في قصر السلالم الرخامية" في معسكر رأس شيطان – ذاك المكان الذي تبدو فيه الماعز أكثر كرامة من الإنسان – جلس الطبيب البيطري، يقلب أوراق التقويم البيطري باحثاً عن إشارة فلكية تجيز له التقدم لخطبة "جميلة الخرطوم"… ابنة الراسمالي والسياسي الشهير . كنت أعلم أن بيتهم في العاصمة ليس مجرد عنوان؛ بل مؤسسة طبقية مرصعة بالرخام والوظائف السيادية. أما نحن، فنأتي من جذور ملطخة بروث البهائم وغبار اللوري في طريق امدرمان الابيض . حين جاءني مستمزجاً رأيي، قلبت له كف الحقيقة في صراحة بروليتارية: – "يا دكتور، دي عائلة بتغسل الكافيار قبل الأكل... إنت بتعقم مبرد الظلف!" لكنه ضحك بمرارة: – "كلامك ده ساي... شكلّك خايف أتشلّك في العيد الجايي!" وركب البص في اتجاه الخرطوم حاملاً حلمه في علبة كبريت، وسط إعصار من التوقعات الطبقية. المشهد المهيب- ذاك السياسي العظيم و القصاص الاجتماعي دخل القصر المنيف في حي الخرطوم الراقي. كل شيء هناك يلمع: السلالم، الكريستال، وحتى الابتسامات المصطنعة. استقبله المهندس الذي كوّن ثروته من مشاريع "إعادة تدوير الفساد"، بابتسامة دبلوماسية: – "كويس جيت بالباب، ما نطّيت من الشباك زي جيلكم!" ثم انسحب تاركاً الساحة للسيدة زوجته – الخالة التي تتقن رفع الحاجب أكثر من رفع الاقتصاد الوطني. بدأ اللقاء بتوتر، وزاد التوتر عندما أخرج شهادته البيطرية متنهداً. لكن الخالة قاطعته قائلة: – "أشكرك يا إبني على صراحتك، لكن عندي مجموعة أسباب لرفضك." – "مجموعة عديل ؟!" – "نعم. من واحد لتسعة: لأنك من مدنية الغبش بجد ، وتحديداً من رأس شيطان. والسبب الاخير هو ؟ لأنك طبيب بيطري!" قالتها وكأنها تكتب تقرير إعدام وظيفي. تدخل السياسي الرهيب وهو يضع نصف سيجار في جيب بدلته: – "لو كنت جرّاح تجميل، كنا عملنا ليك طاولة شوكولاتة… لكنك بتعالج خشم البهائم!" التحوّل التراجيكوميدي عاد إلى المعسكر، منهكاً لا من السفر، بل من الحضيض الاجتماعي الذي سقط فيه. في عيادته، علّق لافتة جديدة: "نورالدين باقر – أخصائي أمراض القلوب… الحيوانية فقط." وكلما هبت نسمة من الجنوب، سأل الهواء: – "لو كنت دكتور نساء وتوليد… يا ترى كنت فتحت بطنها؟ ولا فتحت بيت العيلة؟" بين رأس شيطان وقصر الخرطوم، ضاعت القلوب التي لا تحمل مقام اجتماعي راقي ولا تلبس ماركة عالمية. وبقي الطبيب البيطري ينظر في مؤخرات المواشي… بينما كانت الطبقة المخملية ترفع رؤوسها، دون أن ترى الحقيقة خلف ستائر الحرير. نحن كدا فقرانيين ومنتهي القرف واتنو خليكم زي ما انتو والعرس انا خليتو بس انشالله بتكم يجيها الجراح العالمي العايش في العاصمة البريطانية #
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة