كان المرحوم الحسين محمد طه رجلا سابقا لعصره.. فرغم أنه عاش حياته في قريته القرير بشمال السودان الى أن توفي الى رحمة مولاه، إلا أنه كان رجلا مثقفا متنورا يختلف عن بقية أهل القرية في اسلوب حياته الذي هو أقرب الى حياة أهل المدن.. فقد كان رحمه الله رجلا حسن الهندام، نظيفه، يمتلك بيتا مبني بالطول الأحمر، ومؤثثا وبه كل أسباب الراحة من سرائر وثلاجة جاز وتلفون وسجاد.. كان خطيبا بارعا في المناسبات.. وكان رحمه الله لا يضيع فرصة العيد التي يتجمع فيها أهل البلد في ساحة المقابر لصلاة العيد.. وبعد انتهاء الامام من خطبة العيد يقف الحسين للحديث مستعرضا ما تعانيه البلد من مشاكل ويقترح الحلول.. والى جانب مهنة أهل قريته (الزراعة) التي يمارسها هو أيضا فقد كان مراسلا صحفيا في الخمسينات وبدايات الستينات لبعض صحف الخرطوم.. كانت لديه مظاريف خاصة للمراسلة مطبوع عليها (الحسين محمد طه.. مزارع ومراسل صحفي بالقرير)..
أما اتجاهه السياسي فقد كان رحمه الله من أنصار حزب الأمة في جزيرة من الختمية، رغم أنه لا تربطه صلة قرابة بآل قرافي بالقرير وهم أنصار بحكم قرابتهم بعائلة الإمام المهدي حيث هاجر جدهم الأكبر محمد نور قرافي (تور القوز) من جزيرة لبب الى ديار الشايقية واستقر بها قبل دخول الأتراك للسودان.. وكان العم الحسين يناظر الختمية وغالبا ما يتفوق على مناظريه بقوة حجته. ويقال أنه في خمسينات القرن الماضي وبينما كانت المعركة الانتخابية محتدمة لأول انتخابات بعد الاستقلال والأعصاب مشدودة والليالي السياسية على أشدها، كان عمنا الحسين ود طه يدعو لمناصرة حزب الأمة.. ويبدو أن هذا الأمر لم يعجب بعض شباب الختمية، فأضمروا به شرا وقررت ثلة منهم أن يحسموا الأمر معه بالعنف.. بالفعل فقد هجموا عليه في بيته ليلا وأوسعوه ضربا موجعا وتركوه بين الحياة والموت، وكانوا جميعهم ملثمين ثم انسحبوا.. وتم نقله الى مستشفى مروي وفتح بلاغ حيث تم القبض على بعض المتهمين في الحادث.. بالطبع أنكر المتهمون بأنهم قاموا بالفعلة وأدعوا أن الحادث ربما قامت به (الملائكة) نظرا لتجرؤ (الحسين) على السيد علي الميرغني.
وعندما حصل الخلاف السياسي بين الإمام الهادي المهدي رحمه الله وبين الإمام الصادق المهدي يقال أن المرحوم الحسين وقف وقفة صلبة الى جانب المرحوم الإمام الهادي.. وفي تجمع للأنصار في إحدى مناطق النيل الأبيض يقال أنه ألقى خطبة مؤيدة للإمام الهادي حيث شبه فيها السيد الصادق بأنه مثل (ابن نوح) الذي لم يركب في السفينة... وعندما أصبح الإمام الصادق رئيسا للوزراء يقال أن العم الحسين ذهب لمقابلته وعرف نفسه لمدير المكتب.. وعندما دخل مدير المكتب على السيد الصادق ليخبره بأن شخصا اسمه الحسين محمد طه يريد مقابلته.. كتب له السيد الصادق ورقة يقول فيها (ابن نوح مشغول ولا يستطيع مقابلتكم).. والله أعلم عن صحة هذه الحادثة.
(عدل بواسطة maman on 01-10-2005, 00:29 AM)