قال أرباب السلوك ومشايخ التربية، إن لله في أيامه نفحات، وإن من أعظم هذه النفحات عشر ذي الحجة، فهي مواسمُ من رحمة، ومشاهد من قرب، وبدايات لمن أراد السير، ومحطات لمن شغلهم الزمان وغفلتهم الدنيا. قال الإمام العارف بالله محمد زكي إبراهيم رحمه الله: "هي أيام عروج الأرواح، لمن صدق في القصد، واتسعت له أنوار التهيئة، فهي تفتح أبوابًا من القرب، لا تفتح لغيرها من الأيام، فيها أسرار لا تُنال إلا بصفاء القلب ونقاء الطوية." وقد درج أهل التصوف على تفضيل هذه الأيام، لا فقط لصيامها وقيامها، بل لكونها مرآة لمعاني التجرد والخضوع، إذ يُسن فيها الذكر، والتلبية، ويقع فيها الحج، وهي شعيرة الفناء عن الحول والقوة، والرجوع إلى المحبوب جلّ وعلا. وكتب أحد أتباع الطريقة الشاذلية في الأربعينات- "كل يوم من هذه العشر مقام، وكل مقام بوابة، فمن صامها فقد صفّى، ومن ذكر فيها فقد ترقّى، ومن نوى بها وجه الله، وجد فيها أنوارًا تكشف له ظلم الجوارح، وتحيي في قلبه مقام الحضور." ويقول الإمام أحمد العلاوي في إحدى رسائله- "العشر الأوائل من ذي الحجة، كعشر ليالٍ من رياض الملكوت، من دخلها طاهر النية، صادق العزم، عرج بروحه ولو لم يبرح مكانه، فإن الله لا ينظر إلى الصور بل إلى القلوب ومتى صحت القلوب علت الأعمال." وكانوا يقولون إن أعظم العمل فيها الذكر، ثم الذكر، ثم الذكر، فقد ورد في الأثر -- "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد"، فالتكبير عندهم ليس صوتًا فقط، بل إعلان ولاء، والتهليل تجديد عهد، والتحميد شهود لنعم لا تُعد. ومن خصّ العشر بنية التزكية لا الرياء، والمجاهدة لا الادعاء، والفقر لا الادّخار، كان له فيها من الوصل ما لا يبلغه أهل الكسل ولو طال بهم الطريق. وقد ختم أحد العارفين كلامه في هذه الأيام بقوله - "من لم يدرك من بركات هذه العشر مقامًا يقربه، فليعلم أن له في قلبه غشاوة، فإن النفحات لا تتخلف، ولكن الغفلة تحجب، وشتّان بين من يسبق بالنية، ومن يحترق بالحسرة."
05-28-2025, 01:54 AM
Ali Alkanzi Ali Alkanzi
تاريخ التسجيل: 03-21-2017
مجموع المشاركات: 10743
الف شكر لهذا الاهداء العظيم واسأل الله هدي من عنده في ايام ستمر لعل الله يجعل فيها لنا من رجعة اليه في قدسه اسال الله ان يشملنا بستره وعفوه وضاه وان يحل السلام ربوع بلادي والعالم اجمع انه سميع مجيب ا
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة