مصطفى سيدأحمد يتحدث في ذكراه التاسعة

Quote: فى هذه الغربة الممتدة ،، رتيبة الخطوات مترهلة الحروف ،، يبقى مصطفى سيد أحمد ملاذنا الوحيد ،، بعد أن إمتلأت الدروب بالمخاطر ،، يبقى وحيداً معلناً هزيمة ذلك الغياب الذى طال ،، يدمن ترتيب المهمل فى دواخلنا ،، قدرك ـ قدرنا ـ أن أنسنا صوتاً أشبه بالحقيقة ـ فصارت كل الأصوات غيرك ـ مصطفانا ـ نشازاً يغرد خارج السرب .. مصطفى سيد أحمد أكسجين العافية ،، فى زمن التلوث وثقب الأوزون والأغنيات الصدئة.. كان المساء بارداً ،، متشحاً بطعم الموت ،،لا كمساءات بطعم الإشتهاء ،، ذلك كان مساء السابع عشر من يناير .. كانوا هناك يفترشون باحات مطار الخرطوم ،،يشاركون هذه الأرض ـ التغطت بالتعب ـ صادق تماماً من قال أن الحزن لا يتخير الدمع ثياباً كى يسمى فى القواميس بكاء .. صباح الثامن عشر من يناير ما كان صباحاًبلون البنفسج ،،النوارس ما عادت بالبشارات ،،كان الموقف أكبر من الحزن ومن الفاجعة .. أعلن إنحيازى لك ،، يا رجل بقامة وطن ،، ووطن فى حنايا إنسان ـ موسم بى شقا الدنيا ـ كان إرتباطنا بك إرتباط نبات طيب برحم الأرض المعطاءة ،، أحس فى تقاسيم وترك المشدود على عصب الملايين من محبيك ،، برائحة التراب وعرق الترابلة ،، ولون الأمسيات الحميمة ،،وجدلية العلاقة ـ تلك الأذلية ـ بين شجرة الباباى ،، ونخلة تتكىء على نيل الشمال .. وحدك من يمتلك فك طلاسم العشق ،،رأيتهم هناك يستقبلونك ،، وأنت تعلن إنحيازك التام لنا ـ الناس والشارع .. واليوم تمر علينا ذكراك وفى القلب شىء من حتى ،، ورنة وتر يتيم ،، وعود متشظى ،، ونغم مجدوع فى الفراغ ،، وأغنية لم تكتمل ،، وآهة مرسلة ،، وذكرى حبيبة راحلة لم تجد سبباً يجعلها تضحك لشمس ما ،، فلم تشرق .. عندما نقول إن الراحل المقيم مصطفى سيد احمد كان فناناً إستـثنائياً فهذه العبارة فى أبلغ معانيها لا تعبر بشكل دقيق عنه فناناً وانساناً . واذا قلنا أن مصطفى عليه رحمة الله لا يشبه إلا نفسه فهو تقصير فى حقه , لقد كان يتمتع بقدر من الإيثار وحب الناس ينم عن غنى النفس وعزتها وكان يرفض التنازل إلا عندما يحس أن هذا التنازل لن ينقص من قدره وكرامته شيئاً بقدر ما هو لصالح إنسان آخر وهى سماحة لا يقدر عليها إلا أصحاب النفوس والقلوب الكبيرة وكان دائماً ما يردد :-ان الخطأ الذى لا يغتفر هو ذلك الخطأ الذى لا أجد له مساحة فى دائرة تسامحى .. وعندما كان الأصدقاء يطلبون منه أن يتنازل ويجارى سوق الغناء كان دائماً يردد :- الفنان لما يتنازل قيمتو شنو ؟؟.. واليوم نحن بصدد سرد احد المواقف الراسخة التى كان لمصطفى راى واضح فيها , وهى قصة الاغنية المعروفة باسم تراتيل والتى يقول مطلعها :- ليه بتسال ديمة بتامل عيونك وهى تكاد ان تكون غير مسموعة لعدد كبير من الناس .. يقول الاستاذ محمد صالح مدير مدرسة الراشدين بالحلة الجديدة بالخرطوم :- (( إنه قد حضر لزيارة مصطفى فى بداية الثمانينات بصحبة الملحن المعروف ناجى القدسى حيث أحضر له ناجى لحن جاهز, و الكلمات للشاعر حسن ساتى وهى الاغنية المعروفة باسم ( تراتيل )ويقول مطلعها (ليه بتسال ديمة بتامل عيونك ) وبدأت البروفات وكان أول لقاء بين ناجى ومصطفى ثم توالت اللقاءآت بمنزلى .. وفى مرة من المرات قال لى ناجى حاول تقنع صاحبك مصطفى وقول ليهو إذا داير عدادات وقروش يتلحلح ويتحرك شوية , وبعد البروفة حاولت الحديث مع مصطفى عن طريق الهزل وقلت له ان الغناء فى الخرطوم دايرحركة شوية ففهمها مصطفى طوالى وقال لى عاوزنى أرقص .. كلم قريبك دة ويعنى ناجى قول ليهو إذا داير يطلعنى قرد أنا ما عايز غناهو دا .. وغضب غضبا شديد وكاد ان يحطم عوده على الارض وكان حازماً وجاداً ورفض أداء أغنية تراتيل الى أن أقنعناه بأن ناجى القدسى كان يمزح بطريقته المعروفة ..وحتى يرضيه ناجى فقد وعده بتلحين نص قصيدة (أجراس العودة أوجبل الزيتون ) وبالفعل فقد لحنها له وصادفت هذه القصيدة هوى لدى مصطفى وأعجب كثيراً باللحن.. ايها الرائع الذى أهدانا إنسانيه ورحل أهدانا بوح نفسه غناءاً راقياً , عزز فى أعماقنا قيمة التفاؤل وعدم اليأس والإحباط , نم هانـئـاً عليك رحمة الله بقدر ما أعطيت من إنسانيتك وبقدر ما أسعدت . في الأسى ضاعت سنينى فإذا مت اذكريني ذهب العمر وما لى فى لياليها نصيب انها رائعة العطبراوى كان يرددها مصطفى سيد احمد كثيراً فى أيامه الأخيرة وهى من الاغانى التى كان يؤديها مصطفى بحزن عميق وتدمع عيناه عند غنائها لان كلماتها تذكره بنفسه والمر.. كان له فى نفسه احساس عميق بانه سيغادر هذه الدنيا سريعا وحتى عندما كان من حوله يطلبون منه التريث في اخراج الاغاني حتى تتاح مساحة زمنية كافية لكل اغنية وترسخ فى اذهان الناس باعتبار ان الاستعجال سيجعل الاغنية الجديدة تحرق السابقة - كان دائما ما يرد عليهم ببروده المعهود :- تريثوا إنتو أنا ما عندي وكت , فى الفترة الاخيرة كان مصطفى يلحن بشكل يومي وكان الجميع يقول له مفروض يرتاح شوية خصوصا مع المرض والتعب وغسيل الكلى المرهق فكان يرد رحمه الله انا ماشي منكم عاوز الحن اكبر عدد ممكن ارتاحوا انتو والكل يخفي دموعه وهذا يفسر لدرجة بعيدة كثافة انتاجه في الفترة مابين 90 وحتى 96 .. مها تاج السر / السودان