“لإنقاذ السودانيين يمكن التفاوض الآن مع الدعم السريع” أعلن الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء د. أمين إسماعيل مجذوب عن ضرورة عودة الحكومة والدعم السريع للتفاوض بغرض إيقاف الحرب الدائرة الآن. وفي مقابلة بثت مساء السبت ضمن برنامج “الطريق 18” الذي يقدمه الصحفي علي فارساب، قال مجذوب: “حتى ننقذ الشعب السوداني، يمكن أن نفاوض الدعم السريع الآن”. وأكد مجذوب ضرورة الضغط على كل الأطراف للجلوس إلى طاولة الحوار لإنقاذ الشعب السوداني وإيقاف هذه الحرب نهائيًا. من جهة أخرى، أكد الصحفي والمحلل السياسي شوقي عبد العظيم ضرورة إيقاف الحرب عبر الحوار والتفاوض بين طرفي الحرب، مشددًا على أن الأوضاع الإنسانية في غاية السوء وتحتاج من الأطراف إلى النظر إليها. في سياق متصل، كشف الخبير الأمني والاستراتيجي عن استراتيجية الجيش الحالية، مشيرًا إلى أن بنك الأهداف الموجود لدى الجيش قد حسم تسعة منها، وتبقت خمسة أو ستة أهداف أخرى، منها فك الحصار عن الفاشر. وأضاف: “بناءً على هذه المعطيات، من الممكن القول إن الجيش جاهز للذهاب إلى التفاوض حسب رأيه”. ومع ذلك، أبدى الصحفي والمحلل السياسي شوقي عبد العظيم تحفظًا على حديث الخبير الأمني والاستراتيجي حول بنك الأهداف الذي يتبعه الجيش في استراتيجيته للعودة إلى التفاوض، متسائلًا: “كم تبلغ الكلفة البشرية والمادية للانتهاء من أي بنك أهداف؟” ودعا إلى ضرورة إيقاف الحرب عبر التفاوض وتقليل عدد الأهداف حتى لا تزيد الخسائر.
في هذا الزمن الصعب، حيث ينهار الوطن تحت وقع الحرب، ويضيع الناس بين ركام المدن السودانية ودول المنافي ومآسي النزوح، خرج علينا اللواء أمين مجذوب بدعوة للتفاوض مع قوات الدعم السريع، تحت عنوان إنقاذ ما تبقى من السودان. طبعا، لا أحد عاقل يرفض وقف إطلاق النار، ولا أحد سليم الفطرة يقف في وجه دعوة لحقن الدماء، لكن المشكلة ليست في مبدأ التفاوض، بل في طبيعته، وتوقيته، ومنطلقاته، وعمّا إذا كان فعلًا من أجل الشعب، أم هو فقط إعادة ترتيب للمواقع على حساب الإلتفاف مره اخرى على الشرعية.
ما يجب أن يقال وبكل وضوح، أن الجيش السوداني ليس ضحية في هذا المشهد، بل هو أحد مهندسي الخراب. هو من أنشأ قوات الدعم السريع، وسلّحها، وشرعن وجودها خارج مؤسسات الدولة، وجعل منها أداة باطشة ثم خرجت من يده، فانقلبت عليه. والأسوأ من ذلك، أنه ما زال حتى هذة اللحظة يكرر ذات الجريمة، إذ يمضي في تأسيس مليشيات جديدة، تحتمي بمسميات مختلفة، لكنها تكرس نفس منطق الاحتكام للقوة، وتقسيم البلد وفق الولاءات، لا وفق العقد الوطني.
قوات الدعم السريع من جانبها، ايضا مارست في هذه الحرب بعض الإنتهاكات، ولا يمكن السكوت عنها أو تجاوزها بحجة البحث عن حل سياسي. يجب ان تسرى العدالة بين جميع أطراف المشكلة.
بالنسبة للتفاوض من اجل إنهاء هذة الحرب نجد ان قوات الدعم السريع ، لم تعد تتحرك لوحدها كما كانت تفعل قبل التوقيع على اتفاق نيروبى، بل حاليا أصبحت جزءًا من تحالف سياسي أوسع، هو “تحالف التأسيس” ، والذي جاء، في جوهره، تفاديًا لتكرار مآسى الماضى كما فى نيفاشا، حين قرر المؤتمر الوطني التفاوض مع طرف واحد فقط وهو الحركة الشعبية ، وأقصى بقية تنظيمات السودانيين، فكان الانفصال نتيجة حتمية لذلك الإقصاء.
من هنا، يصبح من العبث أن نكرر الخطأ نفسه. لا يجوز أن يحتكر التفاوض طرفان يحملان السلاح، ويُقصى من المشهد كل من دفع الثمن الحقيقي لهذه الحرب، من المدنيين، والناشطين، وأصحاب المصلحة في بناء دولة لا تُدار بالبندقية. لا بد من تفاوض شامل، يضم الجميع، ويعكس كل تنوع السودان، لا مجرد تفاوض لتقاسم الكعكة. أما مسألة المحاسبة، فهي ليست عبئًا على العملية السياسية، بل شرطها الأساسي. فلا يُعقل أن نطلب العدالة من الدعم السريع، ونتغاضى عن انتهاكات الجيش أو حلفائه. العدالة لا تتجزأ، ولا تُكال بميزان السياسة. كل من ارتكب جريمة – من أي جهة أتى – يجب أن يُحاسب، لأن دماء الضحايا ليست قابلة للتفاوض، ولا تخضع لحسابات التوازنات. وإذا صحّ ما أشارت إليه بعض التصريحات الأمريكية من استخدام الجيش لأسلحة كيميائية في دارفور، فهذه جريمة تفوق الوصف، ولا يمكن التعامل معها كتكتيك تفاوضي، يُستخدم حينًا ويُسحب حينًا آخر. هذه ليست ورقة تفاوض، بل اختبار أخلاقي ووطني، يحدد من يقف في صف الحياة، ومن يغرق أكثر في مستنقع الموت. نحن لا نطلب المستحيل، بل نطلب فقط أن يتوقف الجميع، ويستمعوا لصوت هذا الوطن الممزق، الذي لم يعد يحتمل مزيدًا من الكذب. السودان لا يحتاج إلى تسوية بين قوتين تتنازعان فوق أنقاضه، بل يحتاج إلى مسار وطني جديد، تشارك فيه كل الأطراف، وتُبنى فيه الدولة من جديد على أساس المواطنة، لا الغلبة، وعلى العدل لا المحاصصة، وعلى التوبة لا التكرار. وقت العبث انتهى، ووقت الإنصات لصوت الحقيقة قد حان. .
05-25-2025, 02:32 AM
Biraima M Adam Biraima M Adam
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 32994
Quote: وإذا صحّ ما أشارت إليه بعض التصريحات الأمريكية من استخدام الجيش لأسلحة كيميائية في دارفور، فهذه جريمة تفوق الوصف، ولا يمكن التعامل معها كتكتيك تفاوضي، يُستخدم حينًا ويُسحب حينًا آخر. هذه ليست ورقة تفاوض، بل اختبار أخلاقي ووطني، يحدد من يقف في صف الحياة، ومن يغرق أكثر في مستنقع الموت.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
Mohamed Adam
Biraima M Adam
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست