليوم إلى فترة الثورة المهدية، فمن بعدها أصدر قائد الثورة قراره القاضي بتعطيل آلات الطرب التي كانت سائدة وأضحى منشدو المدائح مطالبين بالإنشاد من دون آلات الطرب التي كانت سائدة. واعتمدوا على الألحان وجمال الصوت ثم أنشأ الخليفة دارة للمادحين، سمح لهم باستخدام العصا وتحريك الأصابع وانتقل ذلك كله إلى غناء الطمبرة ثم الأغنية «الحقيبة» وتوسع هذا المجال بعد تغير أجواء التضييق بعد القضاء على الدولة المهدية، وانتقل مع ذلك أيضاً الاهتمام بالقصيدة ومعانيها وايقاعاتها، والتركيز على جمال الصوت دون اعتبار للميلودية التي يمكن أن يبتكرها وجود آلة موسيقية مصاحبة. عاد معاوية ياسين في محاضرته إلى العديد من المفاصل التاريخية متناولاً بالتحليل مصطلحي التراث والفلكلور وعملية استلهام التراث الغنائي الشعبي، حيث أشار إلى أن أهم مظاهرها كانت ابان حكم الفريق إبراهيم باشا عبود في أعقاب إقامة مهرجان التنافس الفني بين مختلف مديريات البلاد. ثم جاء برنامج في ربوع السودان ليمثل البوتقة الرئيسية التي أدت إلى قومية التراث الغنائي الجهوي، وانتقل المحاضر في موقع آخر من ورقته للحديث عن أغنية الطمبور التي تمثل أقرب نموذج غنائي لما يمكن أن يسمى «أغنية شعبية»، حيث انها تقدم في العاصمة والأقاليم المختلفة بالشكل ذاته الذي تُقدم به في موطنها الأصلي، ولم تخضع لأي محاولات تطوير تذكر.
ومن المحطات الأساسية في ورقة المحاضر وقوفه عند الأشكال الغنائية التي سبقت «الحقيبة»، مؤكداً على أن وجود الغناء في كل المجتمعات البشرية، من الأمور التي أكدتها الشواهد المتعلقة بالديانات القائمة على الطقوس في أفريقيا القديمة ومصر الفرعونية، وقد شهد السودان القديم العديد من الحضارات التي كان لها دورها في إثراء الثقافة الوطنية ورفدها، وتحظى فترة سلطنة الفونج (1504 ـ 1821) بأهمية خاصة في أنها تمثل أولى فترات تاريخ السودان التي عرفت فيها الآثار الصوتية والخطية على وجود غناء سوداني مستقل الملامح. كما ورد أثر وجود الغناء في السفر التاريخي «طبقات ود ضيف الله» الذي حققه البروفيسور يوسف فضل حسن، حيث ان طلائع المتصوفة الذين قدموا إلى السودان سعوا إلى نشر وتعميق مباديء العقيدة بأساليب مبسطة عبر التلقين وباستعمال الطبول والترانيم، كما شاعت آلة «الدلوكة» الايقاعية في دولة سنار المسلمة. قدمت ورقة معاوية ياسين تجوالاً تاريخياً فيه الكثير من المعلومات والأسماء في محاولة توثيقية مبنية على بحث طويل ومعمق في أشكال وأنواع الغناء والموسيقى في السودان، وتستحق هذه الورقة أن يتم تسليط الضوء عليها بصورة أوسع وأشمل، لأنها تغطي مساحة تاريخية واسعة، وتسلط الضوء على الكثير من الجوانب المجهولة والتي يمكن أن تكون غير موثقة سابقاً، يذكر ان الندوة تضمنت مقاطع وشواهد غنائية عملية قدمها الفنان حافظ عوض. --------------- عن البيان
http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?cid=11073301826...FBayanArticle&c=Page
|
|
|
|
|
|