الخليج الثقافيخــر تحديــــث 2005-02-14 قصيدة المرأة في الإمارات معنى الانعتاق ومبنى التجريب د. صبحي حديدي *تسعى هذه الورقة إلى رصد المشهد المعاصر لقصيدة المرأة في دولة الإمارات، من خلال مناقشة عدد من التجارب الشعرية الراهنة التي إذا ك" /> قصيدة المرأة في الإمارات : معنى الانعتاق ومبنى التجريب -- د. صبحي حديدي قصيدة المرأة في الإمارات : معنى الانعتاق ومبنى التجريب -- د. صبحي حديدي

قصيدة المرأة في الإمارات : معنى الانعتاق ومبنى التجريب -- د. صبحي حديدي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 04:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-14-2005, 02:37 AM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قصيدة المرأة في الإمارات : معنى الانعتاق ومبنى التجريب -- د. صبحي حديدي

    الصفحة الأولى> الخليج الثقافي

    خــر تحديــــث 2005-02-14


    قصيدة المرأة في الإمارات
    معنى الانعتاق ومبنى التجريب


    د. صبحي حديدي *


    تسعى هذه الورقة إلى رصد المشهد المعاصر لقصيدة المرأة في دولة الإمارات، من خلال مناقشة عدد من التجارب الشعرية الراهنة التي إذا كانت تتباين أو تتقاطع أو تلتقي في الخصائص الأسلوبية الفردية لهذه الشاعرة أو تلك، فإنها في الإجمال تشكّل ظاهرة فريدة في الصورة الأعرض للمشهد الشعري الخليجي تحديداً،

    والعربي المعاصر إجمالاً. فمن المسلّم به أنّ الشعر في الإمارات، وفي منطقة الخليج العربي عموماً، ينفرد عن سواه من المناطق الشعرية العربية (بلاد الشام أو العراق أو مصر أو المغرب العربي) بوجود عدد كبير من الأصوات الشعرية النسائية التي حقّقت درجات عالية من التنامي والتجديد والتطوّر والاكتمال.

    إذا وضع المرء بعين الاعتبار حقيقة الظروف، الاجتماعية والسياسية والثقافية، التي أعاقت ظهور مشهد شعري نسائي في هذه المنطقة إبّان سنوات التجديد العارم التي اجتاحت الشعر العربي منذ أواسط الخمسينات وحتى أواخر السبعينات، فإنّ المستوى المتقدّم الذي تبدو عليه اليوم تجارب عدد من الشاعرات المعاصرات في الإمارات والخليج إنما يدلّ على مقدار التقدّم الكبير الذي حققنه في زمن قصير نسبياً، بالقياس إلى تجارب أقرانهنّ في مناطق شعرية عربية أخرى.

    كذلك فإنّ شيوع قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر في الكتابة الشعرية يدلّ من جانب آخر على أنّ تلك التجارب الشعرية بدأت “ثورية” في الأساس، أو هي أنجزت ما يشبه “حرق المراحل” حين انتقلت مباشرة إلى التحديث والأشكال الحداثية، فتفاعلت سريعاً مع منجزات تيّارات التجديد العربية دون المرور بمراحل انتقالية. وبهذا المعنى يبدو شعر المرأة هنا تحرّرياً، أو ربما “انعتاقياً”، أكثر من أيّ موقع شعري آخر في العالم العربي، خصوصاً إذا تذكّرنا ثانية أنّ العديد من الأسباب الثقافية والإجتماعية وأحياناً الجمالية المحلية كانت كفيلة بإعاقة تقدّم هذه التجارب، أو على الأقلّ تأخير وصولها إلى الحداثة مباشرة وسريعاً.

    وفعل “الانعتاق” هذا مقترن، في قناعة كاتب هذه السطور، بأدب المرأة أينما كانت، سواء في بلدان تسودها ثقافات تقليدية وتقاليدية، أو في بلدن أخرى تتحرّك ثقافتها في فضاء ليبرالي مفتوح. والأمر ببساطة، ودون الخوض في الكثير من تفاصيل التيّارات النقدية النسوية، يعود إلى الموقع الاجتماعي الذي تشغله المرأة بالقياس إلى الرجل، وإلى انعدام التكافؤ في اقتسام علاقات القوّة على الأصعدة المختلفة، السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية. ما تكتبه الشاعرة في الولايات المتحدة لا يقلّ نزوعاً إلى الانعتاق عمّا تكتبه الشاعرة في الإمارات العربية المتحدة، مع حفظ فضيلة خاصّة للشاعرة الإماراتية لأنها إنما تخوض معارك الانعتاق في شروط أصعب، وأكثر تطلباً للمثابرة والعزم والمقاومة.

    وسوف نتوقف عند خصائص هذا الشعر في مستوى بعض الموضوعات الأساسية المتكررة، وكذلك في مستوى التجريب والأشكال التي تصنع المبنى الذي يحمل معنى ذلك الشعر.


    ركائز ثلاث

    ولعلّ الموضوعات الشائعة في قصائد معظم شاعرات الإمارات هي الدليل الأفضل إلى تلمّس فعل الانعتاق ذاك، والتماس أشكاله المتعدّدة التي تبدو هنا أيضاً وكأنها تتباين أو تتقاطع أو تلتقي لا لشيء إلا لكي تصنع مشهداً متجانساً في نهاية الأمر، جدلياً في اختلاف الشاعرات واتفاقهنّ، وحيوياً في تعبيره عن البُنى الشعورية المعقدة للمرأة الخليجية المعاصرة. وسأحاول حصر الموضوعات التي تتناولها قصائد بعض شاعرات في ثلاثة مفاهيم ذات طابع كوني إنساني عريض، وتأخذ غالباً شكل الهواجس الوجودية الكبرى: الجسد، اللغة، والمكان.

    وفي سياق فعل الانعتاق الذي تمارسه الشاعرة الساعية إلى تحرير الذات فإنّ الجسد ليس موقع الرغبة الحسيّة أو مادّتها أو موضوعها، ولهذا فإنه ليس الجسد بمعناه الجنسي أو البهيمي. إنه مقام الذات ومنفاها في آن معاً، ولا سبيل إلى تحرّر الذات وخروجها من منفاها هذا إلا إذا تحوّل الجسد إلى نصّ ناطق بدل بقائه أو إبقائه كتلة من اللحم والأعضاء. وهكذا فإنّ تحرّر الشاعرة من صورة الجسد المسخرّ لإشباع الرغائب البهيمية وحدها هو في الآن ذاته تحرير للذات من المنفى، وهو عتبة إطلاق النصّ وانطلاقه. وهكذا تقول ميسون صقر في قصيدة بعنوان “رماية”، من مجموعة “جريان في مادّة الجسد”:

    كلما صدّني هذا الجسد الناحل عن أحلامي

    اختبأت في ركن داكن ومعتم ورطب،

    ثم صوّبت جيداً حتى أُسقط آخر علامات

    انهزامي

    وأرحل إلى هذا الجسد الواهن في أيّامي
    .

    وفي قصيدتها الطويلة “جريان في مادّة الجسد”، التي تحمل اسم المجموعة، تتابع صقر هذه العلاقة بين الجسد والانعتاق، وتقول بوضوح تامّ:
    “والجسد لغة بها ابتدىء/ كلّ قبيلة مسوّدة لتاريخ قمعي/ كلّ ضلفة باب يسدّ عليّ قامتي”،
    قبل أن تختتم القصيدة هكذا:
    “فليس كلّ هذا التشتت/ كلّ هذا الطلوع لمعرفة الحقيقة “كلّ هذا الجريان في مادّة الجسد” حادثاً عرضياً”.

    الشاعرة ظبية خميس تقول في قصيدة “ولادة جديدة”، من مجموعتها “القرمزي”:

    تعيد المرأة ترتيب أعضائها

    ترمّم دارها الخَرِبة

    تتمّ إعادة ولادتها

    رافسةً تلك الولادات القديمة الناقصة

    “أحتاج إلى أعضائي” هكذا هي نطقت

    “أنوي استعادة الكرمة الإلهية” هكذا هي نَوَت.


    خلود المعلا تذهب إلى حدّ استخدام مفردة “وأد”، في قصيدة تحمل هذا العنوان من مجموعتها “وحدكَ”، حيث يمتزج حسّ رثاء الأنثى بروحيّة التطلّع إلى الانعتاق:

    مَن يحملني الليلة إلى الأرض الرابعة

    ويقرأ النهاية

    امرأةٌ وأدتْ سرّاً

    واستراحت.

    وردةٌ تلبس الوقت

    تتلوّن بالبرق

    تطلق الضفائر للظلّ

    وترفع راية العشيرة.

    لم يبق في الأنوثة سوى نونها

    وللنون نقطةٌ قديمة

    منها يبدأ قاع

    وينطفىء قلب

    معها،

    تظهر وجوه خمسة

    لها صفة الريح والبكاء

    وميمُ الموت.


    لكنّ الجسد لغة كما تقول ميسون صقر، واللغة في قصائد شاعرات الإمارات ليست مجرّد استخدام من نوع آخر لمفردات القاموس، الذي قد يصحّ القول إنه ظلّ ذكورياً أمداً طويلاً، بل هي في الآن ذاته محاصصة للمعنى، واقتطاع لما يمكن اعتباره حصّة الأنثى من دلالة المفردات والمصطلحات والأفكار. اللغة هنا مطالَبة بإعادة صياغة كامل التجربة الإنسانية للأنثى، من موقع الأنثى هذه المرّة، ومطالَبة بتحويل هذه الصياغة الجديدة إلى أداة للحوار مع الرجل، وربما مع العالم الخارجي بأسره.

    ذلك لأنّ اللغة الأخرى، لغة الرجل بمعنى ما، هي اللغة السائدة للنظام السائد الذي تحاول الشاعرة الانعتاق من إساره بوسيلة كتابة القصيدة. إنها أيضاً واحدة من أدوات تنظيم القهر وتعميمه، ولعلها الأكثر قدرة على التوغّل إلى أعماق النفس، وتكبيل الأحاسيس والرؤى والأحلام، والانقلاب إلى قيد ثقيل لا يعيق الانعتاق فحسب، بل يحوّل المعنى إلى سجن لغوي، والكلام إلى صمت. والشاعرة نجوم الغانم تقول، في قصيدة “غياهب” من مجموعتها “منازل الجلنار”:

    ليست اللغة قلعتي لأشعل قناديلها في حجرة القلب

    ولا الكتابة جنتي أخلد على أرائكها

    وأترك للخيالات أن ترعى في مآدبها.

    ليس المداد ريق القصائد،

    لن يكون العزاء ولا المعزّين

    وإذ أحار كيف أرتق الجنائن في غياب الغائبين

    فلأني مكروبة من وقع الأسنّة في قوافلي.


    واللغة أيضاً وسيلة الشاعرة إلى الانفتاح على ذاتها، بلغة ذاتها، بدل مقارعة العالم الخارجي بلغات يصعب أن تنفصل عن أنظمة القهر السائدة في العالم الخارجي. وكتابة القصيدة قد تكون واحدة من أرفع حالات حوار الشاعرة الأنثى مع ذاتها، بعيداً عن الكوابح والمحظورات والمحرّمات، مادّية كانت أم معنوية. وفي مقدّمة مجموعتها الشعرية “انتحار هادىء جداً”، تقول الشاعرة الإماراتية ظبية خميس:

    “دائماً كنت أصبو إلى كتابة أشعار مرحة. لكن، ومع السنوات، وجدتني أكتب قصائد غير مرحة، إطلاقاً. الشعر هو وسيلتي، وقد كنت أتمنى وسيلة غيره لأقول ما أضطرّ لقوله. علاقتي بالشعر هي علاقة غامضة، ربما وراثية، وربما عاجزة.. وعلاقتي بالحياة هي علاقة شبه انتحارية، صدامية متمردة على قوالب كثيرة(...) في الماضي القريب كنت أنشغل بتفاصيل الآخر، الخارج، الآن أجدني أتجه إلى الداخل، الذات، أكثر وأكثر، ربما لأنني لست واثقة من أنّ الشاعر يستطيع تغيير مسار الكرة الأرضية، على الأقل، في النصّ الشعري”.

    واللغة، أخيراً، وسيلة الشاعرة في تحويل انفتاحها على ذاتها إلى صوت جماعي بمعنى ما، ينطق بما هو أوسع من مجرّد الهواجس الشخصية الذاتية، ولعلّه سوف يفلح في مصالحة الذات مع العالم الخارجي، بحيث تصبح الذات، أو تسعى إلى أن تكون، صوتاً للآخرين. هذه هي النبرة في قصيدة أسماء الزرعوني “ضجيج الأمس”، من مجموعتها “هذا المساء لنا”:

    ضجيج الأمس

    يسترخي في ذاكرة

    الأحرف المشرعة

    قطرات ندى

    تبحث عن إرث الحبّ

    أشعلتُ في الكلمات

    مرثية الشعراء

    ليس للبكاء

    في جوف النهار

    لكنها بشارة

    تعانق جدران القلب.


    وليس في وسع الجسد، في ذاته أو متحوّلاً إلى لغة، إلا أن يكون في مكان، وجزءاً من مكان. وهذا المفهوم الثالث في موضوعات قصيدة المرأة في الإمارات، وفي الخليج إجمالاً مرّة أخرى، يرتدي أهمية خاصة بالمعنَيين الجمالي والفكري. ذلك لأنّ انقياد المرء إلى أطروحة “ثقافة الصحراء” يمكن أن يقود إلى افتراض لاحق مفاده أنّ جغرافية المكان في شعر الخليج هي جغرافية صحراوية بالضرورة. وإنني شخصياً أختلف تماماً مع أصحاب هذه الأطروحة، وسبق لي أن أعربت عن هذا الاختلاف في دراستي لاثنتين من أهمّ التجارب الشعرية في الخليج العربي: الشاعر العماني سيف الرحبي والشاعر البحريني قاسم حدّاد.

    وليس المقام مناسباً هنا للدخول في تفاصيل هذا الاختلاف، غير أنني أشير سريعاً إلى أنّ أطروحة “ثقافة الصحراء”، التي بدأها الناقد السعودي عبد الله نور وطوّرها بعدئذ الناقد السعودي عبد الله البازعي، تحتاج إلى كثير من التدقيق في ما يخصّ النصوص الشعرية المعاصرة على الأقل. إنها، من جانب آخر، يمكن أن تنتهي إلى ذلك النوع من التعميمات الاستشراقية التي تسبغ على البيئة الجغرافية سمات مطلقة، وتلتمس فيها القدرة على تكييف الميول الإبداعية والأسلوبية. ومن جانبي، وبعد تأمّل طويل في قصائد الشاعرات الخليجيات إجمالاً، لا أجد نفسي منضوياً في صفّ الفريق الذي يرى أنّ الصحراء هي المكان الأثير في تلك القصائد.

    في المقابل، أرى أنّ مكان قصائد الغالبية الساحقة من شاعرات الإمارات هو مكان مجازي ومتَخيّل، وهو موقع افتراضي يشهد جدل الشدّ والجذب بين الموضوعيَن السابقيَن (الجسد واللغة)، وهو بدوره مادّة ثالثة لفعل الكتابة، وفعل الانعتاق. إنّه ليس المشهد الأرضي أو التضاريس الطبيعية أو البيئة، بل هو مزيج معقّد من تفاعلات الذات والتاريخ واللغة، وهو أشبه بفردوس مفقود يُرى كحاضنة لأحاسيس الغربة أو القهر أو الضياع، وهو بالتالي جزء لا يتجزأ من الأسباب العميقة الدافعة إلى التحرّر.

    وها هي عائشة البوسميط، في قصيدة “الغرفة” من مجموعتها “سيدة الرفض الأخير”، تحلم أن يكون العالم بأسره غرفتها:

    أفيق أبداً

    على شبّاك الليل

    وأحلم..

    أنّ العالم غرفتي

    زاويتي التي أحببتُ

    منذ عشرين عاماً

    أغوص في رحابها

    أبحث عن الدانة

    أطلق جسدي في بحر الدهشة

    علّني ألقاها...


    والشاعرة الإماراتية برهنت على نضج رفيع في التعامل مع المكان في سياق هذا المفهوم التحرّري، فلا هي وقعت في إغراء تأثيمه أو النظر إليه كسجن ومفازة ومتاهة، ولا هي انساقت وراء التنميطات الاستشراقية التي صوّرته إمّا في هيئة الحجاب الذي يخفي المرأة أو الخباء الذي يخفي مطارحات الغرام.

    وفي ختام هذا الجزء من الورقة، يتوجّب أن أشير سريعاً إلى عدد من الخصائص الأخرى التي على العكس ؟ تغيب عن موضوعات قصيدة المرأة في الإمارات، وتشكّل بالتالي سمات إيجابية:

    1 إنها قصيدة لا تضطرّ إلى استخدام الأقنعة، والشاعرة إجمالاً هي الصوت الناطق في القصيدة، وهي الظاهرة فيها سافرة من غير قناع.

    2 وهي قصيدة يندر أن تلجأ إلى الأساطير والرموز، وكأنّ الشاعرة الإماراتية تقول إنّ الموضوع رامز بذاته، أو هو غير مضطرّ إلى الترميز في الأساس.

    3 الشاعرة لا تلعب دور الضحيّة المجّانية، كما أنها لا تتكلّف العصيان لمجرّد العصيان، ويندر أن تقف موقفاً عدمياً من الحياة والوجود.

    4 والمرأة في القصيدة ليست موضوعاً للتفجّع الوجداني أو الوعظ الأخلاقي، وهي في الآن ذاته ليست مادّة للغزل عذرياً كان أم حسّياً لأنّ موضوعة الحبّ تميل عموماً إلى ترجيح التوازن العاطفي بين الرجل والمرأة.

    5 يحدث، غالباً، أن تلجأ الشاعرة الخليجية إلى تغييب الصوت الشخصي عن طريق استخدام ضمير المخاطب في صيغة المفرد المذكّر، وذلك لتحقيق غرضَين في آن معاً: إقامة حوار مع الرجل بوصفه “الآخر” المخاطَب، وإقامة حوار مع الذات المؤنّثة بوصفها طرف الخطاب الأوّل، أو “آخَر الآخَر” إذا صحّ القول.

    الأشكال



    شكل قصيدة النثر يبدو اليوم الأكثر شيوعاً لدى الغالبية الساحقة من شاعرات الإمارات، وثمة مَن يواصلن الكتابة في شكل قصيدة التفعيلة، وأمّا عمود الخليل فقد تراجع كثيراً، إذا لم يكن قد انقرض تماماً. وهكذا فإنّ مشهد الأشكال الشعرية يبدو وفيّاً للمشهد الشعري العربيّ إجمالاً، حيث تهيمن قصيدة النثر، ويشكّل شعراء التفعيلة صفّ الأقلية، ويقف شعراء العمود في خنادق الدفاع الأخيرة.

    لكنّ هذه الحال تشير إلى حقيقة أخرى، وهي أنّ استقرار شكل قصيدة النثر لم يكن سهلاً على الدوام، وأنّ الشاعرات اللواتي اخترنه مباشرة كنّ هنا أيضاً يمارسن فعل الانعتاق على مستوى الشكل والمبنى، بل وعلى نحو أكثر راديكالية من انعتاقهنّ على مستوى المحتوى والموضوعات والمعنى.

    هالة حميد معتوق تكتب طرازاً خاصاً من قصيدة التفعيلة، لأنها لا تقطّع النصّ إلى سطور بل ترسله على هيئة متّصلة تشبه المقطع النثري، وتضحي أحياناً بضرورات علامات الوقف، وأحياناً أخرى بالتدفّق المتلاحق للجملة الواحدة الطويلة ذات الأفكار المتباعدة. غير أنها تنجز، في المحصّلة الأخيرة، قصيدة متوازنة إجمالاً، خصوصاً حين يأخذ المرء بعين الاعتبار صعوبة تركيب مقطع موزون من عشرة سطور متّصلة. تقول معتوق في قصيدة بعنوان “نقوش على رمل المراثي”:

    “أبوح لكِ الآن والبوح مكتمل بهديل شفيف على شفة الارتباك الحقيقي يا خنسُ للعشق دمع خفيّ كنوز مخبأة في مرايا النساء وأعناقهنّ تعالي إذا الدمع أسبل أجفانه نطوف بادية الشام، نحن سبايا القطيعة نفرش رملاً لغفوة عشاقنا ونقلّب رجة هودجنا فوقه، راجلات سنرحل صوب الشمال إلى سفح نجم هوى ونعلّقه في لهاث الثريا سنرحل في الشوك والقلق الأنثوي إلى ما تبارك من دمنا الطفل، فوق السيوف سنرحل صوب الشمال ونحفر ساقية الارتعاش لنبني لأسرارنا القدسية هيكل قافية أُترعت بالبروق وبالقصب الغضّ، نكتبها في حواشي المواثيق والاندهاش وماذا سنملك غير حواشي الرمال لنكتب لون المساء وعادات هذي البيوت، فيا امرأة الحزن هذا الذبيح سأضجعه في خبائي وأحنو عليه كأمّ مبجلة، سأدفئه بلهاث الطقوس وفتنتها الطاغية”.

    هذا النمط من كتابة “النصّ المدوّر” يتوفّر أيضاً في العديد من مجموعات ميسون صقر، وبصفة خاصة في مجموعتَيها “البيت” (1992) و”الآخر في عتمته” (1995).

    نجوم الغانم، في مجموعتها “الجرائر”، استخدمت سلسلة من الألعاب الطباعية داخل النصّ: تبديل أحجام الحروف، استخدام المساحات السوداء، والمساحات البيضاء، والصورة الفوتوغرافية. وفي قصيدتها “مملكة الظنون” قسمت النصّ إلى جزء أيمن يشغل ثلث الصفحة، مطبوع بحروف صغيرة ويتابع حكاية ذات خطّ سردي؛ وجزء أيسر يشغل الثلثَين الباقيين، مطبوع بحروف كبيرة ومحصور داخل شكل هندسي مغلق.

    ولن يكتمل مشهد الشكل دون الحديث عن هدى أمين الزرعوني، التي تكتب قصيدة تفعيلة متينة تنطوي على الكثير من سمات الجزالة والفصاحة والتشكيلات الإيقاعيات الجذابة، التي تدنيها كثيراً من ألق الكلاسيكية الجديدة، ولكن دون تكلّف أو تنميق أو صنعة مجّانية، ورغم الإفراط في إطلاق العنان للنبرة الرومانسية الذاتية. تقول في قصيدة “أرجوحة الروح”، من مجموعتها “الليل يغني وحيداً”:

    يا فاطمةْ

    لو شرفةُ الأيام تُهدى

    أشتري بالعمر شرفاتِ الشموس الغائمة

    الهمسُ مرمرْ

    يغري الكلام فكرّريه

    وكرّري الرقص الصغيرْ

    البرّ أخضر

    فانصبي في الثغر دارَ السوسناتْ

    لا شكّ أنّ الغيمَ في كلماتكِ

    والحقل في لثغاته، قطرٌ وريفْ


    وبصفة عامّة يمكن القول إنّ الشكل مستقرّ نسبياً عند شاعرات الإمارات، ومن النادر أن نشهد نقلات أسلوبية وتجريبية مفاجئة. غير أنّ هذا الاستقرار يخفي، من جانب آخر، حالة من الركود التعبيري يمكن أن تنقلب سريعاً إلى جمود ومراوحة في المكان، خصوصاً إذا سلّم المرء بالحقيقة الفنّية التي تقول إنّ شكل قصيدة النثر العربية أخذ يعاني من التماثل والتشابه، وأخذت أسراره تنكشف بالتدريج، وتحوّلت بعض تقاليده الكتابية إلى تمارين لغوية صرفة يستسهل ا


    ================
    http://www.alkhaleej.ae/articles/show_article.cfm?val=142951
                  

02-14-2005, 02:50 AM

عشة بت فاطنة
<aعشة بت فاطنة
تاريخ التسجيل: 01-06-2003
مجموع المشاركات: 4572

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصيدة المرأة في الإمارات : معنى الانعتاق ومبنى التجريب -- د. صبحي حديدي (Re: sympatico)

    Quote: تعيد المرأة ترتيب أعضائها

    ترمّم دارها الخَرِبة

    تتمّ إعادة ولادتها

    رافسةً تلك الولادات القديمة الناقصة

    “أحتاج إلى أعضائي” هكذا هي نطقت

    “أنوي استعادة الكرمة الإلهية” هكذا هي نَوَت


    شكرا العزيز سمبتيكو لبثنا هذا النفس وتجديد الهواء في هذا الفضاء ..
                  

02-19-2005, 10:35 PM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصيدة المرأة في الإمارات : معنى الانعتاق ومبنى التجريب -- د. صبحي حديدي (Re: عشة بت فاطنة)

    وشكرا لك وانت تلتقطين الجمال وتنثرينه لنا دوما
                  

02-20-2005, 00:18 AM

عبداللطيف خليل محمد على
<aعبداللطيف خليل محمد على
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 3552

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصيدة المرأة في الإمارات : معنى الانعتاق ومبنى التجريب -- د. صبحي حديدي (Re: sympatico)

    فوقين يا سيمبا ..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de