في صباحٍ بورتسودانيٍّ ناصع ككذبة رسمية، تجمّع خلقٌ كريم — أو كما وصفهم بيان المنظمة بـ"حشود أسطورية" — أمام منصة تُشبه أحد كوابيس الأطفال بعد وجبة فول حارة. في منتصف المنصة، انتصبت دمية شيطان ضخمة: مزيج من قشّ، بلاستيك، وكرتون، مع قرنين تم إلصاقهما بغراء المدارس، وعينين حمراوين تومضان كمصابيح عطلانة في شارع النيل، أما فمها فكان يصدر ضحكة إلكترونية سُجّلت في حمام عمومي، ثم بُثّت من مكبر صوت لا يعمل إلا إذا نُقر عليه ثلاث مرات. المشهد الأول: معالي الوزير.. نجم الموسم! وصل الوزير خالد الأعيسر مرتديًا بدلة إيطالية لا تشبهه، وقبعة "باسكت" يبدو أنه نسي خلعها بعد تمارين الصباح. رفع المايكروفون وقال بنبرة تليق بمقدم برامج مسابقات: "اليوم… نرجم الشر!" ولوهلة، ظنّ البعض أنه يقصد نفسه. ألقى خطابًا مليئًا بكلمات مثل "مكافحة الشائعات السيبيرية" و"ترسيخ المواطن السيبراني"، بينما كان الحضور يلتفت يمينًا ويسارًا محاولين فهم ما إذا كانت هذه الكلمات تعني شيئًا… أم أنها مثل الفعالية: ديكور فقط.
ثم أمسك الوزير حجراً مغلفاً بورق ذهبي، ورماه على الدمية — بحركة أقرب لكرة بيسبول في الدوري الأمريكي — فسقط أحد قرني الشيطان… بينما تسابق الناس على تصوير اللحظة ورفعها على تيك توك تحت وسم: #رجمنا_شيطان_الوهم
المشهد الثاني: الجمهور الكريم… والجوع الصريح! تعلو الهتافات والتكبيرات، ثم الزغاريد، ثم رائحة عدسٍ بائتٍ في الهواء. شخصٌ قال لصديقه: "يا زول لو الرجم فعّال، نبدأ بالوزراء… الدفعة كلها!" ردّ الآخر بصوت خافت: "اسكت… دي بلد بتسوّيك دمية وانت حي!"
على الهامش، مجموعة من الشباب ينتظرون "سندوتشات الإغاثة" الموعودة، في حين كان مسؤول الفعالية يُصرخ في الهاتف: "يا جماعة! أنا قلت شيطان واحد! ليه جبتوا تلاتة؟ نحن ما شغالين ديزني لاند!"
المشهد الثالث: ختام ولا في الأحلام! بعد ساعتين من "التجلي الروحي"، انتهت الفعالية. الدمية — وقد تحوّلت إلى زبالة رمزية — رُميت خلف المسرح، وعاد معالي الوزير إلى مكتبه المكيّف ليكتب تقريرًا عن "نجاح الحملة الجماهيرية ضد الشيطنة الرقمية".
في الوقت ذاته، كان "حميدتي الحقيقي" يعقد صفقة سلاح في قارة أخرى، بينما نازحو دارفور يقفون في طوابير الماء، يتمنون لو كان الشيطان مجرّد دمية تُرمى بالحجارة.
المشهد الأخير: تويتر يضحك ويبكي ناشط يكتب: #رجمنا_الدمية_وعاد_الوطن يردّ آخر: "بس الوطن ضاع وهو بفتش في راسو عن شيطان جديد!" سيدة تغرّد: "لو الرجم بحل، نبدأ من تحت القبة… ما فوق المسرح."
في الزاوية، شاب يحاول تشغيل سيارة إسعاف واقفة منذ أشهر، يقول: "الشيطان الحقيقي قاعد بيقري البيانات الختامية مع المنظمين." يرد صديقه ضاحكًا: "إن شاء الله الفعالية الجاية تكون 'إحراق ملفات الفساد'…و نستخدمها عشان نشغل بيها المكنة حقت عربية الإسعاف الواقفة ليها شهور!"
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة