|
|
 في نقد العقل السوداني : العقل السوداني: استجابات الشروط الخارجية تكرّس حالة الخمول
|
في نقد العقل السوداني
العقل السوداني: استجابات الشروط الخارجية تكرّس حالة الخمول
خالد عويس
تنبهت الى ان معظم حالات الوعي التي قادت لفتح مزالىج العقل العربي وتفكيكه واعادة تأمل التاريخ العربي مؤدية الى حراك فكري واسع تتسع دوائره تدريجيا نهضت في اطراف لا تعتبر مركزية في الخارطة العربية، وفي يقيني ان العناصر ذات الدم المختلط في المغرب وسوريا وحتي البحرين كانت اقدر من سواها على استيعاب تقاطعات الثقافة العربية و النسق المضمر كما يصفه عربي قح هو الناقد السعودي عبد الله الغذامي، وسواء اتفقنا مع طروحات هؤلاء او اختلفنا، فان محصلة جهودهم قادت الى حركة عقلانية ما زالت تصادم المرئيات المتوارثة وتسفر عن اهتزازات في يقينيات العرب بعقلهم الجمعي وثقتهم فيه، الا ان الواضح ايضا ان حركة التفكير في السودان لم تبلغ ما بلغه هؤلاء ولم تستجب لطروحاتهم الا بقدر يتبين فيه حجم الاجترار والترديد من دون اسقاطات او محاولات لتتبع الحالة ذاتها حيال العقل السوداني حتى بحسبانه جزءاً من العقل العربي على الرغم من عدم دقة الوصف، وهو ما كان خليقا بالسودانيين ان تتوّلد بينهم حركات عقلانية تقود لكشوف جوهرية بخصوص وعيهم بتاريخهم المنتسب الى العرب وحدهم اجحافا، وضرورات تفكيك التاريخ المتيقن لديهم بناء على ما توافر بين ايديهم من تشكيك في ما يختص بالنسق، ويزيدون علىه بتأملات خاصة بهم باعتبار ان ثقافتهم حالة متميزة، وان ذلك يحتم نشوء تيارات عقلانية تتدارس الحالة السودانية وترمم اختلالاتها، وبالامكان اعتبار المجهودات العقلانية المشار الىها مرجعية تتيح للباحثين وضع اسس معيارية وعقلانية تتأسس علىها جهود اخرى ــ ويمكن ان تتقاطع معها ــ فالغذامي مثلا لم يكتف ببحث النسق المضمر وانما تعداه لنقد الاطروحة الادونيسية، صحيح ان الموازنة كانت غائبة بغياب صوت الفكر الافريقي بحسبانه متلقيا ايضا لما بثته افكار لومببا ونيكروما وسنغور ومانديلا التحررية الثورية، لكن العقل السوداني كان دائما مستجيبا لشرط الوافد الفكري سواء افريقياً أو عربياً، فالصوفية التي تتمركز في قلب الذاكرة السودانية لم تنشأ كتجربة سودانية محضة وانما وفدت من العراق والمغرب ومصر، ووجدت في التربة السودانية مناخا خصبا لتتم سودنتها وفق الشرط السوداني الذي يتلاءم مع مزاجها المعتدل، وحركات التحرر في الجنوب برغم أحقية ما تطرحه الا ان العامل الفكري الخارجي سواء أكان امميا كما في نشأة الحركة الشعبية او اقليمياً، شكّل لب التفكير الجنوبي وقاده لتماسات حرية بالتأمل مع مجمل الحراك الفكري في قارة افريقيا على الرغم من صعوبة الفصل، والتيارات الاسلامية الحديثة رفدت الحياة السياسية في السودان بتجارب بعيدة كل البعد عن البيئة السودانية، ويتمثل واقع الرفد الفكري الخارجي والاستجابة السودانية المتعاطية باجترار واداء تلقيني في وجوه كثيرة كسلوك ثقافي كرّس حالة القطيعة مع العقل الناقد والمتحفز للحفر العميق، فليس من المعقول ان تكون الحالة السودانية مضمحلة في محتواها الداخلي غير قادرة على تبصر المكونات الجوهرية التي غذت الشخصية السودانية، في حين تستجيب للشرط الخارجي من غير عناء التعمق ايضا، حالة الديكتاتورية التي يرصدها الغذامي مثلا في وجوه ثقافتنا العربية ويبينها في نماذج كثيرة تشمل فحول الشعراء والادباء مع الاشارة لمصطلح الفحولة نفسه لتتماهي مع فحولة اجتماعية تقولب المجتمع في اطار النموذج الذكوري المحض باستبطان سيادة ثقافية وتواطؤ مع النسق الذكوري وكونه متباينا بين الذكور انفسهم، هي حالة تشبع بها العقل السوداني واعاد انتاجها كحالة عربية تضاد الآخر وتسلب رؤاه لصالحها وتطوّع الظروف لاكتمال نسقها وتضمره في شتي مناحي الحياة، وبرغم ان الافريقانية واتتها الجرأة لتضمر شيئا من انساقها كما يرصد الباحث مختار عجوبة على سبيل المثال حال المرأة السودانية الا انها كانت خافتة ولم تتوضح كحالة افريقية وسودانية محضة، بل ان العقل السوداني تورط ضد المرأة بحسبان ان مكاسبها السابقة تبطن شيئا من الوثنية والبعد عن النموذج الديني فالعقل هنا مال للاستجابة لشرط الاجتهاد الوافد اكثر من ميله للتعاطي والاخذ باجتهاد يتلمس حاجات مجتمع له ثقافته وظرفه الخاص مثّلت المرأة فيه على الدوام عنصرا فاعلا وحيويا و عاملا ففلاحة الاراضي والعمل الى جانب الرجال كان جزءاً من الحالة السودانية الخاصة، فالذاكرة لم تخبيء المرأة الانثي بقدرما خبأت المرأة النموذج، لكنها اعرضت عن ذلك بعد ان اقتنعت بالاطروحات الداعية الى تقييدها والتعامل معها على اسس جديدة هي في حقيقتها مستلفة من ذاكرة مشبعة بخيالات الجواري والمرأة المطابقة للشرط الجنسي فقط، نستنج ان العامل الديني ذو الحضور الاقوى جسّد خللا لكونه هو الآخر وافدا تعامل معه العقل السوداني كزرع استنبت في تربة غريبة لابد من تطويعها لصالحه، لهذا فان معظم الاحالات الدينية والاخذ بمعطيات جديدة ينبني على ذاكرة لا تؤمن بقدراتها هي بصدد الاجتهاد والتجديد وانما تهرع لجغرافيات تعتبر قداستها وقربها من المصادر للأخذ عنها وتفريخ نماذج تؤمن بصلاحيتها اكثر من نماذج يمكن ان تنشأ في بيئة غريبة!! وتتوه البوصلة الجنوبية ايضا لتبحث عن مصادر تزن المعادلة الثقافية المتكاملة، وتتوه بوصلات اخرى بين هذي وتلك لتذوب في خضم الموجات الفكرية التغريبية الوافدة او تستند الى افكار اممية لتضمن وجودها، واجد بعض الطروحات الفكرية في السودان غريبة بعض الشيء، فالبعث العربي اذا توافرت له فرص النجاح واثمر واقعا جديدا في كل البلدان العربية فاني له ان يثمر ذات النتائج في السودان؟ ناقشت عدداً من البعثيين حيال الامر وتوّضح لي انهم منشغلون فعلا بالمعضلة لكن انشداداتهم بـ عبقرية عفلق لاعادة الحياة للعروبة لم تمكنهم من دراسة الامر على نحو جدي، والتيارات الاسلامية تقوّت بفضل هؤلاء وسواهم من الىساريين والوسطيين الامة ــ الاتحادي لتستغل العاطفة الدينية الجارفة وترمي كل خصومها باستبعاد الدين من الخارطات الفكرية وتستلف كامل نهج المودودي ــ البنا وتطوره بناء على آليات براغماتية وتنزله الى ارض الواقع السوداني على خلفيات تدغدغ عقلاً سودانياً لا عقلانياً ! اذن هل يمكن ان نشير لشخصية سودانية منفصلة عن شخوص عربية وافريقية؟ واين تستوطن الشخوص التاريخية في عقل لا يستوعب سوى شخصيتين هلاميتين تابعتين للاقليم اكثر من نضوجهما الذاتي وانتمائهما للداخل، وهل كلتا الشخصيتين تعبران عن أحادية ام انهما نتاج تراكيب مشوّهة لجملة شخوص تكوّنت متواطئة ضد التاريخ ومقصيّة شخوصاً اكثر حضورا او على الاقل ذات فاعلىة تاريخية ضخمة، لا يمكن سبر اغوار هذه المسائل المتشاكلة باستبعاد اعادة انتاج التاريخ السوداني ورصد كل شخصية على حدة وتلاقحاتها الخاصة وما رفدت به الشخصية العامة التي نحاول ان نتبينها، ولابد ان تتحمل كل شخصية الافصاح عن اختلالاتها الخاصة كذلك التي ادت لاهتزاز الشخصية العامة والغائها، ونعود مرة اخرى للجزم بأن اية دراسة تخلو من العودة الى بداية التكوين السوداني لتتبع الحراك التاريخي وصولا الى شخصية مضمرة بالفعل وخافية لا نتبينها هي الأحق بالوجود، وفضح الشخوص الماثلة التي الغتها بوعي او من دون وعي، سيكون مجهودا ينضاف الى المجهودات التي كرّست واقع العزلة الذي نعيشه.
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
أنور أدم
Elmosley
Omayma Alfargony
Mohammed Elhaj
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست