العدوانيَّةُ وتَلَاشِيْ القِيَم بقلم/ علي تولي لعلنا نجد أنفسنا بين فكي جدلية ثنائية؛ مثل: الخير/الشر، العلم/الجهل، الإيجابي/السلبي/ السلام/الحرب، الحب/الكراهية... والقائمة تطول في سرد الثنائيات. كما أن القيم تمثل أنماطًا متعدِّدة، فهي جماع ما يحمله الأفراد على اختلاف ثقافاتهم، وتكوينهم المعرفي، والمهني، والطبقي..الخ.. لقد جاء في بعض تعريفات الفلسفة بأن (القيم هي كل الأحكام التي تتماهى مع الضوابط الشرعية والعرفية منها والقانونية التي تمتد إلى شخصية الأفراد بتباين مستوياتهم المختلفة…) ولما كانت الفلسفة هي الأساس فلابد من تصدير معظم الأطروحات والدراسات بما جادت به الفلسفة وهي هنا تدعو إلى قيم الحوار والتسامح والسلام، نجد هذا ما أكد عليه الفيلسوف إيمانويل كانط بأن يسود السلام الدائم، وأن السلام لا يكون إلى عن طريق الفكر الفلسفي، والفلسفة في هذا تُعنى بتجنُّب الصراعات والحروب في العالم بما فيها من تدمير للإنسانية .. أي أنها نتاج التعامي البشري عن القيم الإيجابية التي تجعل من الأفراد على اختلاف مستوياتهم في حياة يسودها مجمل ما تعنيه هذه القيم: من الاحترام/ الصدق/المسؤولية/ الامتنان/ اللطف/ الصبر/اللطف/ الشجاعة/ الكرم/النزاهة/ الجد والمثابرة. ** لقد عرف العالم من حولنا خالصة المنطقة العربية التي ينتمي إليها السودان في تواصله اللغوي.. ما مدى جمال وسماحة ما يحمله الإنسان السوداني.. حتى أولوه من الثقة في الأمانة والمسؤولية والعفة والطهر ما جعله يتبوأ أعلى مرتبة بين سائر الشعوب.. ومرَّ حينٌ من الدهر أن تولى نفرٌ بلغ بهم الزهوُ والكِبْرُ بما يشجُّ صحو عنان السماء، فاستكبروا استكبارا، ومكروا مكراً كُبَّارا.. ولقد رأيناهم بأم أعيننا أنهم لم يتركوا في الأرض ديارا.. *** صارت التغَوُّلات تنتاش النفائس من مقدرات هذه البلاد وتطال حقوق شعبها الطيب الصابر على ابتلاءاتٍ مازالت تثاقل وطأتها إلى يوم الناس هذا.. استفحل أمرهم فكان انقضاضهم على السلطة الديمقراطية في 1989م مستصحبين العسكر يتأبطونه تارة ويتأبطهم أخرى.. ولا يخفى هنا الدافع القوي المبني على الأحقاد والضغائن وكل المظاهر السلبية فكانوا وما زالوا يستحدثون سوءًا أكبر من كل سوء قبله في اطراد متعاظم.. *** يحدثونك عن القيم .. بل وتسيل عيون الكبار دموعًا من دم قانٍ على انمحاء الكثير من القيم التي نراها من أول سنيَّ مجيهم إلى الحكم.. ومنذ أن نفثت غنمهم في القصر الجمهوري.. بنزعة عدوانية (عسكرية) أي تلك القبضة البوليسية.. وحالات الطوارئ.. وكبسولاتها المنتشرة بين الأحياء الوادعة على طرقات شوارع العاصمة.. من أجل التمكين.. فتمكنوا تمكُّن اللصوص من مكنون الديار ونفائسها.. حتى طارت بأقوالهم الأسافير.. وسارت بها الركبان.. والنزعة العسكرية أي ال(Militarism) التي تعزز شراكتها في الحكم هو استخدام العدوانية من أجل مصالح طبقة ما أو جماعة ما.. أو من أجل أن تتبوأ طبقة عسكرية مشكلة من أفراد يمثلون القيادة تكون له الغلبة في سيادة الدولة.. وهذا ما يتنافى مع قيم السلام والعدالة والتسامح والعيش في طمأنينة وأمان.. بل ومن المعروف أن النزعة العسكرية كانت عاملاً مهمًا في الآيديولوجيات الاستعمارية التوسعية، والامبريالية.. للعديد من الأمم على مر العصور وعلى سبيل المثال: الامبراطورية العثمانية.. والامبراطورية اليابانية.. وألمانيا النازية.. والامبراطورية الفرنسية.. وما أحدثته من الهلاك والدمار للأجناس البشرية المختلفة.. في عدوانية سافرة. **** مثلت ثورة ديسمبر المجيدة أسمى وأنبل غايات القيم الإنسانية حتى كانت مبهرة بحق وحقيقة لكل شعوب العالم. فكان اعتصام القيادة يمثل المدينة الفاضلة استقى منها الشعب أسمى قيمه التي تحلى بها الشباب.. فلن تجد وطنيًّا غيوراً لم تفضْ عيونه من الدمع جراء المشاهد والمواقف الإنسانية.. ودفاعهم عن قيم إنسان السودان.. ولكن. ***** ولكن يا للهول..! لم تكن المؤسسة العسكرية المؤدلجة وفلول النظام السابق وحدها سيدة الموقف.. بل وشاركها أيضًا ابنها الوليد الذي دافعوا عن شرعيته بشدة مقيتة.. *** **** لقد كانت الثورة تجسد من القيم أعلاها وهي القيم الوطنية.. التي تجسد روح التعايش والتآلف بين أبناء هذا الشعب.. شباب من كل بقاع السودان.. لا تشوبه أدنى تشوهات ما نراه اليوم من الجهوية والقبلية والعرقية.. وصراع النخب البغيض بالتهافت على السلطة والمناصب.. والثروات.. يغدر بعضهم بعضًا.. لم يحملوا قيمة واحدة من القيم الإيجابية.. والتي أجلها وأرفعها القيم الوطنية التي هي مجمل المبادئ التي يحملها الفرد وتعكس حبه لوطنه واعتزازه بكل ما يمثل ثقافته وتاريخه وهويته واحترام قوانينه والا ضطلاع بالمسؤولية تجاهه في كل ما يخدم تطوره وازدهاره. بسيادة روح المشاركة في التفاني والابداع في احترام متبادل والعيش في تسامح واحترام اختلافهم دون تمييز أو تفرقة. بنشدان العدالة والمساواة في روح من التعاطف والتعاون. وهذا قيض من فيض عن تلاشي القيم في الطغمة المتحاربة المتعاركة.. التي لم ولن نجد فيها فردًا يحمل بين حناياه ذرة منها.. حتى يصبح مأمون الجانب.. بل إن الأمر يذهب أبعد مما نتصور في جدل حياتنا اليومي.. رأينا أفرادًا من كلا الطرفين يشحذون المدية ويذبحون الشباب بل ونسمع نخيرهم وشخيرهم وأصوات آخر أنفاس حشاشاتهم قبل صعود أرواحهم قسرًا وقهرًا بلا رحمة ولا هوادة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة