من تصدير الأزمة إلى استيرادها: السودان في مواجهة تدخلات الخارج سالبة/موجبة
شهد السودان، على مدى عقود، تدخلاتٍ لافتة في شؤون بعض جيرانه، خاصة خلال أواخر الثمانينيات والتسعينيات، حيث اتبعت حكومة الخرطوم آنذاك سياسة خارجية نشطة ومثيرة للجدل، تمثلت في دعم حركات تمرد والسعي لتغيير أنظمة حكم في عدد من دول الجوار. من أبرز تلك التدخلات:
عداء وهجاء للمملكة العربية السعودبة مع بداية نشوء نظام الانقاذ 1989 بالتضامن مع نظام الخميني في ايران.
دور محوري في التغيرات السياسية بإثيوبيا وإريتريا عام 1991، عبر دعم فصائل معارضة لأنظمة الحكم السابقة.
تدخل مباشر في الشأنين السياسي والعسكري في كل من تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى، بما في ذلك تقديم دعم مباشر ومعلن للمعارضات المسلحة.
دعم أطراف معارضة لنظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، في إطار تنافس إقليمي كان يشمل تبادل الاتهامات بين الخرطوم وطرابلس.
تورط نظام عمر البشير في محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995، ما أدى إلى توتر طويل في العلاقات مع القاهرة.
مشاركة ولو محدودة في إطار التحالف العربي في اليمن.
أثارت "جامعة إفريقيا العالمية" ومقرها الخرطوم رغم أهدافها التعليمية المعلنة، شبهات حول استخدام بعض برامجها لتدريب عناصر تنتمي لحركات أو تيارات إسلامية ذات طابع أمني أو عسكري في غرب افريقيا والصومال.
ذلك والمزيد.
أما اليوم، فقد انقلب المشهد، وأصبح السودان نفسه ساحة لتدخلات إقليمية ودولية متشابكة، في ظل أزمة سياسية وأمنية خانقة تفاقمت بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023.
تتنافس عدة قوى إقليمية ودولية على التأثير في مسار الأحداث، كل وفق مصالحه ورؤيته لمستقبل السودان، ومن أبرز هذه الجهات:
مصر: تنظر إلى السودان باعتباره عمقا استراتيجيا، وتركز على وحدة واستقرار الدولة السودانية، لكنها تدعم الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، في ظل مخاوفها من تمدد قوى غير نظامية أو فوضى طويلة الأمد على حدودها الجنوبية.
الإمارات العربية المتحدة: تتهم كأحد أبرز الداعمين لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، سياسيا ولوجستيا، انطلاقا من مصالح اقتصادية وأمنية تشمل النفوذ في البحر الأحمر وقطاع المعادن وشيء ذي أهمية قصوى وهو محاربة التطرف والاسلام السياسي.
السعودية: تحاول أن تلعب دور الوسيط، خصوصا من خلال استضافة محادثات جدة بين طرفي الصراع، وتسعى للحفاظ على استقرار السودان بعيدا عن الفوضى التي قد تؤثر على البحر الأحمر ومجالها الأمني الحيوي.
إثيوبيا: تتابع الوضع السوداني عن كثب، خاصة في ظل نزاعها الحدودي مع السودان حول منطقة الفشقة، إلى جانب ارتباط الوضع السوداني بمصير ملف "سد النهضة" ومياهه.
تشاد وجنوب السودان: يتأثران بشكل مباشر بتطورات الصراع، بسبب المعابر الحدودية والمكونات القبلية العابرة للحدود، مع ورود تقارير عن تورط بعض الفصائل المسلحة القادمة من هذه الدول في دعم طرف أو آخر.
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي: يدعوان إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى مسار انتقالي مدني، ويقدمان مساعدات إنسانية، فيما يُتهمان أحيانا بالتباطؤ في الضغط الفعّال على أطراف النزاع وفق وصفهما.
روسيا و"فاغنر" وضمن قوات أفريكا كوربس: تُتهم موسكو بدعم بعض الأطراف السودانية من خلال شركات أمنية خاصة تنشط في مجال التعدين مقابل تسهيلات اقتصادية، في إطار سعي روسيا لتعزيز نفوذها في القارة الإفريقية.
في ضوء هذه التدخلات الموجبة/السالبة، يبدو السودان ساحة لصراع إرادات إقليمية ودولية، يتقاطع فيها الأمن، الاقتصاد، والسياسة، مما يُعقد جهود الحل السلمي، ويضاعف معاناة المدنيين في مختلف أقاليم البلاد.. ولكن لا بد من حل مهما طال السفر.. حل يكون مرجعيته الشعب السوداني وبعون اصدقائه المخلصين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة