هل يُعقل أن تتحدث خطة لإنقاذ السودان من الانهيار دون أن تبدأ من البند الأول: وقف الحرب؟ تبدو خطة الدكتور كامل إدريس (35 مهمة) كوثيقة طموحة، بل قد تكون مرجعية تقنية شاملة، لكنها في المحصلة تتعامل مع السودان كما لو كان دولة خارجة من أزمة مؤقتة، لا كما هو فعليًا: دولة مفككة، بلا سلطة موحدة، وباقتصاد حرب يتآكله العنف والانهيار. أولاً: نقاط القوة والطموح المشروع الشمولية الواقعية- تغطي الخطة كافة القطاعات الحيوية (الصحة، الاقتصاد، الأمن، الخدمات)، مع وعي واضح بالأولويات العاجلة، خاصة التركيز على وباء الكوليرا وانهيار البنية التحتية. تسلسل زمني منطقي تقسيم المهام إلى "آنية" (0-6 أشهر) و"متوسطة" (6-12 شهرًا) يُظهر فهمًا لتراتبية الإصلاح في دولة خارجة من حرب. إصلاح المؤسسات كحجر زاوية -التركيز على استقلال القضاء، إصلاح بنك السودان، وديوان المراجع العام، يلامس جذور الأزمة الهيكلية. ثانيًا - الثغرات العملية في ظل واقع السودان مغالطة الشرعية المزدوجة: تفترض الخطة قدرة رئيس الوزراء على التحرك باستقلالية كاملة، بينما تعيينه تم ضمن تسوية سياسية غير مدنية، وتحت هيمنة العسكر – مما يُفقدها الأرضية السياسية. إشكالية التمويل الشبح: قرابة 90% من المهام تتطلب تمويلاً ضخمًا في وقت- احتياطي النقد الأجنبي شبه منعدم. أكثر من 70% من عائدات الذهب تحت سيطرة قوات الدعم السريع. السودان في عزلة مالية خانقة بسبب العقوبات. وهم احتكار العنف- المهمة 28 المتعلقة بنزع سلاح المليشيات تتجاهل واقع أن: الحكومة نفسها تعتمد على مليشيات موازية. السلاح أصبح مصدر رزق لملايين في اقتصاد الحرب. المفارقة الأمنية -كيف تُفعّل الموانئ وتُؤمّن الحدود (المهمة 22)، بينما العاصمة الخرطوم نفسها ساحة قتال، والقوات المسلحة منقسمة؟ ثالثًا- التحديات غير المعلنة هي صدام المصالح العسكرية مثل أو كذلك أي محاولة لإصلاح مؤسسات رقابية (مثل ديوان المراجع العام) ستُواجَه حتمًا بمعارضة من شبكات المصالح المرتبطة بالجيش، وهو خط أحمر. التمويه الدبلوماسي جالإشارة إلى "علاقات وطيدة مع مصر وجنوب السودان" تتجاهل -دعم مصر لبعض الفصائل المسلحة المناوئة. تحوُّل حدود الجنوب إلى معابر للميليشيات والسلاح. وهم الحياد التقنوقراطي -- الدعوة إلى تعيين وزراء مستقلين تبدو مثالية، في ظل نظام يدار فعليًا بالمحاصصة القبلية والعسكرية. رابعًا- المهام المستحيلة في إطار زمني محدود المهمة التحدي الواقعي معالجة التضخم (16) العملة فقدت 400% من قيمتها منذ 2023 – لا حل دون وقف الحرب. إعادة الإعمار (11) 70% من البنية التحتية مدمرة – التكلفة تفوق 100 مليار دولار. نزع سلاح الميليشيات (28) أكثر من 40 فصيلاً مسلحًا خارج سيطرة الدولة – بعضها أقوى من الجيش. إصلاح التعليم (14) 80% من المدارس مغلقة أو مدمرة – والكادر التعليمي نازح.
خامسًا - الثغرات الخطيرة في الخطة الغائب الأكبر لكيفية وقف الحرب لا تُقدّم الخطة أي تصور عملي أو سياسي لوقف إطلاق النار، ولا لمعادلة توازن قوى تسمح بتنفيذها – كأنها تُنفَّذ في فراغ. مأزق الشركاء الدوليين - تفترض الخطة دعمًا دوليًا تلقائيًا، بينما الواقع أن معظم المؤسسات الدولية تشترط شرعية سياسية غير متوفرة. وهم الإرادة السياسية - تصور أن رئيس الوزراء يمتلك صلاحيات تنفيذية حقيقية مغالطة خطيرة – القرار الفعلي ما زال في يد المجلس العسكري. التقييم النهائي هذه الخطة تقع ما بين الطموح المشروع والوهم السياسي السائد لدي محموعة كبيرة من القيادات الحالية الجانب الإيجابي وثيقة متقنة تشخيصًا، وقد تُستخدم كخارطة طريق لحكومة مدنية شرعية مستقبلية. المشكلة الجوهرية يا سادة تتعامل مع السودان كدولة "قابلة للإصلاح" تقنيًا، بينما الحقيقة أنها دولة منهارة، تحت سيطرة أمراء حرب، بلا سيادة فعلية. الأرقام لا تكذب مساحة سيطرة الحكومة: أقل من 30% من التراب الوطني. السيطرة الاقتصادية: أقل من 15%. الشرعية الشعبية هشة، أمام هيمنة لجان المقاومة على الشارع. رسالة الوثيقة--قد تكون هذه الخطة أقرب إلى "بيان ضغط" على العسكر، أو تذكير بأن: لابد أن أقول لا إصلاح تقني دون حل سياسي , وكذلك لا حكومة مدنية دون وقف الحرب. لا دولة بلا كسر الوهم الثلاثي- وهم أن العسكر يريد الإصلاح. وهم أن المال الخارجي سيُنقذ اقتصادًا ميتًا. وهم أن حكومة بلا شرعية أو سيطرة تُنقذ شعبًا بين المطرقة والسندان. وكلنا يبكي علي ماضي تليد وحقائق مرة أمامنا وعاجزين عن تحقيق شيئا يذكرغير السجال العقيم .
05-31-2025, 02:18 PM
Moutassim Elharith Moutassim Elharith
تاريخ التسجيل: 03-15-2013
مجموع المشاركات: 1288
تحياتي أخي زهير أشكرك جزيلا على تحليل المقالة، ولكن أتمنى أن تعدّل العنوان لأنه ليس دقيقا، فالمقترح لا صلة له برئيس الوزراء بروف كامل إدريس على الإطلاق، وإنما من بنات أفكاري فحسب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة