«دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد» بقلم محمد إ. نقـد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 07:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-03-2005, 11:20 PM

محمد صلاح

تاريخ التسجيل: 12-07-2004
مجموع المشاركات: 1276

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
«دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد» بقلم محمد إ. نقـد





    البيان 4 يناير 2004

    محمد إبراهيم نقد يكتب لـ «البيان» قبل أيام من الخروج من مخبئه:

    «دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد»

    سبق للسكرتير العام للحزب الشيوعى السودانى، محمد ابراهيم نقد، المختفى حتى الآن لما يربو على العقد من الزمان، ان فاجأنا مرتين من قبل، وعبر الوسائط الالكترونية، باختياره نشر آرائه على صفحات «البيان».

    وها هو يفاجئنا، ايضاً، وللمرة الثالثة، بهذا المقال المهم عبر اتصال اليكترونى يعلن في ثناياه إنه الأخير من مخبئه، حيث ينتظر خلال الأيام القليلة المقبلة صدور قرار خاص من اللجنة المركزية للحزب بخروجه إلى العلن بعد التوقيع النهائى على اتفاق السلام فى السودان.

    ووجه نقد جزيل شكره لصحيفتنا، مشيداً بالمهنية العالية، على حد تعبيره، التى اتسمت بها فى إتاحة هذه الفرص النادرة له شخصياً لمخاطبة الرأى العام حول مختلف القضايا.

    وفيما يلي الحلقة الأولى من سلسلة كتابات اعدها نقد من مخبئه وستوالي «البيان» نشرها تباعاً:

    الحاصل شنو؟!

    ظل زملاء وأصدقاء كثر فى الشتات، لا عدمناهم، يجودون علينا، طوال عقد التسعينيات، بفيض مدرار من الكتب المنتقاة، خاصة خلال المواسم التى تنتصب فيها معارض الكتب فى القاهرة وبلدان الخليج.. الشارقة بالأخص، وكذلك من وراء البحار.

    جفاف سوق الكتب وارتفاع اسعارها في الخرطوم القيا علينا التزاماً ادبياً بأن نقرأ الكتاب ثم نطلق سراحه للتداول، إشباعاً لنهم اولئك الذين ظل الكتاب جليسهم وأنيسهم لعقود خلت، ولطالما كانت فى بيوت بعضهم مكتبات عامرة، بقدر ما كان للكتاب والمجلة حق معلوم فى دخولهم، كثرت ام قلت، قبل ان تفتقد هذه المكتبات، رويداً رويداً، موارد التغذية بالجديد.

    وتتعدد الفجوات بين الكتب المنضدة على الأرفف، لتشى بمن تحايلوا وألحّوا في الاستعارة، متعهّدين بالحفاظ على ما استعاروا، وقاطعين الوعد، تحت اليمين المغلظة، بإعادته خلال اسبوع.. قرأنا قصة (اللص والكلاب) لنجيب محفوظ، ونتلهّف لمن يتحفنا، من المبدعين السودانيين، بقصة (اللص والكتاب)!

    هكذا، ومع تسارع إيقاع التعقيدات السياسية، وتفاقم عوامل الصعوبات المعيشية، آل سوق الوراقين الداخلى، طرداً، إلى كساد، وتباطأ بريد الكتب من الخارج لتحل محلها تحويلات (الضروريات) من غذاء ودواء وكساء، وانحسرت ساعات القراءة تبعاً لتراجع موقعها القديم الأثير فى اهتمامات الناس، على حين راح يتواتر اكثر فأكثر، ويوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، السؤال السودانى عفوى الاصالة: «يا جماعة الحاصل شنو؟!»

    ديالكتيك «شختك بختك»

    خلال صيفى 2003 و2004، وهما، فى الحقيقة، فصل واحد ممتد، تأنيت مليّاً عند كتابين تزامن وصولهما مع ما نحن فيه من حصار منظومة المفاوضات و(البروتوكولات)، وما ينتظرنا منها: ماشاكوس ـ ناكورو ـ كارن ـ نيفاشا ـ نيروبى، من جهة، وجدة ـ القاهرة، من الجهة الأخرى، إضافة إلى ابشى ـ سرت ـ ابوجا، من الجهة الثالثة.. هذا إن لم تفاجئنا الأقدار بمنتجع وارف آخر، او بعاصمة قصية اخرى!

    الكتاب الأول للدكتور فيصل عبدالرحمن علي طه بعنوان: (الحركة السياسية السودانية والصراع المصرى البريطانى بشأن السودان «19361953»، ط1، دار الأمين، القاهرة 1998م).

    وقد صدرت مؤخراً طبعته الثانية الفاخرة عن مركز عبد الكريم ميرغنى بأم درمان صيف 2004م. اما الكتاب الآخر فللدكتور منصور خالد (السودان اهوال الحرب وطموحات السلام: قصة بلدين، ط1، دار ثروت، القاهرة 2002م).

    الكتابان يشكلان معاً خلفية مضيئة لدور المجتمع الدولى، ثم الدولى والإقليمى، فى حل او تعقيد ازمات ومعضلات الدولة السودانية منذ غزو محمد علي باشا، ثم الثورة المهدية، ثم اتفاقية الحكم الثنائى على مشارف القرن العشرين.

    ولا تعوزنا الأمثلة، بالطبع، على تجليات ازمة الدولة السودانية منذ سطو الجبهة الإسلامية القومية على السلطة فى الثلاثين من يونيو عام 1989م، ومساكنة او (مصاقرة) المجتمع الدولى والإقليمى لنا منذ مطلع الألفية الثانية: زيارة الرئيس الأميركي الأسبق جيمى كارتر، وندوة مركزه في مدينة اتلانتا، بالاضافة إلى ابوجا الأولى والثانية، ونيروبى والايغاد وأصدقائها.. ثم شركائها.

    ولا ننسى ان ضربة البداية كانت ندوة مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن عام 1993م التى انطلق منها بالون اختبار (دولة واحدة بنظامين) ضمن ورقة د. فرانسيس دينق ذات الصيت والشهرة بذات العنوان. وقد تصبح الفكرة قابلة للتحول، بديالكتيك (شختك بختك)، إلى (دولتين بنظام واحد)، و(خط انابيب بترول واحد)، تحت (رعاية الشركاء) و(غطاء الايغاد)!

    وداعاً للقراءة المتأنية

    وعلى ذكر الاتفاقيات اهمس في اذن مولانا الوقور ابيل الير، وعلى مسمع خافت من دكتور منصور خالد، مدمن كيمياء الاتفاقيات (الصفوة وإدمان الفشل ـ منصور خالد وإدمان الاتفاقيات ـ «دقة بدقة» أو هذه بتلك).. اهمس بأن اتفاقية اديس ابابا ليست المؤودة الأولى، فوأد الاتفاقيات كامن، على ما يبدو، فى جينات الدولة السودانية.

    فعلى سبيل المثال عقدت دولة الحكم الثنائى اتفاقية عام 1921م مع السلطان بحر الدين، سلطان سلطنة دار مساليت التى انضمت بمقتضاها إلى الدولة السودانية وفق شروط محددة، من بينها حق اهلها في تقرير مصيرهم بعد 75 عاماً، مِمَّا سنعرض له لاحقاً.

    لكن لم يكد ينصرم العام، او ما يزيد قليلاً، حتى افترست دولة الحكم الثنائى تلك الاتفاقية، باكتساح السلطنة واحتلال عاصمتها الجنينة عام 1922م، مباشرة بعد إخماد ثورة السحينى في واقعة نيالا (راجع ص 43 من مذكرة شيخ العرب «أبْ سِن»، مدير مديرية دارفور«1955 ـ 1958م».

    والتى طبعتها دار الوثائق، ونشرتها صحيفة «الأيام» فى حلقات عام 1959م، مع جزيل الشكر للذين لا يحتفظون، فحسب، بالوثائق النادرة، وإنما يجودون بها، وبأريحية، على متسولى المعرفة من امثالنا)!

    لم يطف بذهن اهل دار مساليت، آنذاك، ان الأقدار تخبيء لهم ظلماً اشد مضاضة على يد حكومة الانقاذ والحاكم باسمها على ولاية غرب دارفور عام 1996م، حيث احتقر تاريخهم، وسفه مصطلحاتهم العريقة في حيازة الأرض واستضافة الوافدين من قبائل وعشائر و(خشم بيوت).

    واستهان بأعرافهم في تراتب الادارة، وضوابط التوافق القبلى الطوعى بين الأسرة والعشيرة والقبيلة. وكانت النتيجة (بروفة بالملابس) لمخطط حرق القرى، وتهجير قبائل الزرقة قسراً، ليحل محلها حزام عربى من قبائل وافدة، تمهيداً لتغيير اسم (دارفور) نفسه، وبذات الاستهانة التى عدلت بها الانقاذ، وبدلت وشوهت، اسماء المحليات والأحياء السكنيَّة فى الخرطوم!

    تفوّق حاكم غرب دارفور على نفسه في تنفيذ سياسة الانقاذ تجاه دار مساليت، دون ادنى احترام لبطولات وبسالات اهلها في التصدى لمشاريع التوسع الفرنسى عبر حدود السودان الغربية، يوم كان السلطان بحر الدين آخر سلطان مستقل لسلطنته، بعد اكتساح الفرنسيين لسلطنات وداى وكانم، فحق للشاعر محمد الفيتوري ان يمجد تلك البطولات والبسالات فى قصائده.

    كما حق للشاعر عالم عباس ان يستشعر قشعريرة الزهو المبدع في ملحمياته، مِمَّا اكاد اجزم ان حاكم غرب دارفور ذاك لم يقرأ شيئاً منه، وإن قرأ لم يهتز طرباً او تقف شعرة فى جلده!

    أعود للكتابين لأستعرضهما هنا، لا كضابط مبيعات او مروج سلعة، بل كمُحاور. والحوار يفقد جدواه ويمحق مردوده إن حاد عن النقد كأداة معرفية وثقافية تفتح جسور التواصل والتفاعل لإنتاج معرفة مضافة. لقد اجاد الكاتبان، ما فى ذلك شك، كل فى مجاله ومضماره، وقدما سفرين قيمين لمكتبة الفكر السياسى السودانى. ولكننا باستعراضهما نقول: وداعاً للقراءة المتأنية، دونما تطاول على رائعة همنغوى (وداعاً للسلاح)!

    غير انه يلزمنا، ابتداءً، إبداء ملاحظة مهمة. ففى سياق تداعيات مشاكوس ونيفاشا، ودور الولايات المتحدة الاميركية فيها، إنسابت فى شرايين وأوردة الدورة الإعلامية اربعة مصطلحات، صك رئيس تحرير (الايام) اثنين منها: (المجتمع الدولى هو الاسم الحركى للولايات المتحدة)، و(اختطاف قضية المعارضة السودانية).

    اما الثالث فقد صكه السيد الصادق المهدى للدلالة على تمايز (التدخل الدولى الحميد) عن الآخر (الخبيث)، وأما الرابع (الشيطان في التفاصيل) فتعريب عن الانجليزية صاغه د. منصور خالد من خلال تقديمه المقتضب لاتفاق مشاكوس الإطاري فى حينه، فلكأنما قصد تنبيه القارئ السودانى، المتوجس اصلاً، إلى ان «الغريق لى قِدَّام»، كما فى المثل الدارج، بمعنى ان هذا القارئ «لا يزال، مع ذلك كله، دون الأعمق»!

    أميركا وملء الفراغ.. البريطانى

    وإذن، فليس غريباً على العموم، ولا شاذأ فى السياسة، علماً او ممارسة، ان تسهم مصطلحات مستحدثة الصك او الترجمة او الصياغة او الاستخدام فى فك شفرة الماضى، او حل طلاسم احداثه ووقائعه، او توسيع دائرة الضوء حول ما قد يبدو معتماً او غامضاً فى بعض جوانبه وتفاصيله.

    لنأخذ مثلاً على ذلك دور الولايات المتحدة الأميركية في اتفاقية الحكم الذاتي والاستقلال (فبراير 1953م)، ونستعين على فض تمائم ذلك الدور بالتوثيق المتيقن، والتحليل الرصين، او ما يمكن وصفه بالمزاج الأكاديمي المعتدل (الرايق) في كتاب د. فيصل الذى يؤرخ ويوثق لفترة النهوض السياسى الوطنى فى مصر والسودان خلال سنوات الحرب العالمية الثانية .

    وما بعدها، وبخاصة على الصفحات 455، 457، 518، 594، 628، 629. فقد جعلت الولايات المتحدة مدخلها إلى شئون مصر والسودان الحرص على إقناع الحكومات المصرية المتعاقبة، آنذاك، بالانضمام إلى مشروع (الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط)، بحجة:

    1ـ (ملء الفراغ) في حالة جلاء القوات البريطانية عن مصر.

    2ـ صد النفوذ السوفييتي والمد الشيوعى.

    ومن ثم اقترحت الخارجية الأميركية على الخارجية البريطانية تكليف سفيريهما لدى القاهرة، الأميركى جفرسن كافرى والبريطانى رالف ستيفنسن، بإعداد تقييم مشترك للشعور المصرى العام بشأن الوجود العسكرى البريطانى، من جهة، ومسألة السودان من الجهة الأخرى. وقد جاء التقرير مشتملاً، بالنسبة للنقطة الأخيرة، على ثلاث توصيات:

    1ـ إعادة النظر في إمكان الاعتراف علناً بالوضع الدستورى والقانونى للتاج المصرى فى ما يتعلق بالسودان.

    2ـ تحديد موعد مبكر لحصول السودان على الحكم الذاتى وصون حق السودانيين فى تقرير مصيرهم.

    3ـ النظر في مسألة الحصول على ضمان دولى لاتفاق مصرى ـ سودانى بشأن مياه النيل.

    وفى اكتوبر عام 1951م رفضت حكومة الوفد (مشروع الشرق الأوسط)، فطرحت اميركا مبادرة بثلاثة محاور:

    1ـ الا تشكل مسألة السودان عقبة امام الاتفاق مع مصر بشأن الترتيبات الخاصة (بالدفاع المشترك عن الشرق الأوسط).

    2ـ الضغط على بريطانيا لتقديم صيغة جديدة يمكن من خلالها الاعتراف برمزية التاج المصرى على السودان، دون المساس بوضع السودانيين او حقهم في تقرير مصيرهم.

    3ـ إرسال بعثة اميركية إلى السودان لاستطلاع وجهات نظر قادته وإدارته البريطانية بشأن مسألة التاج المصرى الرمزى.

    فى 13 يناير عام 1952م وصلت بعثة الاستطلاع الأميركية إلى الخرطوم، وكانت تتكون من ولز ستابلر من رئاسة الخارجية الأميركية بواشنطن، وماتيسون من السفارة الأميركية بالقاهرة. وكانت صحيفة (النيل) الاستقلالية الناطقة باسم حزب الأمة قد استبقت عمل البعثة، مبدية رأيها حول اهدافها قبل ما يربو على الأسبوع من وصولها، بقولها في عددها الصادر بتاريخ 2 يناير عام 1952م:

    «إن اميركا تحاول الضغط على بريطانيا لا من اجل مصر، ولكن من اجل الدفاع عن الشرق الاوسط من الخطر الروسى. و(المشروع الاميركى) يضع السودان كبش فداء، وسلعة تباع وتشترى ليتم الدفاع المشترك».

    غير ان البعثة واصلت مهمتها المحددة خلال الفترة ما بين 1330 يناير، فزارت مشروع الجزيرة وعطبرة والابيض وجوبا وتوريت، وشملت زياراتها وحدات قوة دفاع السودان فى العاصمة والأقاليم المذكورة. ثم التقت بالحاكم العام، والسكرتير الادارى، وأعضاء الجمعية التشريعية، وعدد من موظفى الحكومة البريطانيين والسودانيين.

    كما التقت بكل قادة الأحزاب السياسية والقوى الوطنية: ابراهيم بدرى، عبدالله خليل، الدرديري احمد اسماعيل، مبارك زروق، بالاضافة إلى مندوبى الجبهة المتحدة لتحرير السودان: حسن الطاهر زروق عن جبهة الكفاح، وعثمان محمد احمد عن اتحاد الموظفين، وسألتهم عن اهداف احزابهم وتنظيماتهم، ووجهات نظرهم فى القضايا المطروحة آنذاك.

    وفى 10 فبراير رفع ستابلر تقريراً باستنتاجاته، ومن بينها مسألة رمزية التاج المصري على السودان بوصفه عربوناً لقبول مصر بمشروع (الدفاع المشترك) عن الشرق الأوسط، فقال: «إن قبول الحكومة البريطانية بلقب الملك يمكن ان يكون اكثر استساغة للجماعات المعارضة إذا تضمن الشرح والتنوير تأكيدات محددة في ما يتعلق بالآتي:

    رمزية التاج ـ تاريخ محدد لتقرير المصير، بما في ذلك مسألة التاج ـ نوع من الضمان او الاعلان الدولى ـ مشاركة الجبهة الاتحادية في تكوين جمعية تأسيسية في السودان».

    وأشار فى التوصية رقم (7) إلى ان الاستفتاء غير عملى، وأن الأفضل صدور القرار من الجمعية التأسيسية حول الاستقلال او الاتحاد مع مصر. ثم شارك، لاحقاً، فى الاجتماع الذى عقد بباريس بين وزير الخارجية الاميركى اشيسون ووزير الخارجية البريطانى إيدن، حيث تركز النقاش بصفة رئيسة حول مسألة قبول السودان للقب الملك، وأهمية ذلك لتسوية مسألة (الدفاع المشترك) عن الشرق الأوسط مع مصر.

    لكن انقلاب الجيش المصرى فى 23 يوليو عام 1952م حسم معضلة التاج الرمزى، نهائياً، حيث عصف بالتاج والصولجان والعرش. فهل كان ذلك كافياً لحسم (مسألة السودان)؟! وما هو بالتحديد الدور الذى لعبته اميركا فيها وفى اتفاقيَّة الحكم الذاتى (فبراير 1953م)؟!

    (يتبع)

    News Index

                  

01-03-2005, 11:37 PM

محمد صلاح

تاريخ التسجيل: 12-07-2004
مجموع المشاركات: 1276

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: «دولة واحدة بنظامين» قابلة للتحول إلى «دولتين بنظام واحد» بقلم محمد إ. نقـد (Re: محمد صلاح)

    هامش الحريات السوداني الراهن احدى حالات الارهاق بين السلطة والمعارضة

    الأربعاء 10 شعبان 1423هـ 16 أكتوبر 2002 -العدد 154 جريدة البيان
    حوار: عمر العمر






    أقول دونما تواضع وفي غير ما غرور هذا حوار استثنائي اذ انه الاول من نوعه مع شخصية سودانية غير عادية بل ربما لا شبيه لها على الساحة السياسية السودانية وهي دون شك الشخصية القيادية الاكثر اثارة لشهية السبق الصحفي ذلك انه ظل متوارياً عن الانظار منذ العام 1994 ومطلوباً من قبل اجهزة الاعلام والامن والمخابرات منذ ذلك التاريخ.


    والحوار مع محمد ابراهيم نقد لا يكتسب اهميته من مجرد محاولة قراءة افكار السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني وانما كذلك لان الرجل على بساطة مظهره مشهود له حتى من خصومه بقوة الكفاءة السياسية، وعمق المعرفة الفلسفية وفرادة الثقافة الموسوعية ونفاذ القدرات الفكرية كما انه معروف حتى لدى من يخالفونه الرأي والمعتقد بالشجاعة في الرأي والبسالة في الموقف.


    كما يعرف عنه الوسط السياسي دماثة الخلق وعفة اللسان وخفة الظل وروحاً مجبولة على التضحية ونكران الذات بالاضافة إلى جلد وصبر نادرين وربما يدلل على هذه الصفات الاستثنائية ان الرجل سلخ في اهوال العمل الحزبي السري نصف سني عمره التي تناهز السبعين منذ تأسيس الحزب الشيوعي في العام 1946 الذي لم ينعم هو الآخر سوى بالقليل من العلانية فقضى ست سنوات مختفياً ومطلوباً ابان حكم الفريق ابراهيم عبود (58 ـ 1964) 16 عاماً هي عمر حكم المشير جعفر نميري (69 ـ 1985) ويكمل حالياً عامه الثامن في قيادة العمل السري لحزبه من ـ تحت الأرض ـ تلاحقه المطاردة وتتهدده المخاطر.


    كل هذه الاستثنائيات شدت أوتار فضولنا المهني للفوز بسبق صحفي يزيد المساحة المعتبرة التي تفردها «البيان» للشأن السوداني تميزاً.


    واستعنا في ذلك بمن توسمنا فيه القدرة من الشيوعيين السودانيين خاصة واليساريين منهم عامة دون جدوى حتى فاجأنا ذات نهار عبر الانترنت وتسلمنا مساهمته الفكرية الموسومة «الدولة المدنية» التي نشرناها في عدد سابق وما كان لنا ان نرضى من الغنيمة بالمقال فتوغلنا في الالحاح حتى حانت هذه الاستجابة الاستثنائية فاشترط علينا حواراً الكترونياً حدد هو بنفسه موقعه وعنوانه ومساحته الزمنية وتوقيته.


    كل الشروط يمكن التجاوب معها في مثل هذه الحالة مع الادراك التام بان القيود الزمنية وحدها تكبل طموحاتنا في مثل هذا اللقاء اذ تجعل من المستحيل طرح كل الاسئلة العالقة على الساحة السودانية الملتهبة.


    بما ان الحوار مع رجل بقامة محمد ابراهيم نقد لا يتطلب مقدمة او يحتاج إلى اختزال يحرض القاريء على الاستكشاف فيما يلي نص الحوار الاستثنائي:


    ـ استاذ نقد.. كيف الحال؟ نرجو ان نطمئن على صحتكم.


    ـ شكراً لـ «بيان الاربعاء» على هذا الاهتمام.. انا والحمد لله بخير، وصحتي على ما يرام، ولا يفوتني ان اشكركم ايضاً على تفضلكم بنشر ورقتي حول (الدولة المدنية).


    ـ نحن ايضاً نشكركم على تفضلكم بالسماح لنا بهذا الحوار النادر ولو بهذه الطريقة الالكترونية التي اخترتموها للتخاطب معنا!


    ـ لا اكتمك انني، وبوجه عام افضل المقال السياسي على الحديث الصحفي. لكن المقال، كما تعلم، يتطلب حالة ذهنية ومزاجية خاصة.. ولا اخفى عليك ايضاً ان الجلسة امام الصحفي للاجابة عن الاسئلة تذكرني بجلستين اجباريتين لا استطيبهما: امام المدرس في الامتحان، وامام ضابط البوليس في التحقيق، فكلتاهما تنطويان على معنى (الحصار)! وانتم يا معاشر الصحفيين تحبون ممارسة (الحصار)! واظنك توافقني على ان هذه الوسيلة تشطب المسافات، وتختصر الوقت، وتخفف وطأة الاحساس بتلك الجلسة، هذا علاوة على الدواعي التأمينية لكم ولنا حتى نتفادى يا اخي، على الاقل، حكاية يسري فودة وقناة الجزيرة مع ابن الشيبة وتنظيم القاعدة.. فأنتم ونحن في غنى عن مثل هذه المغامرات، أليس كذلك!


    بعد اختفائى في فبراير 1994، استجبت لطلب حديث من غسان شربل (مجلة المجلة) تقديراً لمبادرته وقتها، وكان الحديث آنذاك ضرورياً، واعتقد انه قد افاد بعدها احتواني ما انا فيه، حيث التركيز على الكتابة الحزبية الداخلية، وهي كثيرة ومتشعبة، وتتطلب قدراً عالياً من التركيز، إلى جانب تجميع وتصنيف مواد الدراسات، وانتقاء افضل الكتب والمجلات المتخصصة لمتابعة مستجدات العالم. ورغم محدودية عدد الاجتماعات او اللقاءات، للدواعي التأمينية نفسها، الا انني لا اعاني من فراغ او ملل، فتجربة العمل السري والاختفاء تعلم الانسان، بل تجبره على اتقان استثمار الزمن. أضف إلى ذلك ان ثمة حقيقة جديدة في السودان، في المفصل بين القرنين الماضي والجديد، وهي ان الحركة الثقافية انفصلت واستقلت بذاتيتها عن السياسة، وفي داخل اطارها المستقل هذا تمايزت الرواية عن الشعر، والتشكيل عن المسرح، والفنون الشعبية عن الغناء الحديث، واصبح لابد ايضاً، تمشياً مع تقليد قديم على المستويين الحزبي والشخصي، من متابعة هذه الجبهة المتفتحة عطاءً واصالة، ولكني بت اخشى عليها من ان تستهلكها الصحافة اليومية دون ان تؤسس لنفسها مجلة، إن لم يكن مجلات، تضمن لها الاستقرار والتواصل.


    الاختفاء ليس معجزة!


    ـ البعض اعتبر لجوءك للعمل السري خلال السنوات الماضية هروباً من التصدي لمهام المرحلة في قيادة الحزب الذي يعايش ظروفاً قاسية؟ اهي مخاوف امنية ام مهام حزبية تلك التي اضطرتك للاختفاء؟ وهل حققت ما يرضيك خلال هذا الاختفاء؟ ومهما يكن من امر، الم يحن آوان الظهور بعد، خاصة بعد صدور القرار الحكومي الذي يمنح حزبكم، ضمن الاحزاب الاخرى التي كان لها نواب في آخر (جمعية تأسيسية)، فرصة العمل السياسي العلني؟ الا تعتزمون الاستفادة من هذا القرار؟


    ـ أولاً: المهام الحزبية وحدها هي التي اضطرتني للاختفاء، لان جهاز الامن فرض علي طوال الفترة منذ نهاية اعتقالي في مايو 1991م وحتى يوم اختفائى في 4 فبراير 1994 رقابة دائمة ولصيقة بواسطة مجموعة من افراده يتناوبون النوبات (الورديات) ليل نهار، وسيارة ترابط امام منزلي بصفة دائمة، ترصد كل زائر، وتتبعني اينما ذهبت، لذلك فقد قصرت تحركاتي طوال تلك الفترة على المناسبات الاجتماعية التي يشارك فيها كل الناس مثل مراسم العزاء والزواج.. الخ، وكذلك زيارات القيادات السياسية المكشوفة والمراقبة مثلي من جانب اجهزة الامن، هذا إلى جانب مواظبتي على زيارة (دار الوثائق) بالخرطوم، والاطلاع على محتوياتها، ولعلها كانت من اكبر فوائد تلك الفترة. ومع ذلك فقد امكن، بوجه ما، فتح قنوات للصلة مع الحزب، وتنظيم لقاءات مع كادره، والاتفاق على ترتيبات الاختفاء.


    ـ ولكن، استاذ نقد..


    ـ فهمت رسالتك وقصدك: انت تريد التفاصيل، وانا لن ابوح بها عملاً بالحكمة: «صدور الاحرار قبور الاسرار».. عذرا! كل ما استطيع ان ابوح لك به الآن هو ان في كل (حصار) او (طوق امني) ثغرة يمكن الافلات عبرها! سواء كان ذلك (الطوق الامني) حول منزل نقد في الخرطوم او حول منزل الصادق المهدي في ام درمان!! ولعلك تابعت وشاهدت في الصحف البريطانية قبل سنوات كيف تمكن مواطن بريطاني عادي من التسلل عبر (الطوق الامني) المضروب حول (قصر باكنجهام) حتى وصل إلى غرفة نوم الملكة!! وكيف استطاع شاب من هواة الطيران ان يخترق حدود الاتحاد السوفييتي بطائرة (سيسنا) صغيرة ليهبط في (الميدان الاحمر) نفسه.. ليس في المسألة اعجاز!!


    ثانياً: المخاوف الامنية كانت واردة وشاملة لكل القيادات السياسية آنذاك، وهذا هو بالضبط ما عناه سيد أحمد الحسين، نائب امين عام الحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض في السودان، في حديث لصحيفة عربية عام 1993م، قال فيه انه لولا الضغوط الدولية وحملات حقوق الانسان لاجهزت حكومة الجبهة الاسلامية على كل قيادات المعارضة!


    ثالثاً: وبعد ان اختفيت اسندت إلي مسئوليات ومهام لا تحوجني إلى حركة كثيرة، ولكنها تتطلب التركيز وترتيب الاسبقيات والمتابعة، وهذا، في حد ذاته، كاف لدحض الاتهام بالهروب من التصدي للمهام القيادية في هذه المرحلة، فالمختفي يا اخي اكثر معايشة لهموم الحزب ومشاكله، ويمكنه ان يساعد كثيراً في حلها اذا ما تقيد بدرجة عالية من الانضباط في حياته، وتحركاته، وتنظيم ساعات يومه، واذا ما تحرر تماماً من (الشفقة)، والقلق، وتعجل النتائج.


    (اشعر الآن بأنك تود ان تتدخل.. ولكن دعنا اولاً نكمل هذه الاجابة، فأنت ـ على ما يبدو ـ اسرع مني في استخدام هذا الجهاز العجيب!).


    لا.. لم يحن بعد آوان الظهور والعودة إلى الحياة العادية. ولكن تأكد انه عندما يحين فسأعود دونما (طقوس) او (شعائر) خاصة!


    اما فيما يتعلق بالفرص المتاحة للعمل السياسي، فقد بادرنا للافادة مما هو متاح، وليس في هذا جديد بالنسبة لتجارب وممارسات الحركة السياسية والنقابية والجماهيرية في السودان، فهي لا تنتظر حتى يلغي (الحاكم العسكري) القوانين المقيدة للحريات، بل تتخطاها، وتستعيد حقها بوضع اليد. هذا تقليد موروث منذ ايام الاستعمار. خذ مثلاً النقابات.. انها تعلن الاضراب وتنفذه رغم القانون الذي يحرم الاضراب!


    لكن القانون الذي اشرت اليه، والذي (يمنح) الشرعية للاحزاب التي كان لها وجود داخل آخر جمعية تأسيسية (1986 ـ 1989)، فقد صدر خصيصاً لتقنين اوضاع (مجموعة مبارك الفاضل) التي انشقت عن حزب الامة مؤخراً، وتحالفت مع الحزب الحاكم، وشاركت في الحكومة. مشكلة هذا القانون انه تجاهل المتغيرات التي حدثت في الخريطة السياسية: فهناك احزاب جديدة نشأت، وهناك مجموعات سياسية عسكرية تشكلت، وهناك احزاب كان لها دورها في انتفاضة ابريل 1985م، كما كان لها دورها، من خارج الجمعية التأسيسية، خلال (الديمقراطية الثالثة). اضف إلى ذلك مشكلة اخرى هي ان هذا القانون يشترط على الاحزاب الدخول في زمرة (التوالي)، سواء بنص الدستور، او بقانون تسجيل الاحزاب.


    «مرة اخرى ارجو ان ترجيء الاسئلة الفرعية ريثما افرغ من هذه النقطة».


    يتواتر في كتابات العديد من المفكرين العرب ان (الديمقراطية) او (الحريات)، في البلدان العربية، تتنزل من اعلى إلى اسفل، اي من (الحكام)، لكنني اؤكد لك ان ما يميز (الديمقراطية) و(الحريات) في السودان انها ومنذ عهد الاستعمار نبتت ونشأت من قاعدة المجتمع: احزاب، نقابات، منظمات، صحف.. الخ. ولهذا لم تستقر الديكتاتوريات العسكرية في السودان برغم تطاول فترات حكمها، سواء الاولى او الثانية او (مناة الثالثة الاخرى)! ولهذا ايضاً كانت كل (موديلات الديمقراطية) التي فصلتها (بيوتات ازياء) هذه الديكتاتوريات الثلاث من اعلى، قاصرة عن قامة شعب السودان السامقة، وشائهة على قوامه الممشوق، ولعلك تستشف استنتاجي هذا في ورقة (الدولة المدنية) التي تكرمتم بنشرها وما كنت اعلم ان نشرها سيتحول إلى عربون حديث صحفي مطول!).


    التحدي الذي يواجهنا


    ـ حسنا، فإلى أي مدى استعاد حزبكم قدراته التنظيمية على اتساع رقعة الوطن؟ ـ لم يستعدها بعد، فما عادت العقبات التي تقف في طريق استعادتها المنشودة تقتصر على مجرد الملاحقة الامنية او التشريد او الاعتقالات التي تطال كادرنا الحزبي كما كان الحال خلال الديكتاتوريات السابقة. لقد مارست حكومة الانقاذ التشريد الجماعي باسم (الصالح العام) في قطاع الانتاج والخدمات والخدمة المدنية، ونجم عن ذلك نزيف الهجرة إلى الخارج، وتزامن هذا مع طوفان النزوح من الريف إلى المدينة بسبب الحرب والجفاف والتصحر، مما كان له ابلغ الاثر في التغيير الهائل الذي لحق بالتركيبة السكانية والاجتماعية، اضف إلى ذلك ازمة مشاريع الزراعة المروية في الريف المستقر (الجزيرة ـ الرهد ـ حلفا الجديدة.. الخ). فالمعضلة، اذن، او التحدي الذي يجابهنا ليس هو مجرد (استعادة) نفوذ سابق، بقدر ما هو تفهم واستيعاب متغيرات الواقع الاجتماعي في المدن والقرى، والتعامل معها بأساليب ملائمة.


    ـ يتهمكم البعض بتكريس الفردية في القيادة الحزبية، والحرص على عدم افساح المجال امام قيادات شابة، ويقارن هذا البعض بينكم وبين قيادة الصادق المهدي في (الامة) والميرغني في (الاتحادي) والترابي في (الجبهة). ما هي رؤيتكم وردكم على هذه الاتهامات؟


    ـ مسألة (القيادة الحزبية) عندنا محسومة بموجب (لائحة) مجازة من اعلى سلطة في الحزب، وهي (المؤتمر العام)، وليست وقفا على مزاج (الزعيم) او تقديراته الشخصية. وتجري عندنا، منذ اوائل تسعينيات القرن المنصرم، (مناقشة داخلية عامة) مفتوحة للاعضاء كافة في منابر الحزب، و(العمل القيادي) من بين قضاياها، ولو تابعت ما ظل ينشر، طيلة السنوات الماضية، في اصدارة الخارج (قضايا سودانية)، او اصدارة الداخل (مجلة الشيوعي)، لوجدت ان قضايا (العمل القيادي) تعالج بجرأة وشجاعة وصراحة وشفافية، وبذهنية نقدية لا تعرف التهيب. ولعل هذه هي اهم مميزات هذه (المناقشة العامة) التي اعتقد انها سوف تطبع مستقبل الحزب كله بطابعها الايجابي


    حالة توازن الارهاق بين النظام والمعارضة


    ـ هل يعني هذا انه قد اصبح في وسع حزبكم عقد مؤتمر عام وشيك يتبني استراتيجية للعمل وينتخب قيادته؟ واذا كانت الاجابة بالنفي فهل العوائق التي تحول دون عقدة داخلية خاصة؟ وما هي؟ ام خارجية عامة؟ وفيم تتمثل؟ ـ يلزمني ان اقول لك، ابتداءً، وبوضوح تام، ان تأخير عقد المؤتمر الخامس خطأ وقصور نتحمل مسئوليته دون ادنى رغبة في سوق التبريرات او المعاذير. اما فيما يتعلق بالتحضير له فثمة جهد جماعي جار الآن بصبر شديد، وتحتل فيه (المناقشة العامة)، بما لها من اسبقية في حياة الحزب الداخلية، موقع المقدمة التي لا غنى عنها، بكل ما يصاحبها ويتساوق معها من اعداد لوثائق المؤتمر الاساسية، اضافة إلى دورات (اللجنة المركزية) واعمال سكرتاريتها التي تركز وترفد هذه (المناقشة العامة)، وتسد، بطابعها البرامجي، اي فراغ فيما بين المؤتمرين، وإلى ذلك ايضاً اعمال اللجان المتخصصة، كلجنة تجديد (البرنامج)، لجنة تجديد (النظام الداخلي)، لجنة تلخيص (المناقشة العامة) وغيرها، كما تسهم المؤتمرات الدورية التي تعقدها فروع الحزب بالخارج في ذاتها الوجهة.


    وسؤالك عما اذا كان موعد انعقاد المؤتمر (وشيكاً) ربما يشير إلى (الانفراج النسبي) او ما يسمى بـ (هامش الحريات) الذي لم يرفع عنا محقة الاعتقال والمداهمة والاستدعاء، ومع ذلك نواصل التحضير لعقد المؤتمر في اول سانحة. وحقيقة الامر ان (هامش الحريات) هو عبارة عن (حالة) سياسية من حالات (توازن الارهاق) بين السلطة والمعارضة. وقد عايشت الحركة السياسية السودانية توازناً مماثلاً خلال الديكتاتورية الاولى (عبود، 1958 ـ 1964) والثانية (النميري، 1969 ـ 1985)، ففي الحالتين ظلت القوانين المقيدة للحريات سارية، ورغم ان التوازن كان غالباً ما ينتهي لصالح الديكتاتورية، لكن ذلك كان يحدث دون ان تستعيد الديكتاتورية سطوتها بالطريقة القديمة، وخير مثال على ذلك (المصالحة الوطنية) خلال فترة نظام النميري. اما (الهامش) الحالي فيمكن ان تصفه (بديمقراطية رجع الصدى): من حقك ان تتحدث وتنتقد السلطة كما تشاء، فلا تسمع سوى صدى صوتك لأن السلطة، وببساطة لا تسمعك! ومن حقك ان تنشر رأيك في الصحف، وان تقرأ ما كتبت، ومعك من تبقى من قبيلة قراء الصحف، ثم تعودوا لتكرروا هذه العملية مرات ومرات!! ولك ان تسأل زملاءك الصحفيين السودانيين عن حجم وتوزيع الصحف مقارنة حتى بالانظمة العسكرية السابقة!


    قوة حزبنا من خصائص الحركة الوطنية


    ـ هل ترى ضرورة ان يستبدل (الحزب الشيوعي السوداني) اسمه.. وهل سيطال التغيير المرجعية الفكرية للحزب؟


    ـ اسم الحزب مطروح ضمن محاور (المناقشة العامة)، والقرار يتخذه المؤتمر. ليس من حقي ان ابت في الامر من خلال الصحف، طالما ان القضية لا تزال في طور (المناقشة العامة)... فمازلنا نحفظ للانضباط معاييره!


    ـ حسناً.. فما هي، اذن، الاسس الفكرية والتنظيمية التي يعاد عليها بناء الحزب؟ هل تحرصون مثلاً على مواصلة المشوار السياسي لحزبكم باعتباره حزباً للطبقة العاملة ام ستبحثون عن قاعدة شعبية جديدة.. وما هو تعريفكم لهذه القاعدة البديلة؟ بعبارة اخرى كان لحزبكم دور طليعي في عملية التنوير في اوساط الفلاحين والعمال وبناء تنظيماتهم المدنية التي باتت خواء.. فهل مازلتم تعتقدون ان على حزبكم مسئولية في هذا الاطار؟ وكيف السبيل إلى ادائها؟


    ـ الاجابة واردة ضمناً في صيغة الجزء الاخير من السؤال.. اذا رجعت لدستور الحزب المجاز في المؤتمر الرابع (اكتوبر 1967م)، فإن اول فقرة في الفصل الاول من النظام الداخلي تعرف الحزب بأنه «حزب الجماهير العاملة في المصانع والحقول والمكاتب والمثقفين.. يستوعب الطلائع الثورية لتلك الجماهير».


    اما علاقة حزبنا بعمال السودان فقد اصبحت جزءاً من نسيج المجتمع والصراع السياسي والنقابي، وليست مجرد (شعار) او (لافتة) او (نص ماركسي)! واجدني لا اتفق، في هذا السياق، مع وصفك لتنظيمات العمال والمزارعين السودانية بانها «باتت خواء». من حقك ان تقول انها فقدت حيويتها بسبب التشريد، والقوانين القمعية، وفرض قيادات موالية للسلطة.


    لكن واقع الحال ان قواعد الكيان النقابي لا تزال غاضبة وضاغطة على القيادات لدرجة انها فرضت اعلان الاضرابات وتنفيذ بعضها، بل واجبرت (اتحاد النقابات) على اعلان تأييده لتلك الاضرابات، وسوف تجبره على ان يعلن بنفسه الاضراب.. حتى ولو من باب تطويقه.


    وبما ان اساس النشاط النقابي هو القواعد، حيث جماهير العاملين، فلا بديل للنشاط داخل الكيان النقابي، مهما كانت القوانين جائرة او القيادات موالية للسلطة. ولا جدوى كذلك من اعلان مقاطعة انتخابات النقابات او (اوهام) انشاء نقابات بديلة او سرية! اما اعتبار النقابات القائمة نقابات حكومة ففيه تجنى على التاريخ، لان النقابات اسسها العاملون.. اذا سطا لص على منزلك هل تصارع لاستعادته، ام (تحرد) وتتنازل عن ملكيته للص؟! لقد ظللنا نتابع، منذ الستينيات، المتغيرات في التركيب الاجتماعي والعضوي والتقني للطبقة العاملة السودانية، ونتابع احوال العمال، وقدراتهم، ومزاجهم، اكان ذلك في حالة نهوضهم او ركود نشاطهم، وسواء انتخبونا في قيادة نقابة ام لم ينتخبونا. ولا نخفي رأينا ان لعمال السودان دورهم السياسي المستحق من واقع رصيدهم النضالي الثوري منذ فجر الحركة الوطنية. ولكننا، في الوقت نفسه، لا نغفل حقيقة ان حكومة (الجبهة الاسلامية) وجهت ضربات موجعة للحركة العمالية السودانية، سواء بصورة مباشرة بتشريد وملاحقة القادة النقابيين المعارضين، او التشريد الجماعي، مثل تشريد 4 آلاف عامل من عمال السكة الحديد عام 1990 ـ 1991م، ام بطريق غير مباشر جراء سياسات التمويل المعتمدة، وفتح ابواب الاستيراد التي ادت إلى توقف صناعات مثل النسيج والزيوت، او الخصخصة، او استجلاب عمالة اجنبية مثل كثافة العمالة الصينيين في مجالات البترول.


    وكسباً للوقت، واختصاراً للحديث، فسوف اركز على الجزء الاخير من سؤالك: نعم مازال وسيظل دور حزبنا هو نشر الوعي السياسي بين العمال والمزارعين وكل المسحوقين والمهمشين (لاحظ انني استبعدت عمداً مصطلح «تنوير» الوارد في صيغة السؤال، كما استخدمت عمداً ايضاً مصطلح «وعي سياسي»، والسبب لا يعود فقط إلى دلالات الالفاظ ـ semantics). وسنواصل هذا الدور مهما ضاقت المساحة المتاحة لحركتنا، او شحت ادوات مخاطبتنا وانحصرت في مجموعات محدودة. هذا يحدث في ارقى الاحزاب! ونحن على ثقة في ان العاملين والمزارعين سوف يستعيدون حرياتهم النقابية بالاساليب والاشكال التي يختارونها، بارادتهم وحكمتهم الجماعية، وليس وفق (سيناريوهات) تصاغ من اعلى، او (باندساس) الشيوعيين (المخربين) وسطهم، كما ظلت تدعي اجهزة الاعلام الرسمية والمعادية منذ عهد السكرتير الاداري روبرتسون إلى عهد الانقاذ!


    في هذا السياق اود التأكيد على ما سبق ان اكدته اكثر من مرة حول خواء (اسطورة) ان الحزب الشيوعي السوداني اكبر حزب في افريقيا، والمنطقة العربية! لقد نسج هذه الاسطورة من وجهوا ضربات للحزب الشيوعي السوداني، وراحوا يتباهون بانتصاراتهم، ويروجون لها في بورصة العداء للشيوعية (استحلاباً) لدعم القوى الاستعمارية خلال سنوات الحرب الباردة!


    لقد راجت تلك الاسطورة بعد صدور قانون حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان عام 1965، وبعد فشل انقلاب 19 يوليو 1971م، واعدام قادة الحزب وقادة الانقلاب في محاكم مايو الهمجية. واقع الحال ان الاحزاب الشيوعية في العراق وسوريا وجنوب افريقيا ولبنان اكبر من الحزب الشيوعي السوداني سناً ونفوذاً. اما اذا كان الحزب الشيوعي السوداني يتسم بخاصية او بأخرى فهي، بالقطع، مستمدة من خصائص الحركة الوطنية السودانية، بأحزابها، ونقاباتها واتحاداتها وصحافتها وعطاء مبدعيها وتعدد وتنوع اساليب نضالها وقوسها الموشى باثنيات وثقافات ومعتقدات وجهويات وقبائل وطوائف وطرق صوفية!


    انهار «النموذج»


    وليس «الاشتراكية»!


    ـ هل تنطلقون وانتم تتصدون لاعادة بناء الحزب من قناعة بنهاية الاشتراكية عقيدة وايديولوجيا في ظل انهيار الكتلة الشرقية؟


    ـ القناعة الاساسية التي توصلت اليها هي ان الاشتراكية ليست عقيدة، في معنى doctrine او dogma، ولا هي ايديولوجيا، وشرح هذه القناعة لا يستوفيه حديث صحفي، ولكي لا يترهل الحديث اوجز فأقول ان الاشتراكية كعموميات نظرية. او مؤشرات، او برنامج سياسي اجتماعي، وكآفاق بديلة للنظام الرأسمالي بعد ان يستنفد قدراته، لم تنته.. بالعكس، قابلة للتطوير والتجديد، وقابلة ايضاً للنقد والتقويم. انتهت بالفشل والانهيار (التجربة السوفييتية)، وانتهت معها القناعات التي اعتبرتها (النموذج).. وبتعبير بسيط ومباشر فإن النضال من اجل الاشتراكية لا يستهدف (استعادة) التجربة السوفييتية، انما (يتجاوزها).


    ـ ربما نتفق على ان الدول الرأسمالية الكبرى نجحت في امتصاص المؤشرات التي اعتبرتها الماركسية مظاهر لحتمية نهاية تلك الدولة، فهل طرأت على قناعاتكم الفكرية في هذا السياق توجهات جديدة ازاء الدول الرأسمالية والصراع الطبقي فيها؟ واذا كانت الطبقة العاملة لم تعد تعاني في هذه الدول الصناعية التناقض التاريخي ـ حسب الرؤية الماركسية ـ فهل يعني ذلك ان على عمال الدول النامية والكادحين القاء اسلحتهم، والغاء نضالهم ضد مراكز النظام السياسي والاجتماعي في بلدانهم؟


    ـ سؤالان متداخلان، وطابعهما نظري، وقد وددت لو أجد الوقت والمساحة لمعالجتهما باستفاضة، نسبة لخصوبة وتعقيد القضايا الواردة فيهما. لكنني المح في صيغة السؤال الاول، والباديء بتعبير «ربما نتفق»، ظلال استنتاج يبدو انك لم تتوقف عنده ملياً.


    لنبدأ بكلمة (حتمية) ـ وضع تحتها خطاً ـ باعتبارها من مصطلحات العلم في عصر (التنوير) وفيزياء (نيوتن) في القرن التاسع عشر، وما تلاها من انجازات مبهرة في علوم الاحياء والكيمياء وغيرها من علوم ذلك القرن، فنشأت الرغبة او النزعة للارتقاء بالعلوم الاجتماعية والنظريات السياسية إلى مصاف دقة وانضباط العلوم الطبيعية.. استخدم ماركس كلمة (حتمية) لانه ابن عصره، تأثر به واثر فيه. ورغم كل ما قيل وما كتب وقتها عن الفوارق بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية، بما في ذلك ما كتبه ماركس نفسه، ظلت نزعة العصر قائمة ومؤثرة، وبالمناسبة حتى كلمة (ايديولوجيا) التي وردت في سؤالك السابق كانت من نتائج تلك النزعة، حيث اراد المفكر الفرنسي دوتريسي (1754 ـ 1836م) تأسيس علم ينظم (فوضى الافكار)، ويحدد دائرة كل فكر، وضبط مصطلحاته.. الخ.


    ليست لدي قناعة جاهزة وصمدية ونهائية.. لكني اتابع، في حدود قدراتي، التطورات التي حدثت في النظام الرأسمالي والدولة الرأسمالية خلال قرن ونصف بعد ماركس: انتقال الرأسمالية من المنافسة الحرة إلى الاحتكار والاستعمار وحروب اقتسام المستعمرات، ثم استشراء ظاهرة الاحتكارات العملاقة، عابرة القارات، متعددة الجنسية، وبعضها اكبر واقوى من الدولة.. لا يحل محلها لكنه يملي عليها ارادته. غير ان هناك عوامل اخرى اثرت على الرأسمالية، كالمكاسب التي حققتها الاشتراكية للعاملين، نهوض حركة التحرر الوطني وانهيار النظام الكولونيالي، هزيمة الفاشية في الحرب العالمية الثانية والمناخ الديمقراطي العام الذي ساد وقتها، والتشريعات التي اصدرتها الدولة الاشتراكية عقب الحرب مباشرة وتركت اثرها على الدول الرأسمالية الكبرى في الغرب كيما تتجه نحو (دولة الرفاه)، لصد المد الاشتراكي بعد الحرب، من جهة، ولامتصاص ضغوط النقابات في الدول الرأسمالية الكبرى من الجهة الاخرى. في هذه الوجهة شهد النظام السياسي وجهاز الدولة في الغرب الرأسمالي تطورات ومتغيرات.. هذه حقيقة، ومن ذلك ان النظام البرلماني الديمقراطي قد استقر في تلك الدول، وان الديكتاتوريات جرت تصفيتها في جنوب اوروبا (اسبانيا، البرتغال، اليونان)، وان (الديمقراطية) اصبحت شرطاً اساسياً من شروط عضوية الاتحاد الاوروبي.


    ولكن هذا كله لا يلغي الصراع الطبقي، ولا يؤبد حالة (العقد الاجتماعي) السائدة، بدليل عودة (الليبرالية الجديدة) والاتجاه نحو تصفية (دولة الرفاه)، الامر الذي نجمت عنه موجة الاضرابات والاحتجاجات، كما اتسعت وتنوعت الحركات الاجتماعية الاصلاحية (البيئة ـ السلام ـ الاطفال ـ حقوق الانسان.. الخ) في تلك الدول. لذلك ارجو ان تسمح لي بأن الحظ عدم الدقة في اشارتك واستنتاجك عن وضع الطبقة العاملة في تلك البلدان، والمتغيرات التي حدثت في تركيب الطبقة العاملة نفسها نتيجة للثورة العلمية التكنولوجية. فالصراع الطبقي لا يتخذ بالضرورة شكل (الاضراب العام) و(المتاريس) و(العصيان المدني).. الخ، بحيث يعني غياب هذه الاشكال غياب الصراع الطبقي نفسه!


    ولا ارى سبباً يدعوك لليأس من مصير عمال الدول النامية والكادحين، لانك حتماً تتابع اتساع الحركة المناهضة للعولمة، والتي اطلق عليها اعضاؤها انفسهم اسم «حركة العداء للرأسمالية»، وهي حركة تتسم بحيوية مذهلة، وتركيبة اجتماعية شاملة، وتحمل هموم شعوب الدول النامية ضمن مطالبها بالغاء الديون، وتعديل بنود وصلاحيات منظمة التجارة العالمية WTO، وفضح مظالم الاحتكارات العملاقة التي تستغل اليد العاملة الرخيصة في الدول النامية، بما في ذلك عمل النساء والاطفال. لا اجنح للمبالغة في قدرات ومآلات هذه «الحركة»، لكني المح فيها انبثاق شكل جديد لتضامن العاملين في البلدان الرأسمالية المتقدمة مع العاملين والشعوب في البلدان النامية كمواصلة متطورة ومتجددة لاشكال التضامن خلال المعارك ضد الاستعمار القديم، ثم الاستعمار الحديث في الحقبة الماضية، خاصة فترة استقطاب الحرب الباردة.. وكمثال فقد نظمت 240 منظمة يسارية من مختلف بلدان غرب اوروبا احتجاجاً في برلين، اثناء زيارة الرئيس الاميركي بوش إلى المانيا خلال شهر يونيو من هذا العام، ضد سياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وافغانستان. وكانت الحركة قد داومت، خلال الفترة الماضية، على استنفار مناصريها للاحتشاد والتظاهر في كل مدينة انعقد فيها اجتماع لرؤساء الدول الصناعية الكبرى السبع، او منظمة التجارة العالمية، او البنك الدولي او صندوق النقد الدولي. وعقدت الحركة مؤتمراً لمنبرها في البرازيل صدر عنه برنامج (مستقبل بديل للعالم) مضمونه تسخير ثمار العولمة والثورة العلمية التقنية لمصلحة الشعوب، وليس لمصلحة الاحتكارات العملاقة متعدية الجنسية transnational التي تسيطر 500 منها على ثلث الناتج الاجمالي للعالم وثلاثة ارباع التجارة العالمية. وفي هذه الايام تتنادى عناصر ومنظمات الحركة لتسيير مظاهرة في الولايات المتحدة ضد تهديدات بوش للعراق. باختصار تقف هذه الحركة مع الشعوب، ومع العاملين في الدول النامية، في مواجهة التركيبة الجديدة للهيمنة الرأسمالية، بدءاً بالاجتماع السنوي لرؤساء الدول الكبرى السبع، وكوكبة الاحتكارات عابرة القارات، ومنظمة التجارة العالمية، والمجمع الصناعي العسكري، والصندوق، والبنك والذراع العسكرية ممثلة في حلف الناتو.


    لسنا «الأب الروحي» لليسار!





    ـ تعرض حزبكم إلى ثلاثة انشقاقات اساسية.. أفلا تتوقعون انشقاقاً قبيل او ابان انعقاد المؤتمر المرتقب؟


    ـ الانقسام، من حيث هو، وبصرف النظر عن حجمه، اضعاف لأي حزب واهدار لقدراته، ونظل دوماً يقظين وحاسمين في مواجهته بغض النظر عن توقيته!


    ـ هل تعتزمون مخاطبة اليسار بمفهومه التقليدي القديم، ام ترون ضرورة الاعتماد في المرحلة الاولى على «بقايا الحزب» كطليعة تنظيمية؟


    ـ استخدامك لعبارة (مفهومه التقليدي) يوحي بأنك تعني تشكيلات الستينيات، مثل (اليسار)، (القوى التقدمية)، (القوى القومية)، (القوى الاشتراكية)، او غيرها من كيانات المشروع الوطني العربي ـ الافريقي وما كان يرمز له جمال عبدالناصر والاستقطاب السياسي الاجتماعي وصراعاته، وما افرز من شعارات مثل (وحدة قوى اليسار) و(وحدة القوى الاشتراكية).. الخ.


    في كل الظروف نعتمد على (الحزب)، سواء كان (شظايا) او (بقايا) بعد ظروف السرية والقمع. ونعمل على استعادة مواقعنا، ضاقت ام اتسعت.. لا ندعي ما ليس لنا، ولا نهول من قدراتنا لاشباع غرور ما، او خلق انطباع ما، او اجترار رصيد ما من الماضي، فالواقع السوداني في حالة حراك سياسي وسكاني واجتماعي نتجت عنه تعديلات واسعة في الخريطة السياسية والاجتماعية، ومازال مستمراً. نحن نسعى لاستيعاب هذه المتغيرات، ونحدد وجهتنا، ونطور قدراتنا، لمواجهة ما يفرزه الواقع من تحديات واصطفاف جديد للقوى الاجتماعية. في هذا الاطار نحدد تحالفاتنا، وليس على الرغبات الذاتية، او التصورات المسبقة، او العودة لصيغة تحالفات الستينيات الفضفاضة. تجربة التحالف الواسع بصيغة (التجمع الوطني) منذ الانتفاضة تجربة جديرة بان تطور لتشمل كل المناضلين من اجل الديمقراطية، والنظام البرلماني التعددي، ووضع الحلول لقضايا القوميات، وتعدد الاثنيات، واحترام الآخر ـ معتقداً دينياً او سياسياً، وارساء الدولة المدنية الديمقراطية.. دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، والتصدي في هذا السياق للمهمة المركزية: مهمة (التنمية) بمفهومها الشامل والمتوازن. اعتقد ان هذه الصيغة افضل من اي صيغة لتحالفات ضيقة، لليسار او لغير اليسار.. وبشكل اكثر وضوحاً، ولازالة اي التباس محتمل، اقول: لسنا (الاب الروحي) مسئولين عن (اوهام) الذين يتعاملون معنا بمواصفات (الكتب) او (الحزب النموذج)!


    نعم.. نحن مجرد فصيل من فصائل اليسار والاشتراكية والتقدم والديمقراطية. وفي السودان فصائل اخرى لليسار، لها تجاربها ورؤاها، لكن قضايا التغيير الاجتماعي، وقضايا المستقبل الاشتراكي، وقضايا الديمقراطية، اوسع من ان يحتويها اليسار كما كان الحال في ظروف استقطاب الستينيات. لهذا ندعو إلى التحالف الاوسع الذي يشمل اليسار كما يشمل الذين لا يدعون انهم يسار ولكنهم يسعون لحل ذات المعضلات.


    على العموم، وباختصار، فإننا لن (نحل ونندمج)، اما كل ما هو دون ذلك فيمكن التفاوض حوله.


    علامات ساعة «الانقاذ»!


    ـ هل ترى ان هناك ما يدفع النظام من اجل تقديم تنازلات يفك بها قبضته على السلطة لينتهج نهجاً ديمقراطياً تعددياً؟


    ـ حتى الآن لا ارى بوادر مستقرة ومتواترة، انما مؤشرات طابعها المناورة و(الفهلوة)، خاصة بعد فشل اتفاقية (السلام من الداخل) مع الفصائل الجنوبية، واجهاض (اتفاق جيبوتي) مع حزب الامة، ولهذا فقدت مصطلحات (مبادرة ـ وفاق ـ حل سلمي تفاوضي ـ تحول ديمقراطي) بريقها وشحنتها المؤثرة على الرأي العام. ولهذا ايضاً لن يثمر النشاط السياسي الفوقي، على اهميته، ما لم يستند إلى نشاط يومي منظم في قاعدة المجتمع وجذور المشاكل grass roots التي تكتوي بنارها الجماهير: تمويل الزراعة، حق العمل، اعادة المشردين، صرف المرتبات، تخفيض الضرائب والرسوم لتركيز الاسعار، خدمات الصحة والتعليم، خدمات مياه الشرب والكهرباء في المدن.. الخ. تجارب التحول الديمقراطي التي حدثت في بعض البلدان: اسبانيا، تشيلي، جنوب افريقيا، اندونيسيا، كان احد مفاعلاتها الاساسية تبلور كتلة مؤثرة داخل النظام الشمولي تقتنع بجدية اولاً، ثم تصارع من اجل التحول الديمقراطي، وتعلن بوضوح قاطع استعدادها للتعاون مع المعارضة ضد سيطرة الجناح الشمولي. لم تتبلور مثل هذه الكتلة داخل (الانقاذ) حتى الآن، بل لا تزال السلطة تتوهم انها تستطيع ان توظف شعارات (الوفاق) لاصطياد شرائح من الاحزاب بدءاً بمجموعة (مشار)، وانتهاءً بالسيد مبارك الفاضل.


    يبدو ان الانقاذ لم تلمح، بعد ظهور بعض (علامات الساعة) التي تبشر بزوال الانظمة الشمولية، على الاقل حسب تجربتنا مع ثلاثة انظمة شمولية في السودان. تسألني ما هي هذه (العلامات): لن اكشف لك كل اسرار المهنة!! طيب.. واحدة من اوضح هذه (العلامات) عندما تتحول العلاقة بين (السلطة) و(الصحافة) إلى (علاقة عصبية)، بوقائع بعضها علني وبعضها سري، على مدار اليوم والاسبوع والشهر والسنة، من انذار صحيفة، إلى تقديم صحفي للمحاكمة، إلى اهدار المال العام في (صفقات) شراء (صحيفة) او (صحفي)، إلى سحب العدد بعد طبعه، إلى فرض الغرامات الباهظة، إلى استخدام الاعلانات كوسيلة (رشوة) لصحيفة.. الخ!! ـ هل ترون ضرورة اعتذار للشعب السوداني عن خطأ ارتكبه الحزب، سواء كان ذلك في مساندة نظام مايو في مرحلته المبكرة ام في حركة 19 يوليو 1971م؟ ـ نحن (ننتقد) اخطاءنا علناً امام الشعب، وهي كثيرة بحجم نشاطنا. ولا ارى مبرراً لاستخدام كلمة (اعتذار) لمجرد ان الرئيس السابق كلينتون اعتذر للافارقة عن دور أميركا في الاسترقاق. في المهرجانات السياسية التي اقمناها بعد الانتفاضة عام 1985م، ثم داخل الجمعية التأسيسية، اعلنا اننا نتحمل قسطنا من المسئولية في نظام مايو حتى عام 1971م. اما انقلاب 19 يوليو فقد اصدرنا وثيقة تقييم شاملة وناقدة طرحناها على الرأي العام في الداخل والخارج.


    ماشاكوس معركة وليست حلاً للازمة


    ـ ما هي نظرتكم تجاه ماشاكوس؟ هل تعتقدون في ضوء تداعياتها، ان الازمة السودانية تتحول لجهة انفراج سياسي؟ ام ان (الاتفاق الاطاري) المعلن يحمل في طياته بذور قضايا ساخنة ستنتهي إلى تفجير الازمة بدلاً من حل القضايا التي يواجهها الشمال والجنوب حالياً مثل الحدود واقتسام الثروة؟ ـ كل جهد محلي او اقليمي او دولي يفضي إلى انهاء الحرب وارساء دعائم السلام يجد منا كل ترحاب.. لانه يوقف نزيف الدم، ولانه يرفع عن كاهل الاقتصاد الوطني تكلفة الحرب الباهظة المبددة للموارد البشرية والطبيعية، ولانه يسلب الحكومة، اية حكومة، مبررات القوانين الاستثنائية مثل (حالة الطواريء) و(كشات) الشباب لمناطق العمليات.


    ولكن تجارب السودان السياسية مسكونة (بالاستثناءات) ـ مثال (اتفاقية اديس ابابا) التي اوقفت الحرب لاحد عشر عاماً (1972 ـ 1983م)، لكنها لم تحل ازمة الحكم.


    تصوري الخاص لـ (ماشاكوس) لا ينطلق من كونها حلاً ناجزاً حان قطافه، انما هي معركة من معارك الحل، حلبة من حلبات الصراع السياسي.. واذا كانت مشاعر التفاؤل التي صاحبته املا في السلام وحل الازمة، وانبهاراً بمحكم التصميم لمسار التفاوض وفتراته الزمنية ثم التوقيع على (الاتفاق الاطاري) كامتداد (لاتفاق جبال النوبا)، اذا كان كل ذلك قد اخفق مؤقتاً، فان الرأي العام سيفيق إلى حقيقة الصراع، كما وان الشركاء الاربعة (اميركا ـ بريطانيا ـ ايطاليا ـ النرويج) سيفيقون إلى انهم يتعاملون مع نوعية اخرى من البشر، ونمط اخر من الازمات لا يستجيب للعلاج بالسيناريوهات، و(توريت) ليست المفاجأة الاخيرة، سواء من جانب الحركة ام من جانب الحكومة. كما ان التمديد كل ستة اشهر للمراقبين (لاتفاقية جبال النوبا) قد يمتد إلى حالة اشبه بالتمديد لقوات الامم المتحدة في جنوب لبنان، مع ملاحظة ان اختيار منطقة (جبال النوبا) كبالون اختبار لم يكن في تقديري، بسبب الحيز الجغرافي المحدود، او مجرد (اشارة تنبيه) للحركة بأن الشركاء الاربعة يتعاملون مع الجنوب بحدود 1956م وفق تصور (الايغاد)، بل كانت هناك اسباب اخرى، اهمها رغبة حكومة (بوش) لطمأنة جماعات الضغط المسيحي على مصير المسيحيين في (جبال النوبا). ولهذا السبب كان اختيار القس (دانفورث) للمهمة، والذي لم يكن مجرد مصادفة ان تقريره جاء مشمولاً بفقرة ذات دلالة عن (الوجود المسيحي) في (جبال النوبا)، معتمداً اغفال وجود (اسلامي)، ومعتقدات (نوباوية) ضاربة الجذور في القدم. وليس من باب الدعاية السياسية ان نعترف بما لحق (النوبا) من تهميش، وتطهير عرقي، ومصادرة اراضي الاسر، وتوزيع مشاريع الزراعة الآلية لمستثمرين غائبين عن المنطقة. ومن الاسباب الاخرى ما رواه لي عالم اكاديمي سوداني اثق في معلوماته من ان منطقة (جبال النوبا) تقع ضمن حزام افريقي ممتد من الهضبة شرقاً إلى المحيط غرباً، وتعتبره اميركا ضمن مصالحها الحيوية. واستبق الرد على السؤال الذي المحه يتراقص بين سطورك: نعم ستعود الحكومة للمباحثات، سواء استردت (توريت) ام لم تستردها. ولا استبعد، في منعطف آخر، ان تنسحب الحركة من المفاوضات ثم تعود.


    باختصار، ودون خروج عن حدود اللياقة، اكاد اجزم ان (اصدقاء الايغاد)، الذين تحولوا إلى (مايسترو) و(ضباط ايقاع) التفاوض، سيتحولون إلى (ضباط مركز تعليم) لترويض المتفاوضين على (الضبط والربط) وتوقيع الاتفاقية، مع خصم او اضافة فترات انسحاب طرف او آخر.. (فالعصا) في يد الاربعة (اصدق انباء) من (الجزرة)! ولهذا تحتاج الحركة إلى (حلفاء) من القوى السياسية الشمالية والجنوبية يدعمونها في التفاوض، كما تحتاج الحكومة بالمثل إلى تحشيد (المتوالين) معها لدعمها في معركة التفاوض. وسوف يتراجع الاربعة عن صيغة (مستشارين) خارج المفاوضات. ولهذا قلنا، ونكرر، ان تحويل (ماشاكوس) إلى (صراع سياسي) اجدى من مجرد متابعتها عن كثب، او اجترار الاحتجاج المحض على قصورها ونواقصها!


    دعنا نتعامل مع (ماشاكوس) كمحطة في طريق البحث عن حلول للازمة السودانية، وكمدخل اسرد عليك في لمحة سريعة بعض المفاصل في مسار تلك الازمة، مما اوصلنا إلى (ماشاكوس):


    1 ـ اتفاقية الحكم الذاتي للسودان والجلاء والاستقلال تم توقيعها في القاهرة في فبراير 1953م بين انجلترا ومصر والاحزاب (الشمالية).


    2 ـ اتفاقية الحكم الذاتي الاقليمي للجنوب تم توقيعها في اديس ابابا في مارس 1952 بين النميري وقادة (حركة انانيا)، وبرعاية الامبراطور الاثيوبي هيلاسلاسي ومجلس الكنائس العالمي.


    3 ـ الاتفاق الاطاري بين حكومة (الانقاذ) و(الحركة الشعبية) تم توقيعه في ضاحية (ماشاكوس) الكينية في يوليو 2002م تحت اشراف (الايغاد) و(شركائهم).


    4 ـ دخلنا (مرحلة الاستقلال) بدستور (ستانلي بيكر)، السكرتير القضائي للادارة البريطانية في السودان، وتشير كل المقدمات إلى اننا سندخل (مرحلة السلام) بدستور، او حزمة دساتير يعدها ـ ان لم يكن قد اعدها سلفاً ـ (معهد ماكس بلانك) الالماني.


    5 ـ اتفاقية الحكم الذاتي والجلاء والاستقلال وقعتها في القاهرة الاحزاب (الشمالية) دون مشاركة ممثلين للجنوب، فانعكست الآية في (ماشاكوس)، واعاد التاريخ نفسه.. بالمقلوب!


    والآن.. اترك لك ولقرائك الاستنتاج! اما اذا رأت الاطراف الاربعة ان يتم توقيع اتفاقية السلام النهائية بين (الحكومة) و(الحركة)، ثم تعرضها على القوى السياسية الشمالية والجنوبية الاخرى (للمباركة)، فإن (ماشاكوس) في هذه الحالة سوف تخرج عن النماذج الاخرى، وتدخل في اطار اتفاقية الحكم الثنائي 1898م بين بريطانيا ومصر!


    تتبقى هنا نقطة اخيرة، وهي انك تكاد لا تخفي تشاؤمك في خاتمة سؤالك، بل تكاد تنقل لي العدوى!! من جانبي لست متشائماً، (فالازمة) متفجرة منذ عام 1955م، مع فترة سماح (1972 ـ 1983م). ومن خلال سير المفاوضات وعثراتها سوف تقتنع مجموعة الدول الاربع ان القضايا المصيرية لا يمكن ان يحسمها طرفان: (الحركة) و(الحكومة). ولو قرأت بتمعن التقرير الاخير الذي اصدرته (مجموعة معالجة الازمات) بعد انسحاب الحكومة من المفاوضات (نشرته صحيفة «الايام» السودانية، 20 ـ 22 سبتمبر 2002م) ستجد ان نظرة هذه المجموعة قد اتسعت بعض الشيء، حيث اشارت في البند (ثالثا/أ،ب) إلى اهمية معرفة افكار القوى السياسية الاخرى. واوصت في البند (اولاً)، ضمن توصياتها للدول الاربع، بالضغط على مصر كي لا تحيي (المبادرة المشتركة)، بل تلعب دوراً أكثر ايجابية لادخال الاصلاحات المطلوبة للحفاظ على وحدة السودان.. ولنفترض الآن ان مصر وافقت على هذه الصيغة، ووجهت الدعوة إلى (الحكومة) و(الحركة) والقوى السياسية الاخرى للاتفاق على الاصلاحات المطلوبة، الا يشكل هذا شكلا من اشكال (المؤتمر الدستوري) او (المؤتمر الجامع)؟!


    اذا كان ما تقصده هو ان الاتفاق حل جزئي للازمة فإنني اتفق معك، لكن لا اقبل ان نتوقف عند هذا الوصف السلبي، لان بمقدورنا ان نبذل جهداً كي ندفع بالحل نحو الشمول.


    ـ كيف ترون مضمون اتفاق (ماشاكوس) مقارنة باتفاقية (اديس ابابا) التي كان لحزبكم دور في بلورتها؟


    ـ لا مجال للمقارنة بينهما اذا وضعت في اعتبارك العوامل التالية: 1 ـ تعلم الجنوبيون من اتفاقية (اديس ابابا) والنكوص عنها، ثم من اتفاقية (السلام من الداخل) والنكوص عنها، ثم من شعورهم بالمرارة والخذلان بعد وفاة الزبير محمد صالح النائب الاول لرئيس الجمهورية، حيث كانوا يتوقعون ان يحتل المنصب اللواء جورج كنقور اروب، ولو لفترة مؤقتة ريثما يتم اختيار ضابط شمالي من القوات المسلحة، لكن تم تعيين علي عثمان محمد طه، هذه الشواهد وغيرها علمت الجنوبيين التحسب المشوب بالشك والارتياب في كل اتفاق! 2 ـ (الحركة الشعبية) ارقى تنظيما ووعياً سياسياً من (حركة الانانيا)، وجيشها احدث تدريباً وعتاداً.


    3 ـ ظلت (الانانيا) معزولة عن القوى السياسية في الشمال، في حين بادرت (الحركة الشعبية) لابرام مختلف التحالفات مع القوى السياسية في الشمال، بما في ذلك جناح (الترابي) المنشق عن الحزب الحاكم.


    4 ـ حصرت (الانانيا) مطالبها وشعاراتها في الجنوب، وكان تركيبها في الغالب من القبائل الاستوائية، في حين تجاوزت الحركة ذلك وطرحت برنامجا يشمل كل قضايا السودان، وتمدد تركيبها إلى (جبال النوبا) و(الانقسنا) وعناصر شمالية.


    5 ـ اقتصرت (اديس ابابا) على مطلب (الحكم الذاتي الاقليمي)، بينما تجاوز التفاوض في (ماشاكوس) هذا السقف إلى (تقرير المصير).


    6 ـ الحضور المكثف، والمشاركة الفاعلة، للمجتمع الافريقي والمجتمع الدولي في صوغ وطرح (مبادرة الايغاد)، ثم في التفاوض ومتابعة التنفيذ. فاذا قمنا بتشريح حضور المجتمع الدولي، بالذات نجده متضمناً (لمجلس الامن) ممثلاً في اميركا وبريطانيا، و(الاتحاد الاوروبي) ممثلاً في النرويج وايطاليا، والاربعة ـ بسلامتهم ـ اعضاء في ـ(حلف شمال الاطلسي)، ومن خلف الستار الضغوط الهائلة للدوائر المتنفذة في ادارة الرئيس بوش، مثل دوائر اليمين المسيحي، وشركات البترول المتربصة بالبترول الافريقي!


    ـ كل التجارب المعاصرة افضت بخيار (تقرير المصير) إلى الانفصال.. فهل ترون هناك ضمانة تجعل جنوب السودان استثناءً في سياق ماشاكوس؟


    ـ لا اتفق مع تعميمك المطلق بأن (تقرير المصير) افضى إلى (الانفصال) في كل التجارب المعاصرة. فهو لم يفض، مثلاً، إلى انفصال اقليم (كويبك) في كندا. هذا من حيث توخي الدقة. كما وانني لا اعتبر الجنوب (استثناءً) لان تصورنا كان بعد بيان 9 يونيو 1969م ان يفضي نجاح الحكم الذاتي الاقليمي، كحل ديمقراطي سياسي واجتماعي وثقافي.. الخ، إلى طرح شعار (حق تقرير المصير) من فوق نجاحات هذا الحل بعد فترة زمنية مباشرة. وقد توصل لهذا التصور جوزيف قرنق وعبدالخالق محجوب في نوفمبر 1970م مع اقصاء بابكر النور وفاروق حمد الله وهاشم العطا من مجلس ثورة (مايو)، ثم ضمنه عبدالخالق مساهمته المرسومة (حول البرنامج) من معتقله في مطلع عام 1971م.


    من زاوية اخرى لا اعتبر الجنوب (استثناءً) سواء في سياق (ماشاكوس) او خارجه، لانني اعتبره ميدان صراع مكثف لكل تاريخنا وكل مستقبلنا كما ينتصر خيار الوحدة. وهذا لا يعتمد على الجنوبيين وحدهم، او على الحركة وحدها، او على الوسطاء، او على الشركاء، او على مخاوف الدول الافريقية من التصدع، لان الدور الحاسم هنا تلعبه الحركة السياسية السودانية بشمالها وجنوبها، ولا احصر النشاط السياسي في الاطر الفوقية، او مشاركة القوى السياسية في (ماشاكوس). هذا كله مهم، لكن ما الذي يمنع ان ندعو إلى (ماشاكوس اهلي) خارج اطار الحكومة، خارج اطار (الايغاد)، تشارك فيه كل القوى السياسية ومندوبين عن الحركة.. في اسمرا، او القاهرة، او اية دولة اوروبية خارج شركاء (الايغاد)، ويتم التداول فيه حول كل ما هو مطروح في (ماشاكوس الرسمي)؟! واذا امكن تنظيم ذلك في الخرطوم تستطيع الحركة ان تساهم بالهاتف، اذا كان وجودها في الخرطوم لا يزال محظوراً او غير مسموح به! قد توافق اميركا، وقد يعاود (دانفورث) الضرب بقبضته على المنضدة كما فعل في القاهرة (عندما علم من مندوبي التجمع بان ثمة لقاء تجهز له القيادة الاريترية بين التجمع والحكومة في اسمرا)، لكن لا بأس به.. ففي تاريخنا سابقة (كسار قلم ماكميك) لرد الصفعة!! وفي سياق آخر فإن عقد (ماشاكوس اهلي) مفيد، ولو كتمرين وتأهيل، استعداداً لعقد (ماشاكوس دارفور)، وانني بالقطع لا امزح!!


    من هذا المنطلق كان رأينا ان يبدأ التحرك نحو المذكرة التي وقعتها القوى السياسية، بدءاً بالقوى السياسية الجنوبية. ومع تقديرنا لوزن القوى السياسية التي وقعت المذكرة فإن غياب القوى الجنوبية عنها كان احد اهم نقاط ضعفها. لكن الفرصة مازالت مفتوحة لاستكمال هذا النقص. ينبغي الا يغيب عنا ان الجنوبيين تلح على اجندتهم قضية (الحرب والسلام) اكثر من القضايا الاخرى، ولذلك كان رأينا ان تبدأ المبادرة بهم. وقد كان (مركز عبدالمجيد امام) سباقاً في هذا الاتجاه.


    صوت العقل حتى في مستشفى المجاذيب!





    ـ كان السودانيون يراهنون على النفط لاحداث نقلة نوعية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، هل حدث ذلك؟ واذا لم يحدث فلماذا؟ وهل يجوز تنازل الشمال عن النفط الحالي باعتباره مصدر ثروة داخل الاقليم الجنوبي؟


    ـ عائد البترول ابتلعته الحرب، مثله مثل عائد الذهب. ثمة معلومات اولية تشير إلى ان صفقة الاسلحة الروسية تعادل 400 ـ 450 مليون دولار، وان وزارة الطاقة تتصرف في عائد البترول، او جزء كبير منه، دون علم وزارة المالية، وان مناطق البترول في الجنوب تخضع للاشراف السياسي والاداري والعسكري لوزير الطاقة الذي تمت ترقيته إلى رتبة فريق، ويبدو ان ولاية (الوحدة) هذه منحوسة الطالع والميلاد، فقد (فبركها) نميري من اجل البترول، وتعيد (الانقاذ) فبركتها وتقطيع اوصالها من اجل البترول ايضاً!


    اذا انفصل الجنوب فبترول الجنوب للجنوب، مثل قولك «بترول العرب للعرب» اما اذا حافظ على الوحدة، وهذا ما اتمناه واسترخص في سبيله كل تضحية، فالموضوع سوف يخضع لمبدأ (قسمة الموارد) مثل (قسمة السلطة). وغريب حقا ما جاء على لسان د. عوض الجاز وزير الطاقة (الصحافة السودانية، 20/9/2002م نقلاً عن «البيان»)، نافياً مبدأ تقسيم عائدات البترول، مع ان هذا الوزير هو احد اركان الحلقة الضيقة صاحبة القرار في السلطة، ويعلم ان حكومته بادرت باقرار مبدأ اقتسام عائدات البترول في (اتفاقية السلام من الداخل، 1997م) على النحو التالي: (25% للحكومة الاتحادية ـ 35% لمجلس تنسيق الجنوب ـ 40% للولاية التي يستخرج فيها البترول). وهي نسب يعتورها خلل مصدره انها كانت (رشوة سياسية) لضمان توقيع الاتفاقية وضمان انسلاخ (كاربينو) و(مشار) من (الحركة)!!


    والآن، فإن طلب (الحركة) و(الشركاء) في (ماشاكوس) وثائق اتفاقية وحسابات البترول من الحكومة يشير ضمناً ان لدى (الحركة) و(الشركاء) معلومات عن حجم العائد الذي تخفي الحكومة جزءاً منه!!


    في هذا الصدد ألاحظ اختلافاً في صياغة البند الخاص باقتسام الثروة بين التقريرين الاول والثاني (لمجموعة ادارة الازمات). ففي التقرير الثاني، البند (اولاً/3) ترد الفقرة التالية، موجهة للدول الاربع المشرفة على المفاوضات: «وبالنسبة لاقتسام الثروة اعطوا الاولوية لاستغلال الموارد القومية، وخاصة البترول، في التنمية القومية الاقتصادية ـ الاجتماعية التي تحقق تعاوناً شمالياً جنوبياً». ولابد انك تلاحظ انه ليس في هذه الفقرة اية اشارة لتقسيم العائد.


    وبما ان العاملين في هذه (المجموعة) وشبيهاتها هم من المتخصصين الذين تستند حكومات الغرب على مقترحاتهم وتوصياتهم، فاستبعد ان يتعاملوا مع صياغة نص في وثيقة جديدة دون مضاهاته مع النص الوارد في وثيقة سابقة.. اتمنى الا اكون مخطئاً!!


    شعار (تقسيم عائد البترول) اصبح شعاراً ذا (قدسية) بالنسبة للجنوبيين. وكان اكتشاف البترول في الجنوب، وقرار تشييد المصفاة في الشمال، احد اهم اسباب انفجار الازمة بعد مرور اكثر من عشر سنوات على اتفاقية اديس ابابا. قد يصعب على وفد (الحركة) ان يتراجع عنه في (ماشاكوس)، كما وانه ليس لوفد حكومة (الانقاذ) فرصة للتراجع عنه بعد سابقة اتفاقية (السلام من الداخل). ولن تثير الدهشة مطالبة اية ولاية شمالية او جنوبية بنصيبها من عائدات البترول او اي معدن آخر! فولاية (البحر الاحمر) يمكنها ان تطالب بنصيبها من عائد الذهب، وكذلك ولاية (النيل)، كما يمكن (لجنوب الفونج) المطالبة بنصيب من عائد الكروم!! ومع ذلك فصوت العقل يجب ان يعلو، في النهاية حتى داخل مستشفى المجاذيب!!


    وصوت العقل في السياسة باهظ التكلفة!! ان الاستغلال الامثل لعائد البترول والذهب وعائدات الانتاج الزراعي والحيواني انما يتمثل في تجميعها في (الماعون القومي) اولاً، ثم اعادة توزيعها عبر قناتين: الاولى ـ ميزانية التنمية والمعاملة التفضيلية للجنوب والمناطق المهمشة، والثانية ـ الميزانية السنوية والمعاملة التفضيلية لذات المناطق في خدمات الصحة والتعليم..الخ. ولا ابوح بسر اذا قلت لك انني قد بعثت إلى مندوبينا في (التجمع) في الخارج ـ التجاني الطيب والشفيع خضر ـ لكي يطرحوا هذا التصور على الدكتور جون قرنق وقادة الحركة، وان يعطوه حقه من التفكير كمشروع مستقبلي، لاننا ندرك انهم في هذه المفاوضات ملتزمون امام الرأي العام الجنوبي بتنفيذ نسب تقسيم العائد، وان يطلبوا دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع من بيوت الخبرة الاربعة المتفرغة لخدمة مفاوضات ماشاكوس (مركز الدراسات الاستراتيجية بواشنطن، مركز ادارة الازمات ببروكسل، معهد النهضة الافريقية ومؤسسة العلاقات الدولية). واعتقد ان لهذا المشروع المستقبلي جدواه لان ازمتنا الوطنية لن تنتهي بـ (ماشاكوس) وتوقيع الاتفاقية، انما تنتقل من الحيز الحربي إلى الحيز السلمي وقضاياه الاكثر تعقيداً.


    الشق الآخر من تصورنا الا يعولوا كثيراً على وعود الدول الغربية بتمويل اعادة تعمير الجنوب، وليسألوا اثيوبيا واريتريا وناميبيا عن حجم الوعود التي بذلت لهم وحجم الايفاء بها، بل ليسألوا ياسر عرفات كم استلم من الاربعة عشر مليار دولار التي وعدوه بها بعد (اوسلوا)!!


    الدول الغربية تمول شركاتها لتنفيذ وعودها، ولهذه الشركات هوامش ارباح لا تتنازل عنها تلك هي الحقيقة التي لا ينبغي اغفالها.


    نعم .. قرنق وحدوي!


    ـ هل لديكم قناعة شخصية في طرح قرنق الوحدوي ام ترون انه تكتيك سياسي براغماتي؟


    ـ قرنق وحدوي، والكتلة المؤثرة في (الحركة) وحدوية، لكن في داخل (الحركة) وخارجها توجد مجموعات انفصالية. وما شجعنا على الاقتراب من الحركة، منذ تأسيسها وبياناتها الاولى، هو منطلقاتها الوحدوية وتعاملها مع قضية الجنوب كجزء من قضية السودان. وهذا مايز خطابها السياسي عن خطابات القوى الجنوبية الاخرى التي دخلت الغابة منذ اغسطس 1975م. وطبعاً ليس مطلوباً من (الوحدوي الجنوبي) ان يصبح (عروبياً اسلامياً)!! مثلما ليس مطلوباً من (الوحدوي الشمالي) ان ينسلخ عن منابته وينتمي إلى (الدينكا) جنساً او ثقافة!!


    ـ ألديكم قناعة بأن (فصل الدين عن الدولة) يشكل شرطاً اساسياً لما يمكن ان يكون ضماناً للوحدة؟


    ـ مراعاة للدقة فإن الصيغة التي توصل اليها التجمع في (بيان نيروبي) واحتوتها (مقررات اسمرا ـ 1995 م) هي «فصل الدين عن السياسة»، واعتقد انها تشكل احد العوامل الاساسية للوحدة.


    «دفء» الحياة العائلية!


    ـ استاذ نقد.. نستميحك الاذن لكي نطرح عليك في ختام هذا الحوار سؤالاً في الجانب الخاص: لقد كرست للعمل الحزبي السري سنوات طوال من حياتك ـ ربما تجاوزت في مجموعها ما كرسته للعمل العلني ـ فهل تشعر بأنك افتقدت دفء الحياة الطبيعية في المحيط العائلي والاجتماعي؟ وهل يفضي بك التفكير احياناً في مثل هذه الامور الشخصية إلى أي نوع من الشعور بالندم على الصعيد الذاتي؟ ام انت راض عن تجربتك وقدرك؟


    ـ نعم.. افتقدت، ومازلت افتقد متعة للحياة الطبيعية. اما (دفء) الحياة العائلية فيثير لدي سؤالاً: لماذا نتقيد بمفردة (دفء) المترجم عن الانجليزية warmth في مناخنا السوداني الساخن الجاف؟! لو كنت سألتني، مثلاً: هل تفتقد (دعاش) الحياة العائلية، لكنت وجدت عندي الجواب، لكنك اخترت المفردة الخطأ ـ راحت عليك؟ مع السلامة

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de