تمثل تجربة محمد تـرس المسرحية نموذجاً استثنائياً في المشهد الفني السوداني، حيث تمكن من صياغة لغة مسرحية خاصة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، محققاً توازناً دقيقاً بين الموروث الثقافي السوداني وأحدث تقنيات الأداء المسرحي العالمي. اللغة المسرحية من الواقعي إلى الرمزي تتشكل النصوص المسرحية عند تـرس من طبقات متعددة، تبدأ من الواقع اليومي للسودانيين لتصل إلى مستويات رمزية عميقة. في عمل "الرحيل"، لا يقدم مجرد قصة هجرة، بل يحول التجربة إلى مونولوج وجودي يعكس أزمة الهوية في عصر العولمة. اللغة اليومية تتحول عنده إلى أداة فنية، حيث تستحيل اللهجة السودانية إلى وعاء يحمل دلالات فلسفية ونفسية متعددة. جماليات الأداء المنفرد يتميز أداء تـرس بتقنية مبتكرة في مسرح الرجل الواحد، حيث يتحول الجسد إلى أوركسترا كاملة تعزف متناقضات الوجود الإنساني. كل حركة، كل إيماءة، كل صمت عنده يحمل دلالة درامية. في عرض "المدينة الضائعة"، يتحول الممثل من راوٍ إلى جزء من السرد نفسه، حيث تصبح حركته على الخشبة امتداداً لحركة المدينة وتناقضاتها. تفكيك العلاقة مع المتلقي يمثل كسر "الجدار الرابع" في عروض تـرس فلسفة فنية متكاملة، وليس مجرد تقنية عرض. إنه يتحول من ممثل إلى وسيط بين النص والجمهور، حيث يصبح المشاهد شريكاً في صناعة المعنى. هذه التقنية تتحول إلى استراتيجية لتفكيك العلاقة التقليدية بين الممثل والمتفرج، وإعادة تعريف مفهوم الفضاء المسرحي. المسرح كمنصة للتغيير الاجتماعي لا تقتصر تجربة تـرس على العروض المسرحية، بل تمتد إلى مشروع ثقافي متكامل. من خلال ورش العمل التي ينظمها، لا ينقل التقنيات المسرحية فقط، بل يخلق حركة تجديد في المسرح السوداني. تجربته التعليمية تساهم في ظهور جيل جديد من المسرحيين القادرين على توظيف التراث السوداني في صيغ معاصرة. تحليل العروض: من النص إلى التجربة في عرض "الشارع والشخص"، يذيب تـرس الحدود بين المسرح والحياة اليومية. لا يقدم شخصيات نمطية، بل يعرض تشريحاً نفسياً واجتماعياً للإنسان السوداني المعاصر. التقنيات التي يستخدمها - من المونولوج الداخلي إلى الحوار المباشر مع الجمهور - تتحول إلى أدوات لكشف التناقضات الاجتماعية والصراعات الجيلية. نحو مسرح سوداني جديد تمثل تجربة محمد تـرس منعطفاً مهماً في المسرح السوداني، حيث تثبت إمكانية خلق مسرح محلي الملامح، عالمي الرؤية. تجربته لا تقدم حلولاً جاهزة، بل تفتح أسئلة حول هوية المسرح السوداني وعلاقته بالتراث والمعاصرة. من خلال مزجه بين الواقعية والرمزية، وبين الفكاهة والجد، يستطيع تـرس أن يحول المسرح إلى فضاء للحوار المجتمعي، مؤكداً أن التجريب الفني ليس ترفاً، بل ضرورة لمسرح حي وقادر على التأثير. هكذا يصبح المسرح عند محمد تـرس ليس مجرد فن للعرض، بل أداة للتأمل والنقد والتغيير، محققاً تلك المعادلة الصعبة بين الجمالي والاجتماعي، بين المحلي والعالمي، بين الأصالة والمعاصرة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير ابو الزهراء
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست