نصوص قبطية وسياقات تاريخية حول اتحاد مملكتي نوباديا (مريس) والمقرة- إعادة قراءة في ضوء المصادر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-14-2025, 10:39 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
المنبر العام
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-29-2025, 06:55 PM

زهير ابو الزهراء
<aزهير ابو الزهراء
تاريخ التسجيل: 08-23-2021
مجموع المشاركات: 11796

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نصوص قبطية وسياقات تاريخية حول اتحاد مملكتي نوباديا (مريس) والمقرة- إعادة قراءة في ضوء المصادر

    06:55 PM April, 29 2025

    سودانيز اون لاين
    زهير ابو الزهراء-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر





    يُعدّ موضوع اتحاد مملكتي نوباديا (مريس) والمقرة من القضايا المفصلية في دراسة تاريخ السودان الوسيط، خاصة في علاقته بالكنيسة القبطية من جهة، وبالحضور الإسلامي في وادي النيل من جهة أخرى. فمنذ انهيار مملكة مروي في القرن الرابع الميلادي نتيجة للجفاف وتحركات سكانية كبيرة – كما تشير دراسات هيلسون وسامية بشير وهندرسون – برزت ثلاث ممالك نوبية كبرى: نوباديا، المقرة، وعلوة. وقد اعتنقت هذه الممالك المسيحية، وتبعت نوباديا الكنيسة القبطية بينما اتبعت المقرة المذهب الملكاني.

    ومع تعدد الروايات حول توقيت وكيفية اتحاد نوباديا والمقرة، يقدم لنا المقال الأخير للدكتور أحمد الياس حسين مادة جديدة ومهمة تُستقى من نصوص قبطية نادرة، تشير إلى وجود توتر بين المملكتين استمر حتى أواخر القرن السابع الميلادي، وتطرح فرضية دقيقة بأن الاتحاد لم يتم قبل نحو عام 700م، وهو ما يخالف الرواية الكلاسيكية التي تضع الاتحاد قبل حملة عبد الله بن سعد على النوبة سنة 31هـ/652م.

    في هذا المقال المطوّر، نعيد النظر في هذه الفرضية من خلال مقارنة النصوص القبطية، والمرويات الإسلامية، والدراسات الحديثة (خاصة Hendrickx وVantini)، ونتناول دلالات المصطلحات والمواقف السياسية-الدينية التي وردت في تلك النصوص.

    أولاً: السياق السياسي والكنسي بين نوباديا والمقرة
    ورد في سيرة البطرك إسحاق التي كتبها أبا منا نحو عام 700م أن ملك المقرة أرسل رسالة إلى بطرك الإسكندرية يشكو فيها من عجز كنسي بسبب منع ملك "موريتانيا" مرور الأساقفة من مصر إلى المقرة. وقد فُسِّر مصطلح "موريتانيا" خطأً على أنه إشارة إلى المغرب، بينما توضح الشروح والهوامش أن المقصود بها هو ملك نوباديا، استنادًا إلى تفسير يوحنا النقيوسي الذي يصف "بربر مديريتي النوبة وأفريقية" بالموريتانيين.

    هذا المعطى مهم جداً لأنه يُثبت أن مملكة نوباديا كانت لا تزال قائمة ومتمايزة عن المقرة حتى بعد عام 67هـ/686م، أي بعد أكثر من ثلاثين عاماً من معاهدة البقط. كما أن رسالة البطرك إسحاق التي تدعو إلى المصالحة بين الملكين توضح أن العلاقة بين المملكتين لم تكن ودية في تلك المرحلة، وأن وحدة القرار الكنسي لم تكن ممكنة بعد.

    ثانياً: نصوص معاهدة البقط وإشكالية تحديد الطرف الموقع
    تشير رواية المقريزي إلى أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح وقّع معاهدة البقط مع "ملك النوبة"، دون ذكر اسم المملكة تحديداً. غير أن النص يشير إلى أن حدود هذه المملكة تصل إلى أسوان، ما دفع العديد من المؤرخين إلى الافتراض بأن نوباديا كانت قد دُمجت فعلياً تحت سلطة المقرة آنذاك. غير أن هذا التفسير يتنافى مع مضمون الرسائل القبطية التي تُظهر بوضوح استمرار وجود ملكين حتى بعد عقد المعاهدة.

    ويبدو أن ما حصل لم يكن اتحاداً مؤسسياً نهائياً، بل ربما خضوعاً سياسياً تدريجياً من نوباديا للمقرة، دون أن يفضي ذلك فوراً إلى إلغاء الكيان السياسي لنوباديا، وهو ما يفسر تأخر وحدة الكنيسة والإدارة إلى ما بعد نهاية القرن السابع.

    ثالثاً: البُعد الديني والصراع المذهبي كأحد أسباب الانقسام
    كان التباين المذهبي عاملاً أساسياً في الفتور بين المملكتين. فقد تبعت نوباديا الكنيسة القبطية، بينما تبعت المقرة الكنيسة الملكانية في بداية الأمر، مما خلق نوعاً من "الازدواجية المسيحية" داخل بلاد النوبة. وبعد أن غادر بطرك الكنيسة الملكانية الإسكندرية في القرن الأول الهجري، خضعت الكنيستان في مصر والنوبة لسلطة البطريرك القبطي، مما مهد تدريجياً لتوحيد الرؤية الدينية، وبالتالي السياسية.

    رابعاً: دلالات التسمية "موريتانيا" ومفاهيم الهوية النوبية في النصوص
    من أهم الإشارات التحليلية التي تطرق إليها الدكتور أحمد الياس حسين هو استخدام مصطلح "موريتانيا" للإشارة إلى نوباديا. ويُظهر هذا الاستخدام كيف كانت مفاهيم الجغرافيا السياسية في النصوص الكنسية مرتبطة بالرؤية الرومانية القديمة التي تصنّف سكان الجنوب ضمن إطار "البربر"، دون دقة في التفريق بين النوبة وغرب شمال إفريقيا. هذا الفهم يساعد على تفسير الالتباسات في قراءة بعض المصادر البيزنطية والقبطية عن السودان القديم.

    خامساً: نحو تأريخ أكثر دقة لاتحاد المملكتين
    استناداً إلى الوثائق القبطية التي كتبها أبا منا، وإلى تحليل فانتيني وهندركس، يمكن القول إن الاتحاد الفعلي بين نوباديا والمقرة لم يتم قبل عام 700م، أي بعد عقود من معاهدة البقط. بل إن هذا الاتحاد كان على الأرجح عملية تدريجية امتدت على مدار النصف الثاني من القرن السابع الميلادي، عبر تقارب كنسي ثم إداري، حتى أضحت نوباديا إقليماً شمالياً ضمن مملكة المقرة الكبرى.

    خاتمة: المقال الجديد للدكتور أحمد الياس يضيف بعداً مهماً لفهم المرحلة، ليس فقط عبر تقديم النصوص، بل من خلال تأويل دقيق لمفاهيمها وسياقاتها. ويظهر أن التاريخ النوبي في تلك الحقبة لا يمكن اختزاله في مجرد معاهدة سياسية، بل هو صراع مذهبي وجغرافي وهوياتي، انعكس في تأخر الاتحاد بين المملكتين. ومن هنا، تظل إعادة قراءة النصوص القبطية والإسلامية ضرورة لفهم تاريخ السودان المبكر بتوازن واستقلال عن الرواية الرسمية التقليدية.

    المصادر والمراجع:
    أحمد الياس حسين، المقال: نصوص قبطية ونوبية تضيء تاريخ اتحاد مملكتي نوباديا والمقرة، صحيفة سودان تربيون، 29 أبريل 2025.

    يوسف ميخائيل ناصف (مترجم)، تاريخ البطاركة (سير البطاركة القبطية)، طبعة القاهرة، المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية. (يتضمن سيرة البطرك إسحاق ونصوص أبا منا).

    John of Nikiu (يوحنا النقيوسي)، Chronicle, Translated by R.H. Charles, Oxford, 1916.
    – يتضمن توصيفًا لبربر النوبة و"موريتانيا" ويقدم سياقات للمصطلحات الجغرافية.

    Giovanni Vantini، Christian Nubia: A Religious History, Fondazione Le Monnier, Florence, 1981.
    – مصدر أساسي في رصد تطورات الكنيسة في النوبة وتحليل النصوص القبطية.

    J. Hendrickx, Nubia: Christian Kingdoms on the Nile, in "The Lost Churches of Egypt", Le Muséon, 1984.
    – تحليل تاريخي أثري لنهاية مروي وصعود نوباديا والمقرة.

    William Y. Adams, Nubia: Corridor to Africa, Princeton University Press, 1977.
    – من أعمق الدراسات الأركيولوجية حول النوبة المسيحية والانتقال من مروي إلى الممالك الثلاث.

    Derek A. Welsby, The Medieval Kingdoms of Nubia: Pagans, Christians and Muslims along the Middle Nile, British Museum Press, 2002.
    – دراسة مهمة حول طبيعة الاتحاد السياسي والتحولات الثقافية والدينية في النوبة.

    المقريزي، الخطط المقريزية، تحقيق: محمد زينهم عزب، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2005.
    – تناول معاهدة البقط ووصف علاقات النوبة بمصر.

    القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، دار الفكر، بيروت.
    – يُشير إلى موقع النوبة السياسي والإداري ويعطي أوصافًا مفيدة عن الممالك السودانية.

    عبد الله علي إبراهيم، الثقافة والديمقراطية في السودان، دار الفكر، 1996.
    – تحليل ثقافي يساعد في فهم الصراع المذهبي والهوياتي في التاريخ السوداني الوسيط.

    أركل، ن. د.، تاريخ السودان من أقدم العصور إلى عهد المهدية، ترجمة: هنري رياض، مراجعة: أحمد الصاوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
    – يورد موجزًا لتاريخ نوباديا والمقرة وأثر المسيحية فيهما.






                  

04-29-2025, 06:58 PM

زهير ابو الزهراء
<aزهير ابو الزهراء
تاريخ التسجيل: 08-23-2021
مجموع المشاركات: 11796

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نصوص قبطية وسياقات تاريخية حول اتحاد مملك (Re: زهير ابو الزهراء)



    مقال الدكتور - أحمد الياس حسين


    نصوص قبطية حول اتحاد مملكتي نوباديا (مريس) والمقرة

    د. أحمد الياس حسين
    29 April, 2025

    [email protected]

    تمهيـد
    تناوت المصادر الرومانية والأكسومية معلومات عن تحركات سكانية كبيرة تحت اسم القبائل النوبية منذ نهاية الألف الأخير قبل الميلاد من المناطق الواقعة غرب النيل الأبيض بسبب الجفاف الذي ضرب تلك المناطق
    وأدت تلك التحركات السكانية في منتصف القرن الرابع الميلادي إلى انهيار مملكة مروي وإلى تغيرات سكانية واسعة في مناطق وسط وشمال السودان. أنظر (Hillson, p 147-38, Samia, p 82, Henderson, p 93)

    وأعقب تلك التجركات قيام ثلاث ممالك على النيل هي بالترتيب من الشمال إلى الجنوب مملكة نوباديا المعروفة في المصادر العربية باسم مملكة مريس وعاصمتها فرس شمال وادي حلفا، ومملكة المقرة وعاصمتها دنقلة، ومملكة علوة وعاصمتها سوبا. وقد اعتنقت تلك الممالك المسيحية في القرن السادس الميلادي، اتبعت مملكة نوباديا المسيحية على المذهب اليعقوبي مذهب الكنيسة القبطية، وكان بطرك الكنيسة القبطية في الإسكندرية يرسل الأساقفة لكنيسة نوباديا. واعتنقت مملكة مقرة المسيحية على المذهب الملكي الذي أقرته الإمبراطورية. البيزنطية التي كانت تحكم مصر. وكانت الكنيسة الملكية ترسل الأساقفة إلى مملكة المقرة.
    وذكر ابن البطريق أن بطرك الكنيسة الملكية غادر الإسكندرية بعد فتح المسلمين مصر في السنة الثالثة من خلافة عمر بن الخطاب وأصبحت الكنيسة الملكية بدون بطرك حتى السنة السابعة من خلافة هشام بن عبد الملك (112ه/730 م). وأشرفت الكنيسة القبطية في هذه الفترة على كل الكنائس في مصر, كان أهل بلاد النوبة يرسلون إلى بطاركة الإسكندرية ليمدوهم بالأساقفة. (ابن البطريق، ج 2 ص 386)
    ويسعى هذا الموضوع إلى المساهمة في الإجابة على السؤال المهم والمفصلي في تاريخ السودان وهو: متى اتحدت مملكتي نوباديا (مريس) والمقرة بالرجوع إلى بعض النصوص القبطية في هذا الصدد. تأتي أهمية الإجابة على هذا السؤال في أنه يحدد المملكة النوبية التي حاربها المسلمون ووقع معها عبد الله بن سعد عام 31ه/51-652 م الصلح المشهور بمعاهدة البقط.
    وقد تباينت آراء المؤرخين حول اتحاد مملكتي نوباديا (مريس) والمقرة. رأى بعض المؤرخين أن الاتحاد تم بين المملكتين أمام خطر الغزو الفارسي لمصر عام 616 م/ 6 ق ه(قبل الهجرة). وهنالك من يرى أنه عندما غزا المسلمون مصر بقيادة عمر بن العاص تم توافق – وليس اتحاداً - بين المملكتين للتصدي للمسلمين، غير أن ذلك الاتفاق انتهي بنهاية الحرب. وبعد نحو أربعة عقود من ذلك التوافق تم اتحاد المملكتين بقيادة مملكة المقرة وأصبحت بلاد النوباد تمثل الإقليم الشمالي لمملكة مقرة. (Hendrickx, 2019)
    وذهب جمهرة المؤرخين أن اتحاد المملكتين تم في وقت ما قبل حملة عبد الله بن سعد عام 31ه/ 15-652 م على النوبة. فقد ورد في رواية المقريزي للصلح مع النوبة (معاهدة البقط) أن عبد الله بن سعد وقع الصلح مع ملك المقرة الذي تمتد حدوده شمالاً حتى أسوان، ولذلك لم يعد هنالك وجود لمملكة نوباديا. وقد تناولت في عدد من المقالات نشرت في الصحف الالكترونية إشكاليات نص المقريزي للبقط، كما سيتم تناول ذلك بالتفصيل في موضوع منفصل إن شاء الله عت اتحاد المملكتين في الطبعة الثانية من كتاب "مراجعات في تاريخ السودان"
    وسنتناول هنا ثلاثة نصوص وردت في المصادر القبطية عن اتحاد المملكتين هي:
    1. رسالة من ملك المقرة إلى بطرك الاسكندرية
    2. رد البطرك علي رسالة ملك المقرة، وقد جاء بروايتين هما:
    - رواية أبا منا 2-1
    - ورواية ابن المقفع 2-2
    1. رسالة ملك المقرة إلى بطرك الاسكندرية
    كنب البطرك أبا منا Abba Minaسيرة البطرك إسحاق (Life of Isac) نحو عام 700 م/81ه، ذكر فيها أن ملك مملكة مقرة أرسل رسالة إلى البطرك إسحاق بطرك الكنيسة القبطية في الإسكندرية بين عامي67 - 70هـ )686-689 م) يخبره فيها بأن مملكة مقرة تعاني من نقص في عدد الأساقفة لأن ملك موريتانيا - الذي في عداوة مع المقرة - يمنع الأساقفة الوافدين من الإسكندرية إلى مملكة مقرة من السفر عبر بلاده. ويواصل أبا منا قائلاً:
    "في الحقيقة يوجد ملكان يحكمان في تلك المنطقة، كلاهما مسيحيان، ولكن لا سلام بينهما، لأن أحدهما وهو ملك موريتانيا كان في سلام مع المسلمين. أما الآخر وهو ملك مقرة العظيمة لم يكن في سلام مع المسلمين" (Abba Mina, p 36)

    2-1. رسالة البطرك اسحاق إلى ملك موريتانيا رواية أبا منا
    وعنما استلم البطرك إسحاق رسالة ملك مقُرة وفهم محتواها، كتب رسالة إلى ملك موريتانيا يعظه ويوجهه ويقول له "أنتم كلاكما مسيحيان ... إذا منعت مرور الأساقفة للوصول عبر بلادك إلى البلد الواقع في أعلى النهر فإن الناس سيهجرون الكنيسة وسيكون ذلك عاراً كبيراً أمام الله" (Abba Mina, p 37)

    ويضبف أبا مِنا (ص 37) أن والي مصر علم بأمر الرسالة عبر بعض أعوانه، وأخبروه بأن الأمر لم يتوقف فقط على طلب ارسال الأسقف، بل أضافوا أن البطرك أرسل رسالة إلى ملك موريتانيا ينصحه فيها بإقامة سلام مع ملك مقُرة الذي هو عدو للمسلمين، وإذا ما تم ذلك سيكون الملكان يداً واحدة ويشكلون خطراً على المسلمين. فطلب والي مصر إحضار البطرك من الاسكندرية. وعند حضور البطرك تمكن من مساواة الأمر بسلام مع الوالي. كما اتضح في رواية ابن المقفع في للرسالة (2-2) كيف تم علاج القضية.

    ما يفهم من الرسالتين
    وردت عبارتان في هاتين الرسالتين يتطلبان التعليق عليهما وهما "موريتانيا" و"المملكة الواقعة أعلى النهر"
    توضح رسالة ملك مقرة (رسالة رقم 1) أن ملك المقرة يشتكي ملك موريتانيا لأنه يمنع الأساقفة الوافدين من مصر عبور بلادة للوصول إلى المقرة. ومن الواضح هنا أن ملك المقرة يشير إلى ملكٍ تقع بلاده بين مصر شمالاً المقرة جنوباً، وأطلق عليه ملك موريتانيا، كما ورد ذلك أيضأً في رسالة البطرك رقم 2-1 "ملك موريتانيا" فمن هو ملك موريتانيا؟
    ذكرJohn of Nikiou يوحنا النقيوسي المعروف بيوحنا المدبر نحو عام 67ه/686 م في كتابه الذي نشره H. Zotenberg تحت عنوان Le Chronique de Fean de Nikiou "أن بربر مديريتي النوبة وافريقيِّة يُطلق عليهم الموريتانيون" (In Vantini, Oriental p 404) وأوضح المحقق في الحاشية أن افريقيِّة هنا مقصود بها الولاية الرومانية في منطقة تونس الحالية.

    فقد أطلق الرومان اسم افريقيا على الولاية التي أسسوها في القرن الثاني قبل الميلاد في منطقة تونس الحالية والجزء الغربي من ساحل ليبيا الحالية، وتكتب في المصادر العربية افريقيِّة. وأطلق الرومان اسم موريتانيا على المنطقة الواقعة غرب ولاية افريقيِّة والممتدة حتى المحيط الأطلسي، وموريتانيا في الأصل هو الاسم الذي أطلقه الرومان على سكان هذه المنطقة. والبربر Barbarians هو الاسم العام الذي أطلقه الرومان على سكان منطقة شمال افريقيا الواقعة غرب مصر.

    وما ذكره John of Nikiou - أعلاه - من "أن بربر مديريتي النوبة وافريقيِّة يُطلق عليهم الموريتانيون" يوضح أن الرومان كانوا أيضا يطلقون على النوبة اسم البربر. فملك موريتانيا في الرسالتين أعلاه مقصود به ملك النوبة. ومن الواضح أن ملك النوبة الذي يمنع الأساقفة من مصر المرور عبر بلاده جنوباً إلى المقرة (الرسالتين 1 و1-2) هو الملك الذي تقع مملكته شمال مملكة المقرة، وهو ملك نوباديا. فموريتانيا في الرسالتين لم يُقصد بها المورتانيين في شمال افريقيا، لأن المورتانيين قي شمال افريقيا كلها في ذلك الوقت (نحو عام 67ه/686 م) كانت فد خضعت للمسلين. وقد أضار هندركس إلى أن بعض المؤرخين أوضحوا أن موريتانيا في لبرسالتين 1 1-2 هس مملكة نوباديا. (Hendrickx, 2019)

    وعندما تناول فانتيني هذه الرسالة أوضح بين قوسين أن موريتانيا تعني نوباديا حيث ذكر: "بعث البطرك إسحاق برسالة إلى ملك موريطانيا (نوباطيا) وملك مقرة داعيا إياهما إلى التصالح بينهما حيث أن كليهما مسيحيان. فقد كان ملك نوباتيا يمنع مبعوثي البطرك من المرور إلى دنقلة ويمنع مبعوثي ملك دنقلة من عبور أراضيه في طريقهم إلى مصر" (فانتيني، المسيحية ص 26)
    كما أوضح أبا منا - الذي كتب نحو نحو عام 81 ه – في الرسالة رقم 1- أنه يوجد في المنطقة ملكان لا سلام بينهما "أحدهما ملك موريتانيا كان في سلام مع المسلمين أما الآخر وهو ملك مقرة لم يكن في سلام مع المسلمين" فالمقصود بالملك الذي "في سلام مع المسلمين" هو الملك الذي وقع الصلح مع عبد الله بن سعد عام 31ه51-652 م وهو ملك نوباديا، بينما ملك مقرة – كما يوضح النص – لم يكن في سلام مع المسلمين.

    فرسالة ملك مقرة (رسالة رقم 1) الى بطرك الإسكندرية ورسالة بطرك الإسكندرية (رسالة رقد 2-1) اللتان كتبتا بين عامي بين عامي 67 - 70هـ وتعليق أبا منا الذي كتب عام 81ه توضح وجود مملكتين منفصلتين في جنوب مصر - بعد 50 سنة من حملة عبد الله بن سعد - إحداهما مملكة مقرة والتي لم تكن على صلح مع المسلمين، والثانية مملكة موريتانيا (مملكة نوباديا) والتي كانت على صلح مع المسلمين. ومن المعروف أن الصلح الوحيد الذي وقعه المسلمون مع النوبة في القرن الأول الهجري هو الصلح المشهور باسم البقط عام 31ه. وهذا الصلح لم يوقع مع مملكة المقرة لأن مملكة مقرة كما في الرسالة رقم 1 لم تكن في صلح مع المسلمين.
    وفي الرسالة رقم 1-2 يؤنب البطرك ملك موريتانيا لمنعه وصول القساوسة إلى مملكة "الواقعة على أعلى النهر. "النهر" هنا مقصودُ به النيل، و"أعالي النهر" مصطلح يعني اتجاه الجنوب على النيل. فالنيل ينحدر من الجنوب إلى الشمال، فكلما انحدرنا جنوباً على النيل كانت المناطق الواقعة جنوباً أعلى من المناطق الواقعة إلى الشمال. فالبطرك يرجو من ملك موريتانيا ألّا يمنع مرور الأساقفة إلى المملكة الواقعة إلى الجنوب من بلاده. ومن الواضح هنا أن البطرك يخاطب ملك المملكة الواقعة شمال مملكة المقرة وهي مملكة نوباديا التي كانت موجودة كمملكة مستقلة حتى عصر البطرك إسحاق بين عامي (67 - 70هـ) وعصر أبا منا عام 81ه.

    2-2. رسالة البطرك اسحاق إلى ملك موريتانيا رواية ابن المقفع
    تناول ساورس بن المقفع الذي كان عائشاً في القرن الرابع الهجري (10 م) في كتابه تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية الأحداث التي وقعت في عصر البطرك اسحاق (67-70هـ /686-689م) في الرسالة التي كتبها البطرك إسحاق إلى ملك الحبشة والنوبة والتي جاء فيها:
    "في تلك الأيام كتب البطرك [إسحاق] إلى ملك الحبشة وملك النوبة أن يصطلحا، ولا يكون بينهما سجس، وذلك لخلاف كان بينهما. فسعى به بعض أهل المكر إلى عبد العزيز بن مروان [والي مصر 65 - 85 هـ / 684 – 704م] وأرسل [الوالي] من يحضره ليقتله." ولما علم بذلك رجال البطرك في بلاط الوالي كتبوا كتباً بغير ذلك المعنى وأسرعوا في إرسالها إلى الرسل الذين أرسلهم البطرك. وقبل أن يصل البطرك إلى الوالي أحضر رجال الوالي رسل البطرك، فأمر بهم واطلع على الرسائل التي معهم فلم يجد فيها ما قيل له، فسكن غضبه على البطرك." (ساورس بن المقفع ص 77 – 78)

    قابن المقفع يرجع هنا إلى نفس الرسالة ذكرها أبا منا أعلاه (الرسالة رقم 1) لكن رواية المقريزي جعلت البطرك يخاطب الملكين الذين سماهما بملك الحبشة وملك النوبة. فما المقصود بالحبشة ؟ ومن هما ملكي الحبشة والنوبة في هذا النص؟

    لم يكن مفهوم الحبشة في المصادر العربية المبكرة منحصراً فقط على منطقتي اثيوبيا وارتريا الحاليتين، بل كان المفهوم واسعاً يتعدى حدودهما. فالمسعودي يقول عند حديثه عن مناطق جنوب أسوان:"
    "وعلى أميال من أسوان جبال وأحجار يجري النيل في وسطها، ولا سبيل إلى جريان السفن فيه هناك، وهذه الجبال والمواضع فارقة بين مواضع سفن الحبشة في النيل وبين سفن المسلمين. (المسعودي، ج 1 ص 37) وفي مكان آخر يقول: "وقد ذكرنا النتاج الذي كان بصعيد مصر مما يلي. الحبشة" المسعودي، ج 1 ص 161) وذكر القلقشندي عن خط حدود مصر الغربية: "وحدها الغربي يبتدئ من ساحل البحر الرومي حيث العقبة، ويمتد جنوباً، وأرض إفريقية غربيه، على ظاهر الفيوم والواحات حتى يقع على صحراء الحبشة على ثمان مراحل من أسوان." (القلقشندي، ج 1 ص 441)

    فالمسعودي في النص الأول يتحدث عن الشلال الذي يفصل أسوان عن سفن الحبشة على النيل. فالحديث هنا عن الشلال الأول الذي ينتهي عنده إبحار سفن النوبة شمالاً. فالسفن هي سغن النوبة التي ذكرها المسعودي تحت اسم سفن الحبشة. وفي النص الثاني يذكر المسعودي أن صعيد مصر ينتهي أو يأتي بعد الحبشة فالحبشة في نصي المسعودي مرادٌ بها النوبة.

    ويوضح القلقشندي في النص أعلاه أن صحراء الحبشة تقع جنوب الفيوم والواحات وعلى مسافة ثماني مراحل من أسوان. ومن المعروف أن الواحات المصرية تقع غرب النيل بينه وبين الحدود الليبية. فالصحراء الواقعة جنوب الواحات وبالقرب من أسوان هي صحراء النوبة التي ذكرها القلقشندي تحت اسم صحراء الحبشة. وملك الحبشة في الرسالة رقم 2-2 هو ملك النوبة. لكن ابن المقفع ذكر أن البطرك أرسل "إلى ملك الحبش وملك النوبة" فمن هو ملك الحبشة؟

    كما اتضح أعلاه فإنه في بعض الأحيان تطلق المصادر العربية لفظ الحبشة على النوبة، كما تطلق أيضا عبارة "ملك الحبشة" على ملك المقرة. فابن المقفع نفسه يقول مكان آخر عن ملك المقر: "وكان ملك المقرة الحبشي ارتدكس وهو الملك العظيم" (ابن المقفع ص 83)
    فإذا كان ملك الحبشة في رسالة البطرك رقم 2- 2 مقصود بها ملك مقرة، فمن المقصود بـ ملك النوبة؟
    أطلقت المصادر العربية اسم النوبة بصورة عامة على سكان مملكتي مقرة وعلوة، لكنها أطلقته بصورة خاصة على النوبة المجاورين لحدود مصر الجنوبية وهم سكان مملكة مريس (نوباديا) كما ذكر ابن سليم حين قال: "اعلم أنّ النوبة والمقرة جنسان بلسانين، كلاهما على النيل، فالنوبة هم: المريس المجاورون لأرض الإسلام" (مصطفى مسعد ص 98) والمريس هم النوباديين.

    فما ورد في رواية ابن المقفع من أن البطرك أرسل "إلى ملك الحبشة وملك النوبة أن يصطلحا" المراد به أن البطرك أرسل إلى ملك المقرة وملك نوباديا.

    ورغم أهمية ما ذكره أبا منا وما يوضحه وجود مملكتي نوباديا والمقرة بعد حروب عبد الله بن سعد التي كانت عام 31 هـ / 652 م إلا أن أغلب المؤرخين لم يتعرضوا لما ذكره، والقلة من المؤرخين الذين تناولوه لم يوفوه حقة من البحث والتقييم والنقد المنهجي.

    تناول فانتيني رسالة ملك مقرة إلى البطرك (رقم 1) وأوضح أن ملك نوباديا كان يمنع مبعوثي البطريك إلى ملك المقرة ومبعوثي ملك المقرة إلى مصر من المرور عبر أراضيه" وعلق على ذلك قائلاً: ونستنتج من هذا أن مملكة نوباديا ما زالت مستقلة من ملك دنقلة في زمن البطرك المذكور" ففانتيني يقرر أن مملكة نوباديا كانت لا نزال موجودة حتى عصر البطرك إسحاق الذي تولى منصبه عام 67هـ أي بعد مضي ستة وثلاثين سنة من حرب عبد الله بن سعد. ورغم ذلك يقول فانتيني "سار عبد الله بن سعد إلى النوبة عام652 إلى دنقلا رغم المقاومة الشديدة من النوبة، ودار القتال العنيف على ضواحي مدينة دنقلا"
    أما مصطفي محمد مسعد فلم يقبل ما كتبه أبا منا لأنه كما قال" اعتماد هذا الرأي على المصادر القبطية وحدها لا يعد دليلاً كافياً على صحته" وهذا هو ما قصدته من القول بأن المؤرخين لم يهتموا بهذا النص ويوفوه حقة من البحث والتقييم والنقد المنهجي.
    وأضاف مسعد أن ما ذكره أبا منا "لا يتفق وما جاء في عقد الصلح سنة 652" أي أنه بنى رأيه على ما ورد في نص المقريزي. وكلك فعل كراوفورد وكيروان وآركل ووليام آدمز وكذلك فعلت الغالبية العظمى من المؤرخين فأصبح اتحاد المملكتين قبل حرب عبد الله بن سعد من المسلمات التي لا تتطلب النقاش أو البحث.

    وقد أبدى بعض المؤرخين شكه صراحة في مصداقية بنود هذا الصلح الذي ذكره المقريزي كما فعل فانتيني نفسه (فانتيني، تاريخ المسيحية. (صفحات 69، 71، 74-75) وتناول بعض المؤرخين هذا الرأي بحذر مثل آركل Arkell, p 186)) الذي يقول على سبيل المثال "من الممكن أن تكون مملكتا نوباديا ومقرة اتحدتا في أمام خطر الغزو العربي عام 21 هـ / 642م" ويقول أيضاً: "ويبدو أن عبد الله بن سعد غزاهم عام 31 هـ/ 652 م وجد أن كل البلاد من أسوان إلى حد مملكة علوة تحت حكم ملك واحد" ويلاحظ تعبير آركل جاء في النص الأول " من الممكن" وجاء في النص الثاني "ويبدو أن عبد الله" أي أن وحدة المملكتين من الممكن أو ربما تمت قبل حرب عبد الله، وهذا حكم ظني غير قاطع.
    وهنالك قلة من المؤرخين مثل مونري دي فلارد وعلى عثمان محمد صالح عارضوا ما ورد في نص المقريزي من أن عبد الله بن سعد حارب مملكة مقُرة، وقرروا أن الحرب كانت مع مملكة نوباديا، أي أن مملكة نوباديا كانت لا تزال موجودة ومستقلة عن مملكة مقُرة.

    ويوجد نصان عربيان يؤكدان مارد ورد في النصوص القبطية أحدهما للمسعودي يوضح أن عبد الله بن سعد حارب علم 31ه/ 51-652 م ملك مملكة مريس وعقد معه الصلح. والنص الآخر لابن حوقل يوضح أن معركة عبد الله بن سعد علم 31ه/ 51-652 م كانت في منطقة أسوان، أي أنه لم يصل دنقلة. وقد تناولت هاذين النصين في اكتاب الوعي بالات وتأصيل الهوية ج 2 ص44 وج 3 ص 26 – 37، كم سيتم الرجوع إليهما في الطبعة الثانية من كتاب مراجعات في تاريخ السودان.

    المراجـع
     ابن البطريق، تاريخ ابن البطريق، طبعة أوربية للمخطوط مع ترجمة لاتينية 1658. طبعت أكسفورد المخطوطة 59-1858.
     ساورس بن المقفع، تاريخ بطاركة الإسكندرية في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية
     فانتيني، جيوفاني، المسيحية في السودان، جامعة أم درمان الأهلية: مركز محمد عمر بشير 1998.
     القلقشندي، صبح الأعشى موقع الوراق.
     مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية العربية، الخرطوم: مطبوعات جامعة القاهرة فرع الخرطوم 1972
     مصطفى محمد مسعد، الإسلام والنوبة في العصور الوسطى، القاهرة: مكتبة الانجلو المصرية 1960.
     المسعودي، مروج الذهب، موقع الوراق،
     المقريزي، تاريخ الأقباط المعروف بالقول الابريز، تحقيق عبد المجيد دياب، دار الفضيلة ب. ت

     Abba Mina, (1931) “Life of Isac” In Vantini, Oriental Sources Concerning Nubia,
     Henderson, K. D. D. "Nubian Origin" Sudan Notes and Records, Vol. 14, part 1.
     Hillson, s. "Nubian Origins" Sudan Notes and Records. Vol. 13 Part 1 (1930) p 137 – 138.
     Hendrickx, Bebjamin, 2019, “Was king Merkourios (696-710) an African new Constantine the Unifier of the kingdom and the Churches of Makouria and Nobadia؟ A re-examination an alternative Suggestions” Pharos Journal of Rheology ”ISSN 2414-3324 Online Volume
     Samia Bashir Dafa'la, (1989) "Distribution and Migration of the Nubian Tribes During the Meroitic and X-Group period" BzS,4
     Vantini, Giovanni Oriental Sources Concerning Nubia, Warsaw. 1975.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de