يواجه أكثر من 250 معتقلاً في سجن بورتسودان أحكامًا بالإعدام أو تهديدًا جدياً بها، بتهم تتعلق بالتعاون مع قوات الدعم السريع، في ظل استمرار حملة اعتقالات وصفت بـ"التعسفية" من قبل منظمات حقوقية، وسط تفاقم الانتهاكات القانونية والإنسانية في مراكز الاحتجاز بعدد من الولايات.
ووفقاً لتقارير حقوقية حديثة، أبرزها صادرة عن "محامو الطوارئ" و"الشبكة السودانية لحقوق الإنسان"، فإن ظروف الاعتقال في سجن بورتسودان تسير نحو مزيد من التدهور، وسط اكتظاظ حاد ومعاملة تنتهك أبسط معايير حقوق الإنسان، في وقت يتواصل فيه تجاهل الجهات القضائية والتنفيذية لنداءات الإفراج أو تسريع المحاكمات.
انتهاكات ممنهجة واحتجاز خارج القانون وبحسب رحاب مبارك سيد أحمد، المحامية وعضو المكتب التنفيذي لمحامو الطوارئ، فإن ما يقارب 1600 محتجز يعانون ظروفاً غير إنسانية في السجن، وسط حالة من الذعر نتيجة القصف المستمر بطائرات مسيّرة على المدينة، بما في ذلك مناطق قريبة من السجن نفسه.
وأكدت رحاب في تقريرها أن معظم المحتجزين، وبينهم أطباء، معلمون، طلاب، ومحامون، يظلون في السجن لأشهر – بل وسنوات – دون محاكمة، رغم اكتمال مراحل التحري، ما يُعد انتهاكاً واضحاً للمادة (79) من قانون الإجراءات الجنائية السوداني التي تحدد أقصى فترات الحبس دون محاكمة.
وتشير المحامية إلى أن جلسات المحاكمة المؤجلة تمتد لفترات تصل إلى 40 يومًا، وهو ما يتنافى مع العُرف القضائي السوداني الذي ينص على ألا تزيد الفترة بين الجلسات عن أسبوعين في القضايا الجنائية.
تهم سياسية وأحكام قاسية وأوضحت رحاب أن الاتهامات التي وُجهت للمحكومين تدور حول مواد فضفاضة مثل المادة 50 (تقويض النظام الدستوري) والمادة 51 (إثارة الحرب ضد الدولة)، وغالباً ما تُربط هذه التهم بمواقف أو رسائل نصية أو تدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي تُفسر على أنها "تأييد للدعم السريع" أو "انتقاص من المؤسسة العسكرية".
ومن بين الحالات اللافتة التي أوردها التقرير، الحكم بالإعدام على الفتاة هنادي ضوء البيت عباس، والسجن المؤبد لـشيماء سعيد حسن، بسبب منشورات على الهاتف واتهامات بنيت على تحليل محتويات رقمية من دون إذن قضائي واضح.
غياب العدالة وازدواجية المعايير وأضاف التقرير أن السلطة القضائية، في معظم الحالات، لا تُمكِّن القضاة من ممارسة دورهم الرقابي على صحة المتهمين أو التأكد من عدم تعرضهم لسوء المعاملة، ما يجعل من الإجراءات برمتها عرضة للطعن بانعدام العدالة وضمانات المحاكمة العادلة.
وقالت رحاب: "بعد صدور الأحكام، يبقى المحكومون فترات طويلة في انتظار البت في الاستئنافات، دون معرفة الأسباب أو اطلاعهم على تطورات قضاياهم، ما يفاقم الإحساس بالعزلة والخذلان".
سوء التغذية وتدهور بيئة السجن وتطرّق التقرير إلى تردي الوضع الصحي داخل السجن، حيث يُقدَّم الطعام مرتين فقط يوميًا، وتأخرت وجبة الغداء مؤخرًا بشكل دائم. كما أُبلغ عن خلط المياه المالحة بالمياه المحلاة بسبب تعطل محطة التحلية داخل السجن، وهي ممارسات قد تؤدي إلى أضرار صحية جسيمة.
ووصفت المحامية الوضع في سجن بورتسودان بأنه "كارثي"، لافتة إلى التناقض الصارخ بين الوضع الأمني المحيط بكبار المسؤولين في المدينة، وبين هشاشة الأمن الإنساني داخل السجن ذاته، حيث يواجه المعتقلون خطر القصف، وسوء المعاملة والمحاكمات غير المنصفة.
أزمة عدالة في زمن الحرب تكشف هذه الشهادات عن أزمة عدالة حقيقية في السودان، تتجاوز مسألة المحاكمات إلى بنية أمنية – قضائية مشوشة، يجري فيها استخدام القانون لتصفية الحسابات السياسية وإخراس الأصوات المدنية والمعارضة. وبدلاً من أن تكون السجون مؤسسات لإعادة التأهيل في ظل القانون، تحولت إلى أدوات للعقاب الجماعي في ظل نزاع مسلح يفتك بوحدة البلاد ونسيجها الاجتماعي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير ابو الزهراء
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست