تيراب محمد علي باشا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-14-2025, 10:59 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
المنبر العام
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-17-2025, 04:55 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تيراب محمد علي باشا

    04:55 PM April, 17 2025

    سودانيز اون لاين
    HAIDER ALZAIN-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    تيراب محمد علي باشا مجددا !
    رشا عوض
    هل كانت المهدية ثورة تحرير للسودان؟
    الاجابة: نعم كبيرة
    لماذا؟.
    عندما اندلعت الثورة المهدية كان السودان حظيرة خلفية للمصريين والاتراك يجلبون منها الذهب والعبيد!
    ( وما اشبه الليلة بالبارحة)
    نهض الرجل الصالح الامام محمد احمد المهدي ( سلام عليه في الخالدين) فجمع السودانيين من جهات السودان الاربعة ووحدهم لمحاربة مستعبديهم!
    حارب عدوا اجنبيا استعمرنا ونهبنا واختزلنا في مجرد " مورد مشاع للذهب والعبييد" ، فانتصر على المحتل الاجنبي نصرا عظيما جعل للسودان كينونة مستقلة وحرة بدلا من تلك " الحظيرة الخلفية" .
    شخصيا لست من المتعصبين العقائديين للمهدية ، فقد بلغت من العمر والتجربة ما يعصمني من اي تعصب اعمى، ومنهجي في النظر الى تاريخنا وحاضرنا منهج نقدي ، يضع كل تجربة في سياقها التاريخي ، لذلك لو سئلت:
    هل دولة المهدية بقيادة الخليفة عبد الله التعايشي كانت مؤهلة للعبور بالسودان الى القرن العشرين؟
    ستكون اجابتي بلا تردد : لا كبيرة
    المهدية بثورتها ودولتها جزء من تاريخنا وتجربتنا اهم بصماتها الباقية والتي نحتاجها الان بشدة هي تحريرنا من وضعية "الحظيرة الخلفية" ، وذلك التلاحم الفريد بين سودان الشمال والوسط والشرق بسودان الغرب، تلاحما كان لبنة اساسية في بناء القومية السودانية لاحقا، نعم كان ذلك على اساس ديني ، وبخبرات مجتمع تقليدي في القرن التاسع عشر مكبل بعوامل تخلف مزمن، ولكن البناء القومي للشعوب ليس عملية بسيطة تتحقق ضربة لازب او تسير في خط مستقيم او تهبط من السماء مكتملة بل هي حصيلة تجارب تتشكل من معطيات الواقع التاريخي وتبدأ ناقصة ثم تتطور ذاتيا او تحت ضغط الواقع او بالاثنين معا .

    مناسبة هذه المقدمة ، هي ان احدهم ارسل لي مقالا للصحفي الكوز عادل الباز وردت فيه الفقرة التالية " نعم، نحن أمام تحرير عاصمة محطمة، ولكن هذه ليست المرة الأولى التي تتحطم فيها الخرطوم. في التاريخ أيضًا، تحطمت العاصمة على يد قوات المهدي (1885) التي اجتاحت المدينة، ودمرتها، ونهبتها، وشفشفت كل شيء. (متعودة دائمًا!) ما أشبه الليلة بالبارحة! ، ثم استُبيحت ودُمِّرت مرة أخرى بعد اجتياح كتشنر للعاصمة (1898) وسقوطها بيد قواته الغازية، فاستُبيحت، وفُعِل بها مثلما فعلت الجنجويد الآن"
    يعني دخول المهدي للخرطوم لا يختلف عن دخول كتشنر!
    وقرأت كذلك بوستات لزملاء صحفيين قالوا ان تصحيح تاريخنا يقتضي الكف عن ترديد عبارة تحرير الخرطوم في ٢٦ يناير ١٨٨٥ لان المهدية كانت غزوا مثل غزو الجنجويد!!
    والامثلة كثيرة في هذا المنحى !
    بعد استعادة الجيش ومليشياته للخرطوم لاحظت تواترا عجيبا في ترديد حكاية ان المهدية كانت غزوا للخرطوم مثل غزو الد.عم السريع وان يوم دخول القصر الجمهوري هو يوم تحرير للخرطوم من احفاد الخليفة عبدالله التعايشي!
    هذه الفكرة لا اظنها تنطلق من رغبة في نقاش حقيقي للمهدية وما لها وما عليها وهذا مشروع طبعا ، بل الهدف هو التمهيد السياسي والتهيئة النفسية للقبول بالعودة مجددا الى سيرتنا الاولى في القرن التاسع عشر قبل الثورة المهدية اي الى عبودية المصريين والاتراك !
    اذا انفصلت دارفور وجنوب كردفان كما هو مخطط له لن يكون شمال ووسط السودان سوى حظيرة خلفية لمصر وتركيا الاخوان المسلمين!
    ولذلك يسعى تيراب محمد علي باشا ممثلا في حراس بوابة التبعية لمصر ( الجيش واتباعه) والكيزان حراس بوابة التبعية للباب العالي الجديد" تركيا الاردوغانية" يسعى لتصوير الاستعباد الزاحف على السودان كتحرير! وتمجيد الاستعباد باثر رجعي عبر تسفيه المهدية وتكسير اهم جسر شيدته وهو الجسر الواصل بين الشمال والوسط والشرق وغرب السودان! وتعلق القلوب بالخديدويين الجدد والباب العالي الجديد وكراهية دارفور واختزالها في الجنجويد!
    مهما جار الزمان على الشعب السوداني سوف تأتي اللحظة التي سينتفض فيها ويتحرر! سيقتلع تيراب محمد علي باشا !






                  

04-17-2025, 05:48 PM

عمر التاج
<aعمر التاج
تاريخ التسجيل: 02-08-2008
مجموع المشاركات: 5317

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    فرق كبير بين المهدية والتعايشية
    وفرق أكبر بين افكار المهدي، واعمال التعايشي
    وفرق أكبر بين طبيبة تقاتل بالحقنة والشاش في معسكر للنزوح فيه أهلها تسمى هنادي
    وبين مرتزقة دعامية تكتب لتبرئة القتلة والمغتصبين والنهابة متسمى رشا عوض

    Quote: في 26/ يناير 1885 بلغ عدد القتلى من سكان الخرطوم يوم سقوطها أربعة و عشرون ألف رجل.
    وقتل الأطفال و كل ذكر ولو كان رضيعاً إلا أن النساء لم يقتلن.
    ابتدأت هذه المذبحة عند طلوع الفجر وبين شروق الشمس، أصدر الخليفة أمراً بالكف عن القتل و أُخرج السكان من منازلهم بملابس النوم وأصدر أمين بيت المال أمراً إلى الحاج خالد العمرابي بالوقوف على باب الخندق لتفتيش كل خارج من سكان المدينة الذين أُمروا بالبقاء في بقعه بين الخندق و معسكر ابن النجومي واستولى الدراويش على المنازل ( حدث و يحدث الان) .
    وفي اليوم التالي بدأ تعذيب الناس حيث يستدعون صاحب المنزل و كبار أفراد عائلته إلى منزل الأمين ويبتدؤن مكالمتة بقولهم له حيث أنك كفرت بالله و رسوله و حاربت المهدي فقد أهدر الله و رسوله دمك وحرم مالك و صيره حقاً للمهدي و المهدي عفا عن دمك ولا سلامه لك في الدنيا و الآخرة إلا بتسليم جميع أموالك حتى الخيط و المخاط.
    وسواء اذعن لهذه الاكاذيب وسلم ماله أو لم يسلم فلا بد من ضربه ألف صوط والمرأه نصفها و توثق يداه و رجلاه و يلقي على الأرض و يصب عليه الماء البارد في الليل ، وبقي السكان في حالة العذاب هذه حتى جُمعت الأموال و الأمتعه في بيت المال.
    ومن الاحداث التي وقعت يوم سقوط الخرطوم أن رجلاً اسمه (كريب) من أقارب المهدي ومن حراس الخليفة شريف الذين يطلق عليهم اسم (الملازمية) ( الدعامة ) ومعه نحو عشرة من أقاربه دخلوا منزل رجل مصري اسمه (ابراهيم) له سبعة إخوه فقتلوا الثمانية وفتشوا المنزل فلم يجدوا به مالاً وكان لابراهيم غلام في التاسعة من العمر فأخفته امه ونساء اعمامه في وسط الأمتعه خوفاً عليه من القتل إلا انهم عثروا عليه في غضون التفتيش و اخرجوه فتراءت امه ونساء اعمامه على أقدام (كريب) و رفقائه وقلن له ان والده و اعمامه السبعه قتلوا فنسألك بالمهدي أن تترك لنا هذا الصبي فالتفت عليهن وقال كيف نتركه ونحن لم نجد في بيتكن ذهبا ولا فضه وكلكن نساء مسنات ليس بينكن من تميل النفس إليها ثم صاح برفقائه وقال قطعوا الصبي ثماني قطع واتركوا لكل واحده منهن قطعه ولم يتم هذه العباره حتى تناول رفقائه الصبي وقطعوه ثماني قطع و ألقوا لكل إمرأة قطعه، ومثل هذه الحادثه يعد بالالوف ذكرنا منها هذه للدلالة على اخواتها.
    وأُخذت النساء سبايا وأرسل أمين بيت المال بنحو ألف عذراء من بنات أعيان المصريين فاختار المهدي منهن ثلاثين فتاة من ذوات الحسن و الجمال آباؤهن من وجهاء المصريين سكان المدينة و وزع الباقي على حرسه وذوي قرابته وكلهن كموطوآت بملك اليمين.
    وأرسل أمين بيت المال عدداً عظيماً من النساء إلى عبدالله التعايشي فأبقى لديه العذارى منهن ووزع الباقي على حراسه وذوي قرابته أيضاً، وصار كلما قضى وطره من واحدة يهديها إلى احد رجال حاشيته.

    وأرسل أمين بيت المال أيضاً بمئات من النساء إلى الخليفتين علي ود حلو و محمد شريف وكان عملهما بهن مثل عمل عبدالله التعايشي.
    وكثير من أولئك النسوة إمتنعن من الفسق و الفجننور بهن فعذبن عذاباً أليماً وضربن ضرباً مبرحاً وحُلقت شعور رؤسهن وكثير منهن فضلن الموت على الحياة ورأيت امرأة أحد السناجك وهي تركية من جهة أبيها و سودانية من جهة أمها انتحرت تخلصاً من العذاب الذي نالها على إثر إمتناعها من تسليم نفسها لعبدالله التعايشي.
    وضربت إمرأة الشيخ محمد السقّا شيخ القرّاء في الخرطوم وعذبت ستة شهور لإمتناعها من تسليم نفسها إلى عبدالله التعايشي، والخلاصه ان عدد النساء اللواتي سُبين لايقل عن خمسة و ثلاثين ألف فتاة.
    وشاهد ذلك انك تجد عند أصغر أمير من أمراء المهدي عشرين فتاة أما الأمراء الكبار و أقارب المهدي فإن اللواتي يأخذهن كل واحد منهم يزيد عددهن على العشرين عذراء ولايظنن القارئ أنهم يختلسون أولئك الفتيات بل يأخذونهن بأمر من المهدي او أحد الخلفاء او أمين بيت المال موضحاً في كل أمر اسم الفتاة واسم ابيها و جدها وأوصافها وأنها أُعطيت لفلان غنيمة له يحل له وطؤها بملك اليمين ويجوز له بيعها مالم تصر ام ولد. ومن وجدت عنده من أتباع المهدي إمرأة وليس لديه أمر بالبيانات التي ذكرناها تصادر أمواله ويُقبض عليه ويُعامل معاملة السارق.
    وكان المهدي أصدر أمراً حظر فيه سبي كل أمرأه لها بعل ولكن هذا الأمر كان لايعمل به إلا إذا كانت المرأة طاعنة في السن أو قبيحة المنظر لاتميل إليها النفس.
    وكان أمين بيت المال يمسك النساء ويفتشهن بعد خلع ملابسهن فمن وجدت سليمة من العيوب أخذت ومن وجدت بها عيب انتهرت و طردت هذا مجمل مافعله المهدي بسكان الخرطوم من جهة الأموال و الأعراض ذكرته بغاية الايجاز لأني إذا تتبعت التفصيل أفنيت الأعوام.
    وأصدر المهدي منشوراً قال فية إن جميع الذين خرجوا من قيقرة الخرطوم أي (خندق الخرطوم) لايعتبر زواجهم شرعياً لأنه حصل في زمن الفترة التي كانت قبل بعثته وأمر بعقد زواج كل زوجين من اولئك الأسرى وإذا كان في المرأه شئ من الحسن أو بقية من الشباب لايستأنف عقد زواجها بل تؤخذ غنيمة.
    وكتب أمين بيت المال إلى المهدي يستفتيه في أنه وجد بالخرطوم عتقى اعتقهم مواليهم قبل فتح المدينة بزمن طويل فهل يعاملون كالأحرار أو الأرقاء فأجابه بأن الذين أُعتقوا كفار لا يعتبر عتقهم و أمره بمعاملة اولئك العتقى معاملة الأرقاء
    (هذه المكاتبات موجوده بدار الوثايق القومية في الآثار الكامله للامام المهدي).
    ذكرت أنني أسلمت نفسي ومن معي من الجنود في منتصف النهار فقبضوا علي و أوثقوني كتافاً و ساقوني إلى أمين بيت المال يحيط بي نحو مائتي نفر من الدراويش شاهرين سيوفهم وكلهم يصيحون بي و يقولون ياكافر ياعدو الله فالفيته بمنزل أبي بكر الجاركوك أحد أعيان المدينة ووجدت المنزل مملوء بالنساء وهو مشتغل بفرزهن ولما أُوقفت بين يديه كان مشتغلاً بالنظر إلى فتاة فاتنة وهي مجرده من ملابسها و بيدها خرقة تستر بها عورتها وهو يقلبها يمنى و يسرى و الدموع تتساقط من جفونها و هي تقول “رضينا بقضائك ياالله”.

    وبعد أن فرغ من أمر الفتاة إلتفت إلى نحوي وقال أعوذ بالله من هذا الوجه الأبيض ثم إلتفت للحراس الذي حولي وقال لهم من هو هذا الكافر فقالوا هو إبرهيم باشا فوزي فقال لماذا لم تقتلوه فقالوا تركناه ريثما يظهر أمواله و أموال غوردون والحكومة ثم صاح بي وقال دلنا ياكافر على هذه الأموال فقلت ان أموالي أُخذت من منزلي وأما أموال غوردون والحكومة فلست موكلاً بحفظها ثم استل سيفه من غمده وتقدم إلي وقال هذا الكافر لايظهر هذه الأموال وقتله خير من استحيائه فأمسكه من حوله و قالوا له ارجئه ريثما نعذبه أو يدلنا على الأموال ثم صاح بالعبيد فطرحوني على الأرض وجلس واحد منهم على رأسي وأمسك إثنان السياط وضرباني حتى كلت سواعدهما فأبدلا باثنين آخرين حتى سال الدم من جسمي وبعد أن تمزق جسمي زجوني في السجن وبقيت ثلاثة أيام فيه يسوقوني للإستنطاق و الضرب في غدوه و روحة.
    وفي اليوم الثالث اخرجوني من السجن موثوق الكتاف يحيط بي الحراس و ارسلوني إلى منزلي فوجدت به أحد الأمراء فجمع أمتعتي وكتبها في ورقه عرضها علي فلم أجد شيئا مفقودا منها ثم قال لي إن الأموال الظاهرة كلها استوليت عليها ولم يبقى غير مايخفى في بطن الأرض فقلت انني لم اخف شيئاً في بطن الأرض فأخذ يوعظني تاره و يهددني تارة اخرى فقلت له انني لم اخفي شيئاً ولم يكن لدي مال غير مااستوليت عليه فساقني و معي ماخف حملة من الأمتعه الذهبية و الفضية و النقود وبعض حلي مجوهره إلى أمين بيت المال فلما نظر إلى قال كيف أبقيتم هذا الكافر حياً حتى الآن فقال له الأمير نحن نؤجل قتله حتى يظهر لنا أمواله وأموال غوردون و الحكومه ثم قال أمين بيت المال لذلك الأمير ألم يك عنده نساء فقال له عنده محظيتان حبشيتان أخذتهما لنفسي فقال أمين بيت المال كيف تأخذهما قبل عرضهما علي وأخذ الإذن بهما مني فأجابه الأمير انني اخذتهما بسيفي ولا أطلب من بيت المال غيرهما فقال له قد باركت لك فيهما و ملكتك اياهما فشكره وأنا واقف وساعدي موثوقتان كتافاً
                  

04-17-2025, 07:08 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: عمر التاج)

    أيا التيراب ..
    انت هسه فهمت المكتوب يالتيراب والا جيت جاري مدفوع تحوش عن الكفيل؟
    قد يكون أعمى بصيرتك عن الفهم اسم رشا عوض.
    باقي عينتك دي مفهمنها انه اي حد ينتقد الكيزان او بلابستهم وجنرالاتهم
    معناها جنجا .. عشان كدة خاتي الخلاف في طرف لسانك..
    ثم من عجائب الدنيا انه بقيت تشوف الزي هنادي ديل ما مرتزقة..
    لانه لغاية قبل سنتين أكانت عندك مرتزقة ولاتسوى قيمة
    بل كان الكفيل مفهمك انه اغتصابها شرف ليها هي..

    قال دعامية تكتب لتبرئة القتلة قال
    علي النعمة انت لم تقرأ واذا قرأت ماكنت لتفهم..
                  

04-18-2025, 08:26 AM

عمر التاج
<aعمر التاج
تاريخ التسجيل: 02-08-2008
مجموع المشاركات: 5317

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    أنت المافاهم بتنقل في شنو
    الدعامية دي كلامها واضح ومكرر منذ بدء الحرب،
    مقالاتها كلها عبارة عن اعادة لفكرة اضعاف الجيش والاسلاميين على حساب جنجويدها وقحاتها ..
    وطبعا لما نقول جنجويدة ما بنتكلم من فراغ، لاني أملك صور لها هي وزوجها لابسين ملابس الدعم السريع
    Quote: ولذلك يسعى تيراب محمد علي باشا ممثلا في حراس بوابة التبعية لمصر ( الجيش واتباعه) والكيزان حراس بوابة التبعية للباب العالي الجديد" تركيا الاردوغانية" يسعى لتصوير الاستعباد الزاحف على السودان كتحرير! وتمجيد الاستعباد باثر رجعي عبر تسفيه المهدية وتكسير اهم جسر شيدته وهو الجسر الواصل بين الشمال والوسط والشرق وغرب السودان
                  

04-19-2025, 12:35 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: عمر التاج)



    في حنك حايم من نص فترة هذه الحرب العبثية بيتكلم بيهو غلمان الكيــزان والمعاتيــه من لاعقى ابوات العسكر لمصالحهم الخاصة إضافة للمغيبين من البلابسة ووالحنك بيقول انه السودان هو الحركة الاسلامية
    وانه الشعب بيعني المؤتمر الوطني ونظام الانقاذ .. ويضيف بانه اي زول بيتكلم عن وقف الحرب او ضدها فدا بيعني انه ضد الوطن وضد الشعب السوداني .. هكذا..!
    ولتستقيم المعادلة تم رفع شعار بل بس من قبل الكيـزان ليس ضد الجنجويد والدعم السريع بل ضد كل من يرى بالضرورة وجوب السلام ووقف القتال وانهاء حالة اللادولة التي ادخلنا فيها انقلاب البرهان وحميدتي معاً في 2021م
    واغلب القوى المدنية والاحزاب السياسة ومنظمات المجتمع المدني اضافة للمؤسسات الدولية هي من كانت تنادي منذ اكتوبر 2021 بضرورة انهاء حالة اللادولة وارضاً سلاح ليستقيم الوضع
    لكن الكيزان و" تابعيهم" بغير احسان من البلابسة والغلمان هم من كان ينادي بالتسليم الكامل او التدمير الشامل ..بل بس..
    ولانه من البديهي انه لابد للحرب ان تنتهي يوماً ما فقد تمت منذ البدء شيطنة قحت باعتبارها الرافعة السياسية للجنجويد هي وبقية كل الاحزاب السياسية في السودان - بالضبط كما تم من قبل شيطنة الدعم السريع باعتباره هو من قام بمجزرة اعتصام القيادة
    وتجاهل بل وتناسي دور شريكه الاساسي من جنرالات المجلس العسكري وكتائب الارهابيين - الان تتم شيطنة القوى المدنية باعتبارها شريكة الجنجويد وذلك لاعادة الكيزان في المشهد باعتبارهم هم المدافع الموثوق عن السودان.
    لذلك دائماً ما نرى امثال هذا الكويــز من غلمان المؤتمر الوطني في كل سطر من سطور كتابته يشكر ويمجد ويعزز دور الكيزان وكتائبهم وانهم البديل القادم رفقة العسكر ومليشياتهم
    بل وتصل به الجراءة والوقاحة ليتكلم علناً بانه " الشعب " لا يريد ديمقراطية.. وانه هم ككيزان قد اختاروا الديكتاتورية والعسكرية بعد الحرب في إعادة لسيرتها الاولى مطلع التسعينات..
    وبمثل هكذا غباوة يقود الكيزان قطيعهم في المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي .. بينما الحقيقة على ارض الواقع مختلفة تماماً تفضحها اقالة وزير خارجيتهم ويفضحها حال الحاصل الان.
    القطيع لا يدري في الحقيقة انه كيزانهم وكيزان الدعم السريع توصلوا للتسوية وانه يتم الان توجيه القطيع بدلاً من ترديد " بل بس " الي الحل باي ثمن ولو كان التآسي بليبيا..
    طبعاً للآن الغلمان المغيبين ما بيصدقوا المشهد دا بل ويشوفوا فيه نوع من المبالغة..لكن مثل كتاباتهم وتعليقهم على هيــك مقالات بتفتضح انه تم تهيأتهم تماماً للنعيق غداً بالمشهد القادم من السيناريو..
    وحايرضو تمام الرضا وما يرضيهم بالتاكيد هو ان لا تشارك قحط ولا اي حزب اخر دور البطولة .. يرضيهم ان تكون القوى المدنية هي الخائن
    ولا مانع ان يلعبوا كومبارس تحت بوت العساكر ..





    ــــــــــــــــ.
    قلت لي كمان عندك ليها صور وجوزها .. طيب ما تحسمنا وتنشرها يآخ داسيها لي شنو؟
                  

04-19-2025, 02:45 PM

عمر التاج
<aعمر التاج
تاريخ التسجيل: 02-08-2008
مجموع المشاركات: 5317

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    عندما يتزاوج الغباء من البلادة بخلفوا السودان حالة مثل هذا الحيتدر
    جايب له مقال كاتباه دعامية معروف وجاي جاري فرحان ينشره في المنبر
    والعبيط مو عارف ان المقال بتحدث عنه هو شخصيا واهله ..
    آي يالعبيط تيراب محمد علي مقصود بيهم أنت وحلتك والحلال الفوق ليك كلهم
    لانكم وقفتم في وجه التعايشي ورفضتم مليشيا الجهادية عندما احتجت نهر النيل وقتلت رجالها
    تيراب محمد علي ما الكيزان ولا ناس المصباح، مقصود بيهم الجعليين والشوايقة والدناقلة وكل القبائل التي يستهدفها الان الدعم السريع وذكرها الهالك حميدتي وابواق الجنجويد بالاسم ..
    Quote: بيقول انه السودان هو الحركة الاسلامية

    نفس الغباء والادعاء الكاذب والسمع المغلوط
    مافي زول قال السودان هو الحركة الاسلامية الا أنت
    قلنا الشعب السوداني -كيزانه وشيوعيه واحزابه الحرة- الان واقف مع الجيش ..
    لا من موقف ايدلوجي، بل لأن الجيش الحالي هو الامل الوحيد ليكون هناك سودان
    ولان انتصاره يعني عودة المواطن الى بيته والحياة الى طبيعتها
    أما إذا انتصر الدعم السريع فان ال١٥ مليون مواطن الذين نزحوا من الخرطوم ومدني
    ما حايرجعوا تاني السودان ، وحايظلوا نازحين للأبد
    لأنهم اصلا نزحوا من بيوتهم عندما هجم عليهم الدعم السريع وشردهم
    ومثل الخرطوم ومدني قلنا إذا انتصر الدعم السريع ستتدمر عطبرة وكسلا والقضارف وبورتسودان ودنقلا ..الخ
    ونفس الدمار والسرقة والنهب الحصل لمواطن الجزيرة وسنار والخرطوم كان حايحصل لباقي المواطنين
    وانت واسرتك وكل حلتك بالذات، حاتنطردوا من بيوتكم ومدينتكم شر طردة، وحايتدمر بيت اهاليكم وتغتصب اخواتكم ويقتل اطفالكم ، وده ما كلامي أنا .. ده كلام قالوه الجنجويد وبصوروا به اهلهم علنا في الفضاء ..
    طيب مين الوقف زحف الجنجويد وحمى عرضك وحرر سنجة ومدنى والخرطوم وبارا وام روابة والان داقش على نيالا والفاشر..
    وقفهم الجيش ده النحن وكل الشعب واقف معاه وانت وقحاتك بنبذوا فيه وبتعرضوا له بكل سوء يا ولادة الندم
    وقف الجنجويد وهزمهم الجيش القدامك ده، ومعاه شباب نهر النيل والجزيرة والخرطوم والفاشر
    وكل المستنفرين والقادة امثال المصباح والناجي عبد الله والمجاهدين الصادقين
    ويفترض أنت بالذات تكون مدينة ليهم لكن النكرة الزيك طبعهم النكران والبذاءة والغدر وما حيحصل الجيش ولا الشعب منك غير مخلفاتك النتنة وكلامك الفاحش
    Quote: بالضبط كما تم من قبل شيطنة الدعم السريع باعتباره هو من قام بمجزرة اعتصام القيادة

    كعادتك وكل قحاتك وبكل بجاحة عايز تبرئ الدعم السريع وتطلعوا كضحية وحمل وديع، لا يا عوقة الشعب السوداني وكل العالم عارف انه الدعم السريع مجرم وان مليشياته قتلة ونهابه ومغتصبين ، وهو من فض اعتصام القيادة العامة، كل الشواهد والفيديوهات تقول ذلك ود.نبيل اديب الذي جعله القحاتة على رأس اللجنة القانونية هو من صرح بذلك.. الا الخونة مازالوا يشككون في براءة وطهر كلاب الدعم السريع.
                  

04-19-2025, 03:54 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: عمر التاج)

    قال ايه، مصر تدعو لمؤتمر اعمار السودان!
    اول مرة نسمع عن اعمار قبل ايقاف الحرب التي تتجه للتصعيد!
    المقصود هو اعمار جيوب المصريين بغنائم تقسيم وتدمير السودان!
    بعد حرب السودان ارتفعت صادرات مصر من الذهب وارتفعت احتياطياتها من الذهب في البنك المركزي!
    ولكنها لم تكتفي بذلك!
    وتخطط لمأكلة من العيار الثقيل تحت عنوان اعمار السودان!
    ولا يوجد اعمار ولا يحزنون بل لا يوجد السودان نفسه بكامل مساحته وسكانه!
    المقصود بالسودان مناطق سيطرة الجيش التي ستصبح بعد اكتمال مخطط التقسيم حظيرة خلفية لمصر ! يتولى الجيش والصف الثالث من الكيزان امر تنظيفها من الاحرار والشرفاء وامر حراستها كحظيرة ، وضمان انسياب الموارد اليها بالمجان ، ووقوع السودان تحت قبضة نظام عسكركيزاني يعني عزلة السودان عن العالم الخارجي وعدم قدرته على التنفس الا عبر مصر!
    هل مصر غلطانة؟
    ابدا ، الغلط الاكبر هو غلط جيشنا التابع ونخبتنا السياسية الجبانة التي ترتجف من مجرد الجهر بكلمة انتقاد للسياسة المصرية تجاه السودان التي لم تتغير منذ القرن التاسع عشر كل شيء تغير في مصر خلال القرنين الماضيين الا شيء واحد هو النظرة الاستتباعية للسودان واستحمار اهله!
    واغلاقا للباب الذي سيدخل منه بنو معلوف وبنو عالف : ارائي في مصر ليست تأييدا للامارات ، فانا ضد السياسة الاماراتية في السودان لانها ما زالت تسلح الدعم السريع بافتك انواع الاسلحة مثلما تلعب مصر دورا في تسليح الجيش بتمويل قطري وتركي وتشارك في القتال معه عبر سلاح الطيران، وهذا الدعم المصري القطري التركي بالاضافة الى الدعم الايراني للجيش ، والدعم الاماراتي السخي جدا للد.عم السريع كل ذلك شكل اهم ضامن لاستمرار الحرب بهذه الشراسة، والامارات تخطط لتمكين الد.عم السريع من حكم السودان وهذه نقطة خلاف معها، وهي تتشارك مع مصر العداء للديمقراطية في السودان وتريد دكتاتورية اليد العليا فيها للدعم السريع فيما تريد مصر دكتاتورية اليد العليا فيها للجيش.
    انا اتحدث من موقع سوداني وطني وديمقراطي ، وميدان فاعليتي هو بناء الوعي الوطني الديمقراطي المنحاز اولا واخيرا لمصلحة السودان التي تشكل معيارا رئيسا في تشكيل العلاقات الدولية والاقليمية ، استنادا لهذا المعيار ليس في فمي ماء تجاه اي دولة ، وفي ذات الوقت لن اخضع لاي ابتزاز ارعن بموضوع الامارات واصمت عن مصر ، بقراءة موضوعية السياسة المصرية تجاه السودان اكثر ضررا بما لا يقاس من السياسة الاماراتية( التي ليس في فمي ماء تجاهها) ، بل ان التخريب المصري للسودان بدأ قبل ميلاد دولة الامارات العربية المتحدة التي تأسست عام ١٩٧١ م،
    جريمة التضليل المغلظ وتزييف الوعي المصاحبة لهذه الحرب تريد ان يردد الجميع دون تفكير ان سبب الحرب الوحيد في الداخل اسمه المليشيا المتمردة التي هبطت من السماء يوم ١٥ ابريل ٢٠٢٣ ، وسببها الوحيد في الخارج هو الامارات التي تد.عم المليشيا المتمردة بالسلاح لتخدم اجندة ازراائيلية!
    وعبر الابتزاز والارهاب ممنوع منعا باتا على مستوى الداخل تتبع جذور صناعة ما يسمونه مليشيا متمردة ومساءلة الصانعين وكشف دورهم في الحرب وامعانا في المسخرة والاستحمار للشعب السوداني يطالبونه بترديد ان الحرب اشعلها القحاتة!!!
    وعلى مستوى الخارج ممنوع منعا باتا رؤية الايادي الاجنبية المتعددة الضالعة في تأجيج هذه الحرب واطالة امدها والتركيز على يد واحدة هي الامارات التي تخدم اجندة ازرائييل ، وممنوع منعا باتا مساءلة السياسات الداخلية التي وضعت السودان في مواجهة مباشرة مع ازراائيل! وهي ان نظام الكيزان ايام مراهقته الايدولوجية احتضن المجموعات المسلحة المشتبكة عسكريا مع ازرائيل ووفر ملاجئ ومخابىء للسلاح الايراني والتصنيع الحربي الايراني ، وسمح بان يكون السودان معبرا للسلاح الى حمماس وحزبو اللله وبهذا ادخل السودان في مواجهة لا يمتلك الحد الادني من مؤهلاتها العسكرية والاقتصادية ولا حتى الاخلاقية لان نظاما يمارس الابادة الجماعية ضد شعبه غير مؤهل للدفاع عن شعوب اخرى! نتيجة هذه السياسات الخرقاء اصبحت قدرات التنظيم الامني العسكري الكيزاني المشاغب اقليميا هدفا للدول التي تحرش بها ، والسودان دولة وشعبا دفع الثمن غاليا !
    لن نردد كما الببغاوات الامارات تقتل السودانيين ونجعل ذلك عنوانا وحيدا لمأساتنا!
    المسؤول عن قتل السودانيين في المقام الاول الحركة الاسلامية اسما الاجرامية فعلا بسياساتها الخرقاء وتوريطها للبلاد في متاهات صراعات اقليمية اكبر من قدراتها ، وفي ممارسات ارهاابية عابرة للحدود جرت عليها العقوبات واخيرا احراق البلاد في هذه الحرب التي من المتوقع - الله يكضب الشينة- ان تكون الفصل الاخير في تاريخ السودان بحدوده الجغرافية الراهنة.
    ثم تأتي بعد ذلك مسؤولية الايدي الخارجية الداعمة لكل طرف من الفرقاء السودانيين في الحرب، واقبح واخطر ما في الحرب انها تجعل الكلمة الفصل في شأن ايقافها كلمة الاطراف الخارجية اذ لا سيادة وطنية في بلد تشتعل فيها حربا مثل حربنا هذه.

    رشا عوض _ ايضا
                  

04-19-2025, 03:58 PM

طلحة عبدالله
<aطلحة عبدالله
تاريخ التسجيل: 09-14-2007
مجموع المشاركات: 18426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: عمر التاج)

    Quote:
    يتزاوج الغباء من البلادة
    يعنى كيف يتزاوج الغباء ( من) البلادة ؟؟
    يا عمر هوووووي بطل عشوائية التعبير البتسو فيها دي
    ....................
    حيدروف اديهو على رويسو دا بلاش كلام فارغ
                  

04-20-2025, 01:15 AM

منتصر عبد الباسط
<aمنتصر عبد الباسط
تاريخ التسجيل: 06-24-2011
مجموع المشاركات: 5171

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: طلحة عبدالله)

    هل كان هو حقيقة المهدي المنتظر كما أدعى؟!
    الإجابة لا
    و(لا) تعني انه كذاب
    المتمهدي قتل يوم دخوله الخرطوم
    شيوخ وأئمة مساجد
    والخليفة عبد الله التعايشي
    الذي لا يختلف عاقلان أمنينان بأنه
    مجرم قاتل أشد شرا من الكفار
    وهو لا شك كفر بادعائه للإسلام مع جعل
    اعدائه هم المسلمين والصالحين
    وفتصور الناس أن المتمهدي افضل من خليفته
    ولكن كلاهما شرير
    المتمهدي لم يتضرر منه المصريين
    الذين تضرروا منهما هم الشعب السوداني
    وانا اعتقد انهما صناعة للمخابرات الغربية الخبيثة. للقضاء
    على الخلافة الإسلامية والوحدة الإسلامية
    وعلى الوسطية
    الوهابية والمهدية والأخونجية
    كلها صتاعة للمخابرات البريطانية واليهودية
                  

04-20-2025, 01:41 AM

منتصر عبد الباسط
<aمنتصر عبد الباسط
تاريخ التسجيل: 06-24-2011
مجموع المشاركات: 5171

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: منتصر عبد الباسط)


    محمد أحمد الدنقلاوي هو كوز ذلك الزمان

    [
    اللهم زن كانرقد حدث فالعن هذا المهدي لعنا وخلده في جهنم
    وزنا نبرا اليك منه ومن حزبه

    Quote: وسواء اذعن لهذه الاكاذيب وسلم ماله أو لم يسلم
    فلا بد من ضربه ألف سوط والمرأة نصفها وتوثق يداه ورجلاه
    ويلقي على الأرض ويصب عليه الماء البارد في الليل،
    وبقي السكان في حالة العذاب هذه حتى جُمعت الأموال والأمتعه
    في بيت المال.” (إبراهيم فوزي، الجزء الثاني، ص: 5-6).

    “ومن الاحداث التي وقعت يوم سقوط الخرطوم أن رجلاً اسمه (كريب)
    من أقارب المهدي
    ومن حراس الخليفة شريف الذين يطلق عليهم اسم (الملازمية) ( الدعامة )
    ومعه نحو عشرة من أقاربه دخلوا منزل رجل مصري اسمه (ابراهيم) له سبعة إخوه فقتلوا الثمانية
    وفتشوا المنزل فلم يجدوا به مالاً وكان لابراهيم غلام في التاسعة من العمر فأخفته امه ونساء اعمامه في وسط
    الأمتعه خوفاً عليه من القتل إلا انهم عثروا عليه في غضون التفتيش واخرجوه فتراءت امه ونساء اعمامه على أقدام (كريب) ورفقائه وقلن له ان والده واعمامه السبعه قتلوا فنسألك بالمهدي أن تترك لنا هذا الصبي فالتفت عليهن وقال كيف نتركه ونحن لم نجد في بيتكن ذهبا ولا فضه وكلكن نساء مسنات ليس بينكن من تميل النفس إليها ثم صاح برفقائه وقال قطعوا الصبي ثماني قطع واتركوا لكل واحده منهن قطعه ولم يتم هذه العباره حتى تناول رفقائه الصبي وقطعوه ثماني قطع وألقوا لكل إمرأة قطعه، ومثل هذه الحادثه يعد بالالوف ذكرنا منها هذه للدلالة على اخواتها.” (إبراهيم فوزي، الجزء الثاني، ص: 6)

    “وأُخذت النساء سبايا وأرسل أمين بيت المال بنحو ألف عذراء من بنات أعيان
    المصريين فاختار المهدي منهن ثلاثين فتاة من ذوات الحسن والجمال آباؤهن من وجهاء المصريين سكان المدينة ووزع الباقي على حرسه وذوي قرابته وكلهن كموطوآت بملك اليمين.” (إبراهيم فوزي، الجزء الثاني، ص: 6)

    “وأرسل أمين بيت المال عدداً عظيماً من النساء إلى عبد الله التعايشي فأبقى لديه العذارى منهن ووزع الباقي على حراسه وذوي قرابته أيضاً، وصار كلما قضى وطره من واحدة يهديها إلى أحد رجال حاشيته. وأرسل أمين بيت المال أيضاً بمئات من النساء إلى الخليفتين علي ود حلو ومحمد شريف وكان عملهما بهن مثل عمل عبدالله التعايشي. وكثير من أولئك النسوة إمتنعن من الفسق والفجننور بهن فعذبن عذاباً أليماً وضربن ضرباً مبرحاً وحُلقت شعور رؤسهن وكثير منهن فضلن الموت على الحياة ورأيت امرأة أحد السناجك وهي تركية من جهة أبيها وسودانية من جهة أمها انتحرت تخلصاً من العذاب الذي نالها على إثر إمتناعها من تسليم نفسها لعبد الله التعايشي. وضربت إمرأة الشيخ محمد السقّا شيخ القرّاء في الخرطوم وعذبت ستة شهور لإمتناعها من تسليم نفسها إلى عبد الله التعايشي” (إبراهيم فوزي، الجزء الثاني، ص: 7)


    “والخلاصه ان عدد النساء اللواتي سُبين لايقل عن خمسة وثلاثين ألف فتاة، وشاهد ذلك انك تجد عند أصغر أمير من أمراء المهدي عشرين فتاة أما الأمراء الكبار وأقارب المهدي فإن اللواتي يأخذهن كل واحد منهم يزيد عددهن على العشرين عذراء ولايظنن القارئ أنهم يختلسون أولئك الفتيات بل يأخذونهن بأمر من المهدي او أحد الخلفاء او أمين بيت المال موضحاً في كل أمر اسم الفتاة واسم ابيها وجدها وأوصافها وأنها أُعطيت لفلان غنيمة له يحل له وطؤها بملك اليمين ويجوز له بيعها مالم تصر ام ولد. ومن وجدت عنده من أتباع المهدي إمرأة وليس لديه أمر بالبيانات التي ذكرناها تصادر أمواله ويُقبض عليه ويُعامل معاملة السارق.” (إبراهيم فوزي، الجزء الثاني، 7)

    “وكان المهدي أصدر أمراً حظر فيه سبي كل أمرأه لها بعل ولكن هذا الأمر كان لايعمل به إلا إذا كانت المرأة طاعنة في السن أو قبيحة المنظر لاتميل إليها النفس، وكان أمين بيت المال يمسك النساء ويفتشهن بعد خلع ملابسهن فمن وجدت سليمة من العيوب أخذت ومن وجدت بها عيب انتهرت وطردت. هذا مجمل مافعله المهدي بسكان الخرطوم من جهة الأموال والأعراض ذكرته بغاية الايجاز لأني إذا تتبعت التفصيل أفنيت الأعوام…” (إبراهيم فوزي، الجزء الثاني، ص: 7)

    “وأصدر المهدي منشوراً قال فيه إن جميع الذين خرجوا من قيقرة الخرطوم أي (خندق الخرطوم) لايعتبر زواجهم شرعياً لأنه حصل في زمن الفترة التي كانت قبل بعثته وأمر بعقد زواج كل زوجين من اولئك الأسرى وإذا كان في المرأه شئ من الحسن أو بقية من الشباب لايستأنف عقد زواجها بل تؤخذ غنيمة. وكتب أمين بيت المال إلى المهدي يستفتيه في أنه وجد بالخرطوم عتقى اعتقهم مواليهم قبل فتح المدينة بزمن طويل فهل يعاملون كالأحرار أو الأرقاء فأجابه بأن الذين أُعتقوا كفار لا يعتبر عتقهم وأمره بمعاملة اولئك العتقى معاملة الأرقاء.” (إبراهيم فوزي، الجزء الثاني، ص:
    (هذه المكاتبات موجوده بدار الوثايق القومية في الآثار الكامله للامام المهدي).
    “ذكرت أنني أسلمت نفسي ومن معي من الجنود في منتصف النهار فقبضوا عليَّ وأوثقوني كتافاً وساقوني إلى أمين بيت المال يحيط بي نحو مائتي نفر من الدراويش شاهرين سيوفهم وكلهم يصيحون بي ويقولون ياكافر ياعدو الله فالفيته بمنزل أبي بكر الجاركوك أحد أعيان المدينة ووجدت المنزل مملوء بالنساء وهو مشتغل بفرزهن ولما أُوقفت بين يديه كان مشتغلاً بالنظر إلى فتاة فاتنة وهي مجرده من ملابسها وبيدها خرقة تستر بها عورتها وهو يقلبها يمنى ويسرى والدموع تتساقط من جفونها وهي تقول “رضينا بقضائك ياالله”.” (إبراهيم فوزي، الجزء الثاني، ص: 8).
    وبعد أن فرغ من أمر الفتاة إلتفت إلى نحوي وقال أعوذ بالله من هذا الوجه الأبيض ثم إلتفت للحراس الذي حولي وقال لهم من هو هذا الكافر فقالوا هو إبرهيم باشا فوزي فقال لماذا لم تقتلوه فقالوا تركناه ريثما يظهر أمواله وأموال غوردون والحكومة ثم صاح بي وقال دلنا ياكافر على هذه الأموال فقلت ان أموالي أُخذت من منزلي وأما أموال غوردون والحكومة فلست موكلاً بحفظها ثم استل سيفه من غمده وتقدم إلي وقال هذا الكافر لايظهر هذه الأموال وقتله خير من استحيائه فأمسكه من حوله وقالوا له ارجئه ريثما نعذبه أو يدلنا على الأموال ثم صاح بالعبيد فطرحوني على الأرض وجلس واحد منهم على رأسي وأمسك إثنان السياط وضرباني حتى كلت سواعدهما فأبدلا باثنين آخرين حتى سال الدم من جسمي وبعد أن تمزق جسمي زجوني في السجن وبقيت ثلاثة أيام فيه يسوقوني للإستنطاق والضرب في غدوه وروحة.” (إبراهيم فوزي، الجزء الثاني، ص: 8-9)
    وفي اليوم الثالث اخرجوني من السجن موثوق الكتاف يحيط بي الحراس وارسلوني إلى منزلي فوجدت به أحد الأمراء فجمع أمتعتي وكتبها في ورقه عرضها علي فلم أجد شيئا مفقودا منها ثم قال لي إن الأموال الظاهرة كلها استوليت عليها ولم يبقى غير مايخفى في بطن الأرض فقلت انني لم اخف شيئاً في بطن الأرض فأخذ يوعظني تاره ويهددني تارة اخرى فقلت له انني لم اخفي شيئاً ولم يكن لدي مال غير مااستوليت عليه فساقني ومعي ماخف حملة من الأمتعه الذهبية والفضية والنقود وبعض حلي مجوهره إلى أمين بيت المال فلما نظر إلى قال كيف أبقيتم هذا الكافر حياً حتى الآن فقال له الأمير نحن نؤجل قتله حتى يظهر لنا أمواله وأموال غوردون والحكومه ثم قال أمين بيت المال لذلك الأمير ألم يك عنده نساء فقال له عنده محظيتان حبشيتان أخذتهما لنفسي فقال أمين بيت المال كيف تأخذهما قبل عرضهما علي وأخذ الإذن بهما مني فأجابه الأمير انني اخذتهما بسيفي ولا أطلب من بيت المال غيرهما فقال له قد باركت لك فيهما وملكتك اياهما فشكره وأنا واقف وساعدي موثوقتان كتافاً.” (إبراهيم فوزي، الجزء الثاني، ص: 9)
    المصادر:
    كرات بابكر بدري (ثلاثة اجزاء).
    مذكرات يوسف مخاييل (تحقيق البروفسور احمد ابراهيم ابوشوك).
    مذكرات محمد عبد الرحيم.
    ابراهيم فوزي (السودان بين يدي غردون وكتشنر).
    منشورات الامام المهدي البروفسور محمد ابراهيم ابوسليم.
    كتبه: م/ بشير عبد الرحمن”
                  

04-20-2025, 01:45 AM

منتصر عبد الباسط
<aمنتصر عبد الباسط
تاريخ التسجيل: 06-24-2011
مجموع المشاركات: 5171

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: منتصر عبد الباسط)

    والله يا حيدر ما كنت فاكرك كعب وشرير ودموي للحد دا؟!
    المجرم المتمهدي دا يعتبر أسوأ مخلوق مر علي تاريخ
    السودان وهو صناعة للمخابرات الغربية الخبيثة
    وإذا لم نتحرر من هذه المعوقات في الفهم الاي تجعلنا نحتفي ونحتفل
    باشر الخلق عصبية ما بنتقدم
                  

04-20-2025, 01:49 AM

منتصر عبد الباسط
<aمنتصر عبد الباسط
تاريخ التسجيل: 06-24-2011
مجموع المشاركات: 5171

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: منتصر عبد الباسط)

    الواحد تلقاهو زعلان من نصاب مصري أو زميل مصري في الشغل
    داير يعيش ٤٥ مليون في دوامة من الكذب والخداع
    الما صحت منو ولا فاقت طوال قرن ونصف القرن!!!
                  

04-20-2025, 01:51 AM

منتصر عبد الباسط
<aمنتصر عبد الباسط
تاريخ التسجيل: 06-24-2011
مجموع المشاركات: 5171

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: منتصر عبد الباسط)

    المشكلة في تيراب الكضب ونبة الكضب الصنعوها أنصار الكذاب والمتهدي والكيزان واعوانهم من اليسار
    بعدين رشا عوض كمان!!!!!
    لسع في ناس بقرو ليها!!!!!
    سبحانك ياااارب

    (عدل بواسطة منتصر عبد الباسط on 04-20-2025, 02:39 AM)

                  

04-20-2025, 11:36 AM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: منتصر عبد الباسط)


    كتب الكويــز عمر التاج:
    Quote: تيراب محمد علي مقصود بيهم أنت وحلتك والحلال الفوق ليك كلهم
    لانكم وقفتم في وجه التعايشي ورفضتم مليشيا الجهادية عندما احتجت نهر النيل وقتلت رجالها
    تيراب محمد علي ما الكيزان ولا ناس المصباح، مقصود بيهم الجعليين والشوايقة والدناقلة وكل القبائل التي يستهدفها الان الدعم السريع


    طبعاً دا حنك وعلف من علوف الكيــزان ومنهجهم الثابت في اثارة النعرات القبلية والعنصرية..
    وهو جبن وخسة وندالة منهم في الإحتماء والاختفاء خلف مكونات مجتمع الشمالية ونهر النيـل، يحتموا خلف هذه المجتمعات بكل جبن وخسة ويصدرونها للمشهد
    ويصورونها بانها مقصودة من كل شرور الدنيــا .. ومن يعاونهم في المقابل في ذلك من الجنجا عشان يثبت وجهة نظر خستهم؟
    كيــزان الدعم السريع .. امثال الكوز الربيع عبدالمنعم وبريمة والباشا طبيق وغيرهم من الكيزان والمؤتمرجية المعروفين اللي انفصلوا للجزء الاخر منهم وهم الجنجا..
    ودا شغل خبث ونتانة معروفة تديرها غرف عصابات الكيزان..
    وأقرب مثال عندكم هو الرابطي الهمباتي ابوعاقلة كيكل الذي تمت زراعته للفتنة واثارة النهب والسلب في الجزيرة وسط الدعم السريع
    ابوعاقلة كيكل وقت قال هو انحاز للدعم السريع اول ما بدا بيهو هو مهاجمة الكيزان .. ثم مهاجمة البرهان واهل البرهان في نهر النيل واعلن..
    وكلهم هكذا يكذبون باسم القبيلة لإثارة الفتنة والكراهية أمثال هذا المعتوه المدعو عمر التاج..
    يكذب بكل بجاحة ووقاحة ولا يرمش له طرف عند ترديد الاكاذيب والتزوير .. اقرب مثال هنا هو مايقوله على لسان رشا عوض من كذب وتلفيق والمقال مكتوب امامه وعكس ما يقوله
    لكنها خساسة وقذارة الكيزان المعهودة..
    فرشا عوض لم تكتب ولم تقول حرفاص لتبرئة الدعم السريع بالعكس ذكرت في مقالها اكثر من مرة إدانة الدعم السريع ومرتزقته وجنجويده
    لكنها غريزة الضباع في عمر التاج هي ما تحرك مقاله..
    واكثر ما اغاظه وارعبه ليلجاء لكذب الصراح هو تعريف رشا عوض لتيراب محمد علي باشا وهو التعريف الذي يتفق معها فيه الكثيرون من غير البلابسة وقطيع الانصرافي وحميــر الكيظان
    حيث قالت :

    Quote: يسعى تيراب محمد علي باشا ممثلا فيحراس بوابة التبعية لمصر ( الجيش واتباعه) والكيزان حراس بوابة التبعية للباب العالي الجديد" تركيا الاردوغانية" يسعى لتصوير الاستعباد الزاحف على السودان كتحرير! وتمجيد الاستعباد باثر رجعي عبر تسفيه المهدية وتكسير اهم جسر شيدته وهو الجسر الواصل بين الشمال والوسط والشرق وغرب السودان! وتعلق القلوب بالخديدويين الجدد والباب العالي الجديد وكراهية دارفور واختزالها في الجنجويد!
    مهما جار الزمان على الشعب السوداني سوف تأتي اللحظة التي سينتفض فيها ويتحرر! سيقتلع تيراب محمد علي باشا !


    هل في توصيف اصدق من هذا للتيــراب؟؟
    وهل من سبب انكي من هذا يجعل هذا الدعي ليصيح بانه المقصودين قبائل بعينها ..؟
                  

04-20-2025, 11:43 AM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    Quote: كعادتك وكل قحاتك وبكل بجاحة عايز تبرئ الدعم السريع وتطلعوا كضحية وحمل وديع، لا يا عوقة الشعب السوداني وكل العالم عارف انه الدعم السريع مجرم وان مليشياته قتلة ونهابه ومغتصبين ، وهو من فض اعتصام القيادة العامة، كل الشواهد والفيديوهات تقول ذلك ود.نبيل اديب الذي جعله القحاتة على رأس اللجنة القانونية هو من صرح بذلك.. الا الخونة مازالوا يشككون في براءة وطهر كلاب الدعم السريع.


    ومرة اخرى يلجأ الكويــز للكذب والتزوير والتلفيق..

    لا انا ولا قحط ولا الشعب السوداني ولا العالم ولا الشهداء ولا الشواهد تبرئ الدعم السريع والجنجويد عن مجزرة جريمة فض الاعتصام لا..
    جريمة فض الاعتصام قلنا وقال غيرنا مراراً وتكراراً ان من قام بها هو المكون العسكري ومجلسه المكون من جنرالات الجيش ومن الدعم السريع ومن كتائب الكيزان الارهابية وكتائب الظل تبع على عثمان
    هذا ما قلنا وظللنا نقوله ونوثقه..
    وانه نبيــل اديب هذا هو المستشار القانوني للمجرم البرهان الذي تلطخت ايديه بدماء الشباب والابرياء امام بوابات القيادة العامة في العشر الاواخر من رمضان والدنيا قبايل عيد..
    لكنك لانك كويز لا تعي ما تقول تكذب وتزور وتتحرى التلفيق عسى ان تنال رضى اسيادك المشغلنك عشان تجي تتمرمط في سوانيزاونلاين..
                  

04-20-2025, 07:06 PM

عمر التاج
<aعمر التاج
تاريخ التسجيل: 02-08-2008
مجموع المشاركات: 5317

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    Quote: وكلهم هكذا يكذبون باسم القبيلة لإثارة الفتنة والكراهية أمثال هذا المعتوه المدعو عمر التاج..

    نفس الغباء والسفالة التي لا تخرج من نفس صدئة كهذا الفاسق حيدر ..
    القبلية في هذه الحرب لا تكذب ولم يأت بها أو بالحرب عمر
    الجنجويد هم الجاؤنا باسم القبلية وعايزين يحتلوا بلدنا ويطردونا ..
    ولولا تصدي البرهان والمصباح وكيكل والجيش والكيزان والمشتركة لهم لكانت نساء اهلك جميعا عبيدا وخدما
    والكلام ده قالوه الجنجويد بانفسهم
    والفيديوهات التي تهدد اهلنا في الشمال وتوعد يقتلهم جميعا منتشرة في النت لا يعمى عنها الا فاسق جاهل
    الدعامية الوسخة رشا تمجد الدعم السريع في هذا المقال وتحاول تنفي عنه شبه البربرية التي عرفها الناس عن التعايشي
    وهي حينما نصف الجيش واعوانه والكيزان بانهم تيراب محمد علي باشا انما تقصد احفاد الشماليين الوقفوا ضد التعايشي عندما غزا الشمال . واحفاد هؤلاء الرجال الذين يحرسون بوابة التعبئة لمصر كما زعمت هم أنت وأهلك من الشماليين، ومعروف عن اغبياء الجنجويد تصورهم للجيش والكيزان لأنهم اهل الشمال من الشوايقة وااجعليبن ، ولو ربنا سلطهم على اهلك فهم لايفرقون بين البعثي السافل امثالك والكيزان امثال شيخ الزبير ، كلكم عندهم عدو .
    وانت كان ما جاهل وهدوء نفسك واهلك بنستشهد بكلام وتعريفات الدعامية الحقيرة وتنسى كلامها المفضوح المدسوس في المقال، ولو ماك عبيط كان في كيزان ولا جيش ايام محمد علي باشا عشان يكون عندهم تيراب اليوم؟
    ولو ما أنت رمة في اوضح من الفرقة التحت دي عشان توضح هدف المقال
    Quote: يسعى لتصوير الاستعباد الزاحف على السودان كتحرير
                  

04-21-2025, 05:56 AM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: عمر التاج)

    الكويــز الوضيع

    Quote: الجنجويد هم الجاؤنا باسم القبلية وعايزين يحتلوا بلدنا ويطردونا ..


    Quote: والفيديوهات التي تهدد اهلنا في الشمال وتوعد يقتلهم جميعا منتشرة في النت لا يعمى عنها الا فاسق جاهل




    نعم صحيح ودا القاعدين نقوله لانه قادة ومحركي وأعلام الجنجويد تحديداً هم الكيــزان ولذلك القبلية صناعة كيــزانية وطرفي الصراع هم الكيــزان بشقيهم والضحية هو المواطن السوداني..
    وهذه حقيقة لا ينكرها الا كاذب فاسق منافق مدفوع الاجر مثلك..


                  

04-20-2025, 12:09 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: منتصر عبد الباسط)




    سلامات الاخ منتصر عبدالباسط.. ان شاء الله طيب يا حبيب ..

    اتفق معك في اغلب ما جاء في مداخلاتك اعلاه
    نعم محمد احمد الدنقلاوي كان كضاب ولاهو مهدي المنتظر لا حاجة..
    ونعم ودتورشين التعايشي كان دجال وكذب آشر وهو يكضب عن سبق اصرار وتعمد اذا قلنا انه المتمهدي كان مخدوع..
    ونعم الامتضرر الاكبر من الدجال التعايشي كانت الدولة السودانية والشعب السوداني حيث فوت فرصة تاريخية للسودان لوضع اقدامه على اعتاب العصر الحديث وهو اكثر قوة ومنعة وتطور
    لكنه انحدر بيهو لمجرد بلد متشرزم يتنازعه الجهل والخرافة والتخلف والتبعية..


    وفي نفس اللحظة اراك تقول :

    Quote: بالواحد تلقاهو زعلان من نصاب مصري أو زميل مصري في الشغل
    داير يعيش ٤٥ مليون في دوامة من الكذب والخداع
    الما صحت منو ولا فاقت طوال قرن ونصف القرن!!!


    هسه ما اهو انت كل مقتبساتك اعلاه من ابراهيم فوزي ..
    وهو مستعمر مدحور واداة من ادوات الخديوية..
    ولسه بتاخد بروايتهم بعد المدة دي كلها..
    دا الزول الممكن يقبل بروايات الجنجا وناس ابراهيم بوال وهلمجرا


                  

06-01-2025, 01:46 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 39159

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: منتصر عبد الباسط)

    لو الامارات ملاريا خبيثة
    مصر دي سرطان عديل
    من اول انقلاب1958؛ولحدي، الان 2025 نفس، الاستحمار للسودانيين
    غير د النور حمد، ورشا وقليل، من المثقفين ما في، زول بواجه الامر الشاذ، ده
    اقرا رسالة. ابراهيم منعم منصور، للبرهانووحميدتي، 2020 عشان تعرف
    الحقيقة ةالفشل، الثورة منو وكتل الشباب
    وقحت ابدا ما كانت البديل الواعي، للانقاذ
                  

04-20-2025, 11:46 AM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: طلحة عبدالله)

    سلامات حبيبنا طلحتوف...

    Quote: يعنى كيف يتزاوج الغباء ( من) البلادة ؟؟
    يا عمر هوووووي بطل عشوائية التعبير البتسو فيها دي


    انا اتمنى انه هذا البليــد يكون قرأ المقال التاني للكاتبة العظيمة رشا عوض بعقل منفتح هذه المرة
    بدل اعك الكروي البيعمل فيهو دا وبدون الرد على الاسم مغمض كدة دون ما يقرأ المكتوب
    لانه كدة ما حايفهم واذا لم لم يحاول ان يفهم حا يظل بليد وعوير كدة لمن يتخرج من سودانيز دي خخخخخخخخخخخ
                  

04-20-2025, 12:34 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)


    وكانما رشا عوض تعلم كلام هذا الكويـز البلبوسي حينما قال :
    Quote: الشعب السوداني وكل العالم عارف انه الدعم السريع مجرم وان مليشياته قتلة ونهابه ومغتصبين ، وهو من فض اعتصام القيادة العامة


    او على الاصح لان البلابسة يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا فهي كتبت اليــوم الي بلبوسي آخر كبير قائلة :/



    امجد فريد نموذج البلبوس عندما يفقد المنطق!
    رشا عوض
    كثير من المدافعين عن الجيش تحت ادعاءات انه مؤسسة دولة وفيه انضباط ونظام ينقضون غزلهم بابيدهم عندما يتحدثون عن الجيش كحزب سياسي فيه تعددية اراء ومواقف ، وفيه افراد يبرطعون على كيفهم في فعل افعال كبيرة وخطيرة من وراء ظهر المؤسسة المزعومة ويظل هؤلاء الافراد في المؤسسة عااادي زي الزبادي!!
    في لقاء مع عزام، زعم امجد فريد ان الاعتصام فضته مليشيا الد.عم السريع وافراد في الجيش 😀 في سياق تبرئة الجيش كمؤسسة من جريمة فض الاعتصام!
    الافراد ديل منو يا امجد فريد؟
    قرار فض الاعتصام اتخذه الفريق اول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس المجلس العسكري حينها ، هل البرهان فرد لا يمثل مؤسسة الجيش؟ ام ان البرهان لم يتخذ هذا القرار واتخذه افراد اخرون ؟
    لو البرهان قائد الجيش مجرد فرد فهذا ينسف مؤسسية الجيش، ولو غالطنا الحقائق الموثقة التي تلاها في بيان رسمي الفريق شمس الدين الكباشي وصدقنا كلام امجد فريد عن الافراد فهذا ايضا ينسف مؤسسية الجيش! فماهي مؤسسية الجيش سوى تلك التراتبية الصارمة والاوامر التي تتنزل حسب الرتب والاقدمية والطاعة العمياء للقيادة ولا مجال للاعتراض وعدم التنفيذ من جانب افراد وان فعلوا تتم محاكمتهم وفي بعض الاحيان يتم اطلاق الرصاص عليهم؟ !
    لكن لو اخذنا امجد فريد على قدر عقله البلبوسي ، وسلمنا جدلا ان المسؤول عن مجزرة فض الاعتصام هو المليشيا وحدها لا شريك لها ومعها مجرد افراد من الجيش، فهناك اسئلة منطقية تبحث عن اجابة وهي:
    صبيحة جريمة فض الاعتصام كانت قوات الد.عم السريع جزء من القوات المسلحة وتركب معها في سرج وااااحد فلماذا لم يستدعي قائد الجيش قائد الد.عم السريع ويسائله عن جريمة فض الاعتصام ويطالبه بتسليم منفذيها ويحاكمهم؟ وقبل ذلك لماذا لم يحاكم الجيش اولئك الافراد من ضباطه وعساكره الذين زعم امجد فريد انهم شاركوا في الجريمة؟ لماذا لم نسمع بان الجيش اعتقل وحاكم عددا من منسوبيه محاكمات عسكرية بسبب مخالفتهم للتعليمات وقتل مئات المعتصمين وبسبب اغلاقهم لابواب القيادة العامة في وجه المستجيرين بها من الذين كانوا يظنون ان ( القبة تحتا فكي) ؟!
    وللمفارقة فان من اعتقل المئات واجرى معهم تحقيقات على خلفية فض الاعتصام هو قائد قوات الد.عم السريع!
    يعني المليشيا كانت اكثر مؤسسية وانضباطا لانها على الاقل ساءلت من خالفوا تعليمات قائدها، ولكن هذا لا يبرئها ابدا من المسؤولية عن الجريمة لانها لم تملك المعلومات والحقائق للشعب السوداني بل استخدمتها للمساومة والابتزاز في صراع السلطة، خلاصة الامر ان الجيش والمليشيا التي خرجت من رحمه اتفقا على فض الاعتصام واشتركا في تنفيذ ذلك ودخلت كتائب الظل الكيزانية على الخط وجعلت التنفيذ يتم باقصى درجة من الوحشية لتحقيق اهداف سياسية وللانتقام من الثوار ، وتواطأ كل من الجيش والد.عم السريع على كتم الحقائق وعرقلة اي خطوة نحو العدالة.
    يحاول امجد فريد وامثاله من المتخصصين في التدليس
    غسيل الجيش باثر رجعي من جرائم هو شريك اصيل في المسؤولية عنها، وذلك في اطار كتابة تاريخ جديد للسودان بأنصاف الحقائق والاكاذيب الكاملة الدسم!
                  

04-20-2025, 02:03 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)


    بمناسبة حرب تيـراب محمد علي باشا على القوى المدنيــة ..

    كتب : Said Eltayb
    ·
    شاهدت مقطع لسناء حمد، كانت تتحدث بهدوء ولطف وهي تُسأل عن الدعم السريع وحميدتي، أبدت استعدادها للجلوس مع حميدتي واستندت على آيات واحاديث في تبرير موقفها وقالت ان ديننا يدعونا الى ذلك.
    وشاهدت ايضا مناوي، يتحدث كرجل دولة، يدعو لحوار بين السودانيين، ويعلن استعداده للجلوس مع الإسلاميين، وحتى مع عبدالرحيم دقلو في الجانب السياسي، لأنهم "سودانيين"
    لكن لما تم سؤال سناء عن الجلوس مع القوى المدنية، فإذا بالملامح اللطيفة تتحول إلى زعانف، والصوت الهادئ إلى عواء، ولم تجد في القرآن آية، ولا في السنة حديث. وخرج لها ذيل وقرون، وتصاعدت النيران من فمها، والدخان من أذنيها.
    ايضا تم سؤال مناوي عن القوى المدنية، فإذا بشخصية رجل الدولة تتلاشى فجأة واذا بأرجله تتحول إلى خُفي بعير، وأصابعه إلى مخالب، وحديثه إلى نهيق، وأسنانه إلى أنياب.
    في مثل هذا اليوم، 20 أبريل 2023، والحرب في ذروتها كتبت:
    "لا تقف مع ميليشيا ضد وطنك، حتى لو كان الوطن مجرد مكان ننام على رصيفه." رفضًا للانحياز للجنجويد، مهما كان الموقف من الحرب والجيش.
    فكانت المفاجأة في تعليقاتهم
    – هههه خلاص ضمنت الجيش انتصر عايز تعمل فيها معانا؟
    – أصلو ما بنخليكم، البل جاييكم
    – ما تقيفوا معانا دقايق بس نخلص من المليشيا دي وجاينكم
    التعليقات من النوع ده كلها كانت من حسابات جديدة، وبروفايلات مقفولة.
    الرسالة كانت واضحة من أول يوم:
    الحرب دي جواها حرب تانية، مرتب ليها ضد أي زول برفض تجار الحروب وبرفض الفساد ونهب ثروات البلاد، وبنادي بـالحرية، والسلام، والعدالة.
                  

04-21-2025, 08:55 PM

عمر التاج
<aعمر التاج
تاريخ التسجيل: 02-08-2008
مجموع المشاركات: 5317

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    Quote: يعنى كيف يتزاوج الغباء ( من) البلادة ؟؟


    كلمتا يتزوج ويتزاوج لهما نفس المعنى
    ولكن الاولى تستخدم مع البشر ..
    والاخرى تستخدم مع أشباه رشا عوض
    فاللهم اجعله معها وابعثه مع حزبها
                  

06-01-2025, 01:33 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: عمر التاج)

    الجيش المصري في السودان

    رشا عوض - 31 مايو، 2025


    ‏حتى نضع التعامل مع معضلة “الجيش السوداني” في سياقها الموضوعي، فيجب ان ندرك ان هذا الجيش ليس جيش الشوايقة او الجعليين او الدناقلة او البني عامر او الهدندوة!

    ‏ليس جيش الرزيقات او المسيرية او النوبة اوالزغاوة او الفونج او الفلاتة او المساليت!

    ‏باختصار ليس جيش السودانيين باختلاف قبائلهم!

    ‏هذا جيش مصر في السودان!

    ‏ظل جيشها سواء في عهدها الخديدوي او الجمهوري!

    ‏بمعنى انه الاداة الناجعة لها في استتباع السودان واستغلاله اقتصاديا سواء في اوقات سلمه او حربه!

    ‏بمعنى ان ” العقل السياسي” “لحزب الجيش” وهو حزب قوامه شبكة مصالح متراكمة تاريخيا فيها اطراف مدنية ولكنها تحت هيمنة الجنرالات الكبار والاستخبارات بشكل كامل ، هذا العقل غير وطني وتابع لمصر!

    ‏ولذلك وجود ضباط وجنود وطنيين ونزيهين – وهو حقيقة اذ لا يمكننا ان الجيش يضم في صفوفه مواطنين شرفاء وصالحين- ولكن وجودهم بكل اسف لم ولن يغير شيئا في شفرة “تشغيل الجيش السوداني” فهي ” مشفرة باحكام” ضد تسلل اي مشروع وطني سوداني مستقل! انها شفرة الانقلابات العسكرية التابعة لمصر (طوعا او كرها) في القضايا الاستراتيجية.

    ‏ولذلك لا حل للسودان سوى اعادة بناء جيشه على اسس وطنية، واهم شروط هذا البناء هي اخراج الجيش من السياسة والاقتصاد، هذا هو الاتجاه الذي يجب ان نضبط بوصلتنا الوطنية نحوه، لو فشلنا في ذلك في المدى المنظور ، وهذا وارد، فالمهم هو ضبط البوصلة الوطنية بشكل صحيح وحتما سيأتي الرجال الاحرار والنساء الحرات، المؤهلون اخلاقيا وفنيا لانجاز هذه المهمة ، وحينها فقط نرفع راية استقلالنا بحق وحقيقة!

    ‏اكبر منافس للنفوذ الاسلاموي في الجيش السوداني هو النفوذ المصري الذي اخترق نفوذ الكيزان!

    ‏من الاسباب المهمة التي لم نتوقف عندها في ” مفاصلة الاسلامويين” هي تمرد الترابي على الهيمنة المصرية ، ولكنه بدأ بسودنة جامعة القاهرة وطرد البعثة التعليمية المصرية، ونسي او تناسى ” سودنة الجيش” لان مشروعه الايدولوجي كان هدفه ” كوزنة الجيش” لا سودنته!

    ‏هذا الجيش المتكوزن بطبيعته غير مؤهل لخدمة اي هدف وطني، فقد رأينا كيف خضعت حكومة البشير للابتزاز المصري والاثيوبي بعد مغامرة اغتتيال الرئيس المصري المرحوم حسني مبارك وسلم النظام العسكر اسلاموي حلايب وشلاتين لمصر، والفشقة لاثيوبيا ، اما سلاحه التقليدي والكيماوي فكان من نصيب اطفال دارفور وجبال النوبة .

    ‏الان مصر احرص على تمكين الجيش من الكيزان انفسهم لان فوائدها منه للمفارقة تفوق فوائد اي طرف سوداني!

    ‏( خلال هذه الحرب ارتفعت صادرات مصر من الذهب كما ارتفع احتياطي بنكها المركزي منه واستقر سعر صرف الجنيه، هذا حديث الارقام )

    ‏انت كسوداني عاااادي لست من طبقة الجنرالات الكبار المحظيين ولا توابعهم ، عليك ان تفكر بموضوعية وتجرد ما هي الفوائد المحسوسة الملموسة التي جناها السودانيون من هذا الجيش على مدى سبعين عاما؟

    ‏متى واين انتصر في معركة ضد عدو اجنبي؟ كم عدد المواطنين السودانيين الذين قتلهم هذا الجيش ابتداء من الحرب الاهلية في جنوب السودان ثم دارفور ثم جبال النوبة والنيل الازرق؟ طبعا التبرير للقتل الوحشي في تلك المناطق هو وجود حركات مسلحة، حسنا كم عدد المتظاهرين السلميين الذين قتلوا في الخرطوم وبورسودان وعطبرة ومدني وكسلا والدمازين ونيالا والفاشر طيلة العهود العسكرية؟ كم عدد من قتلوا في اعتصامات المدنيين داخل اسوار القيادات العامة للجيش في المدن السودانية؟

    ‏ماذا فعل الجيش بثرواتنا القومية الهائلة ؟ هل منع تهريبها الى الخارج؟ ابدا! من المطارات المدنية والعسكرية تقلع الطائرات التي تحمل اطنان الذهب المهرب الذي لا يعود ثمنه الى الخزينة العامة!

    ‏الجيش كان اكبر فأس لقطع الغابات السودانية وتصحير البلاد!

    ‏في ارتريا القريبة لا يجرؤ عسكري على التنقل بكيس صغير من الفحم!! لان النظام حريص على البيئة والغطاء النباتي!

    ‏ الحكم العسكري الشمولي في اي مكان يمكن ان تجد له بعض فائدة لعموم المواطنين الا في السودان !! لانه لم ينعم بحكم عسكري اصيل ووطني! بل كل انظمة الحكم العسكرية السودانية عميلة وغير معنية بتقديم خدماتها للسودانيين والقاسم المشترك بينها من عبود مرورا بالنميري والبشير وصولا الى البرهان هو الحكم بالوكالة لصالح مصر! الجديد الوحيد هو ان المتغيرات الاقليمية والمتغير الكارثي الداخلي في السودان ممثلا في هيمنة الكيزان ( الاسلامويين) وسيطرتهم على مفاصل الجيش خلق للوكالة المصرية منافسين جدد! ابرزهم وكلاء ايران في الجيش، ! وهاهي طاحونة حرب الوكالة تدور فتحرق وطننا من اقصاه الى اقصاه!

    ‏ قسوة هذه الحرب ووحشيتها يجب ان تدفعنا لطرح الاسئلة الصحيحة والاجتهاد في استخلاص الاجابات الصحيحة وهذا ما ساظل افعله الى ان اهلك دونه.
                  

04-22-2025, 12:15 PM

محمد حيدر المشرف
<aمحمد حيدر المشرف
تاريخ التسجيل: 06-20-2007
مجموع المشاركات: 20493

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)



    حيدر سلامات وكيف الحال؟
    انا تركت المنبر وانت احد أساطين البورد تتقلب في نعماء مجدك التليد وعدت لأتفاجأ بك نتيجة تزاوج الغباء (في) البلاده ..

    الحصل عليك شنو يا زميل ؟
                  

04-22-2025, 12:45 PM

ترهاقا
<aترهاقا
تاريخ التسجيل: 07-04-2003
مجموع المشاركات: 9447

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: محمد حيدر المشرف)

    Quote: هل دولة المهدية بقيادة الخليفة عبد الله التعايشي كانت مؤهلة للعبور بالسودان الى القرن العشرين؟

    الحاصل حسع ده كلو إمتداد لفترة حكم المقبور الدجال التعايشي أول من ارسى تمزيق النسيج الاجتماعي في السودان،
                  

04-23-2025, 03:05 AM

منتصر عبد الباسط
<aمنتصر عبد الباسط
تاريخ التسجيل: 06-24-2011
مجموع المشاركات: 5171

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: ترهاقا)

    التعايشي كان غطاء وحجاب لإجرام المجرم الأصل
    المدعو محمد أحمد المتمهدي
    فجرائم خليفته الذي اختاره هو
    تعتبر على عظمها وسوئها سيئة من سيئاته وجريمة من حرائمه
                  

04-24-2025, 08:33 AM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: محمد حيدر المشرف)


    وعليكم السلام ورحمة الله حبيبنا دكتور المشرف..



    Quote: نتيجة تزاوج الغباء (في) البلاده ..


    نعم... وايضاً البليد قال الزواج هو التزاوج نفسه..

    ما علينا يا حبيب دي هي نتاج ايام الحرب التيعسات هذه ..بي تفرخ الزي الزويل عمر التاج هذا..
    رويبضة لا تكاد تسمع له صه .. لكنه الآن في زمن الانصرافي بقى يمنح ويمنع ..
                  

04-30-2025, 03:17 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (1 – 20)
    د. النور حمد

    “لن يستطيع أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تكن منحياً”
    مارتن لوثر كينج




    مقدمة
    هذه الحرب الجارية الآن في السودان، وإن حصرتها أجهزة الإعلام والرأي العام السوداني، خطأً، في كونها حربًا بين ما تسمى الحركة الإسلامية وأذرعهاالمختلفة، وعلى رأسها المليشيا المسماة “الجيش”، وبين قوات الدعم السريع، هي في نظري بخلاف ذلك. هذه الحرب، فيما أرى تخفي وراءها، ما لا يعكسه التشخيص الكاذب الذي طغى على حقيقتها. هذه الحرب هي في الأصل بين الشعب السوداني الذي يريد أن يصحح مسار استقلاله المسروق، وبين المؤسسة المصرية الحاكمة التي تريد استمرار هيمنتها على السودان. هذه الحرب الأخيرة لم تبدأ في 15 أبريل 2023، وإنما بدأت في اللحظة التي أُزيح فيها الرئيس المخلوع عمر البشير عن سدة الحكم في 11 أبريل 2019. فالنظام المصري الذي كان أول من رحَّب بانقلاب الترابي/البشير في عام 1989، عاد ليكون أكثر الأنظمة العربية التي شقَّت عليها إزاحة نظام الترابي/البشير الدموي، الفاسد عن السلطة. لقد استطاع النظام المصري في الفترة الممتدة من 1989 إلى 2018، أن يروِّض ما تسمى الحركة الإسلامية في السودان ويضعها تحت قبضته تماما. فقد استغل النظام المصري تورط النظام السوداني في محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا في عام 1995، فاقتطع من السودان مثلث حلايب. ثم ما لبث أن أسهم في فرض العقوبات الدولية عليه وحراسة تلك العقوبات في المحافل الدولية. ففي أبريل 2017، أي قبل أقل من عامين من سقوط نظام الإسلامويين في السودان، وصف وزير الخارجية إبراهيم غندور الموقف المصري المؤيد للإبقاء على العقوبات المفروضة على السودان منذ عام 2005، بموجب القرار (1591)، بأنه: “موقف شاذ وغريب، طالب به نائب المندوب المصري في الأمم المتحدة، في مجلس الأمن الدولي”. (راجع موقع النيلين على الرابط: https://shorturl.at/LgZY9. عمومًا استمر النظام المصري في ترويض الإسلامويين السودانيين، حتى حصل منهم على رضوخٍ كاملٍ له. وقد بلغ هذا الخضوع درجةً غير مسبوقةٍ في فترة حكم الفريق البرهان والحركة الإسلامية الحالية. عبر هذه الفترة من الابتزاز الدبلوماسي، حصل النظام المصري بالإضافة إلى احتلال مثلث حلايب، على مساحاتٍ شاسعة من الأراضي الزراعية في السودان. وكذلك، في جر النظام السوداني ليصطف وراءه في ملف مياه النيل. وأهم من كل ذلك، فتح الحدود السودانية لكي تنهب مصر من موارد السودان ما شاءت.
    صمت النظام المصري صمت القبور عقب إبعاد الرئيس عمر البشير في السلطة. ففي الفترة التي تقاطرت فيها أجهزة الإعلام العربية والعالمية إلى السودان لتغطي اعتصام القيادة العامة الذي خلب ألباب العالم، غابت أجهزة الإعلام المصرية، ولزم النظام المصري الصمت. وفي الوقت الذي كان فيه الاتحاد الأفريقي والرئيس الأثيوبي أبي محمد منخرطين في التوفيق بين قوى الثورة والعسكر، ليجري توقيع الوثيقة الدستورية وتبدأ الفترة الانتقالية المفضية إلى التحول الديمقراطي، كان النظام المصري منهمكًا في إعداد الخطط للإجهاز على الثورة بالتحالف مع الفريق عبد الفتاح البرهان، الذي لم يكن في نيته، أبدًا، تسليم السلطة إلى المدنيين، والسماح بقيام نظام ديمقراطي عقب الفترة الانتقالية. وبالفعل بدأت فصول الخطة المصرية لإجهاز على الثورة تتوالى، منذ مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو 2019، وإلى اليوم. لقد وضعتنا هذه الحرب عبر تداعياتها أمام منعطفٍ تاريخيٍّ حاسم: فإما أن نمضي بثورتنا هذه نحو استعادة استقلالنا المسروق بواسطة المصريين ومعاونيهم من الداخل من السودانيين، وإما أن نبقى تحت الهيمنة المصرية التاريخية، وبصورة أنكأ مما سبق، ولفترةٍ مقبلةٍ طويلةٍ جدًا.
    أخطاؤنا التاريخية
    هذه الحرب المدمرة وما نحن فيه الآن، هي الخلاصة التي قادتنا إليها أخطاؤنا التي تراكمت منذ الإستقلال. لم تستطع النخب السياسية التي أدارت حراك الاستقلال أن تنجز استقلالاً حقيقيًا يفكك التركة الاستعمارية المصرية. فقد خرجت مصر من السودان مثلما خرجت إنجلترا. لكن مصر تركت وراءها جيشًا من السودانيين المتمصرين هوياتيًا وثقافيا. وهذا أمر استثمرت فيه مصر منذ الغزو الخديوى للسودان في عام 1821. وحين بدأ الحكم الوطني عقب لحظة الاستقلال برزت معه دعوة الإسلام السياسي، مصرية الجذور في السودان. وما لبثت الطائفتان الكبيرتان؛ طائفتا الأنصار والختمية والحزبان الكبيران التابعان لهما؛ أن رضخا للابتزاز السياسي الذي مارسته عليهما جبهة الميثاق الإسلامي بالشعارات الدينية الزائفة، التي رفعها الدكتور حسن الترابي، عقب ثورة أكتوبر 1964.
    لقد رأت الطائفتان وحزباهما مجاراة الدكتور الترابي في خطه الداعي لتحكيم الشريعة، خشية أن يسرق الدكتور الترابي منهما سندهما الشعبي المتديِّن. فبدلاً من أن تواجهاه وتكشفا زيف شعاراته، كما فعل الأستاذ محمود محمد طه، حينها، اصطفتا وراءه وسارتا على دربه. وكان أكبر تجسيد للاستجابة لابتزاز الدكتور الترابي للطائفتين بالشعارات الإسلامية، انسياقهما وراءه في مؤامرة حل الحزب الشيوعي السوداني في عام 1965. وقد حدث ذلك بعد عام واحدٍ فقط من الثورة. وهو نفس العام الذي شهد الانتخابات العامة التي تمكن فيها الحزب الشيوعي السوداني من نيل 11 مقعدًا في البرلمان (الجمعية التأسيسية)، في حين لم تحصل جبهة الميثاق الإسلامي، بقيادة حسن الترابي، سوى على 3 مقاعد.
    أزعجت الجماهيرية التي حُظي بها الحزب الشيوعي في انتخابات 1965 جماعة الكيزان والقوى الطائفية. فجرى، من ثم، التدبير لمؤامرة حل الحزب الشيوعي السوداني، في نفس ذاك العام. ولكي يصبح ذلك ممكنًا، كان لابد من تعديل مادة الحريات الأساسية في الدستور. وبالفعل عُدِّلت المادة وجرى طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان، على الرغم من السند الجماهيري الذي أتي بهم إليه، في انتخاباتٍ حرة. أكثر من ذلك، أن أغلبية نواب الحزب الشيوعي السوداني كانوا قد جاءوا من دوائر الخريجين، المخصصة للمتعلمين.
    عقب حل الحزب الشيوعي شرع الحزبان ومن خلفهما جبهة الميثاق الإسلامي في كتابة ماسمي بـ “الدستور الإسلامي”، حتى بلغا به مرحلة القراءة الثانية. وكان ذلك الدستور “غير الدستوري”، على وشك الإجازة، لولا أن أجهض إجازته انقلاب مايو 1969. ولأن الأستاذ محمود محمد طه قد عارض ذلك التوجه، آنذاك، وقام بحملةٍ قويةٍ في فضحه وتعريته في المنابر العامة، كان رد فعل الجهات السلفية الواقفة وراء حزب الدكتور الترابي، أن استغلت القضاة الشرعيين لمحاكمته وأدانته بتهمة الردة في 18 نوفمبر 1968. وقد قابل الحزبان الكبيران ذلك الحكم الغريب بالصمت، الذي دل على مباركتهما له. وفي تقديري، كانت تلك هي اللحظة الفارقة، التي علا فيها صوت الهوس الديني والغوغائية على الدستور، وعلى الحقوق الأساسية، وعلى مكتسبات الحداثة، وعلى سلطة المعرفة. من حينها، تنامى الهوس والشعبوية الدينية والغوغائية،ولم تعد للوعي بالدستور وبالديمقراطية والحقوق الأساسية أي فرصةٍ للتقدم.

    تنكُّب الجادَّة
    لقد كان خطأً استراتيجيًا فادحًا، ذلك الذي وقعت فيها الطائفتان وحزباهما الكبيران عقب ثورة أكتوبر 1964. فتداعيات ذلك الخطأ، المتمثلة في الرضوغ لابتزاز الإسلامويين لهما بالخطاب الديني، الذي استمر لعقود، قاد، في نهاية المطاف، إلى سيطرة الإسلامويين على مجريات السياسة في البلاد. فقد تركت الطائفتان للدكتور حسن الترابي الفرصة لكي يحفر تحت أقدامهما، بمثابرةٍ شديدة، حتى نفَّذ ضدهما وضد الديمقراطية، انقلابه في يونيو 1989. والغريب أن الترابي نفَّذ انقلابه، في وقتٍ كان الوزن الانتخابي لجماعته قد انتقل من 3 مقاعد في البرلمان في انتخابات 1965، إلى 53 مقعدًا في انتخابات 1986. لقد أدى تبني الحزبين الكبيرين أجندة الدكتور حسن الترابي، في عددٍ من المنعطفات، وحرصهما على خطب وده، بل والتحالف معه، وعدم شعورهما بالخطر الداهم الذي كان يمثَّله، إلى أن يدفع هذان الحزبان، ومعهما البلاد، ثمنًا باهظًا للغاية. لقد كانت غفلةً كبيرةً تلك التي جعلت هذين الحزبين الكبيرين ينصرفان عن مجابهته فكريِّا حين بزغ نجمه، وقد كانت السلطة في يدهما. فقد اختارا عوضًا عن ذلك، في التعاطي معه ممارسة الألاعيب التكتيكية قصيرة النظر. وقد اتضح عمليًّا أن الدكتور الترابي كان أبرع منهما في ذلك النهج.
    باختصارٍ شديدٍ، ما نحن فيه الآن كان نتيجةً لسلسلةٍ طويلةٍ من الأخطاء التي شكَّلت، في جملة الأمر، بنية الممارسة السياسية في السودان، المتسمة بقصر النظر وبالنفعية وقلة الاكتراث بالمبدئية وبالتخطيط الاستراتيجي السليم. ولا يختلف في ذلك، اختلافًا جوهريًّا، من ظلوا يقفون في صف الثورة الآن، منذ ديسمبر 2018، ومن ظلوا يعملون ليل نهار لوأدها. فانعدام الرؤية الاستراتيجية والانغماس في المناورات وفي التكتيك، والتركيز على الكسب الآني، هو ما ظل يغلب على القوى السياسية السودانية. ولقد دلَّ سلوك قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، في الفترة الانتقالية على هذا النهج. بل، ولا يزال الحال كما هو، حتى بعد أن تحوَّلت قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، إلى صورتها الجديدة المسماة “تنسيقية تقدم”، التي انشطرت في الأيام القليلة الماضية ليتخذ ما تبقى منها اسم ” صمود”..
    أما جماعة الدكتور الترابي، فقد كان التكتيك القائم على الألاعيب السياسية وممارسة التضليل والابتزاز بالشعار الديني هو ديدنها الثابت الذي لا يتغير. ولا غرابة، فالجماعة مرتكزةٌ أصلاً على فكرةٍ دينيةٍ فاشيةٍ، تبرر فيها الغاية كل وسيلةٍ ممكنةٍ، مهما كانت وحشيتها ودمويتها، ومهما كانت صادمةً للحس الإنساني السليم. بل، ومهما كانت نقيضةً للقيم الدينية نفسها، التي تدعى الجماعة رعايتها والدفاع عنها. ولسنا بحاجة لذكر ما كان يجري من بشاعاتٍ في جنوب السودان، وفي بيوت الأشباح، وما جرى في دارفور منذ 2003، وما جرى في مجزرة فض الاعتصام. وأيضًا، ما حدث من قنص بالبنادق للشبان والشابات في هذه الثورة. وما جرت ممارسته من دهس للثوار بسيارات الأمن والشرطة في شوارع الخرطوم. بل وما طفح في هذه الحرب من إعداماتٍ ميدانيةٍ بشعةٍ لكثيرين، ومن جزٍّ للرؤوس وبَقْرٍ للبطون ونهشٍ للأحشاء بدعوى التعاون مع قوات الدهم السريع. وأيضًا من قصفٍ جويٍّ يوميٍّ انحصر في استهداف البسطاء من المدنيين، ومن تصفياتٍ خسيسيةٍ غادرةٍ سبق أن طالوا بها عضويتهم نفسها، عبر الثلاثين سنة الماضية، التي حكموا فيها البلاد بقبضةٍ حديدية.

    حصاد الهشيم
    ما نحن فيه الآن هو حصاد الهشيم لسلسلة الأخطاء الاستراتيجية الفادحة التي أشرنا إليها. وأقفز من هنا لأقول: إن كل الذي ظل يجري منذ الاستقلال، وإلى يومنا هذا، وما قاد إليه من علوٍّ لصوت الخطاب الديني المتخلف، والهوس الديني، ومن تراجعٍ مريعٍ في حكم القانون، ومن توحُّشٍ صادمٍ فالتٍ، ومن فوضى، وانهيار للدولة، وانعدامٍ لأبسط مقومات الأمن الشخصي، إنما يمثل، في جملته، حقبةً مظلمةً، رثَّةً، كئيبةً، خلت من أي انجازٍ ذي بال. بل، واحتشدت بكل ما هو فوضويٌّ وهمجيٌّ وقبيح. وقد انتهى بنا كل ذلك إلى كارثة الحرب الماحقة الراهنة التي شردتنا بصورةٍ لا مثيل لها. وأحاطتنا بأشباح الموت المحلقة فوق رؤوس الناس كل لحظة وأخرى، وبالعوزٍ والجوعٍ وانغلاق الأفق، ما وضعنا جميعًا على حافة اليأس. ولا أظنني أغالي إن قلت: ليس في هذه الحقبة، التي امتدت منذ فجر الاستقلال وإلى اليوم، ما يصلح لكي نصحبه معنا إلى مستقبلنا. فلو نظرنا، على سبيل المثال، إلى معسكر السياسيين والمثقفين الواقفين مع الثورة، فإننا نجده عاجًّا، بكثيرٍ ممن طبعتهم الممارسة السياسية النفعية بطابعها. وآية ذلك، إن عددًا مقدَّرًا، من رموز الفكر والثقافة والسياسة قد وضعوا أنفسهم في خدمة الأجندة الاستعمارية المصرية. لقد بدأت حقبة ما بعد الاستقلال، الرَّثة هذه، بالانقسام التاريخي المعروف بين “الأشقاء الاتحاديين”، من جهة، و”الاستقلاليين”، من الجهة الأخرى. وها هي تنتهي اليوم ونحن نرى أن بعضًا ممن كانوا “استقلاليين” قد أصبحوا “أشقاء”. بل، هم مرتاحون لهذا التحوُّل، رغم ما يرونه من مجريات هذه الحرب اللعينة، التي يلعب فيها النظام المصري أخبث الأدوار وأقذرها.



    (يتواصل)
                  

04-30-2025, 03:20 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريقِ الانعتاقِ من الهيمنةِ المصرية (2 – 20)

    د. النور حمد


    “لن يستطيع أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تكن منحنياً”
    مارتن لوثر كينج


    منعطف إستعادة الاستقلال

    المنعطف الذي نمر به الآن هو، بصورةٍ أساسية، منعطف استعادة استقلالنا المسروق. وهي سرقةٌ ما كانت لتحدث لولا أن نخبنا السياسية قد تعاونت فيها مع النخب العسكرية المصرية. بل، لا تزال بعضٌ من نخبنا تعمل، حتى هذه اللحظة، لكي تحول دون أن نستعيد ذلك الجزء الأكبر المسروق من استقلالنا. لقد خرج البريطانيون من السودان في عام 1956، غير أن المصريين الذين شاركوهم استعمارنا المباشر حتى أخرجهم البريطانيون بسبب حادثة مقتل السير لي ستاك في القاهرة في 1924، لم يخرجوا من حيث التأثير على سلطة القرار السودانية، إلى اليوم. لقد المصريون وراءهم من أجل الاختراق من الداخل، ما يماثل حصان طروادة. وهو مجموعة النخب العسكرية والمدنية السودانية التي ظلت تساعدهم على خلط الأوراق السياسية، ليبقى السودان رازحًا تحت استعمارهم المستتر، الذي امتد، حتى الآن، لقرنين كاملين.

    لقد أتاحت لنا هذه الحرب، على بشاعتها وكلفتها الباهظة، فرصةً ذهبيةً لكي نستعيد استقلالنا المسروق هذا. فإن نحن أخذنا بها تحرَّرنا وانفكت، إلى الأبد، القيود التي ظلت تكبل بلادنا وتمنعها من الانطلاق. وإن نحن فرطنا في هذه اللحظة الحاسمة، فإن كوارث أكبر من هذه التي نحن فيها الآن ستكون في انتظارنا. ولسوف تنتهي تلك الكوارث، طال الزمن أم قصر، إلى تقسيم البلاد، بل وإلحاق جزءٍ منها بمصر، بصورةٍ نهائية. وقد بدأت ارهاصات ذلك تلوح في الأفق. فإسترجاع السودان هو الحلم الذي ما انفكت مصر الرسمية تحلم به، وتعمل له بدأبٍ شديد، منذ خروج جيوش محمد علي باشا من السودان في عام 1885. لذلك، لا أرى أن حالة الاستقطاب والاصطفاف القائمة الآن هي انقسامٌ بين الواقفين وراء جيش ما تسمى “الحركة الإسلامية السودانية”، والواقفين وراء قوات الدعم السريع، كما يصور ذلك إعلام الفريق البرهان وغيرهم ممن اشتروا هذا التشخيص الخاطئ. وإنما هو اصطفافٌ بين الذين لا تزعجهم الهيمنة المصرية ويريدون العيش تحت ظلها، لأسباب سوف نأتي إلى ذكرها لاحقًا، وبين الذين يريدون خروجًا بائنًا للسودان من تلك الهيمنة التاريخية المقيتة المكبِّلة، التي أقعدت البلاد وعطلتها وجعلتها في ذيل الدول الإفريقية والعربية في كل شيء.

    الطمع المصري في السودان

    من المعلوم أن لكل دولتين جارتين مصالح مشتركة مع بعضهما. وكثيرًا ما نسمع دولةً ما تقول: إن الدولة الأخرى تمثِّل عمقًا استراتيجيًا بالنسبة لها، وأن أمنهما لا ينفصلان، وهذا مفهوم جدًا في العلاقات الدولية. لكن، إذا تمعنَّا في نظرة الدولة المصرية نحو الدولة السودانية، وطريقتها في إدارة علاقاتها الحيوية معها، فإننا نجد أن إنشغالها بالسودان يبلغ درجة الهوس. كما أن نهجها في حراسة مصالحها في السودان، نهجٌ استعلائيٌّ، فوقيٌّ، إملائيٌّ، أنانيٌّ، استحواذيٌّ، متغطرس. وفوق هذا وذاك فإن مصر بناء على استعمارها المباشر للسودان في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ظلت تدير شؤونها مع السودان عبر جهاز المخابرات، وليس عبر وزارة الخارجية. وما ذاك إلا لأنها ترى السودان محافظة خرجت عن سلطتها ويجب استعادتها بكل سبيلٍ ممكن. ونحن نفهم المسببات الموضوعية لهذا الهوس، وهذا النهج المجافي للحكمة وللموضوعية. وما نريد للمصريين أن يفهموه أن هذا النهج من شأنه أن يلحق ضررًا فادحًا بمصالح البلدين.

    قمت في عام 2012، بتقديم ورقةٍ في مؤتمرٍ عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة. وكان المؤتمر تحت عنوان: “العرب والقرن الإفريقي: جدلية الجوار والانتماء”. وكانت الورقة بعنوان “من الاستتباع إلى الشراكة: في نقد نظرة مصر إلى جوارها الجنوبي”. وكان من ضمن حضور المؤتمر سيدتان من الباحثات المصريات المرموقات. دعوت في تلك الورقة إلى الانتقال من نهج الهيمنة والإملاء المصري الذي يجري التعاطي به مع السودان، منذ نيله استقلاله في خمسينات القرن الماضي، وإلى اليوم، إلى نهجٍ قائمٍ على تبادل المصالح والشراكات التي تنفع البلدين في إطارٍ يرعى مصالح الدولتين. لكن، بناءً على معرفتي بالكيفية التي ظلت تُحكم بها مصر من بداية الحكم الخديوي، فإن أملي لم يكن كبيرًا في الاستجابة لتلك الدعوة. وبالفعل، لم تجد الدعوة صدى في ذلك المؤتمر. فالأقطار التي تحكمها أجهزة المخابرات، كما هو الحال في السودان ومصر، فإن من المتعذر جدًا أن تقوم برسم السياسات فيها مراكز الأبحاث المستقلة التي يقف عليها العلماء والباحثون، وإنمايُترك رسمها لرجال المخابرات محدودي المعارف، قصيري النظر. وهكذا سارت الأمور إلى أن بلغت هذه الحرب الأخيرة المدمرة التي لعبت فيها الأطماع المصرية في الهيمنة على السودان واستتباعه اقتصاديًّا، وسياسيًّا، ودبلوماسيَّا، دورًا رئيسا. كما أظهرت في نفس الوقت في فترة حكم الفريق البرهان المقيتة هذه، خنوعًا وانبطاحًا سودانيًّا مخزيًا فاق كل خنوعٍ وانبطاح سابق أظهرته النخب السياسية الحاكمة في السودان لمصر، منذ الممالك الكوشية القديمة.

    مصر هبة النيل والصحراء

    مصر بلدٌ صحراويٌّ لا تتناسب مقوِّماتٍ الحياة فيه، مع التزايد المتسارع لعدد سكانه. فالحياة تنحصر في مصر في الشريط النيلي الزراعي بالغ الضيق، الذي لا يتعدى عرضه، في كثيرٍ من مناطقه الأكثر اتساعًا، الكيلومتر الواحد. وأكثر مناطق مصر الزراعية اتساعًا هي منطقة الدلتا، التي تبلغ مساحتها ما يزيد قليلاً على 44 ألف كيلومترا مربعا. والدلتا المصرية رقعة من الأرض الخصبة على شكل مثلث تجلس على زواياه الثلاث مدن القاهرة والإسكندرية وبورسعيد. وفي حين أن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في السودان تقارب 200 مليون فدان، فإن الأراضي الصالحة للزراعة في مصر لا تتعدى 10 مليون فدانا. ولذلك، يمكن القول، إنه لا يوجد أي تناسبٍ يذكر بين مساحة الأراضي الصالحة للعيش في مصر وبين عدد السكان الذي يتزايد بوتيرة بالغة السرعة. وعلى عكس ذلك تمامًا، فإننا نجد أن عدد السكان في السودان قليلٌ جدًا بالقياس إلى أراضي السودان الصالحة للزراعة. ولذلك فإن انشغال مصر بالسودان انشغالٌ لا مثيل له. فالسودان، من عديد النواحي الاقتصادية يمثل المتنفس الوحيد ليكون هناك اقتصادٌ مصري قادرٌ على أن يؤمن للبلد حاجتها.

    لقد كان السودان، منذ الأزمنة السابقة للميلاد، المستودع الذي تأخذ منه مصر الكثير مما تحتاجه من موارد. ومع تقدم الأزمنة ونشوء الاقتصادات الحديثة جعلت ضغوط الجغرافيا مصر منشغلةً بالسودان هذا الإنشغال الاستثنائي. فبالإضافة لضيق الأراضي في مصير مقارنةً بالسودان، فإننا نجد أن القسم الأكبر من نهر النيل وروافده تجري في الأراضي السودانية. وبما أن مصر ليس لها مصدر حياة غير النيل، فإن اهتمامها بأمر النيل وسياسات توزيع المياه بين دول حوض النيل يقع في صدر أولوياتها.

    لقد كانت مصر القديمة مكتفيةً غذائيًا، بسبب التناسب بين ما تنتجه وعدد سكانها، آنذاك. وقد كانت مصر من أغنى بقاع الأرض ما جعل مختلف الشعوب تتطلع للعيش فيها. فثراؤها مقارنةً بغيرها في التاريخ القديم، هو ما جعلها، مقصدًا مفضَّلاً للغزاة. لكن، مع التزايد الهائل في أعداد السكان واختلال التناسب بين تلك الأعداد المتزايدة فيما يشبه الانفجار، وبين وجود أراضي يمكن استصلاحها والتمدد فيها لزيادة الإنتاج الزراعي والحيواني، اتسعت الهوة بين إنتاج مصر الزراعي والحيواني والزيادة المتفاقمة في أعداد السكان. وبما أن أراضي مصر الصالحة للعيش على ضفتي النيل تحدها من جهة الغرب الصحراء، ومن جهة الشرق الصحراء، ومن الشمال البحر الأبيض المتوسط، فإن المتنفَّس الوحيد المتبقي لزيادة الإنتاج الزراعي والحيواني، هو الأراضي السودانية.

    نمط التفكير الخديوي

    لقد كان من الممكن لمصر، بعد نهاية الحكم الخديوي، وقيام الجمهورية أن تتخلي عن النهج الخديوي الاستعماري الاستحواذي وتتجه إلى الشراكات التي تعود بالمنفعة للقطرين الجارين، لكنها لم تفعل. ولا يبدو، حتى الآن، أن لديها أي استعداد لكي تفعل. هناك شيء ما في البناء النفسي وفي تكوين الشخصية لدى النخب القابضة على أعنة الحكم في مصر يجعلها لا تؤمن بالتشارك والتعاون، خاصةً فيما يتعلق بالعلاقة مع السودان، بقدر ما تؤمن بأسلوب التحكم الكامل، أو شبه الكامل، والهيمنة والاستحواذ. وهذه هو ذات البناء النفسي والأخلاقي الذي سوَّغ للشعوب الأوروبية نهب ثروات الشعوب الفقيرة، بعد أن سبقت أوروبا هذه الشعوب بامتلاكها السلاح الناري.

    لابد هنا من لفت النظر إلى حقيقةٍ ربما تفوت ملاحظتهاعلى كثيرين، وهي أن مصر قد سبقت باستعمارها السودان في عام 1821، الهجمة الاستعمارية الأوروبية على أفريقيا التي عُرفت باسم Scramble for Africa . فالهجمة الأوروبية على إفريقيا بدأت في عام 1876. وبهذا تكون مصر قد سبقت باستعمارها السودان تلك الهجمة الأوروبية على إفريقيا، بأكثر من خمسين عاما. ومثلما خلف الاستعمار عند خروجه نخبًا وطنيةً في البلدان المستعمَرة لكي تخدم مصالحه عقب مغادرته، أيضًا خلفت مصر نخبًا سودانيةً لخدمة مصالحها في السودان. فمصر مارست في السودان نفس الأسلوب المسمى: “الاستعمار الجديد”،Neocolonialism . وهو الاستعمار من على بعد عبر احتلال عقول نخب البلد المستعمَر وربط المصالح الشخصية لنخبه السياسية والاقتصادية بمراكز السلطة والثروة في البلد المستعمِر. وهذا هو ما حدث من مصر تجاه السودان، بل وفاق في تأثيره الاستعمار الجديد الأوروبي بسبب الاستعمار الثقافي المصري لعقول النخب المسيطرة في السودان. وهو ما لم يتوفر، بنفس القدر، للاستعمار البريطاني، بسبب اختلاف الدين واللغة والثقافة.

    حين غزا محمد علي باشا السودان في عام 1821، كان غرضه الأساسي منحصرًا في استجلاب المال والرجال. وكان المال المعني هو الذهب، الذي قيل، آنذاك، أن خامه متوفرٌ في منطقة بني شنقول السودانية، التي أصبحت، لاحقًا، تابعةً لإثيوبيا. أما الرجال، فكانوا المسترقِّين الذي يجري قنصهم من المناطق التي يقطنها ذوو الأصول الزنجية ويجري إرسالهم قسرًا إلى مصر، بغرض تجنيدهم في الجيش الخديوي الذي كان يحارب آنذاك الحركة الوهابية في الجزيرة العربية. وإلى جانب ما تقدم، فإن الجنود السودانيين سوف يحلون مكان الجنود الأرناؤوط غير المطيعين ومن ثم استخدامهم في تحقيق حلم محمد علي باشا في إنشاء امبراطورية في وادي النيل. وقد كان اهتمام مصر الحديثة بمياه النيل كبيرًا منذ الحقبة الخديوية. ولذلك سيَّر الخديوي إسماعيل في عام 1875 حملاتٍ لاحتلال إثيوبيا مُني فيها بالهزيمة في معارك جوندت وجورا وعدوة. وكانت خطة الخديوي إسماعيل التمدد من السودان نحو يوغندا ودارفور ونحو إريتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال، ليضع كامل وادي النيل تحت السيطرة الخديوية المصرية. غير أن حلم الخديوي إسماعيل لم يتحقق بسبب هزائمه في إثيوبيا في عامي 1875 و1876. وبعد عشرة أعوامٍ من هزيمة جيوش الخديوية في إثيوبيا، أنهت الثورة المهدية الحكم الخديوي في السودان. لكن، عاد الحكم الخديوي للسودان مرة أخرى، مع البريطانيين في عام 1898، بعد هزيمتهما لقوات المهدويين في معركة كرري. وأسست كل من بريطانيا ومصر في السودان ما سُمي الحكم الثنائي الإنجليزي المصري. وفي عام 1924، أجبر البريطانيون الجيوش المصرية على الانسحاب من السودان كما ذكرنا. وأصبح حكم مصر للسودان عقب ذلك، حكمًا إسميًا، إذ سيطر البريطانيون على مقاليد الحكم في السودان، بمفردهم، حتى خروجهم في عام 1956.

    ورثت الجمهورية العقلية الخديوية

    لقد كان نهج الخديوية في التعاطي مع السودان هو نهج الاستعمار المباشر القاصد إلى استرقاق الرجال ونهب الموارد بقوة السلاح. وهذا أمرٌ مفهومٌ في ذلك السياق الذي سبق الهجمات الاستعمارية. لكن، من غير المفهوم أبدًا، أن ترث مصر التي أصبحت “جمهورية”، النظرة الخديوية تجاه السودان والنهج الخديوي في التعاطي مع موارد السودان وحقه في اختيار الديمقراطية نهجًا للحكم. فقد بقى نهج التعاطي مع السودان هو نفسه. ولم يختلف أبدَا؛ لا في عهد جمال عبد الناصر، ولا في عهد أنور السادات، ولا في عهد حسني مبارك، ولا في عهد عبد الفتاح السيسي الحالي. بل، إن نهج التعاطي الحالي مع السودان، في عهد عبد الفتاح السيسي قد بلغ درجةً من السوء، من حيث التدخلات السافرة، لم يبلغها أي نظامٍ سابقٍ له، منذ أن قوض انقلاب الضباط الأحرار بقيادة محمد نجيب الحكم الملكي في مصر في يوليو من عام 1952. فالنهج الذي بقي ثابتًا هو التحكم في مجريات السياسة في السودان، ودس الأنف في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ من شؤونه. ولأن السودان المستقل قد وُلد ديمقراطيًّا، فقد كانت خطة النظام المصري في بدايات عهد جمال عبد الناصر متجهةً إلى تقوية السياسيين الاتحاديين في السودان، لكونهم قد كانوا الداعين إلى الوحدة مع مصر قُبيْل خروج البريطانيين من السودان. لذلك، قامت مصر بضخ أموالٍ طائلةٍ للتأثير على نتائج انتخابات 1953، لتجعل حلفاءها في الأحزاب الاتحادية السودانية يسيطرون على البرلمان، ويصبح، من ثم، قرار الوحدة مع مصر في يدهم. لكن، فشلت تلك الخطة، واختار السودانيون، بمن فيهم الاتحاديون أنفسهم خيار الاستقلال التام عن كلٍّ من بريطانيا ومصر. فقد توافق السودانيون حول قيام جمهورية سودانية مستقلة. بسبب ذلك، غيَّرت الأنظمة المصرية أسلوبها واتخذت أسلوبًا آخر وهو قتل الديمقراطية في السودان، بتشجيع الانقلابات العسكرية يصبح على رأس السلطة فيها جنرال يمكن التحكم فيه من وراء ظهر الإرادة الشعبية السودانية. ولذلك، بقيت مصر الرسمية، على الدوام، داعمةً للانقلابات العسكرية في السودان.



    يتواصل ..
                  

05-01-2025, 01:27 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريقِ الانعتاقِ من الهيمنةِ المصرية (3/20)

    د. النور حمد

    “لن يستطيع أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تكن منحنياً”
    مارتن لوثر كينج


    عبء الرجلين الأبيض والمصري

    العقلية الاستحواذية الجانحة للهيمنة الكاملة التي سبق أن أشرت إليها، هي السمة الجوهرية للنخب الحاكمة في مصرفي التعاطي مع الملف السوداني. وهو بالنسبة لها ملفٌ أمنيٌّ أولاً وأخيرًا. وهذا هو ما أخرج العلاقة المصرية بالسودان من دائرة الفهم المُتَّزن والثقة والتعامل عبر الطرق الدبلوماسية وتقوية المصالح المشتركة إلى دائرة محاولة هندسة الأمور في داخل السودان استخبارتيًا لصالح مصر. وكما سبق أن ذكرت سابقًا أيضًا، فإن القوى الاستعمارية الأوروبية خلفت وراءها نخبًا وطنيةً في كل البلدان التي خرجت منها قواتها في نهاية الحقبة الاستعمارية، ليتواصل الاستعمار عبر ما سُميَّ “الاستعمار الجديد”، أو قل الاستعمار من بعد بواسطة الوكلاء المحليين، وهو ما فعلته مصر، أيضا. لكن، في حالة مصر مع السودان، كان هناك عنصرٌ إضافيٌّ آخر، أكثر خطرًا، وهو الاستعمار الثقافي الذي تحتل به القوة الاستعمارية عقل الشعب الذي جرى استعماره، أو على الأقل، احتلال عقول الكثيرين من مواطنيه، خاصةً نخبه السياسية والثقافية والتجارية والمجتمعية. وهو ما ينتج عنه خضوعٌ مُركَّبٌ، وشعورٌ بالدونية، يجعل تحقيق التبعية السياسية الاختيارية ميسورا.

    بعد أن أخذت أوروبا تجني ثمار الثورة الصناعية، وبعد أن انفردت بحيازة السلاح الناري بصورةٍ نوعيةٍ متفوقةٍ، وبعد أن تعاظمت لديها الحاجة لمختلف المواد الخام مما ليس متوفرًا في بيئتها، ونشأت لديها الحاجة إلى الأسواق الخارجية، شرعت أوروبا في التفكير باحتلال البلدان. غير أن ذلك الجشع الاستعماري جرت تغطيته بأن من واجب أوروبا الإنساني والأخلاقي أن تغزو البلدان غير الصناعية بهدف إخراجها من التخلف وسوقها في طريق التقدم والتمدين. وظهرت في نهاية القرن التاسع عشر، مع بداية الهجمة الاستعمارية، قصيدة شاعر الإمبراطورية البريطانية الأشهر، روديارد كيبلِنج التي حملت عنوان: “White Man’s Burden”، أي عبء الرجل الأبيض في نقل الحضارة إلى أجزاء العالم المتخلفة اقتصاديًا وتكنولوجيا. وسرعان ما أصبحت قصيدة كيبلِبنغ منبع إلهامٍ للإمبريالية الأمريكية حين كانت منخرطةً في حروبها في الفلبين وجزر المحيط الهادي. وهكذا أصبح استعمار الآخرين ونهب ثروات بلدانهم، وطمس ثقافاتهم بالثقافة الوافدة، وإخضاعهم لحكم القوى الاستعمارية، بقوة السلاح، مهمةً نبيلةً تجري تحت زعم إدخال الآخرين في سلك الحضارة، عبر احتلال بلدانهم وإدارتها بالنيابة عنهم لمصلحة المستعمِر.

    أما في شمال وادي النيل فقد رأت مصر الخديوية نفسها قوةً متقدمةً حضاريًا مقارنةً بجنوبها. وذهبت، من ثم، تبرر استعمارها للسودان المأهول بأهل البشرة السوداء، المنفصلين نسبيًا آنذاك عن مراكز الحضارة الحديثة، بغرض إدخالهم في سلك الحضارة، حسب زعمها، رغم أن غرضها كان المال والرجال. وقد سبقت مصر باستعمارها السودان في عام 1821، الهجمة الاستعمارية الأوروبية على أفريقيا بخمسين عامًا، كما سبق أن ذكرنا. وبما أن هذه المقالات لا تسمح بالتوسع في كشف هذا الجانب، فإنني أكتفي بإيراد بعض النماذج القليلة من الأدبيات المصرية، لإثبات زعمي هذا. ففي مستهل كتابه المسمى، “مديرية خط الاستواء، من فتحها إلى ضياعها”، كتب الأمير عمر طوسون، حفيد محمد علي باشا، عن التوسع الخديوي المصري جنوبًا في وادي النيل، قائلاً: “لا ريب أن الفكرة التي اختلجت في نفس الخديو إسماعيل والتي دفعته إلى فتح مديرية خط الاستواء وضمها إلى السودان، أو بالأحرى إلى الأملاك المصرية، فكرة جد صائبة إذ بها تم لمصر الاستيلاء على نهر النيل من منبعه إلى مصبه. وأصبحت في قبضتها تلك البحيرات العظمى التي يخرج منها هذا النهر السعيد الذي عليه مدار حياة البلاد”. (راجع: عمر طوسون، تاريخ مديرية خط الإستواء المصرية، الإسكندرية: مطبعة العدل (1937)، ص 3). (الخط تحت الجملة أعلاه من وضعي).

    السودان ملكٌ مصريٌّ خالص

    منذ غزو محمد علي باشا للسودان في عام 1821، أصبح السودان لدى مصر الخديوية “أملاكًا مصرية”. ومن نماذج اليقين الراسخ بأن السودان في الذهن المصري “ملكٌ مصريٌّ” خالصٌ، ما كتبه عبد الرحمن الرافعي، وهو يحتفي بتصريحٍ مخاتلٍ أطلقه اللورد سالسبري، في فترة من فترات شراكة إنجلترا ومصر في استعمار السودان. قال الرافعي: لقد صرح اللورد سالسبري بأن وادي النيل كان ولا يزال ملكًا ثابتًا لمصر، وإن حجج الحكومة المصرية في ملكية مجرى النيل، وإن أخفاها نجاح المهدي، إلا أنها ليست محلاً للنزاع، منذ انتصار الجنود المصرية على الدراويش. وقد كتب الدكتور نسيم مقار في مستهل كتابه “مصر وبناء السودان الحديث”، ما نصه: “يرى الباحث في تاريخ مصر على مر العصور والأزمان أن مصر حين تقوى وتنهض وتنال قسطًا متميزًا من التقدم، تسعى إلى أن تنقل حضارتها إلى البلاد الأخرى المجاورة، التي لم تُحظ بما حُظيت به من تقدم حضاري”. (راجع: عبد الرحمن الرافعي، مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ج ع م، (1962) ، ص 132).

    أما المورخ المصري، محمد فؤاد شكري فيقول: “تضافرت عوامل عدة على أن تسيِّر مصر حملةً على السودان، لإدخاله في نطاق ذلك “النظام السياسي الذي أوجده محمد علي، وفرغ من وضع قواعده خصوصًا بين عامي 1807 و1811، على أساس الحكومة المستبدة المستنيرة في الداخل، والتوسع صوب الشرق والجنوب في الخارج”. (راجع: محمد فؤاد شكري، مصر والسودان: تاريخ وحدة وادي النيل السياسية في القرن التاسع عشر 1820 -1899، القاهرة: طبعة مطبعة دار الكتب، (2011)، ص 7). ومحمد فؤاد شكري ممن كتبوا أكثر من كتابٍ عن السودان من المنظور المصري. ومن بين مؤلفاته “مصر والسودان: تاريخ وحدة وادي النيل السياسية 1820–1899”. فهو يسمي الاستعمار الخديوي القسري للسودان الذي حدث في عام 1821، واستمر إلى عام 1885، “وحدة وادي النيل”! بل ويضيف إلى ذلك سنوات الحكم المهدوي الذي طرد الاستعمار الخديوي من السودان في عام 1885، واستمر لمدة 14 عامًا، عادًا فترة حكم المهدويين جزءًا مما أسماه وحدة وادي النيل.

    أيضًا كتب المؤرخ المصري رأفت غنيمي الشيخ، صاحب كتاب “مصر والسودان في العلاقات الدولية”، نقلاً عن محمد فؤاد شكري، إن محمد علي باشا استند على أمورٍ ثلاثةٍ في فتح السودان، أولها: رسالة مصر في السودان التي لا يمكن التخلي عنها إطلاقا، وهي: الاحتفاظ بشطر الوادي الجنوبي حتى يتسنى لمصر إتمام رسالتها من حيث واجب النهوض بالسودان إلى مصاف الأمم المتمدينة الرشيدة. ويذهب محمد فؤاد شكري إلى تبرير عبء الرجل المصري في تمدين السودانيين بصورة أكثر غرابة حين يقول: إن محمد علي باشا قد استند في غزوه للسودان على ما يُعرف باسم “نظرية الخلو”، أو الملك المباح”، Res Nullius. وحجة شكري في احتلال محمد علي للسودان هي أن الأقطار السودانية عند ضمها إلى مصر لم يكن أحد يمتلكها في الحقيقة، لأن السلطة هناك كانت مغتصبةً من أصحابها الشرعيين، كما أن قبائل العربان، وفقًا لزعمه، قد نشرت الفوضى في السودان. ويواصل شكري قائلا: فإذا استطاع حاكمٌ أن ينتزع هذه الأراضي السودانية من قبضة أولئك الذين اغتصبوا كل سلطةٍ بها، وأن يُنشئ حكومةً مرهوبة الجانب، تذود عن حياضها وتصون السودان من الغزو الأجنبي، وتكفل لأهله الاستقرار والعيش في هدوء وسلام، فقد صار واجبًا أن يستمتع هذا الحاكم بكل ما يخوله له سلطانه أو سلطته من حقوق السيادة على هذه الأراضي الخالية، وهذا الملك المباح أصلا. ونسمع اليوم نفس هذه النبرة من الحكومة المصرية وهي تحشر أنفها (بقوة عين عجيبة)، في شؤون السودان.

    لم تقف هذه التسبيبات المصرية الخديوية الاستعمارية الاستحواذية الواهية عند حد احتلال أراضي السودان، وإنما تعدته لاحتلال قسم وادي النيل الجنوابي الواقع في منطقة البحيرات العظمى جنوب غوندكرو. فقد أصدر الخديو إسماعيل فرمانًا حين شرعت مصر الخديوية في احتلال المديرية الإستوائية جنوب مدينة غندكرو، في العام 1869م، جاء فيه: “نحن إسماعيل خديو مصر، قد أمرنا بما هو آتٍ: نظرًا للحالة الهمجية السائدة بين القبائل القاطنة في حوض نهر النيل، ونظرًا لأن النواحي المذكورة ليس بها حكومة، ولا قوانين ولا أمن، ولأن الشرائع السماوية تفرض منع النخاسة والقضاء على القائمين بها المنتشرين في تلك النواحي، ولأن تأسيس تجارة شرعية في النواحي المشار إليها يعتبر خطوة واسعة في سبيل نشر المدنية ويفتح طريق الاتصال بالبحيرات الكبرى الواقعة في خط الاستواء بواسطة المراكب التجارية ويساعد على إقامة حكومة ثابتة، أمرنا بما هو آت: تؤلف حملة لإخضاع النواحي الواقعة جنوب غوندكرو لسلطتنا”. (عمر طوسون، مصدر سابق، ص 13).

    الشعور بالاستحقاق المطلق

    يتضح جليًّا مما أوردناه من نماذج كتابات المؤرخين المصريين البارزين، أن لدى الإدارات المصرية وأكاديمييها البارزين شعورٌ طاغ وراسخٌ بالاستحقاق المطلق لاحتلال أراضي الغير ونهب ثرواتهم. والتذرع في ذلك التعدي الاستعماري بحجج واهية، بل ومضحكة، كقولهم إن تمدين المناطق غير المتمدنة من مسؤوليتهم. أو قولهم، إن تلك المناطق بلا حكومات، وأنها غارقة في الفوضى، ولابد من غزوها للقضاء على تلك الفوضى، أو لمحاربة تجارة الرقيق. هذا في حين أن حملة محمد علي باشا التي احتلت السودان في عام 1821، قد كان أحد غرضيها الأساسيين اصطياد الرقيق وجلبهم من السودان إلى مصر للعمل سُخرةً في جيش محمد علي باشا. ويؤكد هذا التوجه المؤرخ العراقي ممتاز العارف حين قال: إن الخطة الخديوية لاحتلال السودان وقف وراءها هدفان وهما، أولا: الحصول على أكبر كمية من الذهب، وثانيا: جمع أربعين ألفا من العبيد وإرسالهم إلى القاهرة. (راجع: ممتاز العارف، الأحباش بين مأرب وأكسوم: لمحات تاريخية من العلاقات العربية الحبشية ونشوء دولة إثيوبيا الحديثة، صيدا: منشورات المكتبة العصرية، (1975)، ص 103). فما بين عام 1821 وهو عام بداية الاحتلال الخديوي امصري للسودان، وعام 1839، بلغت أعداد الرقيق الذين أرسلوا إلى مصر 200 ألف. وعمومًا كان الاحتلال المصري الخديوي للسودان مهمةً لحمتها وسداها الاسترقاق والنهب. ويروي المستكشف البريطاني، صمويل بيكر، الذي زار الخرطوم في العام 1862م، أي بعد أربعين عاماً من بداية الاحتلال المصري الخديوي للسودان، أن الذي رآه في الخرطوم كان عملية نهبٍ بشعةٍ لم يعرف التاريخ لها مثيلاً، اشترك فيها كل موظفٍ في الدولة من الحاكم العام إلى أصغر خفير. ويضيف بيكر أن الجنود الذين تتكون منهم حامية الخرطوم كانوا يعيشون في البلاد كجيشٍ محتل، وقد انعدمت في قلوبهم الرحمة. كان كل ما يهمهم هو جمع الضرائب والتي كانت تُجبى بإلهاب ظهور الناس بالسياط. وسكان الخرطوم البالغ عددهم آنذاك ثلاثين الفًا لم يكن في وسع أي واحدٍ منهم أن يقضي غرضا دون أن يستعين بالرشوة، وكان الجلد والتعذيب شيئاً عاديا. (راجع: محمد إبراهيم ابو سليم، تاريخ الخرطوم، بيروت، دار الجيل، (1999)، ص 62).

    هذه الذهنية المصرية التي ترى أن أراضي السودان وموارده المائية والزراعية والحيوانية والغابية والمعدنية حقًّا حصريًا للمصريين، لا يستحق منه السودانيون شيئًا، أمرٌ تؤكد شواهد كثيرة للغاية، وبصورةٍ صارخة. وقد عبَّرت هذه الشواهد عن نفسها بجلاءٍ عبر تاريخ هذه العلاقة المصرية السودانية المستشكلة الملتبسة، التي استمرت على مدى زاد حتى الآن على قرنين من الزمان. واللافت، كما سبقت الإشارة، أن هذه النظرة الخديوية الاستحواذية التي تأسست على استنزاف موارد السودان لم تتغير، حتى بعد نهاية الحقبة الخديوية. وإنما استمرت في عهود كل الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر، منذ أن جرى تقويض النظام الملكي على يدي الجيش بقيادة محمد نجيب وجمال عبد الناصر، في عام 1952، وحتى يومنا هذا. بل، إن ما حاق بالسودان من نهب للموراد في فترة ما بعد ثورة ديسمبر 2018، قد فاق في حجمه وغرابته كل نهبٍ جرى في الماضي من جانب مصر لموارد السودان. لقد وقف النظام المصري ضد ثورة ديسمبر ووضع كل ثقله وراء الفريق عبد الفتاح البرهان مانحًا له كل الدعم لكي يمارس ألاعيبه الفجة المكشوفة ويوظف نزعته الدموية من أجل الانفراد بالسلطة، ليصبح السودان وموارده تحت يد مصر.


    (يتواصل)
                  

05-01-2025, 01:30 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريقِ الانعتاقِ من الهيمنةِ المصرية (4 – 20)
    د. النور حمد

    “لن يستطيع أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تكن منحنياً”
    مارتن لوثر كينج


    شهادات ضد صلاح سالم

    أود في هذه الحلقة من سلسلة المقالات هذه أن انتقل مما كان يجري من جانب مصر تجاه السودان في القرن التاسع عشر، إلى ما أخذت تعمل له عند منتصف القرن العشرين، حين أعلن البريطانيون نيتهم الخروج من السودان. لحظتها، انفتحت شهية الدولة المصرية لابتلاع السودان، وأخذت تعمل بدأبٍ شديدٍ على جر النخب السياسية السودانية لاختيار الاتحاد معها عقب خروج البريطانيين. ومن نماذج الأساليب التي اتبعتها مصر للهيمنة على السودان قبيل الاستقلال، ما أورده الدكتور منصور خالد نقلاً عن مذكرات عبد اللطيف البغدادي. فقد ذكر الدكتور الراحل، منصور منصور خالد أن البغدادي استمع إلى شهادة بعض المصريين العاملين في السودان، فيما يخص دخول أموال مصرية للتأثير على مجريات الانتخابات السودانية التي جرت في العام 1953م. وكان صاحب إحدى الشهادات التي استمع إليها البغدادي شهادة لمدير الري المصري. أما الشهادة الأخرى فكانت لصحفيٌّ مصريٌّ كان في زيارةٍ للسودان. ذكر البغدادي، أن الانطباع الذي خرج به من الاستماع إلى هذين الشخصين، أن ما قام به الصاغ صلاح سالم قد أضر بسمعة مصر، كما أنه أثار الشكوك حول وطنية الأحزاب الاتحادية.

    أورد الدكتور منصور خالد، أيضًا، أن محاكمة جريدة “الناس” الأسبوعية، التي تم رفع دعوى ضدها في قضية نشر، وتولى فيها الدفاع عنها الأستاذان، محمد أحمد محجوب، ومحمد إبراهيم خليل، قد شهدت إقراراً من شاهدي الدفاعٍ في تلك القضية، وهما: خلف الله خالد، وميرغني حمزة. قال هذان الشاهدان إن حزبهما، وهو “الحزب الوطني الاتحادي”، قد تسلم أموالاً من صلاح سالم، ومن محمد أبو نار. وقد علق الأستاذ بشير محمد سعيد، رئيس تحرير صحيفة الأيام، على فوز عبد الرحمن علي طه في دائرة المسلمية في انتخابات 1958، بعد أن خسرها أمام حماد توفيق المدعوم مصريًّا في العام 1953م، بقوله: “ويلذ لي هنا أن أذكر أن السيد عبد الرحمن علي طه ما كان ليفقد دائرة المسلمية في انتخابات عام 1953م، لولا أن حكومة مصر في ذلك الوقت قد سخَّرت كل إمكانياتها لإسقاطه”. ومضى بشير محمد سعيد ليقول إن مصر أرسلت الدرديري أحمد إسماعيل، واليوزباشي أبو نار، وغيرهما، لشراء الذمم والضمائر، وإفساد الناخبين. وأن مصر قد أنفقت عشرات الألوف من الجنيهات لإسقاط عبد الرحمن علي طه. (راجع: فدوى عبد الرحمن علي طه، أستاذ الأجيال عبد الرحمن علي طه (1901 1969)، الخرطوم: دار النشر جامعة الخرطوم، (2004)، ص ص 320- 321).

    مصر تستخدم الاتحاديين

    بعد أن قرر السودانيون، بالإجماع، عند لحظة الاستقلال وخروج البريطانيين من البلاد، رفض خيار الوحدة مع مصر، تحوَّلت الخطة المصرية البديلة للهيمنة على السودان، نحو لم شمل الحزبين الاتحاديين؛ الحزب الوطني الاتحادي، وحزب الشعب الديمقراطي، ليصبحا ذراعًا خادمًا لها داخل السودان. وحانت الفرصة الذهبية لمصر بعد أن فقد السيد، إسماعيل الأزهري السلطة في عام 1956. فالأزهري الذي أشعر المصريين بأنه أقوى نصير لخيار الوحدة معها، وقامت مصر، بناءً على ذلك، بدعمه بالأموال في انتخابات 1953، فأصبح رئيسًا للوزراء، غير رأيه لحظة الاستقلال وانحاز إلى خيار رفض الوحدة لكن، نتيجةً لسقوط حكومته، عاد إسماعيل الأزهري، الذي عُرف بالبراغماتية، إلى مغازلة مصر مظهرا استعداده للعودة إلى الحضن المصري، من جديد.

    كانت الحكومة التي أعقبت حكومة الأزهري هي حكومة حزب الأمة. وكانت برئاسة الأمين العام لحزب الأمة، عبد الله خليل. وقد تشكلت بناءً على إئتلافٍ بين حزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي. وكان العداء، حينها، مستحكمًا بين الحزبين صاحبي النزعة للاتحاد مع مصر، وهما: الحزب الوطني الاتحادي، الذي يترأسه إسماعيل الأزهري، وحزب الشعب الديمقراطي التابع لطائفة الختمية، التي يرعاها السيد علي الميرغني. بسبب ذلك العداء المستحكم، استطاع حزب الأمة أن يجر إلى جانبه حزب الشعب الديمقراطي ليكوِّنا معًا حكومة إئتلافية سُميت بـ “حكومة السيدين”، إشارةً إلى زعيمي الطائفتين الكبيرتين، السيد علي الميرغني، والسيد عبد الرحمن المهدي. وقد كان حزب الشعب الديمقراطي مستعدًا أصلا للثأر من إسماعيل الأزهري وزملائه من رموز الحزب، الذين ظلوا يسيئون إلى السيد علي الميرغني، ويسخرون منه عبر حملاتٍ هجوميةٍ مكثفة، برز فيها القطب الاتحادي الشهير، يحي الفضلي.
    عنى مجيء حزب الأمة إلى السلطة، بالنسبة لمصر، انتصارًا للتيار الاستقلالي المعادي للوحدة معها، أو، على الأقل، شكل مانعًا أمام إتاحة المجال لها للهيمنة على مجمل الشؤون السودانية، ولو من على بعد. لكن، بما أن الحزب الحليف لحزب الأمة الذي شكل معه الحكومة، هو حزب الشعب الديمقراطي، الذي ترعاه طائفة الختمية، ذات الارتباط الوثيق جدًا بمصر، فقد رأت مصر أن تعمل على جره خارج الإئتلاف الحاكم، ليقف إلى جانب الحزب الوطني الاتحادي بقيادة إسماعيل الأزهري ليسقطا معًا من داخل البرلمان حكومة حزب الأمة بقيادة عبد الله خليل. وبالفعل، استدعت مصر زعماء الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقرطي إلى القاهرة لترتيب إسقاط حكومة حزب الأمة التي يرأسها عبد الله خليل. وللغرابة، صرح قطب حزب الشعب الديمقراطي، السيد علي عبد الرحمن الضرير، وهو في القاهرة، أنه يقف في المعارضة لحكومة حزب الأمة. قال السيد، علي عبد الرحمن هذا، وللغرابة الشديدة، في وقت كان حزبه؛ حزب الشعب الديمقراطي، لا يزال شريكًا لحزب الأمة في الحكم. بل، ولديه وزراء في حكومة عبد الله خليل، لا يزالون على رأس عملهم. أكثر من ذلك، فقد كان السيد، علي عبد الرحمن نفسه من بين هؤلاء الوزراء في الحكومة القائمة. فقد كان، لا يزال يشغل منصب وزير الخارجية في ذات الحكومة، حين أصرح في القاهرة بأن حزبه يقف في المعارضة!

    لابد من الإشارة هنا إلى أن التآمر المصري على حكومة عبد الله خليل قد حدث عقب المواجهة التي جرت بينها وبين الحكومة المصرية حول مثلث حلايب. وكانت قد بلغت من الحدة درجةً جعلت عبد الله خليل يحرك الجيش السوداني نحو مثلث حلايب. وقد انفجرت تلك الأزمة بسبب إدخال السودان مثلث حلايب ضمن الدوائر الانتخابية السودانية. وقد كان ذلك سلوكًا طبيعيًا من جانب السودان، فحلايب سودانية وقد كانت بالفعل تحت الإدارة السودانية. وقد بقيت تحت الإدارة السودانية إلى أن احتلها عنوةً الرئيس المصري حسني مبارك، ردًّا على محاول اغتياله في اديس أبابا، التي دبرها نظام الإسلامويين السوداني في عام 1995. تراجع النظام المصري في فترة جمال عبد الناصر عن تصعيد المواجهة في قضية حلايب. وسبب ذلك فيما يبدو أن النظام كان يعد العدة لمناقشة مشروع اتفاقية 1959 لمياه النيل مع السودان. وبالفعل، كعادة المفاوضين السودانيين في الغفلة، جرى التوقيع على تلك الاتفاقية الكارثية ذات القسمة الطيزى. ويكفي من كارثيتها أن أحد أهم بنودها كان موافقة السودان على إنشاء السد العالي، نظير موافقة مصر على إنشاء السودان خزان الروصيرص. الشاهد، أن إجراء الحكومة السودانية الانتخابات في مثلث حلايب، بوصفها جزءً لا يتجزأ من السودان، قد تواصل في كل الانتخابات اللاحقة، دون أي اعتراضٍ من الجانب المصري، إلى أن احتلتها مصر في عام 1995ن ولم تخرج منها حتى الآن.

    مصر وانقلاب عبود 1958

    أحس رئيس الوزراء عبد الله خليل بأن الاستعمار المصري الذي خرج من الباب، قد أخذ يحاول أن يعود عبر النافذة، مستخدمًا الحزبيْن الاتحاديين استخدامًا سيئًا يهدد استقلال البلاد وسيادتها. لحظتها، وضح أن شؤون السودان تجري إدارتها من القاهرة. وأن القاهرة تجد من السياسيين السودانيين، من هو جاهز للتعاون معها في هذا التدخل السافر القبيح. لذلك، لأجل قطع الطريق على إسقاط حكومته عبر انسحاب حزب الشعب الديمقراطي من الائتلاف الحاكم، بطرح صوت الثقة فيها، وهي لم تكمل عامها الثاني بعد، دعا عبد الله خليل الفريق إبراهيم عبود قائد الجيش لاستلام السلطة. وهكذا، حدث أول انقلاب عسكري على النظام الديمقراطي في السودان. وكان ذلك بعد عامين فقط من الاستقلال. ومن هنا بدأ مسلسل الانقلابات العسكرية في السودان. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء عبد الله خليل يتحمل وزر الانقلاب، إلا أن في وسع المرء أن يقول: لولا التدخل المصري السافر في الشؤون السودانية وارتضاء الحزبين الاتحاديين أن يكونا مطيةً لخدمة المصالح المصرية في السودان، لما حدث الانقلاب. ولربما استمر النظام الديمقراطي في السودان، في ثباتٍ ونماءٍ، مثلما استمر في الهند إلى اليوم، التي نالت استقلالها قبل السودان بتسعة أعوامٍ فقط. ورغم أن عبد الله خليل قد قصد بدعوة قائدة الجيش لاستلام السلطة أن يبعد التأثير المصري على السياسة السودانية، فإن نظام الفريق عبود العسكري على الرغم من توجهه نحو الغرب مخالفًا بذلك خط الرئيس جمال عبد الناصر الواقع في الحضن السوفيتي، إلا أن نظام عبود كان ضعيفًا جدا أما النظام المصري. وعلى الرغم من ان اتفاقية السد العالي جرى التوافق عليها في الفترة الديمقراطية، إلا أن فترة حكم الفريق إبراهيم عبود هي التي شهدت تهجير أهالي حلفا وإغراق الأراضي السودانية بزرعها وضرعها وكنوزها الأثرية التي لا تقدر بثمن. فقد جرى إخلاء المنطقة ونقل أهاليها المنطقة إلى سهل البطانة لكي تتمدد بحيرة السد العالي داخل الأراضي السودانية.

    انقلاب العقيد جعفر نميري 1969

    لقد كانت طبيعة ما يسمى داخل القوات المسلحة “تنظيم الضباط الأحرار”، طبيعةً قوميةً عربية. وكان هذا التنظيم ذو الميول القومية العربية هو الذي وقف وراء انقلاب العقيد، جعفر محمد نميري على النظام الديمقراطي في السودان في عام 1969. وواضحٌ أن قيام تنظيم تحت مسمى “الضباط الأحرار” داخل الجيش السوداني لم يكن سوى انعكاسٍ للتأثير المصري المباشر وخط مصر في معاداة الغرب، حينها، ومعاداة التحول الديمقراطي. وهما السمتان البارزتان في سياسات الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر. وقفت الأحزاب السودانية موقفًا سلبيًّا إزاء انقلاب جعفر نميري. وكان الحزب الوحيد الذي أسفر بتأييد الانقلاب هو الحزب الشوعي السوداني، بل وأصبح بعض قيادييه وزراء في حكومة نميري الأولى.

    من أبرز علامات التعاضد بين نظام جمال عبد الناصر العسكري في مصر مصر ونظام جعفر نميري العسكري في السودان وعلى حرص مصر على بقاء النظام الخاضع لإرادتها في السودان في سدة الحكم، تدخل سلاح الجو المصري لقصف الجزيرة أبا أثناء النزاع المسلح الذي نشب بين قوى المعارضة الحزبية، ونظام جعفر نميري في عام 1970. لكن، بعد عامٍ واحدٍ من أحداث الجزيرة أبا حدثت محاولة انقلابية قام بها الحزب الشيوعي السوداني على جعفر نميري. فما كان من مصر إلا أن تدخلت بالاتفاق مع العقيد معمر القذافي لإفشال ذلك الانقلاب. بناءً على ذلك الاتفاق قامت ليبيا باعتراض الطائرة المدنية البريطانية التي كانت تحمل قائدي الانقلاب العائدين على متنها من لندن إلى الخرطوم، عند مرورها فوق سماء بنغازي. أُنزلت الطائرة في مطار بنغازي وجرى اعتقال قائديْ الانقلاب، الأمر الذي أفشل الانقلاب.

    أيضًا شهدت بدايات فترة حكم نميري ما سمي مشروع الوحدة الثلاثية بين مصر وليبيا والسودان. ولكن سرعان ما دبَّت الخلافات بين مكونات هذا الحلف الثلاثي، خاصةً عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في نفس عام 1970. فقد اتسعت الشقة بين معمر القذافي وجعفر نميري، وبلغت حدًا جعل القذافي يفتح معسكرات للتدريب على حمل السلاح للمعارضة السودانية في جنوب ليبيا. من تلك المعسكرات انطلقت محاولة 1967 المسلحة التي حاولت إسقاط نظام جعفر نميري بعمل عسكري جرى في داخل العاصمة الخرطوم. وفي تعدٍّ آخر، أرسل القذافي طائرة عام 1984، لتقصف إذاعة أمدرمان ومنزل السيد الصادق المهدي. أما السادات فقد أضطر إلى توجيه ضربةٍ موجعةٍ للعقيد القذافي في عام 1977، بسبب تحرش القذافي بمصر، بسبب توقيعها اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل. وعمومًا، فإن فترة حكم نميري قد اتسمت بالتبعية الكبيرة لمصر. فقد أنشأ نميري حزبه الأوحد الحاكم في السودان، الاتحاد الاشتراكي السوداني، على غرار حزب عبد الناصر الحاكم، المسمى الاتحاد الاشتراكي العربي. وفي عام 1982 وقَّع نظام الرئيس حسني مبارك ونظام الرئيس جعفر نميري ما سمي ميثاق التكامل بين مصر والسودان. لكن، لم تنجح تلك الإجراءات الفوقية في خلق أي صورة عملية للتكامل الاقتصادي أو السياسي أو العسري بين مصر والسودان. فبعد عام واحدٍ من توقيع ميثاق التكامل أعلت جعفر نميري تطبيق الشريعة الإسلامية متخذًا خطًا إخوانيًّا صريحا.

    ويبدو أن خطة مصر للهيمنة على السودان، قد انحصرت، في نهاية الأمر وبعد عديد التجارب، في دعم الأنظمة العسكرية في السودان. فبعد أن دعمت انقلاب جعفر نميري، الذي أسقطته ثورة أبريل الشعبية في عام 1985، عادت مصر لتكون أول الدول التي اعترفت بانقلاب الترابي/البشير في عام 1989 الذي قوَّض الديمقراطية الثالثة. ومع كل حالات الشد والجذب التي حدثت بين مصر ونظام الترابي/البشير في فترة حسني مبارك، ورغم قمع نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الحالي الوحشي للإسلاميين في مصر، نجدها قد وقفت ضد ثورة ديسمبر 2018 الشعبية في السودان، التي لا تزال فصولها تتوالى حتى الآن. قدمت مصر للفريق البرهان وللإسلاميين الواقفين خلفه كل أنواع الدعم العسكري والديبلوماسي، مع انخراطٍ لا يني في شق صفوف الثوار، وفي تشكيل الحواضن الشعبية الضرارٍ الساندة للفريق البرهان، لكي يستعيد هو والإسلامويون كامل سلطتهم، ويقضوا على الثورة السودانية التي انطلقت مطالبةً بالحكم المدني وبالتحول الديمقراطي، قضاءً مبرما.

    يتواصل.

                  

05-05-2025, 01:29 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريقِ الانعتاقِ من الهيمنةِ المصرية (5 – 20)

    “لن يستطيع أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تكن مُنحنياً”
    مارتن لوثر كينج


    د. النور حمد

    انتكاسة الثورة

    مرَّت على الثورة التي انطلقت منذ 19 ديسمبر 2019، حتى الآن، ما تزيد عن الخمسة أعوام. ومع ذلك، لم تقترب حتى الآن من تحقيق أيٍّ من أهدافها وشعاراتها التي رفعتها. بل على العكس من ذلك، فقد انتكست مجمل الأحوال في البلد انتكاسةً كبيرةً ووصلت بها الأمور إلى حربٍ متطاولةٍ دمَّرت البنيات التحتية، واقتلعت الناس من بيوتهم، وجعلت من العاصمة الخرطوم، بمدنها الثلاث، مدينة أشباح، وتسببت في حالةٍ من التشرد ليس لها شبيه في كل الكرة الأرضية، في وقتنا الراهن. وقد صحبت كل تلك المآسي مجاعةٌ تمسك الآن بخناق عشرات الملايين من المواطنين. لقد تسببت الحرب في توقُّف معظم الأعمال التجارية، وفقد معظم الموظفين أجورهم الشهرية في القطاعين العام والخاص. كما تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي بصورةٍ مخيفة. وحدث توقُّفٍ شبه كاملٍ للخدمات الصحية والتعليمية. يُضاف إلى كل ما تقدم، يعيش ثلثا الولايات التي خرجت عن سيطرة حكومة بورتسودان اللاشرعية، فراغًا سياسيًّا وأمنيًّا وقضائيٍّا وتعليميًّا وصحيّا. باختصار شديد، تعيش ثلثا أراضي القطر، بصورةٍ حرفيةٍ، حالة اللادولة.

    هذا الوضع الكارثي هو ما هددت به قيادات حزب المؤتمر الوطني الشعب السوداني في إفطاراتهم الرمضانية في مارس وأبريل 2023. وهي تهديداتٌ موثَّقةٌ على أشرطة الفيديو، التي لا تزال مبثوثةً على شبكة الانترنت. فالهدف من وراء إشعال الحرب وخلق هذه الحالة الكارثية، هو تغيير المسرح كليًّا ونقل الأمور إلى مربعٍ جديد يُنسي ويُسقط كل ما كان دائرًا قبل الحرب. خطط مقاومو الثورة من سدنة النظام القديم لإدخال الشعب في كارثٍة لم يشهدها في تاريخه تنسيه الثورة تمامًا، بل وتجعله نادمًا عليها، وتحصر همه في مجرد العودة إلى حالته التي كان عليها قبل الحرب. ولقد نجحت ما تسمى الحركة الإسلامية وذراعها السياسي الذي يسمى المؤتمر الوطني وأداتهم المتمثلة في الجيش والقوى الأمنية في هذه الخطة نجاحًا كبيرًا.

    أيضًا كان أحد أهداف الحرب، الثأر من الشعب السوداني الذي تجرأ على الإسلامويين وأطاح برأس نظامهم، عن طريق الثورة التي أشعلها في 19 ديسمبر 2018. لقد نسف مشعلو الحرب كامل الاستقرار الأسري فلم يبق أمام الناس سوى خيارين: الاستسلام الكامل لمخطط عودة النظام القديم إلى الحكم بل ر ذائله المعروفة، أو نسيان العودة إلى البيوت والأمن والاستقرار، مرَّةً أخرى، وإلى الأبد. وقد أثبتت هذه الخطة المدروسة تلك التهديدات المتوعدة بالويل والثبور وعظائم الأمور المتكررة التي صدرت من مختلف لقاءات الإفطارات الرمضانية لجماعة المؤتمر الوطني وكتائبهم المسلحة. وهي فعالياتٌ صوروها وبثوها في العديد من أشرطة الفيديو على شبكة الإنترنت. وقد عمدت الخطة، إلى وضع السودانيين أمام خيارين، لا ثالث لهما: إما أن يخضع الشعب لعودتهم إلى الحكم بلا قيد أو شرط، أو نسف الدولة بما فيها ومن عليها. وقد قام الفريق شمس الدين الكباشي، بتلخيص ذلك حين قال: إما دولة وفقًا لفهمهم وإما لا دولة على الإطلاق. وقد كان نص ما قاله بالعامية السودانية: (يا دولة بفهمنا يا مافي دولة).

    أدناه بعضٌ من الروابط التي توثق تآمر الكيزان من أجل القضاء على الثورة والعودة للسلطة، من جديد:

    https://shorturl.at/p1EZl
    https://rb.gy/cze6x0https://rb.gy/cze6x0
    https://rb.gy/ql7k1dhttps://rb.gy/ql7k1d
    https://shorturl.at/mdP3L
    https://tinyurl.com/2s3zepf2https://tinyurl.com/2s3zepf2

    من الخطأ الفادح أن نظن أن أسلوب النضال السلمي يمكن أن ينجح دائمًا، غض النظر عن اختلاف السياقات. نعم، لقد نجح الحراك السلمي الذي قاده المهاتما غاندي في الهند في تحقيق استقلالها. ولقد نجحت حركة الحقوق المدنية في أمريكا، وهي حركة اجتماعية، عبر عشر سنواتٍ من النضال المستمر، في إجبار السلطات الأمريكية على منح الملوَّنين حقوقهم الدستورية الأساسية. كما نجح الحراك الذي قاده نيلسون مانديلا ورفاقه الميامين في جنوب إفريقيا في إنهاء سياسات الفصل والتمييز العنصري، بعد عشرات السنين من النضال الدؤوب.

    ابتداءً من ثمانينات القرن الماضي حدثت في العالم ثوراتٌ سلميةٌ عديدة متزامنةٌ حينًا، ومتتابعةٌ حينً آخر. جرى ذلك أثناء تفكُّك الكتلة الشرقية، وانهيار النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي. وقد أحدثت هذه الثورات، على تفاوتٍ بينها، تغييراتٍ كبيرة. كما جرت في الفلبِّين في عام 1986 ما سميت “ثورة سلطة الشعب”. وقد كانت ثورةً سلمية أنهت نظام الرئيس فيرديناند ماركوس الديكتاتوري، وأقامت محله نظامًا ديمقراطيًا. لكن، تختلف السياقات اختلافاتٍ كبيرةٍ مائزة. فقد ينجح النضال السلمي في بلدٍ ويفشل في بلدٍ آخر، بسبب اختلاف طبيعة الذين يجلسون على دست الحكم. ودعونا نتصور أن حراك الجنوبيين السودانيين الطويل، الذي استمر لنصف قرن،ٍ قد اختار أسلوب النضال الملتزم بالسلمية بصرامة. فهل، يا ترى، كان الجنوبيون سيصلون إلى مفاوضات نيفياشا ويحصلون على حق تقرير المصير، ومن ثم، إجراء استفتاءٍ يحققون به استقلالهم التام، على النحو الذي جرى؟ لقد سبق أن قال الرئيس المخلوع عمر البشير إنهم لا يفاوضون إلا من كانت له بندقية. وهذا ما ظل هو وجماعته يفعلونه، مرارًا وتكرارًا مع مختلف الحركات المسلحة التي جعلوها، بنهجهم هذا، تتكاثر كما يتكاثر الفطر في البرية. لقد ظلوا على هذا النهج منذ أن سطوا على الدولة السودانية في عام 1989، وإلى يوم هذا، ولا يزالون مستمرين فيه. وها هو أبوعاقلة كيلل يصعد إلى رتبة الفريق بين ليلة وضحاها وتنهض وراءه قبيلته، او بعضا منها، ليصبح قائدًا لمليشيا جديدة تتضخم تحت رعاية النظام اللاشرعي الحاكم من بورتسودان.

    إن السبب في تعثُّر مسار هذه الثورة مقارنةً بالثورتين السابقتين 1964 و 1985، أن هذه الثورة قامت ضد نظامٍ مؤدلجٍ تقف وراءه منظومةٌ أيديولوجيةٌ كوكبيةٌ، عابرة للأقطار. علاوةً على ذلك، فهي منظومة أمنوقراطية مسلحة حتى أسنانها، تحرس نظامها بالجيش الذي اختطفته وبالمنظومة الأمنية التي تسيطر عليها سيطرة كاملة. بل، وبميليشيات إرهابية متطرفة لا تتورع عن فعل أي شيء. ولكي يضع النظام مختلف المنظومات الأمنية التابعة له تحت المراقبة، استخدم هذه المجموعات الإرهابية المتطرفة ذات التسليح النوعي والتدريب الخاص والخبرات القتالية النوعية وأطلق عليها مسمى “كتائب الظل”. إلى جانب كل ما تقدم، حرس النظام نفسه بشبكةٍ ضخمةٍ معقدةٍ من الوسائط الإعلامية المختلفة ومن الصحفيين المأجورين الذي يفعلون كل شيء من أجل المال ومن أجل الجاه والألق الذي يضفيه التقرب من الحاكم عادةً على كل وصوليٍّ متسلق. بهؤلاء نجح النظام عبر ثلاثين عامًا في اختراق مجالات الفنون كالموسيقى والدراما والأدب والرياضة وتمكَّن من تصعيد منسوبيه إلى قياداتها للسيطرة عليها وتوجيهها لتصب كل أنشطة المجتمع المدني في صالح النظام القائم. إلى جانب ذلك فقد سيطر النظام تمامًا على مناهج التعليم وعلى الخطاب الإعلامي وعلى وزارة الشؤون الدينة والأوقاف، ومن ثَمَّ، على منابر المساجد. وقد زاد على ذلك باختراق الطرق الصوفية والإدارات الأهلية وإدخال شيوخها في دائرة الزبانة الاقتصادية الواسعة التي صنعها.

    أيضًا، تقف وراء نظام ما تسمى الحركة الإسلامية، رغم فساده الفاضح والمقرف، إلى جانب منظومة الإسلام السياسي الدولية، التي تنظر إلى السودان بوصفه البلد الأول الذي استطاع الإسلام السياسي أن يضع فيه أقدامه، ولأول مرة منذ أن برز الإسلام السياسي في الأقطار العربية وفي جنوب وسط آسيا. لذلك، فإن محاولات فك قبضة المؤتمر الوطني وتفرعاته عن رقبة الدولة السودانية بثورة ديسمبر 2018 السلمية، كانت عمليةً بالغة العسر، باهظة الكلفة عديمة المردود. ولا يزال باب الكلفة الكارثية فيها؛ من حيث هلاك الأرواح وتبديد الموارد وتدمير البنيات التحتية وتشظي الدولة، مفتوحًا على مصراعيه. وقد أثبتت تجربة الحرب الجارية الآن، التي قاربت العامين، تلك الصعوبة وتلك الكُلفة الباهظة، بما لا مزيد عليه.

    لقد مارست قوى الثورة النهج السلمي لإحداث التغيير والتزمت به بصرامة، ودفعت في ذلك دماءً شبابيةً عزيزة غزيرة. وقد خلب ذلك السلوك السلمي المتحضر ألباب العالم، واستحلب، بصورةٍ لافتةٍ، إعجابه وتعاطفه. كما رفع اسم السودان من الوحل اللزج الذي مرَّغه فيه نظام الرئيس المخلوع عمر البشير ومن ورائه ما تسمى الحركة الإسلامية. غير أن ذلك لم يجعل الثورة تحقق أيًّا من أهدافها. فقد اعترض المؤتمر الوطني وذراعه المتمثِّل في الجيش وكتائبهما المختلفة، إضافةً إلى مجموعات المصالح والارتزاق، التي شكَّلت ما سُميت “الكتلة الديمقراطية” طريق الثورة. وقد دخل النظام المصري إلى جانبهم بكل قوته العسكرية المتمثلة في سلاح الطيران، وبقوته الدبلوماسية في التأثير على الدول العربية وعلى المجتمع الدولي وإشاعة أن الجيش السوداني مؤسسة حقيقية حارسة للبلاد ولاستقرارها وأن هزيمته تعنى انهيار الدولة السودانية. وقد اشترت بعض الدول العربية وبعض القوى الدولية هذه البضاعة الزائفة. أكثر من ذلك، تجاوزت مصر في تحالفها مع النظام القديم مجرد الفعل السياسي والدبلوماسي المناوئ للثورة، وخلق الحواضن الشعبية الزائفة الداعمة له، إلى التخطيط لإشعال الحرب الشاملة المدمرة ومد الفريق عبد الفتاح البرهان بالسلاح وبالخبرات العسكرية المصرية بل وبمشاركة الطيارين المصريين في الحرب. أدت كل هذه الجهود الشريرة وما أحدثته من كارثةٍ شاملة فاقت خيال كل متخيل، إلى خلط الأوراق، خلطًا ذريعا. فأدت إلى نقل الجمهور من الاصطفاف حول أهداف الثورة، إلى اصطفاف حول مجرد حلم العودة إلى البيوت وإلى مجرد الرضا بكسب العيش واستعادة الحياة التي فُقدت، غض النظر عن الكيفية البائسة التي كانت عليها ودفعت الناس للثورة. هكذا نجح تحالف البرهان والحركة الإسلامية والدولة المصرية الطامعة في استتباع السودان واستلحاقه في قلب الطاولة على الجميع، بكفاءةٍ تبعث على الإعجاب.

    خلاصة القول، إن فرص نجاح الثورة السلمية في السودان، فرصٌ شديدةُ الضمور. فالكيزان لم يقيموًا في يومٍ من الأيام أي وزنٍ للقوى المدنية. وما أكثر ما ردَّدوا أن من لا يملك سلاحًا، لا كلمة له ولا وزن، بل لا وجود له، ولا ينبغي أن يُعبأ به أصلا. إن ما قاموا به من قتلٍ ذريعٍ وحشيِّ للشبان والشابات، اتسم بالتشفي، ومن اغتصاباتٍ وإغراقٍ للكثيرين في النيل مشدودي الوثاق إلى أثقالٍ خرسانية، لم يكن سوى رسالة رعبٍ لكل المدنيين. لقد خططوا بدقة وبتصميم لإحداث صدمةٍ نفسيةٍ هائلة، تخيف جميع المدنيين وتجعلهم يوقنون أَنْ هذه الطغمة الحاكمة التي يريدون إزاحتها عن السلطة ليس لبطشها وفظاعتها واستهانتها بالمدنيين، أي حدود. وقد رفعوا عيار الرعب عقب إشعال هذه الحرب حتى بلغ جز الرؤوس وبقر البطون ونهش الأحشاء ولَوْكَ الأكباد. وما كان الكيزان ليشعلوا حربًا شاملة، لولا أن قوات الدعم السريع قد خرجت عن طوعهم واتخذت لنفسها موقفًا جديدًا مستقلاً تجاه الثورة. انحياز قوات الدعم السريع للاتفاق الإطاري هو الذي أطاش صوابهم ودفعهم للإلقاء في المعركة بآخر أسلحتهم الأكثر فتكًا، وهي الحرب الشاملة وزعزعة أمن السكان إلى أقصى الحدود. وبهذا أسند البرهان والإسلامويون ظهرهم إلى الحائط؛ فإما أن يسحقوا الدعم السريع سحقًا كاملاً، وينصرفوا بعد ذلك إلى السياسيين والناشطين المدنيين، فيصفونهم، فردًا فردًا، وإما أن يواصلوا الحرب حتى تصبح البلاد وأهلها، هشيمًا تذروه الرياح، على قاعدة: “يا دولة بي فهمنا، يا مافي دولة”.

    لقد لخَّصت السيدة، سناء حمد، التي جعل منها المؤتمر الوطني، مفتشًا عامًا للجيش، بلا تأهيلٍ يذكر، فأصبحت تُجلس قادته أمامها وتحقق معهم، هذا النهج الثابت المعتمد على البندقية، في المقابلة التي أجراها معها الإعلامي في قناة الجزيرة، أحمد طه. قالت السيدة سناء: إن حزبها سيقبل قوات الدعم السريع، إن هي قبلت الرجوع إلى طاعتهم من جديد. وعضَّدت ذلك بقولها إنهم مأمورين بفعل ذلك بموجب النص القرآني القائل: “إِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا”، أي إذا قبلت قيادات قوات الدعم السريع الرجوع إلى طاعتهم، فليس أمامهم خيار سوى أن يقبلوا بذلك. وحين قال لها أحمد طه: ولماذا لا تفعلون ذلك مع تنسيقية “تقدم”؟ فارتبكت وقالت بعد فترة صمتٍ قصيرة: “إذا قَبِل الشعب”. ما قالته السيدة سناء حمد أوضح مبلغ الاستهانة التي تنظر بها الحركة الإسلامية وذراعها السياسي حزب المؤتمر الوطني إلى تنسيقية “تقدم” التي ما لبثت أن انقسمت. فالإسلامويون يريدون إعادة قوات الدعم السريع إلى جانهم ليفرغوا لتصفية الثورة والثوار بصورة نهائية. ولا يتعاظم لديهم من أجل تحقيق هذا الهدف أي شيء. فما جرى من بحور الدماء، ومن حالة التشرُّدٍ الملحميّةٍ التي طالت 14 مليونا من سوداني وسودانية، ومن المجاعة الطاحنة التي طالت 25 مليونًا آخرين، ومن الدمار الهائل الذي طال كل شيء، لا يهمهم في كثيرٍ أو قليل. فهم يريدون الاستمرار في حكم السودان منفردين، مهما كانت الكلفة.

    من الجهة الأخرى، نجد أن المجتمع الدولي ممثلا في رمطان لعمامرة ، والمبعوث الأمريكي اللَّذين يبدو أن تنسيقية “تقدم” قد كانت تعوِّل عليهما، في تقديم العون لها وإعادة الأمور إلى العملية السياسية ومسارها المدني القاصد نحو التحول الديمقراطي، لم يكونوا في المستوى المطلوب أو المتوقع. فقد وضح، أن الجميع لا يعبأون بـ “تقدم”. وكل الدعوات للمفاوضات القاصدة لإنهاء الحرب كان يجري تقديمها لقوات الدعم السريع وقيادات الجيش. لقد حضر الجيش لقاء جدة وجيبوتي والمنامة وتنصل من مقرراتهما. ولم يحضر في دعواتٍ أخرى، مصرًا على مواصلة الحرب. هذا، في حين حضرت قوات الدعم السريع كل اللقاءات التي دعيت إليها، مبديةً كامل استعدادها لوقف الحرب. لكن، وللغرابة، مع هذا التهميش المزدوج والتغييب الكامل عما يجري، نجد تنسيقية “تقدم” التي أصبح الشق المتبقي منها يسمى “صمود”، قد بقيت ممسكةً بالعصا من المنتصف، عاكفةً على عبادة صنم السلمية غير المنتجة في هذا السياق المفكك، مستعيضة عن الموقف الصحيح، والفعل الثوري المنتج، بدبيج التصريحات الإنشائية والمناشدات المتَّسمة بالضراعة. وانتهى بها الأمر لتبهت أكثر وأكثر، ويصبح غالب نشاطها لا يتعدى محاولات جلب مساعداتٍ إنسانيةٍ لم يعرف المجتمع الدولي إلى الآن، كيف يوصلها إلى مستحقيها، في ظل خداع وتعنت البرهان وقبيله منزالإسلامويين وعاداتهم المرذولة المعروفة عنهم في سرقة المساعدات الإنسانية، ومنع الرقابة الدولية على مسارات إنسيابها.


    (يتواصل)
                  

05-05-2025, 01:40 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (6 – 20)

    “لن يستطيع أحدٌ أن يركب على ظهرك، ما لم تكن مُنحياً”
    مارتن لوثر كينج


    د. النور حمد

    كل ما جرى ذكره فيما سبق من هذا السرد، ليس سوى شذراتٍ متفرقاتٍ من تجلِّياتٍ متتابعةٍ، متواصلةٍ، لنهج مصر الرسمية الثابت في الهيمنة على السودان، والنظر إليه كمزرعةٍ يعمل فيها أقنانٌ مستعبدون، ينبغي أن يصبَّ كل ما ينتجونه في مصلحة مصر، وحدها. لم تُقم مصر مشروعًا، ولم تبرم اتفاقية مع السودان، إلا وكانت في مصلحتها هي فقط. وقد سبق أن أوردت في مقالاتٍ سابقة الاحتجاع المصري على فكرة إنشاء السودان خزان سنار، لري مشروع الجزيرة في بدايات القرن العشرين. وقلت إن أسباب اعتراضهم عليه، التي بلغت درجة البجاحة كانت كالآتي: لا يحق للسودان استخدام مياه النيل حتى تتم دراسة تؤكد استنفاده لكل الفرص المتاحة له من الري بالأمطار. وقالوا، أيضا، وهذه أعجب من سابقتها: إن إنشاء خزان سنار سيمكِّن السودان من زراعة القطن طويل التيلة، الذي سوف ينافس القطن المصري في الأسواق العالمية، الأمر الذي يؤثر سلبًا على الميزان التجاري لمصر. (راجع عبد الرحمن علي طه، السودان للسودانيين، مصدر سابق). وإذا أردتم أن تعرفوا اليوم لماذا خرج السودان من سوق القطن العالمي، بعد أن كان ملء السمع والبصر فيه، فابحثوا عن اليد المصرية، وعن وكلائها من السودانيين. واليوم يبيع عسكر الإسلامويين مشروع الجزيرة لشركة مجهولة. ولا أستبعد أن تكون اليد المصرية وراء هذا. أيضًا، لو أردتم أن تعرفوا لِمَ انهار النظام التعليمي في السودان، وكيف فقد السودانيون لغتهم الثانية (الإنجليزية)، فابحثوا، أيضًا، عن اليد المصرية ووكلائها من السودانيين. ولو أردتم أن تعرفوا لماذا ينفرد السودان، دون كل دول حوض النيل بالانصياع الكامل للإرادة المصرية، فيما يتعلق بقضايا مياه النيل، فابحثوا عن اليد المصرية، ووكلائها من السودانيين.

    لقد ظلت بعض النخب السياسية والثقافية والإدارية السودانية منكسرةً ومنهزمةً أمام الإرادة المصرية. وقد عملت مصر بجدٍّ لكي تتحقق تلك الانهزامية. كما أنها تأكدت بالتجربة الطويلة أن ما غرسته عبر قرنين من الزمان قد أثمر وسط النخب السياسية والعسكرية والتجارية، بل والثقافية السودانية، فواصلت نهجها في فرض الهيمنة وفرض الإرادة بثقةٍ تامة. ويعود سبب انهزامية النخب السودانية، وكثير من عامة السودانيين، إلى فقدان المعرفة بحقيقة الشخصية الحضارية للسودان، وما تبع ذلك من تضعضع الاعتداد بالهوية والاحتفاء، بل والفرح، بالاستلحاق لمركز هُوُيَّتي خارجي. إلى جانب ذلك هناك البحث عن المجد الشخصي، خفيض العيار، وسط النخب التي تختار التبعية للأجنبي، راضيةً بما يجلبه لها لعبُ دور التابع المُعين والمُيسِّر من فُتات.

    الاحتلال المصري للعقل السوداني

    قضية العلاقات السودانية المصرية من القضايا بالغة الأهمية التي أهملتها الأكاديميا السودانية والباحثون السودانيون. فهذه العلاقة عمرها أكثر من 5000 عام. وهي علاقة حكمها منذ البداية الاختلال الجغرافي في توزيع الموارد الطبيعية بين أعلى وادي النيل وأسفله. وقد تمثلت العناصر التي حكمت هذه العلاقة في فقر مصر المدقع من الموارد، مع قابلية عالية لزيادة عدد السكان، مع صغر مساحة مصر القابلة للحياة والسكنى. هذا في حين اتسم السودان بوفرة الموارد، مع قلة استثنائية في عدد السكان، مقارنًا، بكبر المساحة وخصوبة الأرض وتوفر مصادر المياه. ولا نريد أن نخوض في تفاصيل التاريخ القديم، فقد تراجع احتكاك السودان بمصر منذ انهيار آخر الممالك الكوشية في القرن الرابع الميلادي. فمنذ ذلك التاريخ، دخل السودان في نومةٍ حضاريةٍ وعزلةٍ طويلةٍ عن مراكز الحضارة، لم يخرجه منها، سوى الغزو الخديوي في عام 1821. بالغزو الخديوي تعرض السودان، مع الاحتلال العسكري، إلى احتلال عقلي. فقد جرى إلحاقه بمصر بوصفه قد أصبح بما يسمى “الفتح”، مُلكًا مصريًا خالصا. وبناء على ذلك عملت الخديوية على إلحاقه بالفضاء المشرقي المتوسطي، كتابعٍ وامتدادٍ جديدٍ ليس له أي إسهامٍ حضاري وليست له ثقافة يُعتد بها. وبدأ، من ثم، إلحاقه بمصر وإدخاله في المظلة الإسلامية السنية على الصيغة العثمانية. فقد السودان بالغزو الخديوي هويته الكوشية وفقد مزاجه الصوفي الذي أحلت الخديوية محله مزاجًا فقهيّا سنيًا عثمانيًّا، جوهر خطابه طاعة الحاكم. (راجع: الباقر العفيف، الأصيل والدخيل في الثقافة الإسلامية السودانية، الخرطوم: منشورات مشروع الفكر الديمقراطي، (2013). (وراجع أيضًا: النور حمد، السودان: آفاق الوعي بالذات، منشورات مشروع الفكر الديمقراطي، (2016).

    ظل الاحتلال المصري لعقول السودانيين يتنامى باستمرار حتى تعدى استتباع العقل السوداني لمصر مجرد إدخال نمط التدين السني العثماني وجعل المؤسسة الكهنوتية الفقهية الرسمية جزءًا من جهاز الدولة، ليتواصل الإلحاق عبر الرسالة الإعلامية، وعبر تمصير مناهج التعليم. وقد تكثف مع كل أولئك، خاصةً في فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، الخطاب العروبي الناصري الذي اجتاح، لعقدين من الزمان، كل أنحاء العالم العربي. نتيجةً لكل تلك العوامل أصبح وعينا نحن السودانيين بذاتنا، في صورته العامة، وعيًا مشرقيًّا متوسطيًّا، وفي صورته الأكثر خصوصية، وعيًا مصريًّا. فالسودانيون النيليون وسكان البوادي يُرجعون بأنسابهم إلى الجزيرة العربية، وكأنَّ القطر السوداني كان خاليًا من البشر قبل أن تهاجر إليه بعض القبائل الرعوية العربية. بل، إن غالبية سكان الوسط والشمال النيلي تنسب نفسها عرقيًا: إما لبيت العباس بن عبد المطلب، أو لنسل فاطمة بنت الرسول، وكأن كل الأعراب الذين وفدوا إلى السودان كانوا من البيت الهاشمي وحده!

    لقد بدأ انتحال السودانيين لأنسابٍ عربية في فترة سلطنة الفونج (1504 – 1821). وقد ورد أن السلطان سليم حين فكَّر في غزو سلطنة الفونج أرسل إليه سلطان الفونج خطابًا يقول فيه إنهم عرب مسلمون، ولذلك فهو لا يرى، من الناحية الإسلامية، مسوِّغًا لغزوه لبلادهم. كما ذكر سلطان الفونج للسلطان سليم إنهم فقراء، ولن يحصل الغازون من بلادهم على شيء يساوي الجهد المبذول في الغزو. وأرفق سلطان الفونج مع رسالته إلى السلطان سليم، شجرة نسبٍ عربية. فسُرَّ السلطان سليم بتلك الرسالة، وتخلى عن فكرة غزو سلطنة الفونج.

    في نفس تلك الفترة، أيضًا، طاف بسلطنة الفونج فقيهٌ غريبٌ متكسِّبٌ، يُدعي “السمرقندي”، تخصص في نَحْلِ شجرةِ نسبٍ عربيةٍ شريفةٍ لكل من يطلب ذلك، نظير شيءٍ من المال. ولربما تعود كثيرٌ من أشجار النسب السودانية المنحولة إلى هذا الفقيه الغريب. ولقد أسهم المصريون بقدرٍ كبيرٍ في الترويج لعروبة السودان، بدافع الاستلحاق. ولقد برز في هذا المنحى الدكتور عبد المجيد عابدين الذي قام بالتدريس في السودان وكتب عن عروبة السودان، كما كتب عن الأدب السوداني وروَّج له في مصر وفي النطاق العربي بصورة عامة. وقد سار معه من السودانيين في هذه الوجهة كثيرون، نذكر من أبرزهم الشاعر عبد الله عبد الرحمن الضرير، والمؤرخ محمد عبد الرحيم، والدكتور، عون الشريف قاسم. ويضيف الباقر العفيف إلى هؤلاء كلاًّ من محمد إبراهيم الشوش، وخالد المبارك، وعبد الله علي إبراهيم. (راجع الباقر العفبف: وجوهٌ خلفَ الحرب: الهويات والنزاعات الأهلية في السودان، الخرطوم: مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، (2011)، ص ص 101 – 112).

    دور التعليم والإعلام المصري في الاستلحاق

    لقد بدأ التعليم الحديث في السودان، حين بدأ، مصريًا صرفًا. فبعد أن كان التعليم في السودان صوفيًّا تقليديًّا طيلة فترة سلطنة الفونج، وكان يجري في الخلاوى (الكتاتيب) التابعة للمراكز الصوفية، تحول بالغزو الخديوي إلى تعليمٍ فقهي أصبح يتبع للمؤسسة الدينية الرسمية التي كانت ذراعًا مهمًا في الاستعمار الخديوي للسودان. صار التعليم الديني يتركز أكثر في المساجد التي يشرف عليها الفقهاء الرسميون من مصريين ومن سودانيين جرى استقطابهم في هذه الوجهة. ومن أقوى الأدلة على تغيير هذه المؤسسة الفقهية الدخيلة للعقل السوداني وقتلها للحس الوطني وسط من جندتهم ودربتهم من علماء الشريعة السودانيين على النمط الأزهري الساند دومًا للحاكم، ما جرى أثناء الثورة المهدية من وقوف هؤلاء الفقهاء السودانيون الرسميون مع المحتل المصري الخديوي ضد الثورة الوطنية المهدوية. ومن أشهر الرسائل في معارضة الثورة المهدية التي دبجها علماء الشريعة السودانيين الذين وظَّفهم الاحتلال الخديوي، رسالة السيد أحمد الأزهري، ورسالة الشيخ الأمين الضرير. (راجع: عبد الله علي إبراهيم، الصراع بين المهدي والعلماء، القاهرة: مركز الدراسات السودانية، (1994)، ص 12.

    أما عندما برزت الحاجة إلى قيام تعليم حديث في السودان المحتل خديويًّا، أرسل محمد علي باشا رفاعة رافع الطهطاوي ليفتتح أول مدرسة حديثةٍ في السودان في عام 1855. ولابد هنا من إيراد نظرة هذا التربوي المصري الكبير نحو السودان والسودانيين، وهو الذي بُعث إلى السودان لينشئ أول مدرسةٍ حديثة فيه. فقد جاءت هذه الأبيات ضمن قصيدهٍ ركيكةٍ افتخر فيها بنسبه الحُسيني، وشكا فيها من ابتعاثه إلى السودان:

    حُسَيْنيُّ السلالةِ قاسِميٌّ بِطهطا مَعشري وبها نَجادي

    وما السودانُ قطُّ مقامُ مِثلِي فلا سَلمايَ فيه ولا سُعادي

    بها ريحُ السمومِ يُشَمُّ مِنهُ زفيرُ لظىً فلا يُطفيه وادي

    ونصفُ القوم أكثرُ من وحوشٍ وبعضُ القومِ أشبهُ بالجماد

    لاحقًا، طرأت في مطلع القرن العشرين، في فترة الحكم الثنائي الإنجليزي المصري فكرة إنشاء كلية غردون التذكارية، التي كانت النواة لجامعة الخرطوم. كانت مناهج اللغة العربية والتربية الإسلامية في تلك الكلية مناهج مصرية يدرسها مدرسون مصريون. ومنذ تلك اللحظة شق التعليم المصري طريقه في احتلال عقول السودانيين. وحتى في الوقت الذي كان فيه جيلنا في المرحلة الثانوية في النصف الثاني من ستينات القرن الماضي، أي، بعد عشرة أعوام من الاستقلال، كان منهج اللغة العربية منهجًا مصريًا. فكتب النحو الواضح، والبلاغة الواضحة، والأدب، هي نفسها كتب المنهج المصري. وكانت الغالبية العظمى من النصوص الشعرية التي ندرسها لشعراء مصريين مثال: أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، والبارودي، أو لشعراء عرب من لبنان والعراق. كما كانت كل دفعة في الصف الرابع الثانوي تدرس معلقة مختارةً من المعلقات السبع. إلى جانب ذلك كنا ندرس نماذج مستفيضة من شعر العصرين الأموي والعباسي. هذا، في حين لا ندرس من نصوص الشعر السوداني، على جودته، ومعاصريته، سوى القليل جدا. وكانت المكتبة المدرسية تعج بكتب الأدب المصري، مما كتبه لطفي المنفلوطي، وطه حسين، وعباس العقاد، وإبراهيم المازني، وأحمد حسن الزيات، وغيرهم. إلى جانب ذلك كانت هناك روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهم من كلاسيكيات الرواية المصرية، إلى جانب روايات تاريخ الإسلام لجورجي زيدان. بل، والأغرب من كل ذلك، أن مؤلفات الإخوان المسلمين المصريين كانت جزءًا من المقرر الدراسي السوداني. فقد كان كتاب “شبهات حول الإسلام” لمحمد قطب ضمن المقرر المدرسي. وهو أمر انتقده السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني، الأستاذ، عبد الخالق محجوب في حينه.

    أما في الثقافة العامة، فقد كان لليسار السوداني دورٌ كبير في ربط الموهوبين من الشباب السودانيين بأدب اليسار المصري. فأشعار صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وأمل دنقل ومحمد عفيفي مطر، وغيرهم كان لها حضور كبير ضمن المقروء من الثقافة المصرية. ومع عدم انشغال النخب السياسية السودانية، عقب الاستقلال بموضوع الهوية السودانية وبموضوع الثقافة وضرورة تطوير الطباعة والنشر، فقد أصبح السودان فضاءً مفتوحًا للكتب والمجلات المصرية، مثال: “المصور”، و”آخر ساعة”، و”روز اليوسف”، و”صباح الخير”.

    إلى جانب كل هذا التغريب عن الذات والاستلحاق الذي عج به المنهج المدرسي السوداني، هناك ما تسمى البعثة التعليمية العربية. وهي أشبه بوزارةٍ موازيةٍ لوزارة التربية والتعليم السودانية. فلهذه المؤسسة الأجنبية العديد من المدارس التي تديرها في عدد من المدن السودانية الكبيرة. كما كانت هناك جامعة القاهرة فرع الخرطوم التي حولها نظام الإنقاذ في فترة عدائه مع مصر في بداية التسعينات من القرن الماضي إلى جامعة النيلين. وقد اشتهر الدكتور المصري الراحل، طلبة عويضة بتقديم آلاف البعثات السنوية للطلاب السودانيين للدراسة في مصر. باختصار، عملت مصر على مختلف الأصعدة التعليمية والإعلامية لاستلحاق السودان وفق خطة واضحة وممنهجة. وقد أنشأت مصر في عام 1949، أي قبل سبع سنين من استقلال السودان إذاعة سُمِّيت “ركن السودان من القاهرة”، وجرى تحويلها عقب توقيع ميثاق التكامل بين البلدين، في عهد الرئيس جعفر نميري، إلى مسمى “إذاعة ادي النيل”.

    في هذا المخطط الضخم للاستتباع والاستلحاق، جرى تغييب التاريخ السوداني الكوشي من المنهج المدرسي ليسهل جر السودانيين إلى تجذير هويتهم خارج تربة بلادهم. وهذا هو ما أسهم في تُكريس اعتقاد السودانيين إنهم جاءوا إلى السودان من مكان آخر، هو الجزيرة العربية في الماضي البعيد، ومن مصر في الماضي القريب. وغرض هذه الخطة أن يرى السودانيون أنفسهم مجرد امتدادٍ جغرافي وثقافي واجتماعي لمصر. وقد ساعدت المصريين على هذه الخطة أخطاء الأكاديميا الغربية التي جعلت من حضارة كوش السودانية مجرد صدىً باهتٍ لحضارة وادي النيل في مصر السفلى. ولذلك، فإن الملوك الكوشيين السودانيين الذين غزوا مصر وحكموها لقرنٍ تقريبًا، وتمددوا حتى بلغوا فلسطين، كما جرى ذكرهم في التوراة، لم يجر تصنيفهم كغزاة قادمين من كوش، وهو ما كان بالفعل، وإنما صُنِّفوا ضمن الأسر المصرية، ومُنحوا اسم “الأسرة الخامسة والعشرون”. والآن، راجعت الأكاديميا الغربية هذا الاعتقاد الخاطئ بعد أن أثبتت الأدلة أن حضارة كوش حضارة مستقلة عن الحضارة المصرية. ومن يرد الاستزادة في هذا الباب فليراجع كتاب دورسيلا هيوستن الموسوم: Wonderful Ethiopians of the Ancient Cu####e Empire. خلاصة القول، إن الاحتلال المصري للعقل السوداني ظاهرةٌ ضخمةٌ ومتشعبةٌ قوية التأثير، عظيمة المخاطر. وهي لم تجد إلى الآن نظرًا نقديًا يوازي عظم خطرها. ومن أكبر علامات فداحتها رؤية السودانيين لكل ما هم فيه من استتباع، أمرًا طبيعيًا لا تنعقد له الحواجب دهشة.

    (يتواصل)
                  

05-08-2025, 01:45 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)


    على طريقِ الانعتاقِ من الهيمنةِ المصرية (7 – 20)

    “لن يستطيع أحدٌ أنْ يركبَ على ظهرِكَ، ما لم تَكُنْ مُنحنياً”
    مارتن لوثر كينج


    النور حمد

    لا أظن أن هناك استعمارًا تغلغل عبر مسارات عديدة، وتمكن من الإمساك برقبة البلاد التي استعمرها، كما فعل الاستعمار المصري الخديوي في السودان. ولأن الاستعمار المصري الخديوي وما تلته من أنظمة حكم مصرية واصلت نهج احتلال عقول السودانيين، فقد بقيت الهيمنة المصرية على السودان راسخةً، رغم خروج الجيوش المصرية من أرض السودان مرتين. كانت المرة الأولى بسبب الثورة المهدية واستعادة الخرطوم على أيدي المهدويين في عام 1885. وكانت المرة الثانية حين طرد الإنجليز الجيش المصري من الخرطوم، وانفردوا بحكم السودان، عقب مقتل البريطاني، السير لي ستاك، سردار الجيش المصري وحاكم السودان، في القاهرة، في عام 1924.

    الري المصري

    من أغرب نماذج الغفلات التي أدت إلى انتهاك السيادة الوطنية السودانية، ما جرى في فترة الحكم الثنائي الإنجليزي المصري للسودان (1898 – 1956)، من سماحٍ لمصر لكي تنشئ مؤسسةً ضخمةً داخل السودان لمراقبة مياه النيل. هذه المؤسسة تحتل مستعمرةً كاملةً خاصةً بها في منطقة الشجرة جنوب الخرطوم، وشمالي خزان جبل أولياء. وخزان جبل أولياء نفسه هو خزان تميَّز عن كل الخزانات والسدود بأنه خزانٌ بنته دولةٌ أجنبيةٌ في عمق أراضي دولة أخرى. وقد ورثت معنا دولة جنوب السودان بسبب غفلتنا وتفريطنا في سيادتنا هذا التغلغل المصري المزعج طويل الأمد. فلمؤسسة الري المصري أيضًا وجودٌ في أراضي جنوب السودان، بل، ولها مكاتب هناك. ومن ضمن مكاتبها مكتبٌ في مدينة واو التي تبعد حوالي 300 كيلومترًا في اتجاه الغرب من مجرى النيل الرئيسي. والغرض من وجود هذه المحطة المصرية هناك هو مراقبة نهر الجور الذي ينحدر من مرتفعات إفريقيا الوسطى ويصب في مجرى النيل الأبيض.

    أما أسوأ نماذج التفريط التي حدثت في فترة حكم الرئيس نميري، الذي كان واقعًا بالكلية تحت السيطرة المصرية، فهو سماحه بإنشاء قناة جونقلي التي يؤدي حفرها إلى تجفيف منطقة السدود الرطبة الشاسعة، التي يعيش فيها رعاة الأبقار الجنوبيون. وغرض هذه القناة هو أن تزيد مصر إيراداتها من مياه النيل التي تحصل، أصلاً، على أكثر من نصفها. فكل دول حوض النيل الأحد عشر، ومن ضمنها السودان تحصل على أقل من النصف من إيرادات مياه النيل. جرى اتخاذ قرار إنشاء قناة جونقلي مع تجاهلٍ تامٍ للتأثيرات الإيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية التي سوف تلحقها القناة بالمواطنين الجنوبيين. وقد تنبه الثائر الراحل جون قرنق إلى خطر قناة جونقلي على القبائل الرعوية الجنوبية. فهاجمت قواته الحفَّار الذي جرى جلبه للعمل في حفر القناة، فتوقف العمل فيها منذ ذلك التاريخ.

    قال محمد الحسيني، مدير تفتيش الري المصري في جوبا، عاصمة جنوب السودان، في عام 2013 لوكالة الأناضول الإخبارية، إن وجود بعثات الري المصرية ليست وليدة اليوم. وإن تاريخ إنشائها يعود إلى منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، بموجب اتفاقياتِ تقسيم حصص مياه النيل. وهي الاتفاقيات التي منحت مصر 55.5 مليار مترًا مكعبًا سنوياً من مياه النيل. ويقول: إن هذه الاتفاقيات إلى جانب منحها مصر 55.5، مليونًا م م من مياه النيل، منحت مصر، أيضًا، الحق في متابعة منسوب تدفق مياه الأنهار من المنبع حتى المصب. وبناءً عليه أنشأت مصر بعثات الري المصري في أغلب مدن شمال وجنوب السودان. ومن المهم القول هنا إن هذه الاتفاقيات قد جرى إبرامها ودول حوض النيل تحت الاستعمار الأوروبي، ما جعلها لا تملك سلطة قرارها. وقد ذكر مدير الري المصري في جنوب السودان أن قناة جونقلي ستوفر لمصر 6 مليارات مترًا مكعبًا سنويًا من المياه، وستستفيد منها مصر التي تواجه خطر عدم كفاية المياه للسكان مستقبلاً، حسب قوله. ولنلاحظ هنا: أن مصر تسعى لكي تؤمن حاجة سكانها المستقبلية للمياه، ولا يهمها ما ستحدثه القناة في الحاضر على الرعاة من سكان جنوب السودان.

    وفيما يخص السودان، فإن الحق الذي منحته مصر لنفسها في متابعة منسوب النيل من داخل أراضيه، بهذه الصورة المؤسسية اللصيقة، جرى والسودان مستعمرة بريطانية مصرية. ويقول الإثيوبيون شيئًا مماثلا، وهو أنهم لم يكونوا طرفًا في تلك الاتفاقيات التي قسمت مياه النيل، ولم يُستشاروا فيها أصلا. فاتفاقية 1929، الي منحت فيها مصر لنفسها كل هذه المزايا، جرت في وقتٍ كانت فيه سلطة القرار في السودان غائبةً بسبب الاستعمار. وبسبب الاحتلال المصري لعقول السودانيين فشلت النخب السودانية الحاكمة بعد أن حصل السودان على الاستقلال في تصحيح هذا الاعوجاج البيِّن. فقد أبقت اتفاقية 1959 على نصيب الأسد من مياه النيل لمصر، كما أبقت مؤسسة الري المصري داخل السودان لتمارس أنشطتها من داخل السودان، وهي بمثابة وزارة ري مصرية، بل وجهاز مخابرات علني، ظل يعمل من داخل السودان لقرنٍ كاملٍ. ظلت مصر حريصةً على مراقبة ما يأخذه السودان من مياه النيل رغم أنها تعلم أن السودان لم يستخدم حصته المقررة له قط. بل كانت هناك 4 مليارات مكعبة من نصيب السودان تذهب لمصر كقرض، وهو قرضٌ هالكٌ بطيبعة الحال.

    السد العالي

    قبل الحديث عمَّا أصاب السودان من أضرارَ بالغةٍ نتيجة لقيام السد العالي، لابد من الحديث عن أن مصر في كل مرةٍ يتَقدَّم فيها السودان بمقترح لإقامة مشروعٍ لمصلحة اقتصاده، داخل أراضيه، تسارع من جانبها لتحصل في المقابل على شيء لنفسها. فحين فكر البريطانيون في إقامة خزان سنار لري مشروع الجزيرة للقطن، اعترض عليه المصريون تلك الاعتراضات المضحكة المبكية، التي سبق أن ذكرناها. لكن، أيضًا، انتهز المصريون الفرصة ليطالبوا بإنشاء خزان جبل الأولياء في وسط السودان، جنوبي الخرطوم، فحصلوا على الموافقة من البريطانيين الذين لم يكن الأمر يعينهم كثيرا. فهو خزانٌ مصريٌّ لتخزين المياه لمصلحة مصر داخل الأراضي السودانية. بل، يقع على بُعد أكثر من ألف كيلومتر من حدود مصر مع السودان.

    أيضًا حين فكر السودانيون في إنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق لإنتاج الكهرباء، طلب المصريون موافقة السودان على إنشاء السد العالي، الذي سوف يكون جزءٌ مقدَّرٌ من بحيرته داخل الأراضي السودانية، وسوف تغمر مياه بحيرته أكثر من 5 آلاف كيلومترًا مربعًا داخل السودان. ويمثل الجزء الواقع من تلك البحيرة داخل الأراضي السودانية ما يقدر بـ 15% من مساحتها الكلية. وقد أدَّت تلك البحيرة إلى تهجير ما يصل إلى 70,000، من مواطني تلك المنطقة الذين عاشوا فيها لآلاف السنين. يُضاف إلى ذلك، غمرت البحيرة كل المزارع على ضفتي النيل، بالإضافة إلى إغراقها الآثار التاريخية المدفونة في الأرض في تلك المنطقة الغنية بالآثار الكوشيةـ التي لم تجر الحفريات لاستكشافها بعد.

    إن أسوأ ما قام به نظام الفريق عبود في فترة حكمه ( 1958-1964)، لهو موافقته على نتائج المفاوضات التي جرت قبل توليه الحكم عبر الانقلاب العسكري في عام 1958. يقول سلمان محمد أحمد سلمان، إن جولة التفاوض الثالثة بين مصر والسودان حول مياه النيل بدأت في القاهرة في 4 أبريل عام 1955، وقد قاد فيها وفد السودان وزير الري وقتها السيد، خضر حمد. ورغم أنه لم يتم التوصل لاتفاقٍ نهائيٍّ في تلك الجولة، إلا أن الوفد السوداني وافق في 7 أبريل 1955على قيام السد العالي، على “أن يُعوَّضَ سكانُ وادي حلفا التعويض الكافي قبل إقامة السد العالي.” وقد تم تسجيل هذه الموافقة في تصريح الوفد السوداني بعد نهاية تلك الجولة من التفاوض، الأمر الذي جعل تلك الموافقة مُلزِمةً للسودان، فجرى تأطيرها في اتفاقية مياه النيل في 8 نوفمبر عام 1959. (راجع: سلمان محمد أحمد سلمان، السودان ومياه النيل، فيرفاكس فيرجينا: مركز أبحاث السودان، (2016)، ص ص 109 – 112). (وراجع أيضًا: خضر حمد، مذكرات خضر حمد، الشارقة: مطبعة الشرق والغرب، (1980)، ص ص 206 – 212).

    لقد تعاطف نظام الفريق عبود مع حكومة جمال عبد الناصر في مشروع السد العالي منساقًا وراء الهالة التي صنعها جمال عبد الناصر لنفسه كقائدٍ لكل العرب. وكذلك، للهالة التي صنعتها مصر لنفسها بوصفها زعيمةً للدول العربية، وينبغي أن يُضحِّى الكلُّ من أجلها، لأنها رأس سهم مقاومة المشروع الصهيوني، والمدافعة عن العرب ضد غوائل الاستعمار والامبريالية. تعاطف الفريق عبود وزمرته مع مصر، في حين لم يُبدوا أي تعاطفٍ مع مئات الآلاف من مواطنيهم من سكان منطقة حلفا القديمة، الذين غمرت بحيرة السد العالي مدنهم وعلى رأسها مدينة حلفا العامرة، وقراهم، وزراعتهم. ولتغرق، أيضًا، وإلى الأبد آثارَ كوشيَّةً مدفونةً في مساحةٍ شاسعةٍ جدًا، لا تقدر قيمتها التاريخة بثمن، يصبح البحث عنها مرة أخرى غير ممكن.

    تقول الإحصاءات إن ما يقارب مليونًا من أشجار النخيل في السودان غمرتها مياه البحيرة. كما جرى ترحيل الأهالي القاطنين على ضفاف النيل على مسافة طولها 150 كيلومترًا، رغم أنفهم، إلى سهل البطانة في وسط السودان. وقد تكفَّلت مصر في اتفاقية السد العالي بتقديم تعويضاتٍ للسودان نظير ما فقده، ونظير ترحيل وإعادة إسكان المهجَّرين من أهالي منطقة حلفا في سهل البطانة. وقد حدث الاتفاق على المبلغ بعد مفاوضاتٍ عسيرة، تعنَّت فيها المصريون تعنتًا شديدًا، وكأنَّ السودان هو الذي أتي ليبني سدًّا في مصر ليغرق به أراضيهم، وليسوا هم الذين يريدون بناء سدِّ سوف يغرق أراضي السودان، ويكبد أهله خسائر فادحة. والغريب، حين اختلف وفد السودان ووفد مصر حول مقدار مبلغ التعويض الذي ينبغي أن تدفعه مصر للسودان، وافق الوفد السوداني، بناء على مُقترحٍ من الوفد المصري، أن يكون الرئيس المصري جمال عبد الناصر هو الجهة التي يحتكم إليها الوفدان! ولقد أظهر الوفد السوداني بقبوله تولِّى الرئيس المصري جمال عبد الناصر مهمة التحكيم بين البلدين، غفلةً وسذاجةً لافتة. تعامل الوفد السوداني مع الخلاف وكأنَّ الرئيس جمال عبد الناصر جهةٌ محايدةٌ، وليس جهةً صاحبة مصلحة. بعبارة أخرى، جرى وضع جمال عبد الناصر في موضع الأب الذي يحتكم إليه ولداه المتخاصمان. وهذه واحدةٌ من تجلِّيات حالة الاحتلال المصري لعقول السودانيين. لقد طالب الوفد السوداني بـ 35 مليونًا من الجنيهات المصرية نظير الخسائر، في حين، أقترح الوفد المصري 10 ملايين جنيهًا مصريًا، فقط! وكما هو واضحٌ، فإن الفرق بين المقترحين 25 مليونًا، وهو فارقٌ بالغ الضخامة. فأتي الرئيس جمال عبد الناصر الذي افترض فيه الوفد السوداني، لفرط غفلته وسذاجته، الحياد، ليقترح من جانبه، رغم الفارق الكبير جدًا بين المقترحين السوداني والمصري، بأن يكون مبلغ التعويض 15 مليونًا! ورغم الفارق الضخم بين المقترحين، وافق الوفد السوداني على ما اقترحه الرئيس جمال عبد الناصر!

    المال الذي وافقت مصر على دفعه كان ينبغي أن يعوِّض السودان بمقدار ما فقد من أراضي شاسعةٍ غمرتها مياه بحيرة السد. وكذلك، بمقدار ما فقد من مدن وقرى وسهل فيضي على ضفتي النيل بطول 300 كيلومترًا (150 كيلو مترًا على كل ضفة). يضاف إلى ذلك، فقدان حقول ممتدة على الضفتين لزراعة الحبوب والخضر والفواكه، وما يقارب المليون نخلةً مثمرةً، جميعها غمرتها المياه. يضاف إلى ذلك، كان ينبغي أن تغطي التعويضات المصرية كلفة ترحيل قرابة 70 ألفًا من مواطني منطقة حلفا لمسافة 500 كيلو متر في عمق البلاد. مع بناء مساكن لهم وبناء كل المؤسسات الخدمية من صحية وتعليمية من الصفر. إلى جانب ذلك، كان ينبغي أن يغطي مبلغ التعويضات كلفة إنشاء خزان خشم القربة لتخرج منه ترعة تروي مشروعًا زراعيًا ليعيش عليه هؤلاء المهجَّرون. وعند نهايات التنفيذ اتضح أن مبلغ التعويض المصري أقل بكثير من نصف الكلفة، الأمر الذي أضطر الحكومة السودانية أن تقوم بإكمال النقص من خزينتها. فإلى جانب الأنانية التي أبدتها الحكومة المصرية، وهي تتعنت في التفاوض في مقدار التعويضات، رغم أنها هي المنتفع الوحيد من مشروع السد العالي، وأن السودان هو المتضرر منه، كان هناك عامل أكثر أهمية في أن يحيق الظلم بالسودان. يتمثل ذلك العامل في ضعف المفاوض السوداني وغفلته وسذاجته، التي جعلته يفرط كل هذا التفريط، بل ولا يطالب ولو بنصيبٍ من الكهرباء التي سوف ينتجها السد، العالي. وقد كانت المديرية الشمالية في السودان، في ذلك الوقت، مظلمةً من أولها إلى آخرها، ولم يكن بها آنذاك سوى مولداتٍ صغيرةٍ تنير أجزاءَ محدودةً من بعض مدنها.

    تدمير وإغراق الآثار السودانية

    البلايا التي جلبها الغزو الخديوي للسودان لا حد لها، بل، هي بلايا تتناسل وتتطاول، لأنها ارتكزت على الاحتلال المصري لعقول السودانيين الذي جرى كما ذكرنا بالتعليم والإعلام ودعوى القومية العربية والمصير المشترك وخطاب المؤسسة الدينية الرسمية ذات الطابع الأزهري. بكل هذا جرى تجريف وعي السودانيين بذاتهم، وجرى إلباسهم خوذةً هوياتيةً زائفةً جعلتهم ريشةً في مهب الريح، ومطيةً ذلولاً للعقل العروبي الجمعي المُتَخَيَّل، العابر للأقطار، الذي جعلت القومية العربية الكثيرين من المستعربين في الشمال الأفريقي والقرن الأفريقي والشرق الأوسط، في الحقبة الناصرية، يتوهمون وجوده ويؤمنون به كحقيقةٍ راسخة.

    أيضًا، من بين البلايا الكبيرة التي جلبها الغزو الخديوي في طياته إلى السودان، مجيء الطبيب الإيطالي جوسيبي فيرليني، الذي كان يعمل طبيبًا في مصر في عهد محمد علي باشا، ضمن حملة الغزو الخديوية. قام هذا الطبيب في عام 1834م، مستغلاً علاقاته الشخصيه مع مسؤولين خديويين في السودان، بتنظيم رحلة استكشافية مع شريكه الألباني ستيفاني إلى مدافن مَرَوِي التاريخية التي بها بقايا آثار الممالك الكوشية التي تضم 255 هرًما. قام هذا الطبيب، لص الآثار، بتفجير رؤؤس بعضها بالديناميت وسرق كنوزها. أما بحيرة السد العالي فقد أغرقت من الآثار الكوشية السودانية ما لا يقدر بثمن، كما سبق أن قلنا. لم يُبدِ المفاوضون السودانيون اهتمامًا كبيرًا بمصير تلك الآثار، لأن التعليم المصري قد نجح في قطع العلاقة بينهم وبين التاريخ الكوشي، وهو، في تقديري، ما جعلهم يعتقدون أن هذه الآثار لا تخصهم وإنما هي آثارٌ فرعونيةٌ؛ أي مصرية!! وقد جرى بالفعل استنقاذ قدرٍ ضئيلٍ من تلك الآثار بواسطة منظمة اليونسكو، قبل أن تغمرها المياه، وجرى نقلها إلى متحف السودان القومي، الذي لا يحوي، نتيجة لغفلة نخبنا السياسية وضعف ثقافتهم، من الآثار الكوشية سوى نذرٍ يسير.

    (يتواصل)
                  

06-01-2025, 12:46 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (8 – 20)

    د. النور حمد

    “لن يستطيعَ أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تَكنْ مُنحنياً”
    مارتن لوثر كينج

    مصر وثورة ديسمبر 2018

    منذ أن فشلت خطة حكومة صدقي باشا، ومن بعده الرئيس جمال عبد الناصر في جعل الأحزاب الاتحادية السودانية وكيلاً لخدمة مصالح مصر في السودان، بسبب ثبوت ضعف قدراتها على أداء تلك المهمة، على الرغم من الولاء الشديد الذي ظلت تبديه لمصر، اتجهت الأنظمة المصرية إلى خطةٍ أخرى. تمثَّلت تلك الخطة في عرقلة الديمقراطية في السودان عن طريق صنع الانقلابات العسكرية، أو الإسراع في دعم التي لم تشارك في صنعها، والتسويق لقبولها في البلدان العربية. ظلت الأنظمة المصرية المتعاقبة حريصةً على الدوام على أن تكون الأنظمة في السودان أنظمةً عسكرية. لذلك، كان أفضل الخيارات للأنظمة المصرية المتعاقبة أن يحكم السودان جنرالٌ بيدٍ من حديد، ويكون في نفس الوقت معتمدًا عليها في الدعم السياسي والدبلوماسي ليصبح، من ثم، خاضعًا لإرادتها. وقد ظلت الأنظمة المصرية المتعاقبة تمارس في هذا المنحى مختلف صنوف الابتزاز للجنرالات الذين تعاقبوا على حكم البلاد. حدث هذا مع الفريق إبراهيم عبود، الذي أعانها في ترحيل أهالي حلفا وإغراق الأراضي السودانية، بكل ما حوت من مقدرَّات، لتتمكن مصر من إنشاء السد العالي. كما حدث مع الرئيس جعفر نميري الذي بدأ قوميًا عربيًّا وانتهى بإعلان نفسه خليفة للمسلمين في السودان في عام 1983. واستمر أيضًا نهج الهيمنة والتحكم من على بعد في فترة حكم الرئيس عمر البشير الذي بدأ عدوًا لمصر حين كان هو والدكتور حسن الترابي في مركب واحد. لكن ما لبث أن أبعد البشير الترابي عن السلطة في نهاية التسعينات من القرن الماضى وسار كسابقيه في طريق الخنوع للإرادة المصرية.

    نزعة الترابي في تصدير الثورة إلى العالم الإسلامي، وأحلامه الشاطحة بخلق قوة إسلامية مناطحة للغرب، ورطت نظامه في أخطاء فادحة. هذه الأخطاء الفادحة إلى جانب استخفافه بالرئيس عمر البشير ومحاولة جعله مجرد دمية تجلس في الواجهة، باعدت بين الرجلين. الأمر الذي قاد إلى ما سُمي “المفاصلة” التي جرت في نهاية التسعينات من القرن الماضي. هذه الأخطاء وهذا التباعد بين الحليفين صب، في المحصلة النهائية، في مصلحة النظام المصري. من هذه الأخطاء الفادحة التي صبت في صالح مصر، محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا في عام 1995، التي ثبت أن نظام البشير في السودان هو الذي دبرها. كما سبقت ذلك استضافة النظام السوداني للإرهابي أسامة بن لادن وأيضًا مشاركة النظام في تفجير السفارتين الأمريكيتين في شرق أفريقيا، وفي حادثة المدمرة كول على سواحل اليمن. كل هذه الأفعال التي أغضبت العالم وأزعجت الإقليم، منحت مصر فرصةً ذهبيةً لتنخرط في ترويض نظام الإسلامويين في السودان، عن طريق الضغوط. أصبحت مصر، داعمةً بالصوت العالي للعقوبات على السودان. وقد كسبت مصر من ذلك على صعيدين. الصعيد الأول: ترويض نظام الرئيس عمر البشير ووضعه تحت قبضتها. أما على الصعيد الآخر، تكبيل السودان من أن يصبح قوة اقتصادية لها قدرات صناعية، لأن تحول السودان إلى دولة تصنع منتجاتها يحرمها من واحد من أهم أهدافها وهو أن يبقى السودان مجرد مصدر تأخذ منه المواد الخام لتُصَنِّعَها هي وتصدرها نيابة عنه. وسنعرض إلى ذلك بتفصيل أكبر، في حلقةٍ قادمة. خلاصة القول، عبر تشديد العقوبات على نظامه وتزايد ضغوط العزلة عليه، أدرك الرئيس المخلوع عمر البشير أن مصر هي من يسمع منها المجتمعان؛ الدولي والإقليمي، فيما يتعلق بشؤون السودان. فانتقل من حالة العداء الأولى ونهج المصادمة ومحاولة الاستقلال بالقرار السياسي إلى حالة من الرضوخ والاستسلام التام.

    مصر والفريق البرهان

    أما السيطرة المصرية على مجريات الأمور في السودان، عبر حاكمٍ عسكريٍّ سوداني، التي ظهرت في فترة صعود الفريق عبد الفتاح البرهان إلى دست الحكم في السودان منذ 2019، فقد فاق كل ما حدث في السابق. فمنذ صعود البرهان إلى الحكم، كرئيسٍ لمجلس السيادة للفترة الانتقالية، وفقًا للوثيقة الدستورية، قام بإلقاء نفسه بالكلية في الحضن المصري. ويبدو أن البرهان قد عرف بالتجربة الطويلة، ومن كونه ضابطًا قياديًّا ضمن منظومة حكم الرئيس البشير، أن مصر تريد، على الدوام، حاكمًا عسكريًا للسودان وأنها لا تترد قط في دعمه. بعبارة أخرى، وقوع من يحكم السودان تحت سيطرتها يضمن له أطول مدةٍ للبقاء في السلطة. هنا، تطابقت رغبة مصر مع رغبة الفريق البرهان في تحقيق رؤيا أبيه بأنه سيكون حاكمًا على السودان. وهي رؤيا لم يجد الفريق البرهان بأسًا في أن يحكيها للناس في أول مقابلةٍ متلفزةٍ له مع قناةٍ فضائيةٍ دوليةٍ، بعد توليه رئاسة مجلس السيادة. أيضًا، عرف البرهان أن وجود الإسلاميين في صفه في اللحظة الراهنة، على أهميته بالنسبة له، سوف يقف، في لحظةٍ قادمةٍ ما، حائلاً بينه وبين تحقيق حلمه بالانفراد بالسلطة. وهو يعرف أصلاً أن مصر ستقبل مرحليًا دعم الإسلامويين له حتى تجتاز سيطرته على الأمور مرحلة الخطر، لكنها ستدفعه لاحقًا للتخلص منهم. كل هذه العوامل جعلت الفريق البرهان يختار إسناد ظهره بالكامل إلى مصر. باختصار شديد، وجد الفريق البرهان في مصر ضالته، ووجدت مصر فيه ضالتها. ومن هنا، بدأ تعاون مصر والبرهان للقضاء على الثورة السودانية، عبر مختلف التكتيكات.

    تزايد التعاون الاستخباراتي

    منذ أن اعتلى الفريق البرهان رئاسة مجلس السيادة، تكثفت زيارات اللواء عباس كامل، مدير المخابرات المصرية، المعلنة وغير المعلنة، إلى السودان. كما تكررت زيارات الفريق عبد الفتاح البرهان، المعلنة وغير المعلنة، ومعه فريق مخابراته إلى القاهرة. لم يكن يمضي شهر أو شهران، إلا وكان عباس كامل وفريقه الاستخباراتي في الخرطوم. لقد كان التنسيق بين المخابرات المصرية والفريق البرهان وأجهزته الأمنية من أجل إجهاض الثورة، واضحًا وضوح الشمس. وقد كانت هناك محطاتٌ بارزةٌ عكست ذلك التنسيق. ومن أغرب الأمور التي حدثت بعد الثورة، لجوء مدير جهاز المخابرات السودانية في فترة حكم البشير، صلاح قوش، إلى مصر. فرئيس جهاز المخابرات هو حامل أسرار الدولة، ولا ينبغي أن يصبح عقب تركه منصبه ضيفًا على دولة أخرى، بل، وبصفة لاجئ. خاصةً في حالة العلاقة بين مصر والسودان التي تحكمها الأطماع وتديرها مصر على أساسٍ أمني واستخباراتي بحت.

    هذا التهاون الأمني السوداني الذي خلقه نظام الفريق البشير، حدث في سابقةٍ أخرى، لا تقل غرابة. فمدير مكاتب الرئيس المخلوع عمر البشير، طه عثمان الحسين، الذي قام البشير بطرده من منصبه، التقطته المملكة العربية السعودية عقب طرده مباشرةً وعينته مستشارًا لديها للشؤون الإفريقية. أيضًا، لجأ إلى مصر واحدٌ من أكبر رموز نظام البشير وهو والي البحر الأحمر السابق، محمد طاهر آيلا. أقام آيلا في مصر لمدة ثلاث سنوات عقب قيام الثورة وعاد بعد انقلاب البرهان في أكتوبر 2021، ليجري استقباله في بورتسودان بصورةٍ رسمية، رغم أنه كان من المطلوبين للعدالة الذين هربوا في بدايات الثورة. وقد وصل آيلا إلى بورتسودان في وقت اكتملت فيها حلقات مؤامرة خنق حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، خاصة عقب إغلاق الميناء والطريق البري الرابط بين الميناء وبقية البلاد. لذلك، كان واضحًا لمن يتابعون تصاعد تضييق الخناق على الثورة، آنذاك، أن مطبخًا للتآمر على الثورة السودانية ظل يقوم بمهمته من القاهرة، بالتنسيق مع الفرق البرهان وقوى الثورة المضادة في الداخل السوداني.

    مصر ومجزرة فض الاعتصام

    كان أول تحدي للبرهان ولمصر، الاعتصام الضخم الذي أقامه الثوار على مدى أربعة أشهر أمام مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم. ورغم تصريحات القادة العسكريين بأن الاعتصام لن يجري فضه، شرعت القوى الأمنية في شيطنة الاعتصام بإدخال المخدرات والمتعاطين إليه عبر عناصرها. كما أدخلت فتياتٍ وشبانٍ مكلفين بالقيام بأفعالٍ مخلة بالآداب وتصويرها ونشرها لتستخدمها غرف الثورة المضادة الإلكترونية في تشويه صور الاعتصام والمعتصمين أمام الرأي العام. وبعد واحدةٍ من زيارات البرهان إلى القاهرة وعودته إلى الخرطوم حدثت مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو 2019. وقد كانت استنساخًا لتجربة مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية في القاهرة بواسطة قوات الأمن المصرية.

    لم يقض فض الاعتصام على جذوة الثورة كما كان منتظرًا منه. وظهرت الثورة أكثر قوةً وزَخْمًا في التظاهرات التي ملأت شوارع الخرطوم، في 30 يونيو 2019. أحنى البرهان وعسكريوه رؤوسهم، مؤقتًا، لتلك العاصفة. وتوصل الحوار بين قوى الحرية والتغيير إلى إنتاج الوثيقة الدستورية التي بموجبها تشكل مجلس السيادة وتشكلت الحكومة الانتقالية التي ترأسها الدكتور عبد الله حمدوك. لكن التكتيكات للقضاء على الثورة، لم تتوقف قط. فقد تضافرت جهود الفريق البرهان، والعسكريين في مجلس السيادة، وحزب الرئيس البشير المحلول، المؤتمر الوطني، الذي ظل رغم حله ممسكًا بكل مفاصل الحكم، في وضع العراقيل أمام حكومة حمدوك. وكان الهدف من ذلك، أن يفقد الشعب الثقة في كفاءتها، ويتهيأ الرأي العام من ثم للإطاحة بها.

    تجفيف السوق وخلق الضوائق

    كان أول ما بدأ به الفريق البرهان وقوى النظام القديم في هذا المخطط، هو تجفيف السوق من السلع الضرورية. فشرعوا في خلق الاختناقات في الوقود؛ من بنزين وجازولين وغاز طهي. كما خلقوا، أيضًا، أزمةً في دقيق الخبز، بل وفي إمدادت الكهرباء والمياه. إلى جانب ذلك، أشعلت الأجهزة الأمنية اضطراباتٍ عرقيةً داميةً في عددٍ من مدن السودان. كما عمدوا إلى خلق سيولةٍ أمنيةٍ غير مسبوقةٍ في العاصمة. وأصبحت ما تسمى عصابات “النيقرز” التي يشرف عليها جهاز الأمن، تنهب الناس في الشوارع، في وضح النهار، تحت التهديد بالسواطير والمُدَي، مع تقاعسٍ مُتَعَمَّدٍ من قِبَل قوات الشرطة عن التدخل. ثم أعقبوا ذلك بإغلاق الميناء والطريق البري الرابط بين ميناء بوتسودان وبقية مدن البلاد، كما سبق أن ذكرنا. وتولى تلك المهمة الزعيم القبلي في شرق السودان، محمد الأمين تِرِك مستخدمًا أفراد قبيلته. والرجل أصلاً عضوٌ في المؤتمر الوطني، حزب الرئيس المخلوع عمر البشير الذي حكم البلاد لعقود. حدث هذا الإغلاق في سبتمبر 2021 واستمر لمدة شهر تقريبا. وبعد أن اكتمل الخنق وتأزمت الأوضاع المعيشية وجرى إظهار حكومة حمدوك بمظهر العاجز عن الحكم، وإظهار ضعفها عبر حملات إعلاميةٍ ضخمةٍ لبلبلة الرأي العام، نفَّذ الفريق البرهان انقلابه على الوثيقة الدستورية، وأطاح بحكومة عبد الله حمدوك في 25 أكتوبر 2021. حدث ذلك، أثناء فترة إغلاق محمد الأمين تِرِك للميناء وللطريق البري. وقد تغاضى الفريق البرهان وعسكريوه عن ذلك التعدي الخطِر الذي تمثل في إغلاق الميناء وقطع الطريق البري، فلم يقوموا بأي تدخل رغم خطر تلك التعديات الخطِرة على اقتصاد البلاد ومعاش الناس. وبالفعل، أحدث إغلاق الميناء والطريق البري أزمةً في دقيق القمح وفي نقل البضائع بين الميناء وبقية البلاد، كما ضاعف أسعار السلع، بصورةٍ كبيرةٍ جدا.

    ميناء العين السخنة بدلا عن بورتسودان

    منذ نوفمير 2020 أخذت المشاكل المفتعلة تحيط بميناء بورتسودان. وقد كان من الممكن حل تلك الإشكالات لولا أن تلك الإشكالات قد تُركت لتتفاقم عمدًا ويجرى، من ثم، توظيفها سياسيًا. أحدثت مشاكل الميناء تذمرًا كبيرًا في أوساط المصدِّرين *والمتورِّدين* . وبدأت تظهر أقتراحات بالتحول إلى ميناء مصوع على البحر الأحمر في دولة إريتريا. وهو ميناء يبعد حوالي 500 كيلو متر من وسط السودان. وقيل في تبرير التحول إليه أنه ميناء تعمل به 9 رافعات حديثة، في حين أن ميناء بورتسودان تعمل به 6 رافعات وهي رافعات كثيرة الأعطال. في نفس تلك الفترة، أعلنت جمهورية مصر العربية أنها قد رحبت بطلباتٍ تلقتها من شركات سودانية لفتح الموانئ المصرية لعمليات الإستيراد وتصدير المنتجات السودانية. (راجع صحيفة “الراكوبة” الإلكترونية على الرابط: https://shorturl.at/gw9ih ). ومن الغريب، أن تتلقى مصر الطلبات من الشركات السودانية لاستخدام ميناء العين السخنة الذي يبعد من الخرطوم في وسط السودان أكثر من 1600 كيلومترا، ومن مدينة نيالا في دارفور أكثر من 2500 كيلومترًا. ولا يكون الاختيار لميناء مصوع الذي يبعد 500 كيلو متر من مدينة القضارف في شرق السودان، وحوالي 1700 كيلومترا من نيالا في دارفور. كما أوردت صحيفة “العربي الجديد”، أن وزارة المالية المصرية قالت إنه تم التوافق مع الجانب السوداني على الإجراءات اللوجستية اللازمة لاستخدام الموانئ المصرية، خاصة ميناءي العين السخنة والسويس، في تصدير المنتجات السودانية واستيراد احتياجات السودان من العالم. (راجع: صحيفة “العربي الجديد”، على الرابط: https://shorturl.at/pNwK5.

    الشاهد، عندما قام الزعيم القبلي محمد الأمين ترك بإغلاق الميناء والطريق البري الرابط بين الميناء وبقية البلاد في سبتمبر 2021، تحولت حركة الصادر والوارد إلى ميناء العين السخنة والسويس في مصر. وهو أمر صب في مصلحة مصر التي أصبحت المنفذ البحري الوحيد لحركة الصادر والوارد السودانية. قاد هذا التحول إلى زيادة تكاليف الشحن والنقل، وأدى، في نهاية الأمر، إلى ارتفاع السلع في السودان. فازداد بذلك الضغط على المواطنين الذين كانوا يعانون أصلاً من الضغود المفتعلة التي ظل الفريق البرهان وقوى النظام القديم يخلقونها لخدمة أهدافهم السياسية المتمثلة في القضاء على الثورة. حين اكتملت دائرة الضغوط على المواطنين على هذا النحو ووصل الخنق المتعمد للمواطنين ذروته، نفَّذ الفريق البرهان انقلابه في 25 أكتوبر2021 على الوثيقة الدستورية ليطيح بحكومة عبد الله حمدوك ولتتداعي الأمور، في نهاية تفاعلاتها، إلى هذه الحرب البشعة المدمرة التي تجري حاليًا.

    (يتواصل)
                  

06-01-2025, 12:50 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (9 – 20)

    د. النور حمد


    “لن يستطيع أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تَكُنْ مُنحنياً”
    مارتن لوثر كينج

    خلق الحاضنة الشعبية الضرار

    الجهود العديدة التي جرى بذلها في محاولات القضاء على ثورة ديسمبر، صاحبها جهدٌ آخر، وهو خلق حاضنةٍ شعبيةٍ ضرارٍ، ليقول عسكريو مجلس السيادة، وقوى النظام القديم، ومن ورائهم جميعًا النظام المصري، إن هناك قوىً مدنيةً أخرى داعمة للثورة. وأن قوى الحرية والتغيير، المجلس المركزي التي كان يُشار إليها اختصارًا عند بداية الثورة بـ (قحت)، لا تمثل الشعب السوداني وأنها ليست هي الجسم الوحيد الممثل للثورة. لحظة إنشاء هذه الحاضنة الشعبية الضرار، منحها البرهان وعسكره مبنى قاعة الصداقة في الخرطوم ليعقدوا فيها لقاءهم وليقيموا فيها المؤتمر الصحفي الذي أعلنوا فيه ولادتها. وكان من اللافت جدًا في مهرجان إعلان هذه الحاضنة الضرار، حضور السفير المصري في الخرطوم تلك الجلسة. هذه الحاضنة المزيفة هي نفسها التي، كما سبق أن ذكرنا، دبَّر لها عسكر المجلس السيادي فرصة الاعتصام أمام القصر الجمهوري وقدم لها كل التسهيلات. وفي الوقت الذي كانت فيه قوى الأمن تقمع مسيرات المتظاهرين من شباب الثورة بعنفٍ مفرطٍ، وتمنعهم من الوصول إلى القصر الجمهوري، تركت هؤلاء يقيمون اعتصامهم لمدة أسبوع، أمام القصر الجمهوري، تحت حماية قوى الأمن.

    في نهاية اعتصامهم أمام القصر الجمهوري طالب هؤلاء النفر الفريق البرهان بالانقلاب على حكومة الدكتور عبد الله حمدوك التي قامت على أساس الوثيقة الدستورية التي شهد عليها المجتمعان الإقليمي والدولي. وكما ذكرنا فقد كان ذلك الاعتصام متزامنًا مع إغلاق الزعيم القبلي محمد الأمين تِرِك ميناء بورتسودان والطريق البري الرابط بينه وبين بقية البلاد. ولم تمر أيام بعد مناداة تلك الحاضنة الضرار بالانقلاب، حتى نفذ الفريق البرهان الانقلاب على حكومة حمدوك، في 25 أكتوبر 2021، وأودع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الحبس المنزلي وأودع قيادات الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، السجن. وقد كانت مطالبة تلك الحاضنة الضرار للفريق البرهان للقيام بالإنقلاب، مسرحية أعدها أصلاً عسكر المجلس. وكانت استنساخًا، بصيغة أخرى، لما فعله السيسي مع حكومة مرسي حين قال للشعب المصري: أخرجوا إلى الشوارع وأمنحوني تفويضًا. وبالفعل خرج قطاعٌ من الشعب المصري المنقسم على نفسه بشدة، آنذاك، ومنحه التفويض، فأطاح بحكومة الرئيس محمد مرسي المنتخبة وأودعه السجن، إلى أن مات فيه. ثم ما لبث أن بطش بالإخوان المسلمين بطشًا لم يحدث لهم، ولا في فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر.

    انفرد البرهان بالسلطة بانقلابه على الشرعية، لكنه فشل في تشكيل حكومة. فقام بإطلاق سراح الدكتور عبد الله حمدوك الذي رجع ليترأس الوزراة لفترة قصيرة جدًا، ما لبث بعدها أن استقال. قال حمدوك في أول ظهورٍ له عقب إخراجه من الحبس المنزلي، أنه قَبِل العودة بغرض حقن الدماء. وقد قام بالفعل بإبعاد اثنين من قادة الشرطة، هما عز الدين الشيخ وخالد مهدي بسبب تقاعسهما في إلقاء القبض على الذين يمارسون قنص المتظاهرين بالبنادق في الشوارع. لكن رغم ذلك، استمر قنص المتظاهرين، فلم يجد حمدوك في نهاية الأمر بدًّا من أن يستقيل. وهكذا طُويت صفحة الفترة الانتقالية التي نصت عليها الوثيقة الدستورية.

    لابد من الإشارة هنا إلى أن عسكر مجلس السيادة قد كانوا يسابقون بمؤامراتهم الزمن وهم يتآمرون على نسف الفترة الانتقالية. فالوثيقة الدستورية قسمت الفترة الانتقالية إلى قسمين: قسم يرأس فيه العسكريون مجلس السيادة. وقد أصر العسكر على رئاسة مجلس السيادة في هذا القسم الأول. وأثبتت التجربة أنهم أصروا على أن يترأسوا مجلس السيادة في القسم الأول من الفترة الانتقالية، لكي يتمكنوا من هلهلة حكومة عبد الله حمدوك وإضعافها وعزلها عن جمهورها، ومن ثم، الانقلاب عليها، قبل أن ياتي موعد رئاية المدنيين لمجلس السيادة. أيضًا، كانت لجنة تفكيك التمكين قد وقفت على فساد الإسلامويين في فترة حكمهم، وقد أوشكت على فتح ملفات بالغة الحساسية. لذلك، كان لابد من الانقلاب قبل كشف تلك الملفات. وكما جرى بذل جهدٍ كبيرٍ في إضعاف حكومة حمدوك وخلق العراقيل لها وإظهارها بمظهر قلة الكفاءة والفعالية، كذلك جرت حملاتٌ إعلاميةٌ ضخمةٌ لشيطنة لجنة إزالة التمكين واسترداد المال العام، بل واتهامها بتهمٍ ملفقةٍ بممارسة الفساد. وما أن قام البرهان بانقلابه، انخرط مباشرةً في أعادة من جرى إبعادهم من رموز النظام القديم إلى مناصبهم، من جديد. كما أعاد الأموال التي حجزت عليها لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال العامة المنهوبة، إلى المؤسسات والمنظمات والأفراد التابعين لنظام الرئيس عمر البشير.

    مصر ترعى الحاضنة الضرار

    اجتهدت مصر كثيرًا في دعم هذه الحاضنة الشعبية الزائفة لتشق قوى الثورة وتسيطر من خلالها على مجريات الأمور في السودان، لكي تصب، في النهاية، في خدمة مصالحها. فمصر كما سبق أن ذكرنا، تريد أن يكون السودان مجرد مستودعٍ للمواد الخام لتأخذها منه بأبخس الأسعار بل، وبلا مقابلٍ أحيانًا كما سنرى لاحقًا، لتقوم هي بالتصنيع وإضفاء القيمة المضافة، ومن ثم تصديرها إلى الخارج بإسمها هي وحصد عائدات ما ينتجه السودان لنفسها. من أجل ذلك، تريد مصر جنرالاً يضمن لها استدامة هذا الوضع. فالنظام الديمقراطي يتيح الفرصة للشعب السوداني وللصحافة الحرة فرصة مساءلة المسؤولين ومحاسبتهم. خاصةً، في الأمور التي تتعلق بموارد البلاد واستخدامها، إلى جانب الرقابة على مجريات التنمية وحراسة المال العام والحرص على السيادة والكرامة الوطنية. وكل ذلك، في جملته، يسير على العكس تمامًا مما تريده مصر في السودان. لذلك، عندما تحدَّث حمدوك عن ضرورة أن يتجه السودان لإضفاء القيمة المضافة على منتجاته، بدلاً من تصدير المواد الخام والأنعام الحية، أوردت تقارير إعلامية، أن اللواء عباس كامل، مدير المخابرات المصرية، قال للفريق البرهان في زيارة له إلى الخرطوم، جرت قبل الانقلاب على حكومة حمدوك بقليل: إن مصر مستاءة جدًا من حمدوك، وأردف قائلا: “حمدوك لازم يمشي”. وبالفعل “مشى حمدوك”، بأمر المخابرات المصرية. راجع صحيفة وول ستريت جورنال على الرابط:

    https://shorturl.at/s1Yj8. و(صحيفة العربي الجديد على الرابط: https://shorturl.at/4fbcH. وقد أوردت صحيفة وول ستريت جورنال في نفس هذا السياق، أن الفريق البرهان طمأن المُوفد الأميركي إلى القرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، بأنه لا ينوي الاستيلاء على السلطة. لكنه ما لبث عقب لقائه بفلتمان أن استقل الطائرة إلى مصر لإجراء محادثات سرية لضمان حصول مؤامرته على دعم مصري وإقليمي. وأضافت الصحيفة أن الفريق عبد الفتاح السيسي، الذي استولى على السلطة في انقلاب عام 2013 بدعم من السعودية والإمارات، طمأن البرهان على سلامة ما ينوى فعله. وتقول الصحيفة إنها حصلت على المعلومة من ثلاثة أشخاص كانوا مطلعين على الاجتماع. وأضافت أن البرهان اعتقل لدى عودته إلى الخرطوم، عشرات المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، فاضًا بذلك اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين الذي أخرج السودان من ثلاثة عقود من العزلة الدولية. أيضًا أقال الفريق البرهان خبير القانون الدولي ورئيس مفوضية الحدود الدكتور معاذ تنقو، السوداني الأكثر إلمامًا بقضية حلايب وشلاتين والمطَّلِع على الوثائق التي تثبت أن حدود السودان الحقيقية تصل إلى منطقة أسوان. وتحوم الشكوك أن إبعاد هذا الخبير قد كان بتأثير من دولة الإمارات المتحدة والسلطات المصرية.

    عقدت مصر لتلك الحاضنة الشعبية الضرار، التي تعوِّل عليها في خدمة أهدافها في السودان، مؤتمرين داخل مصر. بل عقدت لها مؤتمرً ثالثًا رضيت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) الاشتراك فيه، رغم أن مصر هي التي أطاحت مع البرهان بحكومتها. وقد تحايلت ما تسمى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، التي أصبحت لاحقًا جزءًا من تحالف تنسيقية (تقدم) الأكثر اتساعًا، عبر الإشتراك بجسمها القديم الأصغر حجما، وهو قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) المعروفة بـ (قحت). وقد كانت تلك حيلةً مكشوفةً الغرض منها ألا يُقال أن تنسيقية (تقدم) قد جلست مع الحاضنة الضرار المصنوعة تحت الرعاية المصرية في الأرض المصرية. في حين يعلم الكل أن الحرية والتغيير) المجلس المركزي) هي القوة الوازنة في تنسيقية (تقدم) وأن البارزين من قيادات (تقدم) هم من قيادات (قحت)، وليسوا من القوى التي انضمت إليها.

    إلى جانب الحاضنة الزائفة المصنوعة استقطبت مصر مجموعةً من المثقفين السودانيين، الداعمين للسياسات المصرية في السودان، ليصبحوا صوتًا إضافيًا يجري استخدامه إلى جانب صوت قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية). ولعل السبب وراء وقوع المبعوث الأمريكي إلى السودان، توم بيرللو في قبضة المخابرات المصرية، وفشله المدوي في مهمته، إنما يعود إلى جعله يستمع كثيرًا إلى هؤلاء المثقفين السودانيين المقيمين في مصر، المستقطبين مصريًا. وكذلك، استماعه إلى الحاضنة المزيفة الضرار المتمثلة في الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية). ومن أقوى الأدلة على أن المخابرات المصرية قد وضعت المبعوث الأمريكي في جيبها، أنه ظل يهمش (تقدم) بصورةٍ لافتة. فقد حرص هو ومعه قوى إقليمية على رأسها مصر على تهميش تنسيقية (تقدم) بزعم أنهم يريدون في البداية إنهاء الصراع المسلح القائم بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع. وكأن أصل المشلكة يتمثل حصرًا في هذا الصراع، وليس في الثورة وأهدافها مع من يسعون للقضاء عليها. هذا ااتشخيصٌ المضلِّلٌ هو الذي جعل جهود المبعوث الأمريكي توم بيريللو تذهب هباء.

    تعامل بيرللو مع تنسيقية (تقدم) وكأنها غير موجودة أصلاً. وهذا هو ما كان يريده المصريون، ويريده الفريق البرهان والواقفون وراءه من الإسلامويين سدنة النظام القديم. وهو أن الصراع في السودان قائمٌ حصرًاٌ بين قوتين عسكريتين، وأنه لا وجود لشئ اسمه الثورة، ولا وجود لشيء اسمه الشعب السوداني. ومما يؤكد هذا ما قالته السيدة سناء حمد للإعلامي بقناة الجزيرة أحمد طه، حين قالت إنهم مأمورون شرعًا بموجب النص القرآني أن يجنحوا للسلم، إذا جنحت له قوات الدعم السريع. وعندما سألها أحمد طه، ما إذا كان هذا الموقف ينطبق أيضًا على تنسيقية (تقدم)، وجمت لفترة، ويلد أنها لم تكن تتوقع هذا السؤال، ثم قالت: “إذا رضي الشعب”. وهذا يعني أن تصالحهم مع قوات الدعم السريع لا تقتضي رضا الشعب، لكن تصالحهم مع تقدم يقتضي رضا الشعب. وقد شهدنا جميعا كيف أن نبرة العداء وسط قادة الحيش والإسلامويين تجاه (تقدم) ظلت على الدوام أقوى، بما لا يقاس، من نبرة عدائهم تجاه قوات الدعم السريع.

    ودعونا نقرأ، في هذا الصدد، وجهة نظر الباحث في الشؤون الاستراتيجية، محمد عباس، حول دور مصر في إنشاء الحاضنة الشعبية الضرار ورعايتها، فيما أدلى به إلى شبكة “عاين” حيث قال: تقف القاهرة وراء تنظيم مؤتمر قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية)، لضمان السيطرة على السودان في أي تطورٍ سياسيٍّ قادم، بناءً على المفاوضات المتوقعة في منبر جدة. وأضاف قائلاً أيضًا: مصر قد تشارك في منبر جدة، وفي ذات الوقت تريد التحكم في مقاليد الأمور في السودان، لأن الحرب قد تسببت للقاهرة في تعقيداتٍ اقتصاديةٍ هائلةٍ. وعندما يتوقف الصراع المسلح، يريد النظام المصري أن يُحكم سيطرته على الأوضاع في السودان من خلال صنع تحالفات سياسية موالية للجيش السوداني. (راجع: شبكة عاين على الرابط(https://shorturl.at/BcLbS :.

    لجوء سياسيينا إلى مصر!

    السياسي السوداني المعارض لنظام الحكم في السودان، الذي يختار مصر مكانًا للجوء، وبخاصةٍ في مثل هذه الظروف الحالية التي يظهر فيها حرص مصر الشديد للقضاء على الثورة السودانية، وأحدٌ من شخصين، لا ثالث لهما. فهو، إما يكون جاهلاً، جهلاً موبقًا، بتاريخ الهيمنة المصرية على السودان، وتآمر الأنظمة المصرية المتعاقبة على الديمقراطية في السودان، وإما أن يكون متماهٍ تمام التماهي مع أجندة مصر في السودان معتقدًا أن فيها الخير العميم لأهل السودان. وما حدث، بالفعل، عقب قيام هذه الحرب أن طائفةً كبيرةً من قيادات قوى الحرية والتغيير، تنسيقية (تقدم)، اختارت أن تلجأ إلى مصر. كما لجأت مجموعةٌ من المثقفين غير المنظمين حزبيًّا الذين درجوا على تقديم تحليلاتهم ونصائحهم إلى مصر من منصة حيادٍ وطنيٍّ مزعومٍ، أيضًا. بل إن بعض هؤلاء كانت القاهرة بالنسبة لهم مَحَجًّا ومنتجعًا للاستجمام قبل حدوث الثورة. ومعلومٌ منذ فترة الحكم الثنائي الإنجليزي المصري للسودان أن مصر تبتز قوى المعارضة السودانية التي تقيم على أرضها. ومن نماذج الابتزاز التي مارسها النظام المصري على قيادات المعارضة السودانية المقيمة حاليًا في مصر، التهديد بالحرمان من العودة إلى مصر في حالة الذهاب في مهمة إلى خارج مصر. والمقصود من هذا هو منع المعارضة السودانية المشتتة في دول القرن الإفريقي من الاجتماع خارج مصر. فالنظام المصري يود أن تكون عينه حاضرة في كل لقاءات قوى المعارضة السودانية. كما إن أكثر ما يسوء مصر هو أن تقيم قوى المعارضة مؤتمراتها أو لقاءاتها في إثيوبيا، التي تناصبها مصر أشد العداء، أو في كينيا أو يوغندا. هذا الابتزاز لا تمارسه السلطات المصرية، بصورةٍ ثابتةٍ، وإنما بالسماح أحيانًا، وجعله عسيرًا ومحاطًا بالمحاذير، أحيانًا أخرى. وقد أثمر هذا الابتزاز الذي تضمن أنماطًا مختلفة من الضغوط، في جعل تنسيقية (تقدم) تعقد واحدًا من مؤتمراتها في مصر بسبب صعوبة خروج أعضائها المقيمين فيها، كما سبق أن ذكرنا. بل وصل الأمر حد أن تعقد قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وهي مكوِّنٌ رئيس في تنسيقية (تقدم)، لقاءً في مصر شاركت فيه الحاضنة الضرار التي أسهمت مصر في صنعها، وهي الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية). (راجع صحيفة سودان تربيون على الرابط: (https://shorturl.at/i9ynp. وقد حضر هذا اللقاء حليفا الفريق البرهان: جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي، لكنهما رفضا التوقيع على البيان الختامي. ورغم أن ذلك الرفض يوحي باستقلال قرارهما عما تريده مصر، لكن، ربما جرى ذلك منهما بإيحاء من مصر لإفشال البيان الختامي وتكريس الانقسام وهلهلة (تقدم).

    (يتواصل)
                  

06-01-2025, 12:56 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (10 – 20)

    د. النور حمد
    “لنْ يستطيعَ أحدٌ أنْ يركبَ على ظهرِكَ، ما لم تَكُنْ مُنحنياً”
    مارتن لوثر كينج


    من نماذجٌ الابتزاز المصري

    في مقالاتي المتسلسة التي نشرتها قبل خمسة عشر عامًا عن قطب حزب الأمة، السيد، عبد الرحمن علي طه، كنت قد ذكرت الزيارة التي قام بها السيد عبد الرحمن المهدي إلى مصر في النصف الثاني من أربعينات القرن الماضي لمناقشة البروتوكول الذي عُرف ببروتوكول (صدقي بيفن). وقد ذكر السيد، عبد الرحمن علي طه، في كتابه “السودان للسودانيين” إن السيد عبد الرحمن المهدي أرسل برقية إلى رئيس الوزراء المصري إسماعيل صدقي، على أثر بروتوكول صدقي بيفن، يعرب فيها عن نيته زيارة مصر لمقابلة الحكومة المصرية لكي يتباحث معها حول مسألة السودان. وأخبر السيد عبد الرحمن المهدي المصريين في تلك البرقية، أنه سوف يذهب إلى انجلترا لنفس الغرض. غير أن حكومة صدقي تجاهلت برقيته ولاذت بالصمت، ولم ترد عليه بالطرق الدبلوماسية المتبعة، التي يلجأ إليها الدبلوماسيون عادة في أحوال الرفض.

    رغم ذلك، قرر السيد عبد الرحمن المهدي الذهاب إلى القاهرة من تلقاء نفسه، ونزل في أحد فنادقها. لكن، تجاهلت الحكومة المصرية حضوره، رغم أنه زعيم إحدى الطائفتين الدينيتين الكبيرتين في السودان، وهو راعي حزب الأمة أحد أكبر حزبين سياسيين في السودان. لم يأت أحدٌ من المسؤولين المصريين لاستقباله أو مقابلته؛ لا إسماعيل صدقي رئيس الوزراء شخصياً، ولا أي فردٍ آخر من أفراد حكومته. بل، شنت عليه الصحافة المصرية في فترة وجوده في القاهرة حملةً شعواء، ونعتته بشتى النعوت، وكالت له السباب والشتائم. وذهبت إحدى هذه الصحف إلى القول: إن الإمام عبد الرحمن يجب أن يُحكم عليه بالإعدام بوصفه ثائرًا متمرداً على التاج المصري!! (راجع: عبد الرحمن علي طه، السودان للسودانيين، مصدر سابق، ص 39). وقد أورد عبد الرحمن علي طه في نفس الكتاب، المقتطف التالي مما كتبته إحدى الصحف المصرية، حيث قالت: “أكد لنا مصدرٌ كبيرٌ جداً أن الثائر عبد الرحمن المهدي كان على وشك أن يصل إلى مصر في أوائل هذا الصيف الذي انتهى، لتقديم خضوعه للتاج المصري الذي جعله “باشا” وأضفى عليه نعمةً مما جعله يرفل في جاهٍ عريض …. ولكن الاستعمار الإنجليزي أشار إليه بإصبعه أن يلزم مكانه فلزمه”. (راجع: عبد الرحمن علي طه، ص 40).

    صادف وجود السيد عبد الرحمن المهدي في زيارته تلك للقاهرة، وجود السير هيوبرت هدلستون حاكم عام السودان، الذي وصل إليها، هو الآخر، وهو في طريق عودته إلى الخرطوم، عائدًا من لندن. زار السير هدلستون السيد عبد الرحمن المهدي في الفندق في القاهرة، وأخبره أنه في حالة ذهابه إلى إنجلترا سوف يجد ترحيباً من الحكومة البريطانية. كما شكر هدلستون السيد عبد الرحمن على ما قام به من جهودٍ أدت إلى تهدئة ثورة الجماهير في السودان، عقب إعلان المصريين اتفاقية صدقي بيفن، وقول إسماعيل صدقي للمصريين حال عودته من المفاوضات مع إنجلترا: “لقد أتيتكم بالسيادة على السودان”، (تكبير الخط من وضعي). وقد أكد السيد عبد الرحمن للمستر هدلستون أن ما ذكره صدقي أثار ثائرة السودانيين، لكونه أوضح أن مصر لا تقر للسودانيين بحق تقرير المصير، وإنما تقر لهم فقط بالحكم الذاتي، تحت التاج المصري. وقال السيد عبد الرحمن لهدلستون: لولا تصريح المستر إتلي في مجلس العموم البريطاني، الذي قال فيه إن تصريحات إسماعيل صدقي التي أطلقها بعد عودته من مفاوضاته مع إنجلترا حول مصير السودان، غير حقيقية، وأنها مُضلِّلة، لما أمكن تهدئة خواطر السودانيين. وواضحٌ من ثورة السودانيين على تصريحات إسماعيل صدقي أن السودانيين لم يكونوا يريدون الوحدة مع مصر تحت التاج المصري. لكن، الحكومة المصرية كانت تود أن تبتز السياسيين وزعماء الطوائف ليسيروا في قضية مصير السودان عقب خروج البريطانيين وفقًا للرغبة المصرية، وضد رغبة شعبهم. والذي حدث بالفعل عند الاستقلال أن السودانيين أعلنوا استقلال بلادهم عن كلٍّ من بريطانيا ومصر، من داخل أول برلمان وطني جرى تكوينه، رافضين فكرة الوحدة مع مصر.

    التحقيق مع خضر حمد

    ما كنا لنعرف شيئًا عن أساليب المخابرات المصرية في ابتزاز السياسيين السودانيين لولا اطلاعنا على بعض الشهادات التي دونها أو حكاها بعض السياسيين السودانيين، بأنفسهم، عن تجاربهم في مصر. ومن الشهادات التي اطلعت عليها في هذا الخصوص ما حكاه السيد خضر حمد في مذكراته عن تعرضه للتحقيق من قبل النيابة المصرية، حين زار مصر عام 1955. وقد أصبح خضر حمد، في ذلك العام، وزيرًا للري في حكومة الرئيس إسماعيل الأزهري، عقب عزل الوزير ميرغني حمزة الذي سبقه. أورد هذه الحادثة، أيضًا، الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان، وهو يناقش ملف مياه النيل وتاريخ المفاوضات بهذا الخصوص. والقصة، باختصار، أن السيد خضر حمد ذهب إلى القاهرة في الأسبوع الأخير من شهر مارس عام 1955 للتحضير للجولة الثالثة من المفاوضات المتعلقة بمياه النيل. قال السيد خضر حمد إنه حمل معه إلى القاهرة قصيدة كتبها الشاعر السوداني المعروف، أحمد محمد صالح، تحمل عنوان “إلى نجيب في عليائه”. وكان غرض خضر حمد من حمل القصيدة معه إلى القاهرة أن يجري خطَّها بواسطة خطاطٍ محترفٍ. ثم تحويلها إلى لوح معدني طباعي ليجري عمل عدد من النسخ منها لعدد من أصدقائه المعجبين بالقصيدة الذين كلفوه بهذه المهمة. ويبدو أن هذه المجموعة من الأصدقاء كانت تريد وضع القصيدة في أُطرٍ (براويز)، لكي يعلقوها على جدران منازلهم. وقد كان اللواء محمد نجيب، الذي قاد ثورة يوليو المصرية، ثم ما لبث البكباشي جمال عبد الناصر أن غدر به، وأودعه الإقامة الجبرية حتى مات، قائدًا مصريًّا محبوبًا جدًا لدى السودانيين. فنجيب نشأ وترعرع في الخرطوم وكان قلبه على السودان. وكان محل ثقةٍ كبيرةٍ بين السودانيين.

    أعطى الوزير خضر حمد القصيدة لأحد مرافقيه من المصريين للذهاب بها لعمل اللوح المعدني الطباعي الذي سيعود به إلى الخرطوم. وفي الموعد المحدد لاستلام اللوح المعدني داهم بعض رجال المخابرات السيد خضر حمد وهو في المكان الذي كان سيعد اللوح. ويبدو أن الشخص المصري الذي كان يرافق السيد خضر حمد من المخابرات المصرية، وقد قام بتسريب ما كان ينوي خضر حمد فعله فيما خص القصيدة إلى جهات الرسمية. وقد سأل السيد خضر حمد الرجال الذين داهموه في المحل، من أنتم؟ فرد عليه الرجل بأنهم من رجال النيابة المصرية ومعهم واحدٌ من ضباط الجيش. ويروي خضر حمد أن هذا الشخص أجلسه على كرسي في ذلك المحل، وبدأ يكتب فما يشبه محضر التحقيق، ويقرأ بصوت مرتفعٍ: لقد وصل إلى علم وزير الداخلية أن الوزير السوداني خضر حمد أحضر معه قصيدةً عنوانها “علياء نجيب”. وأن القصيدة تحوي مدحًا لمحمد نجيب وتعريضًا برجال الثورة. وأن وزارة الداخلية المصرية أمرت أن يجري التحقيق في هذا الأمر، وأن يكون في المجموعة التي تجري التحقيق اثنان من أعضاء النيابة ورجل من الجيش.

    الواضح من هذه المسرحية السمجة المرسومة أن الغرض منها هو إرباك الوزير السوداني، وحل عزيمته أمام المفاوضين المصريين، بوضعه موضع المتهم بارتكاب جريمة، عبر تلفيق تهمةٍ تافهةٍ كهذه له، وتعريضه للتحقيق، وهو وزيرٌ زائر. ويبدو أنهم إمعانًا منهم في امتهان ضيفهم الرسمي وتقليل قيمته، اختاروا أن تجري هذه المسرحية السمجة في ذلك المحل العام وسط سوق القاهرة. ثم، التحقيق معه بهذه الصورة، دون أي اعتبار لمكانته، ولا للطرق التي تتعامل بها الدول مع الزوار الرسميين. فخضر حمد أحد أبرز سياسيي الحركة الوطنية في السودان. وقد جاء إلى مصر في وفد رسمي بغرض التفاوض حول مياه النيل. ويبدو أن المصريين لم يكونوا مسرورين لموقف خضر حمد في جولة التفاوض التي جرت، فاختلقوا له تلك الحادثة قبل سفره. خاصةً، قد كان مقررًا أن يعود السيد خضر حمد إلى السودان في نفس ذلك اليوم، لكي يقوم بالتشاور مع حكومته في الخرطوم، ثم يعود مرة أخرى، بعد بضعة أيام لبدء جولةٍ جديدة من المفاوضات في القاهرة.

    الغريب أن السيد خضر حمد أخبر، لدى عودته من القاهرة، السيد إسماعيل الأزهري، رئيس الوزراء، بما جرى له في القاهرة، وطلب منه إعفاءه من العودة إلى مصر في الوفد المفاوض. لكن السيد إسماعيل الأزهري رفض طلبه وأصر على أن يعود ضمن الوفد مرة ثانية! بل، ويعود رئيسًا للوفد. وهكذا، رجع السيد خضر حمد إلى القاهرة يوم 4 أبريل عام 1955، أي بعد أربعة أيامٍ فقط من مجيئه من القاهرة، ومن تاريخ تلك الحادثة. وقد دلَّ ذلك، فيما أرى، على قلة اكتراث السيد إسماعيل الأزهري وعفويته وعدم أخذه دلالة تلك الحادثة بالجدية الكافية. فالحادثة لم تزعجه ولم ير فيها إهانةً لبلده وحكومتها ومحاولةً لابتزار وزير ذهب للتفاوض في شأن خطيرٍ بغرض كسر عزيمته عن طريق اتهامه بارتكاب جريمة والتحقيق معه في محل تجاري عام وسط القاهرة. كما لم يفكر الأزهري حتى في رفع صوته احتجاجًا على تلك الفعلة. أكثر من ذلك، أصر على أن يعود الوزير الذي تعرض لمحاولة الابتزاز رئيسًا لوفد المفاوضات. وقد عرفت الأنظمة المصرية، عبر عديد التجارب، عفوية السياسيين السودانيين الذين يمارسون السياسة، بلا كفاءة ولا تدريب ويصلون إلى المناصب وفقًا لاعتباراتٍ تأتي الكفاءة، في كثيرٍ من الأحيان، في مؤخرتها، وقد لا تأتي إطلاقا. كما عرفت السلطات المصرية انكسار السياسيين السودانيين وتقزيمهم لأنفسهم أمام رصفائهم المصريين. بل، وسذاجتهم، وقابليتهم للابتزاز بشتى الطرق. فطفقت تمارس عليهم مختلف ألاعيب الابتزاز، منذ أربعينات القرن الماضي، وإلى يومنا هذا. فالمشكلة ليست حصرًا في طرق تعامل المسؤولين المصريين مع السودان ومع السودانيين، وإنما هي أيضًا، وبقدر أكثر أهمية، فينا نحن السودانيين، أنفسنا.

    غازي سليمان وقصة الخمر والنساء

    إن أميز ما يميز المحامي والسياسي الراحل، غازي سليمان، أنه كان رجلاً صادقًا، شديد الوضوح والصراحة. وأنه ممن يقولون الحق ولو على أنفسهم. لكن، قول الحق على النفس ليس محمودًا في كل الأحوال، فبعضه يدخل في باب المجاهرة المنهي عنها. ذكر غازي سليمان، وهذا موثقٌ بالصوت والصورة في تطبيق يوتيوب، أنهم عقب الإطاحة بالرئيس جعفر نميري في ثورة أبريل 1985، كان ضمن وفدٍ من الحكومة الانتقالية جرى إرساله إلى مصر ليطالب الحكومة المصرية بتسليم الرئيس جعفر نميري الذي أطاحت به الثورة، لكي تتم محاكمته على ما اقترف من جرائم. وكان نميري عائدًا من الولايات المتحدة الأمريكية إلى السودان عبر القاهرة حين اندلعت الثورة وجرت الإطاحة به. فاحتجزته السلطات المصرية في القاهرة، ونصحته بعدم العودة إلى السودان، وأصبح لاجئًا هناك.

    قال الأستاذ، غازي سليمان إن السلطات المصرية استقبلت وفدهم استقبالاً طيبًا، وأنزلتهم في أفخم الفنادق. وفي الليلة السابقة للجلسة الرسمية تقديم طلبهم إلى الحكومة المصرية بتسليم الرئيس جعفر نميري، جِيء إلى إليهم بالخمر والنساء. وحين ذهبوا في اليوم التالي إلى قاعة المحادثات، وجدوا شاشة كبيرةً معلقةً على الحائط. وما أن بدأت الجلسة، جرى عرض فيلم حوى ما فعله أعضاء الوفد في الليلة السابقة من أفعالٍ فاضحة. وما أن انتهى عرض الفيديو، وقف أحد المسؤولين المصريين وخاطبهم قائلاً: “طلباتكم يا باشوات؟”. قال غازي: صمتنا لفترة وتلفتنا نحو بعضنا، ثم ما لبثنا أن قلنا لهم: ليست لدينا طلبات. وواصل غازي قائلاً: انفض الاجتماع ومنحونا إقامة لبضع أيام في أفخم فنادق القاهرة قمنا أثناءها بجولاتٍ سياحيةٍ في ضيافة الحكومة المصرية. وهكذا عادوا إلى السودان بخُفَّيْ حُنين. وأعلنت مصر عقب ذلك أنها ترفض تسليم الرئيس المخلوع جعفر نميري لحكومة الفترة الانتقالية لأسباب قانونية وسياسية.

    ما جرى لهذا الوفد السوداني الذي ذهب لمطالبة الحكومة المصرية بتسليم الرئيس المخلوع جعفر نميري لمحاكمته، ليس غريبًا. فمن المعروف جدًا أن المال والخمر والنساء من أهم وسائل أجهزة المخابرات في استخلاص الأسرار ممن تريد استخلاصها منهم. ويجري ذلك عن طريق توريط المطلوب استخلاص الأسرار منهم في علاقة غرامية مع جاسوسة من دون أن يعرف أنها جاسوسة. أو عن طريق جر المراد ابتزازه إلى فضيحة أخلاقية، يجري توثيقها بالصورة والصوت. فيصبح المستهدَذف أسيرًا لجهاز المخابرات فلا يعصي له أمرًا. وهذه الحادثة التي ذكرها الأستاذ غازي سليمان تقدم أقوى دليلٍ على سذاجة ورخاوة وغفلة القيادات السياسية السودانية التي تتصدى للعمل العام وعدم جديتها واستهانتها بضوابط تمثيل بلادها. ولنا أن نتصور كم من السياسيين السودانيين قد أضحوا أسرى لجهاز المخابرات العامة المصرية عبر استخدام مثل هذه الأساليب القذرة. لكن، أيضَا، كم هم وُضعاءُ أولئك المسؤولون الذين تُوقعهم دناءتُهم في حبائل هذا النمط من الابتزاز الرخيص؟

    (يتواصل)
                  

06-01-2025, 01:04 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (11 – 20)

    النور حمد


    “لنْ يستطيعَ أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لمْ تكُنْ مُنحنياً”

    مارتن لوثر كينج



    مقاومة القوى العربية للديمقراطية

    لم ترحب الدول العربية القريبة من السودان، كعادتها، بالثورة السودانية التي نادت بالتحول الديمقراطي. ولا غرابة، فهي إما أنظمةٌ ملكيةٌ وإما أنظمة عسكرية ديكتاتورية. فأنظمة دول الخليج أنظمةٌ أخرجها سياقٌ تاريخيٌّ خاصٌّ جدا. هذا السياق التاريخي الخاص هو الذي قفز بها في بضعة عقود، قفزةً كبيرةً، من حالةٍ أقرب إلى البداوة وأدخلها من حيث المظهرُ الخارجيُّ البراق، في حقبة الحداثة. وقد لعب النفط والاقتصاد الريعي الذي ساد فيها، إلى جانب العلائق الاقتصادية والاجتماعية السائدة منذ القدم في مجتمعاتها، دورًا كبيرًا في جعل الحكم الملكي النموذج الأكثر مناسبةً لأوضاعها. فهي تُعدُّ اليوم، بحكم العوامل التي ذكرناها، إضافةً إلى قلة عدد السكان مع ضخامة الثروة، من أكثر المجتمعات العربية استقرارًا وأمنًا وثراءً على مستوى دخل الفرد، على تفاوتٍ في ذلك بينها. غير أن محاولاتها المستمرة لتعويق التحول الديمقراطي في السودان، خوفًا على نفسها من مطالبة شعوبها بالديمقراطية، أو خوفًا على حظها من موارد السودان الثرة التي ترى أنها في غاية الأهمية لأمنها الغذائي، فهو اتجاهٌ غير سليم، بل ومضرٌّ بها وبالسودان. وقد أدى هذا التوجه الخاطئ في التعاطي مع الثورة السودانية، في نهاية الأمر، إلى إشتعال هذه الحرب الضروس التي أحرقت الأخضر واليابس. وهي حربٌ لا تزال تنذر بحدوث ما هو أسوأ. فالنظام الديمقراطي الوليد الذي أطاح به انقلابٌ عسكريٌّ عليه بعد سنتين فقط من الاستقلال، أخذت الانقلابات العسكرية تطيح به كلما أعادته ثورةٌ من الثورات السودانية وقد حدث ذلك ثلاث مرات كان آخرها انقلاب البرهان وحربه المدمرة. ولقد ظلت الأنظمة العربية ترحِّب على الدوام بالانقلابات العسكرية في السودان. وقد ظلت تفعل هذا رغم أن أكثرية السودانيين ترى أن النظام الديمقراطي هو الأصلح للسودان، وهو الأكثر خدمةً لنموه واستقراره. وكذلك، هو الأكثر خدمةً، لمصالح الدول العربية الخليجية ولمصر، من حيث الاستقرار وأمن الإقليم، ومن حيث الفرص الاستثمارية والتعاون الاقتصادي.

    أما النظام المصري، فقد ظل نظامًا شموليًا واكتسب طبيعةً أوليغاركية في عهدي أنور السادات وحسني مبارك. وعمومًا، فقد تحدَّر نظام الحكم في مصر من النظام الخديوي الإمبراطوري التوسعي. فعلى الرغم إعلان مصر جمهورية عقب ثورة يوليو 1952، إلا أن النظرة الخديوية الاستعمارية الخديوية، خاصةً تجاه السودان قد ظلت كما هي. وقد جعلته هذه الخصائص، إلى جانب فقر مصر من الموارد وضيق الأرض والتزايد المتسارع في عدد السكان، يعمل على الدوام على الهيمنة على سلطة القرار في السودان. بل، ولا يفكر قط في أي أسلوبٍ آخر للتعاطي مع السودان غير أسلوب الهيمنة، واحتكار مياه السودان وموارده. والسودان، كما سبق أن ذكرنا هو الفضاء الوحيد الذي يملك إمكانيات الحلول النهائية لحالة الاختناق المصرية المركبة، غير أن مصر لم تعرف قط كيف تتعامل مع ملفه بصورةٍ سليمة. ظل هم مصر الأوحد أن يتولى السلطة في السودان حاكمٌ عسكريٌّ يكون خاضعًا لإرادتها خضوعًا مطلقًا، فيخرس لها أصوات السودانيين المحبين للديمقراطية، الذين يريدون استقلاليةً كاملةً للقرار السوداني، ويريدون الخروج من حالة الاضطراب السياسي والعجز التنموي المزمن. في حين ترى مصر أن فرص نمائها واستقرارها ، رهينةٌ بوجود نظامٍ عسكريٍّ في السودان، تقوم هي بحمايته نظير تمكينه لها من نهب موارد السودان. ثم الاصطفاف وراءها فيما تراه حقًّا مطلقًا لها في مياه النيل. بل، واتخاذ أراضيه منصَّةً عسكريةً متقدمة تتموضع فيها الجيوش المصرية لتهديد دول حوض النيل.

    السعودية ومصر والإمارات والثورة السودانية

    منذ اندلاع الثورة وازدياد التدافع بين قواها وبين قوى النظام القديم وعلى رأسها المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية التي صنعها الإسلامويون ورعوها على مدى ثلاثين عامًا، تنامى انشغال بعض الدول العربية بما يجري في السودان. ومن ثم، جرى الانخراط وبسرعةٍ شديدة في محاولات التأثير على ما يجري فيه. وقد تبدى ذلك جليًّا في النشاط المحموم لسفراء الدول العربية لدى السودان؛ خاصةً مصر والسعودية والإمارات، وانخراطهم في العمل وسط القوى السياسية السودانية طيلة فترة الصراع بين عسكر نظام البشير وبين القوى المدنية التي سبقت التوقيع على الوثيقة الدستورية التي تولت بموجبها حكومة الدكتور عبد الله حمدوك السلطة. كما انخرطت أيضًا، قيادات هذه الدول مع القيادة العسكرية في السودان، فقدمت لهم العون المالي لتثبيت قبضتهم على السلطة، وخنق السعي المُطالب بالتحول الديمقراطي وبالحكم المدني وبخروج العسكر عن السياسة.

    قامت هذه الدول بهذه الجهود لتجيير الحراك الجاري في السودان ليصب في خدمة مصالح كل واحدةٍ منها، وفقًا للزاوية التي ترى منها مصالحها في السودان. وعلى الرغم من أن مجموعة مصر والسعودية والإمارات تُعد أقرب إلى التناغم، فيما بينها، من حيث النظرة المشتركة المتعلقة بالتعاطي مع قضايا الإقليم، إلا إن بينها أيضًا تنافسًا وصراعًا خفيا. كما أن هناك صراعًا بين معسكر السعودية والإمارات ومصر ومعسكر قطر وتركيا، الذي تدخل فيه، أيضًا، في السودان إيران. ولا يقتصر هذا الصراع بطبيعة الحال على السودان وحده، وإنما يجري هذا الصراع في دول أخرى مثال: العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن، وحتى قطاع غزة. غير أن للسودان أهميةً خاصةً لدى هذه الدول، من حيث الموقع الاستراتيجي على البحر الأحمر، والموارد الثرة، وفرص الاستثمار الواسعة، خاصة الاستثمار الزراعي من أجل تحقيق الأمن الغذائي. ولذلك، لا غرابة أن أضحت أراضيه ميدانًا لحرب وكالةٍ ضروس لقوى إقليمية ودولية. وقد ساعدت رخاوة كثير من النخب السياسية السودانية وفسادها وقابليتها للعمالة في تكريس هذا الوضع المأساوي.

    امتهان الإسلامويين للسودان

    لم تُهنِ السودان وتحط من قدره نخبةٌ حاكمةٌ مثلما فعلت هذه النخبة الإسلاموية؛ من عسكريين ومدنيين. لقد لعب نظام الإسلامويين طيلة فترة حكمه للسودان التي بلغت حتى الآن 36 عامًا، على المتناقضات لإرباك الجميع. أتقن نظام الإسلامويين في السودان ممارسة أساليب الابتزاز عبر مد الجسور إلى القوى الإقليمية متضاربة المصالح. فهو قد كان لفترةٍ طويلةٍ حليفًا لإيران التي ترى فيها المملكة العربية السعودية خطرًا داهمًا على أمنها. ثم ما لبث أن أصبح حليفًا للملكة العربية السعودية، جاعلاً من الجنود السودانيين مرتزقةً يحاربون داخل اليمن وعلى الحدود السعودية اليمنية واقفين في مواجهة حليفته السابقة إيران، ممثلةً في الحوثيين. وقد فعل الرئيس المخلوع عمر البشير هذه الفعلة الشنعية نظير المال. وغطى ذلك بإدعاءٍ مضحكٍ خرج به علينا الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الصوارمي خالد سعد حين قال في خطبةٍ حماسية إن الجنود السودانيين إنما يحاربون في السعودية حمايةً للحرمين الشريفين. وأكاد أجزم أن خطبته تلك أضحكت السعوديين أنفسهم.

    والآن، وللغرابة، تنهمر على هذا النظام الزئبقي اللزج، في نسخته البرهانية الأكثر قبحًا وفسادًا وعمالةً، الطائرات المُسيَّرة الإيرانية، من طراز مهاجر4 ومهاجر6، (راجع مقال أريج الحاج على موقعFikra Forum، على الرابط: https://shorturl.at/FEHP9 ). كما تتدفق عليه أيضًا، مسيَّرات بريقدار التركية، وفقًا لما كشف عنه مصدرٌ عسكريٌّ سودانيٌّ رفيع لصحيفة “سودان تربيون”، (راجع: “سودان تربيون” على الرابط:. https://shorturl.at/y2R5V. وأما دولة قطر، المعروفة بالوقوف في صف منظومة الإسلام السياسي المنتشرة في عديد الأقطار العربية، فقد تحوَّلت إلى ملجأٍ لقيادات إسلامويي السودان الذين هربوا عقب الثورة. بل وأصبحت مقرًّا للخلية الأمنية الإعلامية التي تكثر من استضافة صحفييها قناة الجزيرة مباشر. وهي خلية قام الفريق البرهان والإسلامويون بإرسالها إلى الدوحة كجزء من خطة الحرب التي أشعلوها. ويقتصر دور هذه الخلية على بلبلة الرأي العام عبر بث الأكاذيب وممارسة الديماغوغية المستندة على المغالطات. ورغم التعارض بين معسكري السعودية مصر وتركيا وقطر، نجد أن مصر والسعودية تسيران مع تركيا وقطر على نفس الخط المقاوم لإرادة القوى الحيَّة من الشعب السوداني التي تنادي بالتحول الديمقراطي وبالحكم المدني. كما تنادي، أيضًا، بخروج الجيش عن السياسة، ومن إدارة اقتصادٍ موازٍ لا يخضع لرقابة الدولة. وقد سبق أن قال رئيس وزراء الفترة الانتقالية عبد الله حمدوك إن الجيش السوداني يسيطر على حوالي 80% من موارد البلاد، ويديرها بعيدًا عن وزارة المالية. ومن يتابع “قناة الجزيرة” المملوكة لقطر، وقناة “العربية الحدث” المملوكة للسلطات السعودية، منذ اشتعال هذه الحرب المدمرة، يرى تطابق الخط التحريري للقناتين الداعم للفريق البرهان الذي يسيطر على قراراته الإسلامويون سيطرة تامة. وهذه واحدةٌ من أعاجيب السياسة في منطقتنا.

    أما دولة الإمارات العربية المتحدة فقد بدأت متخوفةً عند بداية الثورة من قيام نظامٍ ديمقراطيٍّ في السودان، شأنها شأن كل الأنظمة الملكية العربية. ففي 1 مايو 2019، أشار وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش إلى تدخل بلاده في الأحداث الجارية في السودان، حيث قال في تغريدة على موقع تويتر إنه “يحق للدول العربية بشكلٍ كاملٍ دعم انتقالٍ منظَّمٍ ومستقرٍ في السودان. غير أنه أشار إلى ضرورة أن يوازن هذا الانتقال بعناية بين التطلعات الشعبية والاستقرار المؤسسي، وهذا حديثٌ لا غبار عليه. لكن الوزير الإماراتي إشار في نفس السياق إشارةً سلبيةً خفيَّةً إلى الحراك الشعبي في السودان، حين قال: “لقد عانينا من الفوضى الشاملة في المنطقة، ومن المنطقي ألا تكون لنا حاجة في المزيد منها”، (راجع الجزيرة نت على الرابط: https://shorturl.at/7phoq. لكن، مع تقدم الأحداث غيَّرت دولة الإمارات موقفها ليصبح مقاومًا للخط الذي تسير عليه مجموعتا تركيا وقطر، من جهة، والسعودية ومصر، من الجهة الأخرى. وهكذا أصبح السودان، بسبب فقدانه استقلالية القرار، ساحةً لتعاركٍ شرسٍ بين هذه القوى.

    الاستعداد السوداني لقبول التدخلات الخارجية

    لقد وضعت في مقدمة هذه المقالات مقولة مارتن لوثر كينج الشهيرة القائلة: “لن يستطيع أحدٌ أن يركب على ظهرك ما لم تكن منحيا”. والغرض من وراء وضعها هو الإشارة إلى أن سبب مهانة السودان واستباحته من قبل الآخرين، إنما يعود أولا وأخيرًا، إلى ضعف الحس الوطني وضمور الشعور بالكرامة الوطنية لدى كثيرٍ من نخبه السياسية. فما أن اشتعلت الثورة وتداعت عليها دول الجوار العربي المختلفة، كتداعي الأكلة على قصعتها، أخذت كل دولةٍ تحاول تجيير مخرجات الثورة لصالحها. وأخذت القوى السياسية السودانية في الركض إلى تلك العواصم العربية لتقديم خدماتها. فقد أورد موقع “الجزيرة نت” أن قيادات حزبية سودانية قد زارت سرًا دولة الإمارات العربية. وأن تلك الزيارات قد أزعجت الثوار المعتصمين حينها أمام مباني القيادة العامة للجيش في الخرطوم. ونسب موقع “الجزيرة نت” لصحيفة “الجماهير” الإلكترونية السودانية، أن مسؤولةً حزبيةً سودانيةً كانت آخر الزائرين سرًّا إلى أبو ظبي. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمِّها، أن تلك المسؤولة الحزبية الزائرة لم تُدْلِ بأي تصريحات لدى وصولها أبو ظبي، كما لم يُعرف جدول أعمال زيارتها أو مدتها. (راجع موقع “الجزيرة نت” على الرابط: https://shorturl.at/gD8Xv. كما ذكر موقع “الجزيرة نت” في نفس هذا التقرير أن صحيفة نيويورك تايمز الأميركية ذكرت أن خمس قوى سودانيةً معارضةً، بينها عدد من الحركات المسلحة، زارت أبو ظبي حينها لإجراء محادثات قصدت منها أبو ظبي إقناع تلك القوى بالانضمام إلى حكومة يقودها العسكريون.

    كما أورد موقع “الجزيرة نت” مقالاً لأحمد فضل، تحت عنوان: “دعم السعودية والإمارات لعسكر السودان .. أسئلة تحتاج إجابات”، قال فيه أن دعاة الاحتجاجات في السودان قد قابلوا الدعم السعودي الإماراتي، للمجلس العسكري الانتقالي بريبةٍ لافتةٍ لا تخلو من اتهاماتٍ بأن أعضاء المجلس الانتقالي، الذي يدير البلاد حاليًا واقعون ضمن لعبة المحاور. (راجع أحمد فضل: دعم السعودية والإمارات لعسكر السودان.. أسئلة تحتاج إجابات على موقع الجزيرة نت على الرابط(https://shorturl.at/9DAjR :. أما صحيفة فايناشيال تايمز البريطانية، فقد أوردت في 26 أبريل 2019، أن السعودية والإمارات بدأتا تخوضان في الشأن الداخلي السوداني بدعمهما للمجلس العسكري الانتقالي بهدف عرقلة الانتقال إلى الحكم المدني. وأوضحت الصحيفة في تقرير لها من الخرطوم، أن حزمة المساعدات المالية والسلعية الجديدة من الدولتين، البالغة ثلاثة مليارات دولار، قد خففت الضغط على الوضع الاقتصادي وعلى المجلس العسكري الانتقالي. لكنها، أغضبت السودانيين المعادين لأي دعمٍ أجنبيٍّ للحكومة العسكرية المؤقتة. وأشارت الصحيفة إلى المطالبة الشعبية بالتسليم الفوري للحكم لإدارةٍ مدنيةٍ، قائلةً إن المساعدات من الدولتين الخليجيتين قد مهَّدت الطريق لمعركة ثانية بين الجيش والشعب.

    أيضًا، نقلت صحيفة فاينانشيال تايمز عن سفيرة بريطانيا في الخرطوم روزاليندا مارسدن، التي سبق أن عملت ممثلاً خاصا للاتحاد الأوروبي بالسودان وجنوب السودان بين 2010 و 2013، قولها: إن أبو ظبي والرياض أوضحتا خلال الأيام القليلة الماضية أنهما تدعمان المجلس العسكري الانتقالي. وقالت الصحيفة، إن السفيرة أعربت عن اعتقادها أن هذا الدعم كان مدفوعًا بصورةٍ أساسيةٍ بالحاجة إلى ضمان استمرار مشاركة القوات البرية السودانية في حرب اليمن. وهو أمرٌ بادر المجلس العسكري الانتقالي في السودان بضمان تأكيده بسرعةٍ منذ البداية لكلٍ من السعودية والإمارات. أي، أن السودان لن يسحب جنوده من اليمن. وعلقت السفيرة بأن جنود السودان الذين عركتهم الحروب أثبتوا أهميةً حيويَّةً للهجوم البري السعودي والإماراتي على المتمردين الحوثيين. (راجع: الجزيرة نت، على الرابط: https://shorturl.at/dWKbc) ومما يجدر ذكره هنا أن السعودية حين نادت الدول العربية إلى الوقوف إلى صفها في حرب الوكالة الإيرانية في اليمن التي استهدفت أمنها اعتذرت مصر عن إرسال جنودها إلى اليمن، في حين قبل بذلك الرئيس المخلوع عمر البشير. ومشى على نفس الدرب الفريق البرهان الذي كان أصلاً منسقًا لتفويج الجنود السودانيين إلى اليمن، قبل قيام هذه الثورة التي أطاحت بالرئيس عمر البشير.

    حكامٌ مُرتشون

    إن الثورة السودانية المتعثرة التي لا تزال فصولها تتوالى وكان آخرها هذه الحرب المدمرة، ليست سوى محاولةٍ لوضع الحق الأبلج مكان الباطل اللَّجلج. وهذ مسيرةٌ قد تطول وقد نتعرَّض فيها لما هو أسوأ مما نحن فيه الآن. لقد أذَّل الإسلامويون السودان والسودانيين، كما لم يفعل أحدٌ من قبل. وما الاستهانة التي تقابل بها دول الخليج ومصر الحكومات السودانية العسكرية سوى نتيجةٍ طبيعيةٍ لما رأوه من وضاعةٍ ونهمٍ وقابليةٍ للارتشاء وسط عسكريين وسياسيينا. وكلنا يذكر ما جرى في المحاكمة التي أقيمت للرئيس المخلوع عمر البشير بعد خلعه. فقد قال المحقق في القضية، إن البشير أبلغهم أنه حصل على مبلغ 25 مليون دولاراً من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لإنفاقها في صورة “تبرعات وهدايا للفقراء”. وقال المحقق أيضًا، إن “البشير ادعى أنه تلقى قبل ذلك، 35 مليون دولاراً من العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبدالعزيز. وتلقى كذلك مليون دولاراً من ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد. (راجع موقع “سي إن إن العربية” على الرابط: https://shorturl.at/snuJw. فأي كرامةٍ وأي احترامٍ يمكن أن يلقاها السودان والسودانيون ورؤساؤهم ومسؤولوهم بمثل هذه الحِطَّة والوضاعة. رئيس يتلقى أمولاً نقدية بالملايين تأتي بها إليه طائرة خاصة إلى مطار بلده وتكون موجهةً إليه بصفته الشخصية ولا يرى بأسًا في أخذها إلى منزله ليقسم بعضها على بطانته. وما أكثر ما تردد أن المسؤولين السودانيين عادوا من عواصم الدول الخليجية، وبرفقتهم حقائب محشوة بملايين الدولارات. باختصارٍ شديد هذه الثورة جاءت لكنس هذه القذارات، ولسوف تجد مقاومةً شديدةً من جهات داخلية وخارجية عديدة، لكن انتصارها حتميٌّ، طال الزمن أم قَصُر.
    (يتواصل)
                  

06-01-2025, 01:08 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (12 – 20)

    د. النور حمد

    “لن يستطيعَ أحدٌ أنْ يركبَ على ظهرِك، ما لمْ تَكُنْ منحنياً”
    مارتن لوثر كينج


    وجدت مصر ضالتها في البرهان

    منذ الغزو المصري الخديوي للسودان في الربع الأول من القرن التاسع عشر، لم تجد مصر حاكمًا سودانيًا أتاح لها نهب موارد السودان كما فعل الفريق عبد الفتاح البرهان. وسنأتي لاحقًا إلى ذكر ذلك بشيء من التفصيل. وعمومًا، إن نهب موارد السودان ظل منذ العصور الغابرة هو الهم الأكبر المسيطر على العقلية المصرية. وقد سبق أن ذكرت كيف أن للجغرافيا وفقر مصر من الموارد دورٌ في هذا الهوس المصري بالسودان وبموارده؛ من أراضٍ خصبةٍ شاسعةٍ، ومن مواردَ طبيعيةٍ ثرةٍ؛ نباتيةٍ وحيوانيةٍ ومعدنية. يُضاف إلى ما تقدَّم، أن السودان يمثل خطرًا على حصة مصر من مياه النيل، الأمر الذي يفرض على مصر التحكُّم في نموِّه بمختلف الطرق. وكما سلف القول، فإن الفريق البرهان منذ أن اعتلى قمة السلطة، رئيسًا لمجلس السيادة للفترة الانتقالية، كانت خطته ألا تكمل الفترة الانتفالية مدتها. وألا تجري انتخابات تقود إلى أن يتولى المدنيون زمام الحكم، وفقًا لنهج التبادل الديمقراطي السلمي للسلطة. وبالفعل، أطاح الفريق البرهان بالوثيقة الدستورية وبحكومة الفترة الانتقالية، بالانقلاب الذي نفذه في 25 أكتوبر 2021، التي ترأس وزارتها الدكتور عبد الله حمدوك. وقد انقلب الفريق البرهان على حكومة حمدوك، بعد أن وضع في سبيلها كل العراقيل الممكنة، كما سبق أن ذكرنا. خطة البرهان، وقد أثبتتها الأحداث التي ظلت تجري منذ وصوله إلى قمة هرم السلطة وإلى اليوم، هي أن يحكم منفردا. وهذا يجعله في مواجهة قوتين هما: قوى الثورة، من جهة، والإسلامويون من الجهة الأخرى.

    للنجاح في هذه اللعبة الخطرة المركبة، اهتم الفريق البرهان، أولاً، بالحرب على قوى الثورة. وأصبح عليه أن يلعب على التناقض بين حليفيه المتمثلين في الإسلامويين، والنظام. فمن جهةٍ، وافق فتون البرهان وجنونه بالسلطة ما يريده النظام المصري وهو وجود جنرال على قمة السلطة في السودان يكون خاضعًا بالمطلق *لإرادة* المصرية. ومن الجهة الأخرى يحتاج البرهان العون الدبلوماسي والعسكري المصري، لكي يبقى في السلطة. ولكي يجد العون الدبلوماسي والعسكري المصري عليه أن يقدم شيئًا في مقابل ذلك، وهو فتح الباب على مصراعيه للنظام المصري، ولمجموعات المصالح الخاصة المصرية الملتفة حول النظام المصري، لنهب موارد السودان؛ بلا قيد أو شرط، وبأقل الأسعار، بل وبلا مقابل أحيانا. وكذلك، الخضوع الكامل لمصر فيما يتعلق برؤيتها حول مياه النيل. وأيضًا، أن يصبح مخلب قطٍّ لمصر في تسبيب الغلاغل والمتاعب لإثيوبيا، ولغيرها من دول حوض النيل. وقد قام البرهان بكل أولئك كما أُرادت منه مصر، منذ أن أصبح رئيسًا لمجلس السيادة.

    في فترة سيطرة البرهان على السلطة في السودان، ظلَّت مصر تشتري مختلف موارد السودان بالعملة السودانية المحلية. ولم نعرف أبدًا أن دولةً ما في العالم رضيت أن تبيع لدولةٍ أخرى مواردها بالعملة المحلية للبلد البائع. بل تردَّد كثيرًا أن العملة التي يشتري بها المصريون الموارد السودانية عملةٌ مزيفةٌ تجري طباعتها في القاهرة. وقد وردت في شهادات سودانيين مقيمين في القاهرة أن هناك من عرض عليهم حزمًا كبيرةً من الأوراقٍ النقدية السودانية، نظير مبالغ زهيدةٍ للغاية بالجنيه المصري. خلاصة القول، إن شراء موارد السودان بعملته المحلية، المُبرِّئة للذمة والمزيَّفة، يعني أن موارد السودان تذهب إلى مصر مجانا. أما فيما يخص ملف مياه النيل وتسبيب الغلاغل لإثيوبيا فقد اصطف البرهان وراء مصر اصطفافًا كاملاً، بل ومنح مصر قاعدةً مروي الجوية في شمال السودان لتصبح منصةً عسكرية متقدمةً لتهديد الجارة إثيوبيا.

    يعرف البرهان أن نظام السيسي قد سحق حركة الإخوان المسلمين في مصر، ونكَّل بهم شر تنكيل. وهو يعرف أن نظام السيسي يقف ضد الإخوان المسلمين حيثما كانوا، ولكنه استثنى إخوان السودان لخدمة هدف تكتيكي مرحلي، هو مساعدة الفريق البرهان للبقاء في السلطة حتى تثبت فيها قدماه، ثم يجري التخلص منهم عقب ذلك. أيضًا، يعرف الفريق البرهان أن مصر تعرف أنه عمل ضابطًا في الجيش السوداني في خدمة الحركة الإسلامية السودانية، وذراعهاالمؤتمر الوطني لعقود طويلة. ولذلك، لكي يجعل الفريق البرهان نظام السيسي ينخرط في دعمه سياسيًّا وعسكريًا بالطريقة التي ظهرت في هذه الحرب، لابد أن يكون الفريق البرهان قد قدَّم للنظام المصري، في لقاءاته العديدة بالفريق عبد الفتاح السيسي وجهاز مخابراته، تطميناتٍ فيما يخص حلفه مع الإسلامويين. وغالبًا ما تكون هذه التطمينات أنَّ حلفه مع الإسلامويين حلفٌ تكتيكيٌّ قصيرٌ الأمد، من أجل خدمة مرحلةٍ بعينها. فحزب المؤتمر الوطني وما تسمى الحركة الإسلامية السودانية يتشاركان مع الفريق البرهان الحرص على هزيمة الثورة. لكنهما يختلفان معه في أنهما يريدان العودة إلى الحكم من جديد. ولذلك، هم يتعاملون مع الفريق البرهان بحذر وشكٍّ كبيرين لمعرفتهم برغبته في الحكم منفردًا وبعلاقته الوطيدة بمصر. وقد بان في مراتٍ عديدةٍ أن الفريق البرهان والإسلامويين يتربصان ببعضهما. فلكل واحدٍ منهما خطته الجاهزة للانقضاض على الآخر، عندما تصل الأمور نقطة مفترق الطرق.

    أيضًا، ربما توصل النظام المصري عبر اختراقه للنخب العسكرية والأمنية والسياسية التي عملت مع نظام الرئيس المخلوع عمر البشير إلى قناعةٍ مفادها أن قادة ما تسمى “الحركة الإسلامية في السودان”، ليسوا قادةً مبدئيين بقدر ما هم حارسين لمصالح تخصهم. أي، أنهم ليسوا سوى مجموعة من الأوليغارك الغارقين في حب المال والسلطة حتى أذنيهم. وأنهم في حقيقة أمرهم براغماتيون، وليسوا مبدئيين. وأن ذلك يجعل اصطحابهم في خدمة مرحلة بعينها ثم رميهم جانبًا أو تطويعهم بصورةٍ دائمةٍ خيارًا ممكنا. لكن، في تقديري، أن هذا التصور، إن وُجد، فإنه تصورٌ خاطئ. فما تسمى الحركة الإسلامية في السودان ليست بمفردها وإنما مرتبطة بمنظومة إقليمية معقدة متضاربة الأجندة تشكل تركيا وإيران وقطر. ولذلك بقيت ما تسمى الحركة الإسلامية السودانية، تلعب على عدة حبالٍ. وقد عرفت عبر ما يزيد على الخمسة والثلاثين عامًا من التجربة، كيف تتلون وتخدع، وتنافق، وتلعب على عنصر الوقت وعلى متغيرات الأحداث وعلى تضارب أجندة دول الإقليم.

    العلاقة الملتبسة بين البرهان والإسلامويين

    من الشواهد على العلاقة الملتبسة بين الفريق البرهان ومجموعة الإسلامويين، ما نراه بين فترةٍ وأخرى من انتقال الأبواق الإعلامية الناطقة باسم الإسلامويين في السودان، بين الإسراف في تمجيد الفريق البرهان ووضعه في مكانة البطل القومي، وبين تحولها، في أحيانٍ أخرى، إلى الهجوم عليه، بل، ومُلصقةً به أسوأ التهم. فقد قال إمام مسجد جبرة في الخرطوم، المتطرف، عبد الحي يوسف، المقيم حاليًّا في تركيا: إن الإسلاميين لا يثقون في البرهان، وأن الفضل في الانتصارات الأخيرة للجيش، حسب زعمه، يعود إلى الإسلاميين وليس إلى الجيش. وأضاف واصفًا البرهان بأنه شخصٌ: “ليس له دين ويحمل النصيب الأوفر في التسبب في هذه الأزمة. فتقوية قوات الدعم السريع عدةً وعتادًا كانت تحت سمعه وبصره”. وأضاف أيضًا: أن “البرهان أعجز من أن يقضي على الإسلاميين، فهم موجودون حتي في مكتبه”. وينطوي هذا على أن لدى “الإسلاميين” شعورًا قويٍا وربما شواهد على أن البرهان يتربص بهم. وقد حذر عبد الحي يوسف الإسلامويين قائلاً إن البرهان في آخر زيارة له إلى أميركا قبل شهرين من حديثه هذا، التقى مسؤولين أميركيين ولم يصدر بيانٌ عن تفاصيل الاجتماع. وتنطوي هذه على تهمة للبرهان بأنه ربما يخطط مع الأمريكيين للغدر بهم. وعزا عبد الحي يوسف الانتصارات التي تحققت أخيرًا إلى المقاومة الشعبية وليس إلى الجيش، قائلاً: “إن الله ساق هذه الحرب من أجل أن يُعيد للحركة الإسلامية ألقها وقوتها”. (راجع: صحيفة سودان تربيون، على الرابط: https://shorturl.at/Em5aa.

    لم يقتصر الهجوم على الفريق عبد الفتاح البرهان على إمام مسجد جبرة، عبد الحي يوسف، وحده، وإنما شارك في الهجوم عليه، أيضًا، بل والسخرية منه، في بضع مراتٍ، كلٌّ من الإعلامي، الطاهر حسن التوم، ومهرِّج “السوشال ميديا” الملقب بـ “الانصرافي”. بل وتشير بعض حوادث المسيَّرات التي أسقطت قذائفها على بعض اللقاءات الجماهيرية التي حضرها الفريق البرهان، إلى أنها قد كانت رسائل تحذيرية له من دهاقنة ما تسمى “الحركة الإسلامية”، عبر جناحها الداعشي المتطرف المسمى “كتائب البراء”. وغرض تلك الرسائل التحذيرية هو ألا يجنح البرهان قط إلى أي حلٍّ تفاوضيٍّ لإيقاف الحرب، يمكن أن يقصي الحركة الإسلامية وحزبها المؤتمر الوطني من المشاركة في الحكم، وهو المطلب الرئيس لثوار ثورة ديسمبر. أو، أن يكتفي بمنحها دورًا هامشيًا في المرحلة المقبلة بناءً على ما يتوصل إليه التفاوض. فإرسال المُسيَّرات وإلقاءها قنابلها على اللقاءات الجماهيرية التي يحضرها البرهان تعني أن الحركة الإسلامية تستطيع أن تصل بهذه المُسيَّرات إلى عقر دار الفريق البرهان. فالحركة الإسلامية لا تريد حلاً تفاوضيًا تفرضه القوى الدولية أو الإقليمية. فهي أصلاً لم تشعل الحرب إلا لكي تقضي نهائيًا على قوات الدعم السريع، وهو السبيل الوحيد في نظرها الذي يمكنها من العودة إلى السلطة بمفردها. ولتتفرغ، من ثم لذبح الثوار المدنيين المطالبين بالتحول الديمقراطي. وهو، كما ذكرنا، السبب الرئيس الذي جعلها تقود الأمور عبر الفترة الانتقالية لتصل إلى نقطة إشعال الحرب الشاملة الجارية حاليا.

    في 8 فبراير 2025 تحدث الفريق البرهان من عاصمة حكمه البديلة بورتسودان داعيًا المؤتمر الوطني المحلول للابتعاد عن المزايدات السياسية، مخاطبًا لهم بقوله: أنه لا فرصة لهم في الحكم، مرةً ثانية، على أشلاء السودانيين في هذه المرحلة، وإلا فلن يكون هناك فرق بينهم وبين تنسيقية “قحت”، أو “تقدم”، حسب قول البرهان. وقال إذا أراد المؤتمر الوطني أن يحكم، عليه أن يتنافس في المستقبل مع بقية القوى السياسية. فانبرى في الرد عليه وبسرعة حزب المؤتمر الوطني ببياناتٍ مقتضبةٍ جنحت إلى اللوم والعتاب. أما إعلاميو الإسلامويين والمؤتمر الوطني فقد انتقدوا ما ورد في الخطاب بلهجة بالغة الحدة. وأما قائد ميليشيا لواء البراء الذي يمثل الذراع العسكري المتطرف في المؤتمر الوطني فقد قال: لا ننتظر شكرًا أو تقييمًا من أي شخص، ونرجو من الله أن يتقبل الجهد والجهاد، وسنظل ندافع عن كل شبر في الوطن. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفريق البرهان كان قد زار قائد لواء البراء المصباح أبوزيد طلحة، عقب هروبه مباشرة من مباني القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم التي كان محاصرًا فيها لأربعة أشهر عقب اندلاع الحرب. الشاهد، فيما يتعلق بمناقضة البرهان المتكررة لنفسه أنه رجع بعد يومين من خطابه الذي حذر فيه الإسلامويين وحزبهم المؤتمر الوطني بألا يفكروا في العودة إلى السلطة ليقول: الذين حاربوا إلى جانبنا سيكون لهم مكانٌ في السلطة. ومعلومٌ أن الذين حاربوا إلى جانبه هم الإسلامويون وكتائبهم الجهادية المتطرفة.

    انكشاف خضوع البرهان للمتطرفين

    تناقلت عديد المواقع الإلكترونية تسريباتٍ نشرتها كاتبة العمود بصحيفة الجريدة، صباح محمد الحسن، ذكرت فيها أن إجتماعًا عاصفًا جمع الأمين العام لما تسمى “الحركة الإسلامية”، علي كرتي، وقائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان. تقول التسريبات أن علي كرتي هدد الفريق البرهان في ذلك الاجتماع بأنه، في حال انصياع الفريق البرهان للضغوط الدولية والإقليمية، سوف يكشف عن الكثير من الوثائق السرية المفصلية المتعلقة بالحرب الحالية وبإنقلاب أكتوبر 2021، وبعملية فض الإعتصام. وذكرت الصحفية أن مصادر سياسية خارجية رفيعة كشفت عن ورقةٍ جديدةٍ على طاولة الحل للأزمة السودانية. وأن تلك الورقة وضعها تحالفٌ دوليٌّ ضم دول الوساطة بالتعاون مع دولٍ إقليميةٍ، من بينها دولٌ حليفةٌ للمؤسسة العسكرية. وذكرت أن تلك الورقة تتضمن خطةً عاجلةً، قد لايتجاوز مدى وضعها موضع التنفيذ شهرًا. وتهدف الخطة للقضاء على ما أسمته “المد الإسلامي الإخواني بالسودان” وأقتلاعه من جذوره، عبر عدة آليات قالت أنها متاحة. وتقول الصحفية أن تلك المصادر رجَّحت أن قناعة تلك الدول جاءت لسببين: أولهما أن قائد الجيش السوداني أخلَّ بإتفاق سبقت موافقته عليه. وهو السيطرة على القيادة العامة التي كان من المقرر أن يؤكد الفريق البرهان عقب انسحاب قوات الدعم السريع منها، ذهابه إلى التفاوض. لكن، كما هو واضحٌ الآن، فقد مر أكثر من شهر من نشر تلك التسريبات، ولم يتغير شيءٌ في المشهد السوداني.

    أيضًا، أضافت الصحفية قائلةً: إن تلك المصادر ذكرت أن البرهان كان في نيته تنفيذ الاتفاق. حيث لمَّح إلى ذلك في خطابه الأخير في مباني القيادة العامة، في حين صرح به بوضوح أكثر، نائبه مالك عقار. إلا أن القيادات الإسلامية حاصرت البرهان ومنعته من تنفيذ الخطوة. وبعد الإجتماع وعدول البرهان عن رأيه خرج قائد كتيبة البراء ليعلن ألا تفاوض مطلقًا مع قوات الدعم السريع. الأمر الذي كشف لتلك الدول أن قادة الكتائب الإسلامية هم الذين يقررون بدلاً عن الفريق البرهان، وأثبتوا عمليًا أنهم الطرف الأقوى. وتخلص الصحفية إلى القول إن إزاحة البرهان الذي أصبح عقبةً، ضرورةٌ ينبغي أن تسبق التفاوض المنتظر. وتقول الكاتبة: إن الذي دفع تلك الدول لقرار إقتلاع الإسلاميين، إضافةً إلى ما تقدم، ووفقًا لتك المصادر، هو الجرائم الأخيرة التي قامت بها كتائب البراء بن مالك ومليشيا درع السودان. وزعمت الكاتبة إن تلك الجرائم قد نسفت الدعم الدولي المؤسسة العسكرية السودانية، وباعدت بينها وبين الدول التي فضلت الوقوف إلى جانبها، بإعتبارها تمثل الجهة الرسمية بالبلاد. خاصةً أن الفريق البرهان والمؤسسة العسكرية وقفوا متفرجين وعاجزين. ولم يفعلوا شيئًا أمام الجرائم الوحشية التي إرتكبتها تلك الكتائب والمليشيات بإسم الجيش. (راجع: موقع أخبار السودان، على الرابط: https://shorturl.at/kSwME.

    (يتواصل)
                  

06-02-2025, 01:40 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (13 – 20)

    د. النور حمد

    “لن يستطيعَ أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تَكُنْ مُنحنياً”
    مارتن لوثر كينج




    تلوُّن النظام الإخواني

    لقد أجبرت الضغوط الشديدة التي واجهها نظام الترابي/البشير في السودان، منذ بداية التسعينات، على التلون وإلى اكتساب مهاراتٍ للبقاء جعلته يمسك بالسلطة، حتى الآن، لستةٍ وثلاثين عاما. هذه الحقيقة ينبغي، في تقديري المتواضع، أن تكون حاضرةً في ذهن القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في محاولة إيجاد نهاية للحرب البشعة الجارية الآن في السودان. كما ينبغي، أيضا، أن تكون حاضرةً في ذهن النظام المصري، الذي اتخذ من بقايا النظام الإخواني حليفًا له. وما من شك أن الأطماع التاريخية في السودان أعمت النظام المصري من أن يرى بوضوحٍ كافٍ خطورة بقايا هذا النظام الإخواني السوداني المتَّسم بالتلوُّن والمكر والغدر. ولا أدرى إلى أي مدىً سوف تصطحب القوى الدولية والإقليمية في تقديراتها هذه الطبيعة المراوغة الماكرة لهذا النظام الإخواني الكليبتوقراطي، وإلى أي مدى سيتذكر النظام المصري، الذي يحاول حاليًا احتكار ملف الأزمة السودانية، تجاربه المريرة مع نظام الترابي/البشير. فهل يا ترى نسي النظام المصري الصراعات الدموية بين الدولة المصرية وتنظيم الإخوان المسلمين وتفرعاته، منذ اغتيال بطرس غالي باشا، وأحمد ماهر باشا، وأحمد الخازندار، ومحمود فهمي النقراشي، ومحمد حسين الذهبي، ويوسف السباعي، وأنور السادات، ورفعت المحجوب، وفرج فودة؟ هذا، إلى جانب العديد من محاولاتوالاغتيال الفاشلة. ومن الهجمات الإرهابية على كنائس المواطنين من الطائفة المسيحية القبطية، والهجمات الإرهابية على أوتوبيسات السياح الأجانب .

    لقد استضاف نظام الترابي/البشير، في فترة التسعينات من القرن الماضي، عتاة الإرهابيين الدوليين من عيار أسامة بن لادن والثعلب كارلوس. كما قام بمحاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. إلى جانب ذلك، فتح النظام الباب للمتطرفين الإسلاميين من جميع إنحاء العالم، لدخول السودان، ومنحهم جوازات سفر سودانية. كما كان له دورٌ في التفجير الأول في برج التجارة الدولية في نيويورك، وفي تفجيرات السفارات الأمريكية في شرق أفريقيا، وفي حادثة تفجير المدمرة كول على سواحل اليمن. ومنذ بداية التسعينات، ناصب هذ النظام الإخواني دول الخليج العربية العداء وفتح أبواقه الإعلامية ضدها ودعا إلى الإطاحة بها. وحين غزا صدام حسين الكويت وقف مع الغازي المعتدي، فجرى تصنيفه حينها ضمن ما سُميت “دول الضد”. كل تلك الأمور وضعت النظام الإخواني السوداني في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وجرى توقيع عقوباتٍ قاسيةٍ عليه. المؤسف أن النظام المصري استثمر في تلك العقوبات فقام بتأييدها، بغرض تعطيل السودان عن النهوض حتى يبقى تحت الهيمنة المصرية المستدامة. ولهذا السبب كَرِهَ النظام المصري حكومة الدكتور حمدوك وعمل على إبعادها من السلطة لأنها نجحت في إخراج السودان من أسر العقوبات، كما أعلنت أنها ستوقف تصدير السودان مواده الخام السودانية قبل أن تجري معالجتها لإضفاء القيمة المضافة عليها.

    تمكن النظام الإخواني في السودان من إرخاء القبضة الاقتصادية الخانقة عليه، بالاتجاه إلى كندا، حيث دخلت شركة تاليسمان الكندية إلى السودان. لكنها، سرعان ما باعت أسهمها إلى أحد فروع شركة أويل آند ناتشورال قاس كوربوريشن الهندية، مقابل 720 مليون دولارًا أمريكيا. ويبدو أن ذلك حدث نتيجة لضغوطٍ من الحكومة الكندية، التي رأت أن عائدات النفط في السودان تذهب لإزكاء الحرب. (راجع: موقع قناة CBC على الرابط: https://shorturl.at/r8kmR. عقب ذلك، دخلت، كلٌّ من الصين وماليزيا في صناعة البترول السودانية لينجح النظام الإخواني، رغم المقاطعات، في استخراج البترول، الذي طالما تعثر استخراجه. في نهاية عقد التسعينات أطاح عمر البشير بالدكتور حسن الترابي صاحب فكرة الانقلاب الذي أتى بالبشير إلى السلطة. غير أن النظام الإخواني لم يغيِّر جلده، إذ استمر في حربه الدينية الجهادية في جنوب السودان. بل، وأضاف إليها حربًا أخرى في دارفور اتسمت بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية. كما قوَّى النظام صلته بإيران بل وأصبح وسيطًا لإرسال الأسلحة الإيرانية إلى منظمة حماس في غزة عبر بدو صحراء سيناء، الأمر الذي جرَّ إسرائيل إلى تنفيذ غارتين جويتين داخل السودان.


    التعاون مع سي آي آيه

    تحت وطأة الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية أخذ النظام الإخواني يخطب ود الغرب مقدمًا استعداده لتقديم ملفات الإرهابيين الذين سبق أن استقطبهم وتعاون معهم. فأرسلت وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) طائرةً خاصةً إلى مدير الاستخبارات السودانية، صلاح قوش، لكي يأخذ معه كل ملفات الإرهابيين الذين تعامل معهم نظامه. وقد كانت تلك محاولةً من النظام للخروج من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، ومن ثم، رفع العقوبات عنه. قدم صلاح قوش ما طلب منه في خيانةٍ قبيحةٍ لجميع من سبق أن استقطبهم واستخدمهم من الإرهابيين. غير أن المخابرات الأمريكية استحلبت منه كل ما تريد، ولم يحصل منها على شيء نظير ما قدمه لها. وقد كشف موقع ويكيليكس عن محضر لقاءٍ جرى بين وفد من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية واللجنة الفرعية لأفريقيا في مجلس الشيوخ الأميركي، ورئيس جهاز الأمن والمخابرات السوداني السابق صلاح عبد الله قوش. وقد أشارت البرقية رقم 09KHARTOUM698، المرسلة من السفارة الأميركية في الخرطوم لرئاستها في واشنطن بتاريخ 28/5/2009م، إلى أن صلاح قوش أعرب عن خيبة أمله لدي لقائه بالسناتور الجمهوري من ولاية جورجيا، جوني آزياكسون، والسناتور الجمهوري من ولاية تينسي، بوب كريكر. وبحسب البرقية، أرجع قوش خيبة أمله إلى أنه تعاون مع وكالة المخابرات الأميركية (CIA)، طيلة التسع سنوات الماضيه، قائلاً إن هذا التعاون لم يثمر في رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وأردف قائلاً: “خلال التسعة سنوات الماضية نجحنا في إنقاذ حياة أعدادٍ كبيرةٍ من الأميركان في الإقليم وفي الشرق الأوسط، بسبب تعاوننا مع وكالة المخابرات الأميركية”. وأكد قوش للوفد الأميركي أن عليهم أن يدركوا أن السودان يدفع “ثمناً باهظاً”، بسبب تعاونه مع المخابرات الأميركية في مكافحة الإرهاب. وأنه شخصيًا يدفع ثمنًا لذلك التعاون. وقال إن أعضاء الحزب الحاكم، المؤتمر الوطني أصبحوا ينعتونه بعميل أميركا. والإسلاميون يسمونه “الكافر” جراء تعاونه مع الأمريكيين. ووصف قوش، وفقًا لتلك البرقية، السياسة الأميركية بقصر النظر، وأنها متأثرةٌ بأجندة مجموعات الضغط مثال، “إنقاذ دارفور”. (راجع: موقع ويكيليكس، على الرابط: https://shorturl.at/Y96R7. وفي أغسطس 2019 بلغ سوء معاملة أمريكا لصلاح قوش ورصفائه محمد عطا المولى وطه عثمان الحسين أن وقعت عليهم عقوبات تضمنت منعهم من دخول أمريكا. (راجع: صحيفة سودان تربيون على الرابط: https://shorturl.at/kHcGa.

    الفريق، صلاح قوش المطلع بدقة على تعاون النظام الإخواني السوداني مع الجماعات الإرهابية والذي ذهب إلى أمريكا، كما ذكرنا، لكي يقدم لها المعلومات نظير أن ترفع أمريكا العقوبات عن النظام، هو الآن، كما سبق أن ذكرنا، ضيفٌ على مصر وجهاز مخابراتها. وكما سبق أن أشرنا أن هذا واحدًا من أبلغ الأدلة على هزال الدولة السودانية وعلى حالة الضعة والهوان التي أوصلها إليها النظام الإخواني. حيث أصبح لجوء رئيس جهاز المخابرات إلى دولةٍ جارةٍ لها مطامع في الهيمنة عليه وعلى موارده، أمرًا لا يرفع حاجب الدهشة. لقد استخدمت المخابرات المصرية الفريق صلاح قوش في كل المؤامرات التي أدت إلى انقلاب 25 أكتوبر 2023، الذي قوض الفترة الانتقالية وأطاح بحكومة عبد الله حمدوك، وقفل الطريق أمام التحول الديمقراطي. كما استخدمت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة الفريق طه عثمان الحسين، في مرحلةٍ ما، لنفس الغرض.

    مناورة طرد الإيرانيين

    قبل ثلاثة أعوامٍ فقط من سقوط نظام المشير عمر البشير، خرج وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، بصورةٍ مفاجئةٍ، على قناة الجزيرة ليؤكد أن السودان قد قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران على خلفية التدخلات الإيرانية في المنطقة على أسسٍ طائفية، وبسبب اعتداءاتها على سفارة وقنصلية السعودية في طهران. وفي وقتٍ سابقٍ لهذا التصريح، كانت وكالة الأنباء السعودية قد أوردت أن مدير عام مكاتب الرئيس السوداني عمر البشير، الفريق طه عثمان الحسين، أبلغ هاتفيًا، وبصورةٍ شخصية، ولي العهد السعودي أن الخرطوم قررت طرد السفير الإيراني، ومعه كامل البعثة الدبلوماسية. وأنها قامت إلى جانب ذلك باستدعاء السفير السوداني من إيران. وأكد طه لولي العهد السعودي إدانة السودان لتدخلات طهران في المنطقة، وإهمالها حماية السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران. كما أعرب عن وقوف السودان مع السعودية في مواجهة الإرهاب وتنفيذ كافة الإجراءات الرادعة له، ونسبت “الجزيرة نت” ذلك الخبر إلى وكالة الأنباء السعودية. (راجع: موقع “الجزيرة نت”، على الرابط: https://shorturl.at/jyxQT. وقد جرى طرد إيران من السودان، بعد فترةٍ طويلةٍ من التعاون، كان النظام السوداني قد سمح لها فيها بالدفع للمد الشيعي للتغلغل في السودان. فنشأت الحسينيات والمراكز الثفافية الإيرانية، وانتشرت المطبوعات الشيعية، وغير ذلك مما تفعله إيران عادةً في نشر نسختها من الإسلام السياسي في مختلف الدول. وقد تبع طرد الإيرانيين انخراط النظام السوداني بالجنود في ما سميت “معركة الحزم”، التي شنها التحالف الخليجي على الحوثيين في اليمن. الأمر الذي جعل النظام السوداني منخرطًا عسكريًّا في مواجهة إيران ممثلةً في الحوثيين في اليمن.

    لكن، في أثناء هذه الحرب الدائرة الآن، أعاد النظام الإخواني السوداني، الذي يجلس على رأسه حاليًا الفريق عبد الفتاح البرهان محل الرئيس المخلوع عمر البشير، العلاقات الدبلوماسية مع إيران. وأخذت الأسلحة الإيرانية تتدفق على السودان، وعلى رأسها الطائرات المسيرة. (راجع: موقع “سكاي نيوز عربية على الرابط: https://tinyurl.com/3aynrmm5https://tinyurl.com/3aynrmm5. الشاهد أن كل هذه التقلُّبات تجعل المرء يتساءل: من أين تأتي الثقة في هذا النظام لدى من يتحالفون معه؟ وعلى رأس هولاء في الوقت الراهن النظام المصري. لقد أعلنت مصر أنها خسرت 7 مليارات دولار بسبب اعتداءات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، الأمر الذي خفض حركة النقل عبر قناة السويس. وقد أصبح ميناء بورتسودان في فترة ما مزارًا للسفن الإيرانية، وهو أمرٌ يهدِّد أمن كلٍّ من مصر والسعودية. وتعلم مصر أن نظام الحركة الإسلامية السودانية، سواءً في فترة الرئيس المخلوع عمر البشير، أو الفريق عبد الفتاح البرهان الذي فرض نفسه على السوانيين بالقوة، لا ينفك يدور في الفلك الإيراني.

    رغم كل ما سبق ذكره، راهنت مصر على الفريق عبد الفتاح البرهان، فقط لأنها وجدت فيه من الخضوع والانبطاح ما لم تجده في حاكمٍ عسكريٍّ سودانيٍّ قبله، متجاهلةً كل مخاطر الاعتماد على شخصٍ طبيعته الأصلية المكر والغدر وتقلُّب المواقف وتناقضاتها. فالرجل قد عاش لعقودٍ ضمن بنية نظامٍ طبعه التقلُّب والمكر والغدر فانطبع بطابعه، وليس له من ذلك فكاكٌ قط. وينطبق هذا على السعوديين الذين لا ينفكون يتعرضون للدغات النظام الإخواني في السودان، كل حينٍ وآخر. ومن الغريب أن قناة “العربية الحدث” التي تمولها السعودية يسيطر على مكتبها في الخرطوم المنتمون إلى حزب الرئيس المخلوع عمر البشير، المؤتمر الوطني، والتي ما انفكت توظف تقاريرها غير المهنية المرسلة إلى القناة لخدمة أجندة النظام الإخواني في السودان، ثم لا تجد استغرابًا أو مساءلةً من رئاسة القناة. بل، يبدو أنها تجد منها المباركة والتشجيع. باختصارٍ شديد، هذا النظام الذي ترأسه الرئيس المخلوع عمر البشير لثلاثين عامًا وورثه منه الفريق عبد الفتاح البرهان نظامٌ ذئبيٌّ ثعبانيٌّ لا تتغير طبيعته أبدًا، ولسوف يقوم بلدغ حليفه، طال الزمن أم قصر. ولسوف يلدغ الفريق البرهان كلَّا من مصر والسعودية، إن هما سارتا معه بنفس الصورة الجارية معه اليوم. باختصارٍ شديدٍ، من تلوث بدنس الإخوان المسلمين، لن يستطيع تطهير نفسه حتى تواريه ظلمة القبر.

    تقسيم السودان في صالح مصر

    منذ أن قبلت حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير بانفصال الجنوب، بعد خمسة عشر سنة من الحرب مع حركة العقيد جون قرنق، طرح القيادي الإسلاموي، ووزير المالية السابق عبد الرحيم حمدي في عام 2005، فكرة تقسيم السودان. وهي الخطة التي أخذ السودانيون يشيرون إليها بـ “مثلث حمدي”. أحسَّت ما تسمى “الحركة الإسلامية” أن عددًا من أقاليم السودان تقف بطبيعتها الثقافية عاملاً معيقًا لإنشاء “دولة إسلامية” تهيمن فيها الثقافة العربية وحدها. فالتنوع العرقي والديني والثقافي هو في نظرهم ما يجعل البلاد غير مستقرة بصورةٍ تمكنهم من أقامة النموذج “الإسلامي” الذي يودونه. لذلك، جاءت فكرة “مثلث حمدي” التي اقترح فيها الوزير الأسبق عبد الرحيم حمدي، فصل عددٍ من أجزاء السودان، تشمل جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، ودارفور. وذلك لكي تقوم دولةٌ “إسلاميةٌ” في المثلث الجغرافي المنحصر بين دُنقلا وسِنَّار والأُبَيِّض. وقد برر حمدي الفكرة بعدم الانسجام الثقافي لتلك الأقاليم مع المثلث الذي يرى أنه متجانس ثقافيا. ويرى حمدي، أيضا، أن هذه الأقاليم التي ينبغي التخلص منها تعيق الاستثمار ويصعب مع وجودها حدوث أي تنميةٍ مستدامةٍ، لكونها تتسبب في دوام القلاقل وعدم الاستقرار. وقد نفى حمدي في لقاء صحفي هذه المزاعم، لكن ما جرى في الواقع منذ انفصال الجنوب، وما يجري الآن لا يزال يؤكد هذا المنحى.

    فصل الجنوب وغيره من الأقاليم

    بعد اتفاقية نيفاشا في عام 2005 ودخول الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق شريكًا في الحكم لفترة السنوات الخمس السابقة لاستفتاء تقرير المصير الذي نصت عليه الاتفاقية، عمل نظام عمر البشير بكل سبيلٍ ممكنٍ ليجعل خيار الوحدة بالنسبة للجنوبيين في الاستفتاء القادم خيارًا غير جاذب. وبالفعل، جرى الاستفتاء في نهاية فترة شراكة الحكم بين الطرفين، واختار الجنوبيون بنسبة بلغت 99%، الانفصال عن جمهورية السودان. وقد قام خال الرئيس عمر البشير، المرحوم الطيب مصطفى، مالك صحيفة “الصيحة”، ذات الخط التحريري المتطرف، بذبح ثورٍ أسود احتفاءً بانفصال الجنوب. وأيضًا، ما أن اختار الجنوبيون الانفصال، قال الرئيس المخلوع عمر البشير: إن حقبة تطبيق الشريعة الإسلامية “المدغمسة”، أي الملتبسة وغير الواضحة والصريحة، قد ولَّت وحانت الفرصة لحكومته لتطبيق الشريعة الإسلامية الصريحة. كل ذلك يؤكد أن ما تسمى الحركة الإسلامية السودانية لا تمانع قط من تقليص مساحة السودان لإقامة ما يعتقدون خطأ أنه كيانٌ متجانسٌ ثقافيًا يمكن أن يقوم فيه نموذج مستقر للدولة “الإسلامية” النموذجية، المتوهمة، التي طالما حلمت بها قوى الإسلام السياسي في العالمين العربي والإسلامي.

    هذا التصور الإخواني المتمثل في تقليص السودان يصب في النظام المصري لكونه يمكنه من الهيمنة على الجزء الشمالي من السودان، الذي سوف يصبح من جراء الانقسامات، أضعف من أن يحمي نفسه. ولن يجد سندًا إلا من مصر التي ستتقايضه الحماية بالخضوع الكامل لها. وقد أوضحت الفترة التي سيطر فيها الفريق البرهان على مقاليد الأمور في السودان منذ انقلابه على حكومة حمدوك الشرعية في 25 أكتوبر 2021، هذا المنحى. أيضًا، أخذ هذا التصور صيغةً جديدةً، أبدلت المرتكز من الإسلام إلى العنصر. وهي النعرة الجديدة المسماة “دولة النهر والبحر”، التي يدعو لها عبد الرحمن عمسيب. والغريب أن قوى الثورة التي لم توافق على ميثاق نيروبي التأسيسي وعلى تشكيل حكومة في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع، أخذت تقول إن ميثاق نيروبي التأسيسي وما يتبعه من إعلان حكومة سيقود إلى تقسيم السودان. وفات على هؤلاء أن خطة تقسيم السودان معتمدةٌ أصلاً لدى الحركة الإسلامية منذ عقود، وأن تنفيذها يجري على مراحل وفقًا لمسارات الأمور على أرض الواقع. وعقب هذه الحرب التي يتعذر فيها الحسم العسكري، فإن خيار الانفصالات لدى الإسلامويين سوف يصبح، من الناحية العملية، هو الخيار المُحبَّذ والمُرجَّح لديهم. ولسوف يسقط شمال السودان، من تلقاء نفسه كالثمرة الناضجة، في الفك المصري الفاغر، المتلهف لالتهامه منذ فجر التاريخ.

    (يتواصل)
                  

06-02-2025, 01:48 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (14 – 20)

    د. النور حمد

    “لن يستطيعَ أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تَكُنْ مُنحنياً”
    مارتن لوثر كينج



    الإسلامويون والجيش ودولتهم الموازية

    من العوامل التي هيأت الفرص لكي تصبح موارد السودان الخام نهبًا للجيش ولمنتسبي الحركة الإسلاموية، وما يحيط بهم ممن يوالونهم من التجار، إنشاؤهم الدولة الموازية، التي استقلت بنفسها عن الدولة الأم في السودان. وأصبحت تعيش في داخلها كما تعيش الدودة الشريطية في أمعاء الإنسان. فكما سبق أن أشرنا، خلقت ما تسمى “الحركة الإسلامية” في السودان لنفسها دولةً موازيةً تدير اقتصادًا موازيًا يتحرك خارج الأطر المؤسسية المعروفة لأي دولة. فأصبحت هناك دولةٌ موازيةٌ فاحشة الثراء غارقةٌ في الفساد حتى أذنيها، وهناك الدولة الأم التي تعيش حالة من الفقر المدقع ومن انهيار مطرد للخدمات كالكهرباء والمياه والاتصال والأمن والتعليم والصحة والنظافة العامة، وغير ذلك. أهل الدولة الموازية هم التنظيم الحاكم والقوى الأمنية التي تحرسه من قوات مسلحة ورديفاتها من المليشيات الخاصة بالحركة الإسلامية ومن أجهزة الأمن المختلفة ومن الشرطة، ومن أصحاب المصالح من الرأسماليين الطفيليين الذين يتحلَّقون حول كل نظامٍ للحكم، أيًّا كان، كما سلفت الإشارة.

    شرع الدكتور حسن الترابي منذ تدبيره الانقلاب على النظام الديمقراطي في السودان في تمكين أتباعه من كل مفاصل الدولة. وأتبع ذلك بتحويل الأملاك العامة للدولة إلى أملاك لتنظيمه الحاكم ولمنظومة الحكم القائمة. وبعد ابعاده الترابي في عام 1999، ركز الرئيس المخلوع عمر البشير، على حماية نفسه بالجيش والأجهزة الأمنية لكي يأمن على نفسه من أي انقلابٍ تقوم به المجموعة التي ذهبت مع الدكتور حسن الترابي. تطورت الأمور منذ نهاية العشرية الأولى لنظام البشير ليصبح الجيش والأجهزة الأمنية، بمرور السنوات، دولةً كاملةً مستقلةً، تدير اقتصادًا ضخمًا موازيًا، يجري خارج إطار الدولة وأجهزتها التي تقع عليها مهمة رقابة المال العام. وهي دولة تكسب مليارات الدولارات لكنها لا تصرف إلا على نفسها، فقط. وكما ذكر رئيس وزراء الفترة الانتقالية، عبد الله حمدوك، فإن حوالي 80% من شركات القوات المسلحة والقوات النظامية تعمل خارج ولاية وزارة المالية على المال العام.


    في عام 1993 أنشأ النظام الإخواني في السودان ما تسمى منظومة الصناعات الدفاعية، التي ضمَّت، ضمن ما ضمَّت، مجمع اليرموك للصناعات العسكرية، ومجمع جياد الصناعي الضخم في منطقة الباقير جنوبي الخرطوم. كما ضمَّت مجمع ساريا الصناعي في العاصمة الخرطوم، الذي جرى إنشاؤه في عام 1997. وكغيرها من الجيوش العربية التي سيطرت على مختلف البلدان، اتجهت القوات المسلحة السودانية إلى السيطرة على الاقتصاد ووضعه تحت قبضتها، بل، وقامت بإدارته خارج إطار الدولة. تعدت أنشطة الجيش الصناعات الدفاعية وأخذت تنشئ العديد من الشركات التجارية التي انخرطت في مختلف الأنشطة الاقتصادية. وقد أوردت صحيفة الراكوبة في 8 سبتمبر 2011، أن موسى كرامة المدير الأسبق لشركة الصمغ العربي، الذي كان جزءًا من المنظومة الحاكمة، قال: إن بنية الإقتصاد السوداني تم حرفها تماماً لتصب في صالح الموالين للحكومة من جيش وشرطة وقوى أمن بجعلهم يهيمنون على الشركات شبه الخاصة. وذكر كرامة، أيضًا، أن النظام يمنح ما أسماه “الشركات الرمادية”، العقود بصورةٍ غير شفافة. وقال إن 413 شركة شبه حكومية تسيطر على الاقتصاد السوداني. وأن هذه الشركات ترفض الخضوع للتدقيق والمراجعة. (راجع: صحيفة الراكوبة على الرابط: https://shorturl.at/gDGsQ. كما أورد الصادق على حسن المحامي الذي تجمعه صلة قرابة بموسى كرامة، في تقرير له نشرته مجلة الديمقراطي في أول يونيو 2021، أن موسى كرامة قال له: لديَّ وصية أريدك أن تنقلها لجماعتكم في الحكومة (يقصد حكومة الفترة الانتقالية): هنالك أشياء بالضرورة أن يسمعوها متعلقة بالذهب والتعدين وحصائل الصادر والشركات والأفراد الذين ينهبون ثروات البلاد. وكذلك، التهريب الذي لا يزال مستمرًا من خلال شبكةٍ متكاملةٍ تضم نظاميين يعملون بموانئ السودان الجوية والبحرية والبرية، وشبكات خارجية. إلى جانب ذلك هناك قضايا الصمغ العربي والتهريب المستمر وإختلال ميزان الصادر والوارد بسبب السياسات الخاطئة. (راجع: صحيفة الديمقراطي على الرابط: https://shorturl.at/QzL7t.

    عبر البرهان استباحت مصر موارد السودان

    ورث البرهان هذه البنية الاقتصادية المختلة من نظام سلفه الرئيس المخلوع عمر البشير، فقام بحراستها بل وبالتوسع فيها وتقويتها. سيطر الجيش وجهاز الأمن على تجارة السلع الضرورية. وإلى جانب سهولة جني المال من التجارة في السلع الضرورية الأكثر استهلاكًا، فإن السيطرة على هذا المجال كان لها منذ فترة حكم الرئيس عمر البشير، هدفٌ آخر، وهو استخدامها في خنق أي نظامٍ يعقب نظامهم؛ سواءً أتي بثورةٍ شعبيةٍ أو بانقلابٍ عسكري. وهذا ما حدث بالفعل لحكومة الفترة الانتقالية التي قادها الدكتور عبد الله حمدوك. فقد خلقت قوى النظام القديم لحكومة حمدوك ضوائق معيشية بالغة الشدة، كما سبق أن ذكرنا. وهذه الشركات بالإضافة إلى سيطرتها على السلع الضرورية؛ كدقيق الخبز والوقود، فإنها تسيطر أيضًا على وسائل نقل وتوزيع هذه السلع. وعلى سبيل المثال فيما يتعلق باحتكار شركات الجيش تصدير اللحوم، أوردت صحيفة الراكوبة الإلكترونية في 14 مارس 2021، أن وزير التجارة والتموين في الفترة الانتقالية، على جدو، أعلن عن ابرام اتفاق مع نظيره المصري علي فتح تصدير الماشية للشركات السودانية دون احتكار لأي جهة. شريطة أن تقوم الشركات المصدرة بتحويل حصائل الصادر لبنك السودان مشيرًا الى إيقاف الشركات التى لا تلتزم بتحويل عائد الصادر. (راجع: موقع الشروق على الرابط: https://shorturl.at/0YwgX. ويدل هذا على أن عوائد الصادر في الفترة السابقة التي كانت فيها شركات الجيش تحتكر تصدير الماشية إلى مصر، لم تكن تعود إلى الخزينة العامة. وقد كانت شركة الاتجاهات المتعددة، التي تتبع للجيش، هي التي تحتكر تصدير الماشية الحية واللحوم الي مصر، وفق اتفاقٍ خاصٍّ، قبل الإطاحة بالرئيس عمر البشير. وواضحٌ أن ما تضمنه حديث وزير التجارة والتموين في حكومة حمدوك التي أطاح بها الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، أنه عمد إلى تنبيه الجانب المصري إلى أن شركات الجيش لم تكن تدفع عوائد الصادر لوزارة المالية، وإنما كانت تحتفظ بكل ما تحصل عليه من التصدير إلى مصر، لنفسها.

    سوريون يهربون الفحم السوداني

    لقد سبق أن ذكرت أن درجة الاستباحة التي جرت لموارد السودان، منذ أن صعد الفريق البرهان إلى قمة السلطة، لم تحدث منذ أن ظهر السودان إلى الوجود. والسبب في ذلك أن البرهان قايض مصر أن تحمي وجوده في السلطة نظير فتح الباب لها لنهب موارد السودان. وهو لم يأت بجديدٍ في فاجعة نهب موارد السودان التي وصلت حدًّا لا يُصدق. فهي قد بدأت في فترة حكم سلفه المخلوع عمر البشير، لكنه زاد عليها ووسعها كثيرا. وعلى سبيل المثال، جرى الكشف عن أن الفحم المستخرج من حطب الطلح السوداني، المعروف بجودته العالية، يجري إنتاجه وتهريبه بواسطة بعض السوريين. وفي تقديري، غالبًا ما يكون هؤلاء السوريون من جماعة الإخوان المسلمين الذي فتح لهم نظام عمر البشير فرص الاستيطان في السودان، وقام بمنحهم جوازات سفر سودانية. هذا التصدير غير القانوني للفحم السوداني جرى الكشف عنه في الفترة الانتقالية التي ترأس وزارتها عبد الله حمدوك. فقد أوردت صحيفة الجريدة في 17/9/2019 أن رئيس الهيئة الفرعية لعمال رئاسة الهيئة النقابية القومية للغابات معتصم محمد كشف عن تورّط سوريين في تهريب فحم الطلح الذي تمّ إيقافه بقرارٍ رسمي منذ العام 2013. لكن، رغم ذلك، ظهر أن هناك سوريين لا يزالون يعملون في تصدير فحم الطلح للخارج. وقال إن تلك المخالفات أدّت إلى فقدان البلاد 17 مليار دولارا من عائدات الفحم بسبب تصديره بطرقٍ غير قانونية، وأن هذا النشاط تسبّب في زيادة معدلات التصحّر.(راجع: موقع أخبار السودان، على الرابط: https://shorturl.at/Jj2Y5.

    مصر تصدِّر الفحم السوداني!

    يمكن أن يستورد بلدٌ ما موادًا أوليةً من بلدٍ آخر ثم يضع عليها من خلال التصنيع قيمة مضافةً ويقوم بتصديرها. لكن سلعة كالفحم هي في الأصل سلعة جاهزة للتصدير، ويمكن لبلد المنشأ وهو السودان، أن يقوم بتغليفها وتصديرها مباشرةً، والحصول في مقابلها على عملات صعبة، بدلًا عن بيعها للمصريين بالجنيه السوداني لتقوم مصر بتصديرها وتكسب من ورائها عملةً حرة. لدهشتي، أثناء بحثي في شبكة الإنترنت عثرت على موقع هيئة تنمية الصادرات المصرية الذي يُرمز إليه بالإنجليزية بـ EDA. ورد في هذا الموقع أن شركة مرجان للفحم النباتي تملك مصانع وشركات لإنتاج وتصدير فحم الطلح السوداني من السودان إلي كافة الدول العربية والدول الأوروبية، وأن في وسع الشركة التوصيل إلي أي ميناء حول العالم. وتقول الشركة في الترويج لبضاعتها هذه: “فحم الطلح السوداني معروف بجودته العالية ومنافسته لجميع أنواع الفحم النباتي حول العالم”. (راجع: موقع هيئة تنمية الصادرات المصرية EDA على الرابط: https://shorturl.at/cpOCq. ( الخط تحت الجملة من وضعي).

    أيضًا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أوردت صحيفة التغيير الإلكترونية في 11 مارس 2023، أن هناك تزايدًا في عمليات التهريب للسلع السودانية لمصر، خاصةً عقب افتتاح معبر أرقين. وأن كميات من الذهب السوداني المُهرَّب يجرى ضبطها في المعبر من قبل الجانبين المصري والسوداني. كما أوردت أن أعداد الماشية التي تصدر بطريقةٍ كبيرة جدًا ويوجد بها إناث بأعدادٍ قليلة، ويبدو أن السبب في ذلك أن الإناث يجري تهريبها عبر البر بالطرق البديلة، وتقوم به عصاباتٌ متخصصةٌ تضم سودانيين ومصريين. كما أوردت الصحيفة أن كميات من السمسم يجري تصديرها بطريقة رسمية وأن عدد الشاحنات التي تذهب يوميًّا إلى مصر، وعلى متنها أبقار حوالي (11) شاحنة في اليوم، وتحمل الشاحنة حوالي (150) رأساً. وقد ذكر عضو القوى الثورية المسماة “تروس الشمال” التي كانت تحجز الشاحنات المصرية الخارجة من السودان، عبد الوهاب سعيد للصحيفة: أنهم اكتشفوا كميات من الشاحنات تحمل إناث الإبل والضأن والأبقار إلى جانب لحوم ذبيح وأطنان من اللحوم المجمدة ليست عليها أختام أو ديباجات. وقال إن هذا الأمر يفتح الباب للمصريين لتغيير اسم بلد المنشأ والإنتاج. أيضا أوردت صحيفة التغيير الإلكترونية في 19 يناير 2022، أن مدير إدارة الهندسة الزراعية بمشروع الجزيرة، المهندس محمد عبد الله الجدع، وصف ما يحدث في قطاع القطن بالفوضى، وكشف عن تهريب القطن ببذوره دون حلج، إلى خارج السودان بواسطة أجانب. هذا النهب الواسع للثروات ليس وقفًا على هذه السلع التي ذكرناها، فهذه مجرد نماذج. فهناك سلعٌ سودانيةٌ كثيرةٌ عُرف السودان بإنتاجها يجري تهريبها بكمياتٍ ضخمة، كالصمغ العربي، وبذور التبلدي “القونقوليس”، والكركدي، وحب البطيخ، والفول السوداني وغيرها.

    مصر تصدر زيت السمسم السوداني

    أما بخصوص الزيوت والكركديه وبعض السلع السودانية الأخرى، فقد أكد رئيس شعبة مصدري الحبوب الزيتية، محمد عباس، وجود فسادٍ وعملٍ ممنهجٍ يجري في صادر الحبوب الزيتية. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الفول السوداني والحبوب الزيتية الأخرى. وشنَّ هجوماً عنيفاً على بنك السودان المركزي وجهاتٍ أخرى، لم يسمها، قائلاً إنها تعمل على عرقلة صادر الحبوب الزيتية عن طريق منع الدفع المقدم باعتبارها تحويلات غير حقيقية. وأوضح أنهم ظلوا يشتكون لمدة عامين من الفوضى والتلاعب في صادر الحبوب الزيتية عبر فورمة (دي أي)، وعدَّها تهريباً مقنناً. وأوضح عباس أن وزارة التجارة تصدر سنوياً إلى مصر 135 ألف طن سمسم بما قيمته 140 مليون دولار ، عدَّها تهريباً مقنناً. وأشار إلى أن مصر تأخذ سنوياً كركدي وسنمكة وسمسماً بما قيمته أكثر من 300 مليون دولارا. وأوضح أنهم طالبوا مراراً باعتماد قرار الدفع المقدم، إلا أنه قوبل بالرفض. وشدد على ضرورة اعتماد الدفع المقدم خاصة مع دول الجوار. (راجع: صحيفة مداميك، على الرابط: https://shorturl.at/LJvP1.

    وقد نقلت نفس هذا الخبر صحيفة الراكوبة التي نسبت إلى محمد عباس قوله، إن ما بين 40 إلى50 عربة شاحنة تخرج الى مصر يوميًا. وشدد على ضرورة اعتماد الدفع المقدم خاصة مع دول الجوار، ونوه إلى أن السودان يفقد سنويا من 200 إلى 250 مليون دولارا تذهب إلى مصر، الأمر الذي عده تخريبًا للاقتصاد السوداني. وأضاف أن الحكومة لا تقبل الدفع المقدم لأن هذا هو ما تريده. وقال إن مصر تصدِّر إلى الخارج سنويًّا 100 طنًّا من زيت السمسم المجلوبة حبوبه من السودان. كما أشار إلى تصدير آلاف الأطنان من السمسم في العام السابق للصين ومصر، من غير غربلة. (راجع: صحيفة الراكوبة، على الرابط: https://shorturl.at/2fR6l.

    مصر على وشك الإطباق على السودان

    من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام لابد أن يلحظ انشغالاً مصريًا يبلغ حد الهوس بالسودان. في هذه المواقع تجد من يحتفلون بالغناء السوداني الذي لم تستسغه ذائقتهم في يوم من الأيام. كما تجد إشاداتٍ بأخلاق السودانيين وكرمهم واهتمامًا بالعادات الاجتماعية السودانية، وغير هذا من أساليب جهاز المخابرات المصرية التي تتسم بالمدح وبالاسترضاء الفج حينا، وبمحاولات الاستغفال الفجة، حينا آخر. وهذا أمرٌ نبَّه إليه الأستاذ محمود محمد طه المصريين قبل أكثر من ثمانين عامًا، حين خاطب في عام 1952 قائد الانقلاب على النظام الملكي في مصر اللواء محمد نجيب بهذه العبارة: “فإن السودانيين قومٌ يؤذيهم أن يطمع طامعٌ فيما يحمون، كما يؤذيهم أن يبالغ في العطف عليهم العاطفون”. ولا يأخذني شكٌّ أبدًا أن بعض ما غصَّت به وسائط التواصل الاجتماعي المصرية مؤخرًا، يجري وفقًا لحملاتٍ منظمةٍ يقف وراءها جهاز المخابرات المصري، الذي شعر أن لحظة الإطباق على السودان، من جديدٍ قد أزفت. ومن يُرد أن يعرف كيف تخطط مصر للإطباق النهائي على السودان، في فترة وجود البرهان في السلطة، ولماذا هي حريصة كل الحرص على وجوده فيها، عليه مشاهدة الفيديو الذي أعده وبثه الصحفي المصري محمد عاصي، الذي يصف نفسه بأنه “صحفي إقتصاد”. (شاهد: فيديو محمد عاصي على تطبيق يوتيوب على الرابط: https://shorturl.at/PYRcU. وقد قام السودانيون بنشر هذا الفيديو بكثافةٍ على مواقع التواصل الاجتماعي في الأسبوعين الأخيرين. وإلى جانب ذلك، هناك سياسيون واقتصاديون يتحدثون عن ضرورة الذهاب إلى السودان وشراء الأراضي فيه واستخدام مياهه لصالح مصر، ومن أمثلة ذلك د. محمود عمارة. وسوف أعود في حلقة أو حلقتين عقب نهاية هذه السلسلة لأسلط الضوء بتفصيلٍ أكثر على فيديو محمد عاصي، وربما على حديث محمود عمارة. لكن، ما ورد في فيديو محمد عاصي، على وجه الخصوص، يحتاج إلى إفراد مناقشةٍ خاصةٍ له. فأخطار الهيمنة فيه تتعدى السودان لتصل إلى كل الجوار المصري؛ القريب منه والبعيد. هذا الفيديو يكشف عن توسُّعٍ خديويِّ جديدٍ ناعم.

    (يتواصل).
                  

06-02-2025, 01:51 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (15 – 20)

    د. النور حمد

    “لن يستطيعَ أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تَكُنْ مُنحنياً”
    مارتن لوثر كينج



    التَّعْمِيِةُ على ما تحصل عليه مصر من السودان

    للأنظمة المصرية المتعاقبة نهجٌ ثابتٌ في التَّعْمِيَةِ على ما تحصل عليه مصر من السودان. وربما دخل هذا في باب “يكاد المُريب أن يقول خذوني”. فمن أمثلة التعميات المصرية على ما يجيئها من السودان، ما ورد في تقريرٍ لمركز البحوث الزراعية المصري، الذي يُرمز إليه بـ ARC وموقعه على شبكة الإنترنت https://shorturl.at/lRUHq. ذكر أحد تقارير هذا الموقع أن قيمة الواردات المصرية من اللحوم الحمراء من أستراليا، والدنمارك، وألمانيا، والصومال، وأمريكا تصل إلى حوالي 94.6% من إجمالي الواردات المصرية من اللحوم ومشتقاتها الصالحة للأكل خلال متوسط الفترة 2018-2022. وأرجو أن يلاحظ القارئ أن اسم السودان لم يرد هنا على الإطلاق، رغم أنه البلد الذي تذهب منه اللحوم الحية والمذبوحة إلى مصر بالشاحنات يوميًا. فتقديم الإحصائية بهذه الصورة يخفي دور السودان كليّأ في مد مصر باللحوم. لكن دعونا، في المقابل، نقرأ ما أورده موقع “العربية بيزنيس” في 22 يناير 2025، حيث قال: إن وزارة الزراعة الأميركية تتوقع في تقريرٍ حديثٍ لها أن تتراجع واردات “القاهرة” من الماشية الحية بنحو 44% خلال العام الجاري. *وأن* هذا يحدث على خلفية استمرار أزمة الحرب الدائرة في السودان، وهو البلد الأكبر توريدًا للحوم الحية إلى مصر. (راجع: موقع “العربية بيزنيس”، على الرابط: (https://tinyurl.com/t55mux4khttps://tinyurl.com/t55mux4k. (الخط تحت الجملة الأخيرة من وضعي). واللحوم الحية التي تذهب إلى مصر هي اللحوم التي تقوم مصر بتصديرها إلى بقية أجزاء العالم بسبب ارتفاع الطلب عليها لجودتها العالية، وفقًا لشهادة وزير *التجراة* المصري، الباشمهندس، أحمد سمير صالح. فقد قال هذا الوزير *أن* منتجات مصر من اللحوم قد حازت على المستوى الأول عالميًّا لأنها تعتمد على الثورة الحيوانية السودانية، التي تُعدُّ عالميًّا من أفضل وأجود المنتج فى العالم، لأنها تعتمد بنسبة مائة في المائة على المرعى الطبيعي، ما أكسبها إقبالاً عالمياً على المستوى الأول. أما بخصوص المنتجات المصرية من الجلود، فقد قال: إننا نفخر بهذا القطاع الحيوي الذي، أيضًا، بفضل الله، تصدَّر المرتبة الأولى عالميًّا لجودة المواشي السودانية وخلوها من الأمراض. (راجع: موقع النورس على الرابط: https://shorturl.at/lFX9q.

    مصر تُصَدِّر السمسم!

    يقول موقع استاتيستا Statista الإحصائي، (https://shorturl.at/Vr5ih)، أنه اعتبارًا من عام 2021، أصبح السودان هو المنتج الرئيسي لبذور السمسم في أفريقيا. أنتج السودان من بذور السمسم ما يزيد عن 11.19 مليون طنا متريا . وتلي السودان في ذلك تنزانيا ونيجيريا بكمية إنتاج بلغت 700 ألف طنا متريا . (راجع موقعStatista على الرابط: (https://shorturl.at/zoHMT. ولنلاحظ هنا الفرق بين السودان وبين ثاني أكبر المنتجين في إفريقيا، وهما نيجيريا وتنزانيا اللتان تنتجان أقل من مليون طنا ز متري، في حين ينتج السودان أكثر من 11 مليون طن متري. أما مصر فقد جاءت القطر رقم 15 في إنتاج السمسم في إفريقيا، بإنتاجٍ لا يتعدى 45 طنا في السنة، في حين أن إنتاج السودان من السمسم يتعدى 11 مليون طنا. ومع ذلك تصدر مصر السمسم إلى العالم. ويقول موقع تنمية الصادرات المصرية EDA، إن شركة ليجند انترناشونال Legend International Company تستطيع تصدير 100,000 طن من السمسم شهريًا لمن يطلبها. (أنظر موقع هيئة تنمية الصادرات المصرية على الرابط: https://shorturl.at/S5BA1. ويعني هذا أن هذه الشركة تستطيع توفير أكثر من مليون طن من السمسم سنويًّا للمستوردين. فكيف يحدث هذا وإنتاج مصر من السمسم لا يتعدى 45 ألف طنا في العام؟

    المعروف أن إنتاج السمسم يكثر في المنطقة المدارية، وأكثر منتجيه في العالم هي دول ميانمار والصين والهند والسودان وتنزانيا ونيجريا وإثيوبيا. يقول موقع تنمية الصادرات المصرية EDA، الذي أشرنا إليه سابقًا، أن شركة أخرى اسمها “ميزا فودز” Meza Foods المصرية، تصدِّر بذور السمسم الذهبي ذات الجودة العالية من مصر إلى الأسواق الخارجية بأسعار تنافسية، وأن في وسعها توفير 100 طنا في اليوم. ففي حين يتحدث موقع تنمية الصادرات المصرية عن هذه المقادير الضخمة التي تقوم هذه الشركة المصرية وحدها بتصديرها إلى الخارج من حبوب السمسم، نجد أن موقع الشروق قد أورد في الأربعاء 3 مايو 2023، ما يفيد بأن مصر غير مكتفية أصلاُ من محصول السمسم، ذاكرًا أنها تستورده بكمياتٍ كبيرة. ويقول الموقع في ذلك، إن واردات مصر من السمسم ارتفعت بنسبة 70.3% لتسجل 9.5 مليون دولارًا خلال شهر فبراير 2023، مقابل 5.6 مليون دولارا خلال نفس شهر فبراير من العام السابق 2022. (راجع: موقع “بوابة الشروق” على الرابط: https://tinyurl.com/mrpckwadhttps://tinyurl.com/mrpckwad. ولابد من الملاحظة هنا أن زيادة الاستيراد قد حدثت بعد عامين من الانقلاب الذي نفذه الفريق البرهان على حكومة الثورة التي ترأس وزارتها عبد الله حمدوك. وغالبًا ما يكون التراجع في واردات السمسم في عام 2022، قد كان نتيجةً لإغلاق ثوار المديرية الشمالية الطريق الرابط بين السودان ومصر.

    تقول كاتبة التقرير، أميرة عاصي، إنها استندت على بيانات وردت في نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر. وإن واردات مصر من السمسم قد تراجعت خلال الـ 9 أشهر الأولى من عام 2022، خلال الفترة وهي: (يناير – سبتمبر)، لتبلغ 52.7 مليون دولار، مقابل 64.8 مليون دولار عن نفس الفترة من العام الماضي 2021. أهم ما جاء فيما أوردته الكاتبة أن المساحات المزروعة فى مصر من السمسم تتراوح بين 40-60 ألف فدان سنويًا. (راجع: موقع الشروق على الرابط: (https://shorturl.at/z9nIU. فهذه المساحة المزروعة بالسمسم في مصر لا تساوي 5% من المساحة المزروعة بالسمسم في السودان. وعمومًا فإن ما أقامه الثوار من حواجز على الطريق الرابط بين السودان ومصر في الولاية الشمالية، وما قاموا به من تفتيش للشاحنات المصرية التي تدخل إلى أعمال السودان كشفت أنواعًا مختلفة من المنتجات السودانية التي يجري تهريبها إلى مصر. وقد حدث أن وجدوا سبائك ذهب داخل عبوات الحبوب. وتؤكد مختلف التقارير أن معظم الذهب السوداني الذي يجري إرساله إلى الخارج يذهب عن طريق التهريب. وقد أوردت شبكة “سي إن إن” الأمريكية أن ما يجري تهريبه من إنتاج الذهب السوداني يصل إلى 90%. (راجع: موقع “سي إن، إن”، على الرابط: https://tinyurl.com/aavbhx3shttps://tinyurl.com/aavbhx3s.

    مصر تُصدِّر الصمغ العربي!

    أورد موقعWorld Integrated Trade Solution ، الذي يُرمز إليه بـ WITS، وموقعه على شبكة الانترنت: https://shorturl.at/dJ51f، إن مصر تُصدِّر صمغًا عربيًا بما يزيد عن مليار دولار سنويا. هذا في حين أن أشجار الهشاب وغيرها من الأشجار من فصيلة أكاشيا التي تنتج الصمغ لا تنبت إلا في الحزام الإفريقي الواقع في المنطقة المدارية في نطاق السافنا الفقيرة. فمن أين لمصر كميات الصمغ التي تصدرها بمليار دولارا سنويا؟ وقد أورد طارق الشيخ الأمين، الذي كان أمينًا عامًا لمجلس الصمغ العربي، حتى مايو/أيار 2022، أن نصيب السودان من تجارة الأصماغ الطبيعية في العالم يتراوح بين 8% و10% على الرغم من أنه ينتج 80% من الإنتاج العالمي. وأضاف قائلاً *أننا* في السودان: نخسر 90% من القيمة المضافة، فعائد الصادر في أحسن أحواله 120 مليون دولارا ، في الوقت الذي يتضاعف فيه سعر المُنتج بالسوق العالمي خمس مرات. وبطبيعة الحال ليست مصر هي الدولة الوحيدة التي تصدر المنتجات السودانية، فعدد من دول الجوار يجري تهريب المنتجات السودانية إليها. وهذا ما يشير إلى الخلل البنيوي القاتل الذي أحدثة نظام الإخوان المسلمين الكليبتوقراطي في بنية الدولة السودانية. وهذا هو الذي جعل السودان فريسةً سهلةً تتلمَّظ لها شفاه جميع الدول، قويِّها وضعيفِها.

    أيضًا، يدخل في تسبيب هذا الانهيار المريع للدولة السودانية وفقدانها السيطرة على مواردها، أصحاب المصالح من الرأسماليين وكبار التجار الذين عُرفوا بانتهاج أسهل السبل لتحقيق الربح. ومن ضمن السبل السهلة لتحقيق الأرباح تصدير الخام بالطرق الرسمية بسبب الفساد والتلاعب بالضوابط، وعن طريق التهريب إلى دول الجوار. فالفساد المؤسسي؛ الذي كانت تمارسه الأحزاب السياسية، والذي تضاعف على أيدي الأنظمة العسكرية، وخاصة النظام اللصوصي الإخواني، هو السبب وراء هذا الهدر الضخم للموارد.

    من المهم القول، بعد إيراد تلك الإحصاءات الموجزة التي تشير بوضوح لا لبس فيه، أن مصر تصدِّر منتجاتنا، الإشارة إلى أن مصر لا تفعل شيئًا فيما يخص تصدير منتجاتنا، لا تستطيع الدولة السودانية فعله. فمصر فقط تضع عليها القيمة المضافة التي قد لا تتعدى مجرد الغسل وتبريد ما يحتاج التبريد كاللحوم. إضافةً إلى التغليف الجيد وتقديم العينات المعدة إعدادًا جيدًا التي تنال الموافقة من المستوردين، ثم القدرة على الترويج والتسويق. إلى جانب ذلك، توفير وسائل النقل الجوي والبحري المعدة لمثل هذه الأغراض. ثم يأتي دور المواني الكفؤة، وكل تلك أمورٌ مقدورٌ عليها، بل هي من أوجب واجبات الدولة، لو كانت الدولة في يد حكامٍ وطنيين أوفياء لوطنهم وشعبهم، وليست في قبضة لصوص يدمِّرون منشآت بلادهم ويضعفون قدراتها، ليملأوا حساباتهم الشخصية في البنوك الأجنبية بالدولارات. وقد سبق أن نظَّم البرهان والنظام المصري وتنظيم الإخوان المسلمين ممثلًا في الناظر محمد الأمين ترك، مؤامرة إغلاق ميناء بورتسودان والطريق البري الرابط بينه وبين بقية البلاد لهلهلة حكومة حمدوك وخنقها، ما جعل مصر تفتح موانيها لحركة التصدير والاستيراد السودانية. وقد كسبت مصر من ذلك ماليًّا وسياسيّا.

    مصر تعترف بنهب موارد السودان!

    قبل 25 يومًا من انقلاب الفريق عبد الفتاح البرهان على حكومة رئيس وزراء الفترة الانتقالية، د. عبد الله حمدوك، كتب د. عبد اللطيف محمد سعيد مقالاً في موقع “النورس نيوز”، سبق أن أشرنا إليه. أورد الكاتب في ذلك المقال جزءًا من كلمةٍ لوزير التجارة والصناعة المصري، الباشمهندس، أحمد سمير صالح جاء فيها، أيضا: “بعون الله تشهد مصر نهضة صناعية وتجارية مطرده أهَّلها لكسب ثقة الأسواق الأوروبية والغربية والعربية، وحتى دول الجوار الافريقي، إذ أنها انتهجت سياسية الدولة الاستراتيجية للصناعات التحويلية. ويقول الوزير المصري، بحمد الله قفز مستوى عدد المصانع في مصر من 320 مصنع في 2016م الي 1200 مصنعَا في عام -2022م. ويشكل هذا التطور نهضةً غير مسبوقةٍ على المستوى العربي والأفريقي، بل على مستوى العالم. وكان ذلك بفضل هذا التطور في كل الصناعات التحويلية من صمغ عربي، وسمسم، وكركدي، وسنمكه، وفول سوداني، وقمح، ودخن، وماريق، وطابت، وقدم الحمام، وغيره من المنتجات الزراعية. وكل هذه المنتجات التي ذكرها الوزير المصري منتجاتٌ سودانية. (راجع: موقع “النورس” على الرابط: https://shorturl.at/lFX9q.

    أما على مستوى صناعة المعادن، فيقول وزير التجارة المصري إن الكثير من المعادن السودانية النادرة كالذهب والنحاس والكروم والحديد وغيره ترفد مصانعهم. ويواصل قائلا: “بذلك نخلص إلى تضاعف مستوى العقودات مع الشركات العالمية، حيث تجاوز الستين مليار دولار، لذلك، نحن مهتمون جدًا بمسألة استقرار الأوضاع السياسية في السودان. وندعم الاتفاق الإطاري والتحول المدني الكامل للسلطة، لتستقر الأوضاع، ويستمر تدفق المنتجات السودانية الممتازة. وأيضا تصدير منتجاتنا المصرية إلى السودان الشقيق من سراميك وأسمنت وأدويه ولعب أطفال”. (راجع: موقع النورس على الرابط: https://shorturl.at/lFX9q. غير أن الذي حدث فعلاً أن مصر لم تدعم الاتفاق الإطاري، وإنما عملت بكل *مل* تملك على نسفه.

    للمرء أن يتساءل: أليس من اللافت أن يزداد عدد المصانع في مصر من 320 مصنعًا في عام 2016، إلى 1200 مصنعًا في عام 2022؟ أي، بعد 6 سنوات فقط! واضح من حديث الوزير، أن سبب هذه الزيادة الضخمة في عدد المصانع قد حدثت لاستقبال المواد الخام السودانية التي يتباهى الوزير المصري بجودتها وكأنها من إنتاج بلده، هو وجود الفريق عبد الفتاح البرهان على رأس السلطة في السودان. فهو الذي أتاح هذه الفرصة الكبيرة جدًا لمصر لكي تنهب موارد السودان على هذا النحو العجيب. ويشير هذا أيضًا، إلى سيطرة العسكر على الاقتصاد في السودان، وإدارته بمعزل عن رقابة الدولة، في هذه الفترة الممتدة ما بين 2016 و2023. فالتدفق الخرافي للمواد الخام السودانية إلى مصر ازدادت معدلاته في السنتين الأخيرتين من حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، (2016 – 2018). غير أنه تواصل بضخامةٍ أكبر في السنوات الخمس التي تلت ذلك، إبتداءً من ثورة ديسمبر 2018 وإلى عام 2023. وقد كان نتيجةً لسيطرة العسكر على على مقاليد الأمور في السودان، عقب الإطاحة بالرئيس عمر البشير.

    لقد عمل الفريق عبد الفتاح البرهان، والتنظيم الإخواني على عرقلة كل محاولات الإصلاح التي حاولت حكومة د عبد الله حمدوك القيام بها، ومنها تقييد تصدير الخام. فالفريق البرهان قام عقب الانقلاب على حكومة حمدوك في أكتوبر 2021 بوضع يده على شركات المؤسسة العسكرية السودانية، التي أصبحت الأنبوب الذي تشفط عبره مصر موارد السودان الاقتصادية الخام. لتقوم مصر نيابةً عن السودان بوضع القيمة المضافة عليها ومن ثم تصديرها. ويجري هذا عبر اتفاق بين المؤسستين العسكريتين في كل من السودان ومصر، اللتان تعملان باستقلالٍ تامٍّ عن الدولة الأم في كلا البلدين.

    مرةً أخرى، وجدت مصر في البرهان أنموذج الحاكم العسكري الذي ظلت تبحث عنه منذ استقلال السودان. فما وجدته في الفترة التي سيطر فيها على مقاليد الأمور من فرصٍ لشفط منتجات السودان وإعادة تصديرها لم تجد ما يماثلها طيلة السبعين عامًا الماضية. لذلك انخرطت مصر بكل الوسائل لهندسة الأحوال السياسية السودانية الداخلية، بما يُبقى البرهان على قمة السلطة في السودان، ولأطول فترةٍ ممكنة. أسهمت مصر، وبقوةٍ، عبر جهاز مخابراتها وسيطرتها على رئيس جهاز المخابرات السوداني السابق صلاح قوش، المقيم في مصر، وعبر اختراقها لجهاز الاستخبارات العسكرية السودانية، في تعطيل ثورة ديسمبر 2018 من بلوغ أهدافها. وقد أعانها في ذلك، أيضًا، ما أبداه الفريق عبد الفتاح البرهان من استعداد لا محدودـ لخدمة أجندتها في السودان، نظير دعمها له؛ سياسيًّا، ودبلوماسيًّا، وعسكريّا. بسبب كل ذلك، أسهمت مصر بفكرة فض اعتصام القيادة العامة، ليكون على نسق فض اعتصام ميدان رابعة العدوية في مصر، وممارسة أقصى درجات الوحشية فيه بما يُحدث صدمة هائلة، ينتج عنها خضوعٌا كاملا. وكذلك عبر تشكيل الحاضنة الشعبية الضرار، من بقايا النظام القديم ومن الكارهين للثورة، وعبر إغلاق الموانئ والطرق السريعة لخنق حكومة عبد الله حمدوك، تمهيدًا للانقلاب عليها.ولا يزال النظام المصري منخرطًا، حتى هذه اللحظة، عبر أذرعه العديدة من السودانيين الذي وضعهم في خدمته في محاولة هندسة الأمور في السودان، والذهاب بعامل الحرب نحو حلٍّ يبقي على الفريق البرهان مسيطرًا على الأمور في السودان تحت مظلة ما يسمى “الحوار السوداني السوداني”. لتتشكل دائرة ديكورية من السياسيين المعروفين بالارتشاء من سدنة النظام القديم، ومن أصحاب المصالح تقدم السند السياسي للفريق البرهان، للزعم أن بقاءه في السلطة خيارٌ شعبيٌّ محض.

    (يتواصل)
                  

06-02-2025, 01:54 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (16 – 20)

    د. النور حمد

    “لن يستطيعَ أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تَكُنْ مُنحنياً”
    مارتن لوثر كينج




    مصر تصدِّر نيابةً عن السودان


    واضح من حديث وزير التجارة والصناعة المصري، أحمد سمير صالح، الذي سبق أن أوردناه، أن مصر تعلن على الملأ أنها تصدر المنتجات السودانية نيابةً عنه، بل وتتباهي أمام العالم بجودتها. وهذا يجعل المرء في حيرةٍ من أمره. فكيف يسمح بلدٌ مستقلٌ كالسودان بإرسال مواده الخام؛ كالصمغ واللحوم والذرة والسمسم والكركدي والقونقوليس والقرض وغيرها إلى مصر، لا ليستهلكها المصريون كمشترين، مثلهم مثل غيرهم من الدول، وإنما لتقوم الدولة المصرية أو الشركات المصرية بإضفاء القيمة المضافة عليها، التي قد لا تتعدى التنظيف والتغليف كما سبق أن ذكرنا، ثم إرسالها إلى الخارج بوصفها منتجاتٍ مصرية؟ هل يصعب على السودان أن يبرِّد لحومه أو يحولها إلى صيغ أخرى أو أن يغلف سمسمه أو صمغه أو زهرة الكركديه التي ينتجها بوفرة، وغير ذلك من السلع، ثم يرسلها إلى الخارج كمنتجاتٍ سودانية؟ أوليس من مسؤولية الدولة أن تسعى بكل السبل إلى إضفاء القيمة المضافة على منتجاتها الأولية لزيادة قيمتها، ومن ثم جني عوائدٍ دولاريةٍ منها تسهم في تحسين اقتصاد البلاد وأحوال العباد؟ أكثر من ذلك، وكما سبق أن ذكرنا، أن مصر؛ سواءً كانت الدولة المصرية أو التجار المصريين يشترون المنتجات السودانية بالعملة المحلية من داخل السودان، بل وبعملةٍ سودانيةٍ يقول البعض إن تزييفها يجري داخل مصر نفسها. فالشاحنات المصرية يُسمح لها بأن تدخل في العمق السوداني وتشتري مباشرةً من المنتجين فتشحن ما اشترته ثم ترسله مباشرةً إلى مصر. في حين أن الشاحنات السودانية لا يُسمح لها بعبور الحدود المصرية. أليس هذا، في حدِّ ذاته هيمنةٌ وامتهانٌ واستضعافٌ يدل على مذلَّةِ وانعدامِ كرامةِ من يحكموننا؟ لقد رضخ نظام الفريق البرهان للنظام الحاكم في مصر بصورةٍ لا أظنها قد حدثت قط بين أي بلدين جارين. بل، يمكن القول، وبكل تأكيد إن الفريق البرهان ومعه قطاعٌ من دهاقنة النظام الإخواني اللصوصي يبيعون الآن السودان لمصر، راضخين للمشروع المصري الكبير لاستلحاق السودان الذي يجري إعداده الآن بموافقة البرهان وطاقمه. وسوف نرى ذلك عندما نناقش في حلقةٍ قادمةٍ فيديو الصحفي الاقتصادي المصري، محمد أبو عاصم الذي جرى تبادله بكثافةٍ لافتةٍ في منصات التواصل الاجتماعي السودانية مؤخرا.
    تذهب المنتجات السودانية إلى مصر عن طريقين: الطريق الأول عبر العلاقة بين شركات الجيش السوداني والجيش المصري. وقد أوردت صحيفة “سودان تربيون” أن الجيش السوداني الذي يحكم البلاد حاليًا يسيطر على قطاع تصدير الحيوانات الحية، إضافة إلى المذبوحة من مسلخ يمتلكه في العاصمة الخرطوم. (راجع: صحيفة سودان تربيون على الرابط: (https://shorturl.at/2I6Lf. ولابد من التنبيه هنا إلى أن ما تجنيه شركات الجيش السوداني من عملاتٍ حرة، ومن أسلحةٍ، أو من أيٍّ من احتياجاتها الأخرى، نظير ما تقوم بتصديره إلى مصر، لا يدخل في حسابات الدولة السودانية. وإنما يذهب إلى الدولة الموازية التي يسيطر عليها الجيش والنظام الإخواني اللصوصي. وقد تفاقم ذلك واتسعت دوائره، بصورةٍ غير مسبوقةٍ، بعد أن وصل الفريق عبد الفتاح البرهان إلى السلطة.


    أيضًا يذهب جزءٌ كبيرٌ من موارد السودان عن طريق المصدِّرين القُدامى الذين سُمح لهم النظام الإخواني، منذ فترة حكم الرئيس عمر البشير، بمواصلة أعمالهم التجارية نظير التماهي السياسي مع النظام الحاكم. فطبقة رجال المال والأعمال التي اتسعت أعمالها وترسخَّت في الفترة الاستعمارية استطاعت، رغم تقلُّبات الأحوال السياسية في السودان في فترة ما بعد الاستقلال، أن تُبقي على مصالحها مع مختلف الأنظمة العسكرية. وقد أتى نظام الإنقاذ بخطةٍ محكمةٍ للهيمنة السياسية والاقتصادية الكاملة، لم يسبقه عليها لا نظام الفريق إبراهيم عبود ولا نظام المشير جعفر نميري. فنظام الإنقاذ ما أن وصل إلى السلطة في عام 1989 شرع في فرض ما يُسمى “التمكين”، وهو السيطرة الكاملة بواسطة التنظيم الحاكم على كل مفاصل الدولة.


    بدأ التمكين بتسريح غالبية العاملين في الخدمة المدنية ووضع أعضاء التنظيم الحاكم في أماكنهم، على قاعدة “الولاء قبل الكفاءة”. ثم تمددت إجراءات التمكين لتشمل السيطرة على كامل اقتصاد الدولة بواسطة أعضاء التنظيم الإخواني. بهذا أصبحت أنشطة التصدير والاستيراد، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، في يد التنظيم الحاكم. ولا مجال للآخرين أن يبقوا في هذه الدائرة إلا عن طريق إثبات ولائهم الكامل للممسكين بالسلطة والثروة من أهل التنظيم الإخواني الحاكم. وهكذا ارتدف النظام امعه على سرجه قطاعًا من أصحاب المصالح الاستثمارية والتجارية. وكان من بين هؤلاء زعماء أحزاب سياسية وورجال صناعة وتجارة وقيادات قبلية وشيوخ طرق صوفية. إلى جانب ذلك، لف النظام حول نفسه تجمُّعات حديثة، شملت قطاعًا من الأكاديميين ومن أهل الأدب والفن والإعلام والرياضة.


    أما الطريق الآخر الذي تذهب به مواد السودان الأولية إلى مصر فهو طريق التهريب. والأرجح عندي أن ما يذهب إلى مصر من موارد السودان الاقتصادية عن طريق التهريب المباشر، أو عن طريق دفع الرشى لموظفي الجمارك على الحدود، أكبر بكثير مما يجري عبر الطرق الرسمية. وبما أن نظام الحكم في السودان نظامٌ لصوصيٌّ سيطر عليه الفساد المؤسسي، فإن بعض العاملين من كبار الضباط في الجيش والشرطة وكبار المسؤولين في الدولة منخرطون بمختلف الصور في أنشطة التهريب المباشر، وفي أنشطة التهريب الأخرى التي تجري عبر شبكات الفساد. وكما ذكرنا من قبل أن ثوار ترس الشمال حين قاموا بإيقاف الشاحنات المصرية المتجهة إلى مصر وتفتشيها وجدوا سبائك الذهب مخبأةً وسط عبوات الحبوب، كما سبق أن ذكرنا. وما من شك أن قمة السلطة ممثلةً في البرهان وحلفائه يغضون الطرف عن أنشطة التهريب لسببين؛ أولهما: الزبائنية التي تربط بين مركز السلطة وقادة القوى الأمنية التي تحرس النظام. أما السبب الآخر: فهو عدم اكتراث الفريق البرهان بسيادة السودان وبموارده وهو يسعى لتلقي الدعم والحماية المصرية واستدامة إمساكه بالسلطة.


    لا بد من الإشارة هنا إلى أن الفريق البرهان قد سار على طريقٍ مطروقٍ مشى عليه قبله الرئيس عمر البشير وتنظيمه الإخواني. ويتمثَّل ذلك النهج في نهب موارد البلاد وإيداعها الجيوب الخاصة في حسابات واستثماراتٍ ضخمة خارج السودان. وهذا هو ديدن الكثير من الأنظمة الديكتاتورية العسكرية الكليبتوقراطية. وقاد ساد هذا النهج حتى الآن لفترةٍ بلغت 36 عامًا. وعلى سبيل المثال، فإن البترول الذي ظل يُستخرج عبر عقدٍ من الزمان قبل انفصال الجنوب، لم يعرف السودانيون إلى اليوم مقدار ما جري تصديره منه، على وجه الدقة. كما أن عائداته لم تدخل خزينة الدولة، ولم يشعر السودانيون بأي أثرٍ بارزٍ له على حياتهم. كما أن الذهب ظل يُستخرج بكمياتٍ كبيرةٍ لما يقارب العشرين عامًا حتى الآن، ولم ير له السودانيون، أيضًا، أثرًا على حياتهم. وسوف نعرض لتهريب الذهب السوداني في الفقرات القادمة.


    الفترتان اللَّتان سيطر فيهما على مقاليد الأمور كلٌّ من الرئيس المخلوع عمر البشير وخلفه الفريق البرهان، الذي عمل تحت إمرته، وقاد انقلاب 25 أكتوبر 2021، على الوثيقة الدستورية وخارطة طريق التحول الديمقراطي، هما الفترتان اللَّتان حدث فيهما هذا الانفجار الكبير في إنشاء مصانع الصناعات التحويلية، في مصر. وواضحٌ جدًا أن هذا الانفجار الضخم في أعداد المصانع في مصر قد كان نتيجةً مباشرةً لتفاقم معدلات الفساد في السودان، بل وللعمالة الصريحة من جانب البشير والبرهان لمصر. لقد أصبح السودان في هذه الفترة المظلمة وكأنه مستعمرةٌ مصرية. وقد حدث ذلك بطريقةٍ خفيَّةٍ بالغة النعومة. في هذه الفترة، جعلت مصر من نفسها وكيلاً شبه حصريٍّ لتصدير منتجات السودان بإسمها. وكما رأينا، كيف لم يجد وزير التجارة المصري أي حرجٍ في أن يسرف في مدح المنتجات السودانية ويتباهى بها أمام العالم بها وكأنها من منتجات بلده! وكل المنتجات التي عدَّدها الوزير المصري لا تنتج منها مصر شيئًا، باستثناء قليلٍ من الكركديه والسمسم والذهب، التي لا تقارن كمياتها قط بما ينتجه السودان منها. وتعج شبكة الانترنت بالإحصاءات الدولية التي تؤكد الكميات القليلة مما تنتجه مصر من هذه السلع.

    مصر تصدر الذهب السوداني

    أورد موقع Trends in Africa أن صادرات مصر من الذهب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة قد ارتفعت في الفترة من يناير إلى نوفمبر 2024، بنسبة 103% ، بقيمةٍ بلغت 1.7 مليارًا من الدولارات. أما بالنسبة لسويسرا، فقد زادت صادرات مصر من الذهب بنسبةٍ بلغة 193%، بقيمة بلغت 1 مليار دولارًا خلال نفس الفترة. وهي الفترة الممتدة من يناير إلى نوفمبر 2024. ويقول الموقع إن أغلب هذا الذهب الذي تصدره مصر ذهبٌ سوداني. ويجري إرسالة إلى مصر بواسطة شركة مصرية سودانية نشأت في صورة شراكة بين جهاز المخابرات العامة المصري ومنظومة الصناعات الدفاعية السودانية، التي صدرت ضدها عقوباتٌ أمريكية. (راجع: موقع Trends in Africa، على الرابط: https://shorturl.at/VWmH9. ولابد من التذكير هنا بما سبق أن قلناه وهو أن مصر كانت تصوِّت في المحافل الدولية على تمديد فرض العقوبات على السودان، وقد اتضح لاحقًا أنها تفعل ذلك لكي تصبح هي المستحوذ لمنتجاته بكونها المنفذ الوحيد المتاح لصادراته.

    جبريل وتهريب الذهب

    من أقوى الأدلة على شفط موارد السودان لمصلحة مصر ما ورد على لسان وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم الذي قال لوكالة (رويترز): إن السودان أنتج 64 طنًّا من الذهب في عام 2024، غير أن القدر الذي جرى تصديره رسميًا كان31 طنًا فقط. ويعني ذلك أن أكثر من نصف الإنتاج من الذهب قد خرج من البلاد عبر طرقٍ غير رسمية. فتصوروا وزيرًا للمالية في دولةٍ يتسرَّب من بين يديه أكثر من نصف إنتاج بلاده من الذهب، ولا يجد حرجًا في قول ذلك للصحافة العالمية، ثم لا يذكر ما قام به هو من تحقيق حول أسباب هذا التسريب الضخم، ولا ما هي خطته لإيقاف هذا الهدر العجيب لموارد البلاد. تحدث الوزير جبريل إبراهيم في هذا الأمر وكأنه يتحدث عن بلادٍ أخرى، وكأنه ليس وزير مالية السودان! (راجع صحيفة “التغيير” على الرابط: https://shorturl.at/BbFPF. بل، ظهر السيد، جبريل إبراهيم في فيديو وهو يرتدي زيًّا عسكريًا، مع الكدمول الدارفوري، ليحكي أنه كان في دولةٍ جارةٍ وإن مسؤوليها ذكروا له إنهم حصلوا في عام 2024 عن طريق التهريب وحده على 48 طنًا من ذهب السودان. وقد جَبُنَ الوزير جبريل حتى عن ذكر اسم تلك الدولة، رغم أن مسؤوليها قالوا له ذلك دون حياءٍ وبجرأةٍ وقحةٍ أمام عينيه. وقد عكس هذا في نظري مبلغ استهانتهم به وبقدر بلاده. ثم، حتى بعد أن جاء ليحكي لشعبه هذه المعلومة في مقابلة مبثوثة، لم يستطع أن يذكر إسم تلك الدولة، وقال مرة أخرى “دولة جارة”! فهل هذه قياداتٌ يرجى منها أن تحفظ أي قدرٍ من الكرامة لبلادها ولشعبها؟ لكن، لا عجب فقد شاهد جبريل إبراهيم حرص رئيسه البرهان على تقديم فروض الولاء والطاعة للنظام المصري. فقد لخَّص الفريق البرهان ولاءه المطلق للنظام المصري يوم أن قدَّم التحية العسكرية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لدى استقباله له في القاهرة. قدم البرهان التحية العسكرية إلى الرئيس السيسي رغم أن الأخير استقبله بالزي المدني، كرئيسٍ مدنيٍّ “منتخبٍ” للشعب المصري، وليس كقائدٍ لانقلاب عسكري. لكنها الرغبة في الانبطاح التي تعمي صاحبها وتجعل جلده أكثر سماكةً من جلد التمساح.

    بئرٌ معطلة وقصر مشيد

    يمقل الفريق البرهان في نظري نمطًا بالغ الغرابة من الخراب النفسي. فإلى جانب جنونه بالسلطة أظهر لهفًا استثنائيًا على جني الثروات الطائلة. وهو أمرٌ عُرفت به العصابة الإخوانية التي حكمت السودان عبر الستة وثلاثين عامًا الماضية. لكنه فاقها كثيرًا في هذا المنحى. فقد رشح في الأيام الأخيرة أن الفريق البرهان راكم في السنوات الخمس الأخيرة ثروةً بلغت 5 مليارات دولار. هذا البرهان أُتي به ليشارك في إدارة فترةٍ انتقاليةٍ قصيرةٍ يُسلِّم بعدها البلاد إلى أهلها. لكنه اختار بدلاً عن ذلك أن يخون الأمانة، ويستقوى على شعبه بالقوة العسكرية. أكثر من ذلك قام بنهب المال العام وذهب به دون أدنى ذرةٍ من حياءٍ إلى تركيا ليبني لنفسه فيها قصرًا بملايين الدولارت. وهو حدثٌ كشف عنه سفير سوداني سابق في تركيا كان شاهدًا على إجراءات الشراء. (راجع صحيفة التحرير على الرابط: https://shorturl.at/mlyIW) فعل البرهان هذا في حين أن أكثر من نصف الشعب السوداني يعيش تحت خط الفقر. وفي حين يُعدُّ السودان من أبأس الدول في البنيات التحتية وفي جميع الخدمات التي ترعاها الدولة. والأدهى والأمر، أن البرهان اشترى قصره هذا وهو يعد للحرب التي تسببت في تهجير 13 مليون سوداني من بيوتهم!

    مصر تُصَنِّع القطن السوداني

    في 16 أبريل 2009، أصدر أمين أباظة، وزير الزراعة، قرارًا باستيراد 3000 طن قطن من السودان لصالح شركة الدلتا الزراعية. وتقول صحيفة اليوم السابع المصرية، التي أوردت الخبر أن ذلك قد جاء نتيجة لما ظل يعانيه المزارعون فى مصر بسبب عدم قدرتهم على تسويق محصول القطن لثلاثةِ أعوامٍ متتالية، بسبب انخفاض سعره. وهو ما دفع المزارعين المصريين فى المحافظات المصرية إلى الإقلاع عن زراعة القطن. وبالتالي، انخفضت المساحات المزروعة قطنًا خلال ذلك الموسم إلى 300 ألف فدان، مقارنة بالعام السابق الذى كانت المساحة فيه تزيد عن 650 ألف فدان. (راجع: صحيفة اليوم السابع على الرابط: https://rb.gy/tzmwyfhttps://rb.gy/tzmwyf. وفي 24 /08‏/2017 أعطى الدكتور عبدالمنعم البنا، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري، الموافقة على سفر لجنة من الإدارة المركزية للحجر الزراعي المصري إلى السودان بغرض الإشراف على فحص وتبخير 6500 طن من القطن السوداني، وذلك لحساب إحدى الشركات. وشدَّد القرار على الالتزام الكامل بجميع إجراءات الفحص التي تتم عند وصول الشحنة إلى مصر، وذلك طبقا للقوانين والتشريعات الحجرية المُنظِّمة في هذا الشأن. (راجع: موقع النيلين على الرابط: https://shorturl.at/0LKUS.
    وفي 1 أبريل 2022 كشفت الحكومة المصرية، أن أهم المجموعات السلعية التي استوردتها مصر من السودان قد كانت حيوانات حية بقيمة 193.2 مليون دولارا. حبوب بقيمة 70.8 مليون دولارا، وقطن بقيمة 43.6 مليون دولارا، ولحوم بقيمة 24.2 مليون دولارا. (موقع صحيفة الراكوبة على الرابط: https://shorturl.at/tACly. ولا بد من الملاحظة هنا أن هذه الأرقام لا تشمل التهريب الذي يجري عبره شفط القدر الأكبر من الموارد السودانية بواسطة مصر. وأعني هنا التهريب الذي يجري بعلم سلطات الجمارك في المنافذ الحدودية والآخر، وهو الأكبر، الذي يجري عبر الحدود في المناطق الصحراوية. ويبلغ طول الحدود المشتركة بين مصر والسودان حوالي 1270 كيلو مترًا.



    (يتواصل).
                  

06-02-2025, 02:02 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (17 – 20)

    د. النور حمد


    “لن يستطيعَ أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تَكُنْ مُنحنياً”
    مارتن لوثر كينج


    متلازمة الربح السهل

    تقع مسؤولية نهب الموارد السودانية في المقام الأول على عاتق التنظيم الإخواني السوداني الذي صنع في داخلها فسادًا مؤسسيًا منعدم الشبيه. وكذلك، على المتحالفين معه من طبقة رجال المال والأعمال. ولو أخذنا على سبيل المثال، تراجع حظوظ السودان في سوق القطن العالمية، وتدمير مشروع الجزيرة وخراب محالج القطن، ودخول الشركات الخاصة في تمويل زراعة القطن في مشروع الجزيرة، فإننا لا نجد سببًا لذلك سوى فساد التنظيم الإخواني، وجشع قياداته، ونهمهم لسرقة المال العام. فمشروع الجزيرة في الأصل مشروعٌ حكوميٌّ أنشأه الاستعمار البريطاني. وقد كان ينتج القطن بكمياتٍ ضخمة جعلت للسودان وضعًا مميزًا في سوق القطن طويل التيلة على مستوى العالم. وكان مشروع الجزيرة يحلج القطن ويقوم بتصديره في بالات. وكانت مصانع الزيوت السودانية تقوم بعصر بذرة القطن لاستخراج زيت الطعام. لكن، في فترة حكم التنظيم الإخواني، جرى تخريبٌ متعمَّدٌ لمشروع الجزيرة بغرض أن ينهار وتؤول ملكيته إلى أفراد في إطار شراكاتٍ مع جهات خارجية. لكن فشلت تلك الهجمة لأسبابٍ قانونيةٍ فجرى إهمالٌ متعمَّدٌ له. فقد قلَّصوا إدارته وباعوا الكثير من أملاكه وأحالوا تميل الزراعة إلى بعض رجال المال والأعمال. بهذا اضمحل المشروع الحكومي الضخم مترابط المكونات الفنية والإدارية، وتحوَّل إلى ضيعةٍ تجري الزراعة فيها بطريقة عشوائيةٍ، ويتحكم رجال المال في طرق تصدير قطنه.
    في مناخ الفساد المستشري، جرى تذويب الضوابط التي تمنع تصدير المواد الخام غير المعالجة، ما نتج عنه، على سبيل المثال، تصدير القطن السوداني غير المحلوج، بعد أن كان ذلك ممنوعًا في الماضي. قادت هذه النقلة إلى أن تصبح مصر وجهةً لمصدري القطن السودانيين. وعمومًا، فإن الرأسمالية تفضل سلوك درب الربح السهل. فإن هي وجدت السبيل ممهدًا وميسرًا لها من جانب الدولة لكي تقوم بتصدير الخام فإنها ستفضل ذلك لأنه يدرُّ عليها أرباحًا دون تحمل أي كلفة، كإنشاء مصانع أو توظيف عمالة كبيرة. لقد انحصر هم التنظيم الإخواني الحاكم والرأسماليين المتحالفين معه في جني الأرباح الشخصية السهلة. ولم يعد يهمهم قط أذا هدم ذلك بنياتٍ راسخة أو أعاق تطور البلد اقتصاديًّا، أو أبقى أفراد شعبه بلا مصدر للدخل.

    نحن السبب في نهب بلادنا

    سبق أن أشرت إلى أن مصر لم يكن في وسعها أن تنهب موارد السودان بهذه الصورة الكارثية، لولا أن قطاعًا من نُخَبِنَا المتنفِّذة قد تعاون معها في هذا النهب لأسبابٍ مختلفة. فهؤلاء الذين تعاونوا مع مصر في الهيمنة على القرار السوداني وفي نهب الموارد، إبتداءً بمياه النيل وانتهاءً بكل موردٍ سودانيٍّ آخر؛ نباتيٍّ أو حيوانيٍّ أو معدنيٍّ، ينتمون إلى قبائل شتى. ولفظة قبائل هنا لا تعني القبيلة بمعناها العرقي المعروف، وإنما تعني إلى جانب قبيلة العرق، قبيلتين أخريين؛ سياسية، ودينية. ولقد أسميت هاتين بقبيلتين لأنهما تشبهان قبيلة العرق. فهما لم تدخلا نطاق الحداثة بعد. فهما مقاومتان أيضًا للأمساك بِعُرى الحداثة، ويجمع بينهما وبين قبيلة العرق، ما سبق أن أسميته “العقل الرعوي”. هذا العقل الرعوي النقيض للحداثة وللمؤسسية وللشفافية، والذي ينظر إلى الدولة كغنيمةٍ وكموردٍ ومستودعٍ للثراء الشخصي والجهوي، هو الرابطة التي تربط بين جميع هذه القبائل الثلاث، التي لا تتعدى أحلامها وتطلعاتها المصلحة الفجة، التي تسير على الدوام في معارضةٍ لمصلحة الوطن والمواطن.
    من القبائل الدينية طرقٌ صوفيةٌ تعيش في كل من السودان ومصر. والموجودة منها في السودان غالبيتها مرتبطةٌ ارتباطًا عضويًا بالنخب النيلية الحاكمة للبلاد؛ سواءً أن كانت مدنيةً أو عسكرية. ومن القبائل السياسية، الأحزاب الإتحادية، باستثناء بعض تياراتها الجديدة. لكن، لا تزال هذه التيارات الجديدة، تحتفظ بالإسم القديم “الاتحاديون”، الذي يدل على الرغبة العميقة في توحيد السودان مع مصر، أو على الأقل الميل إلى استتباعه لها. وقد دخلت أطرافٌ من أحزاب الأمة، الذي كان فيما مضى حزبًا استقلاليًا موحَّدًا، في دائرة الرخاوة والتماهي مع المطامع المصرية، طمعًا في رضا مصر وتماشيًا مع مخططاتها للسودان التي تأتي للقادة السياسيين بالمنصب، وما يتبعه من ثروةٍ ووجاهةٍ، ومجدٍ أسري. وبهذا أصبحت هذه الشرائح من حزب الأمة لا تختلف كثيرًا عن الإتحاديين التقليديين.
    أما القبائل العرقية فمعروفةٌ وهي، على وجه التحديد، القبائل التي بقيت في موطنها الأصلي في الشمال النيلي؛ ابتداءً من شمال الخرطوم وانتهاءً بمدينة الدبة وما حولها؛ من شايقية، وبديرية، وجعليين ودناقلة وغيرهم. وتدخل في هذه البنية عديد الأقسام الفرعية، التابعة للمجموعة الجعلية الكبرى. وهناك، أيضًا، ولكن بقدرٍ أقل، القبائل النوبية من دناقلة، ومحس، وسكوت، وحلفاويين، وكنوز، في أقصى الشمال النيلي الذين اشتغلوا بالتجارة منذ العهدين التركي والمهدوي وكانوا قريبين من مراكز السلطة، خاصة السلطات الاستعمارية من خديوية ومن بريطانية. إلى جانب كل أولئك، يوجد في داخل كل قبيلةٍ من هذه القبائل من سياسية وعرقية ودينية، الرأسماليون والتجار المرتبطون بمركز السلطة ارتباطًا وثيقًا من أجل حماية وتوسيع مصالحهم. وقد توزع هؤلاء مع الأحزاب السياسية ومع الطرق الصوفية. وفي كل حقبةٍ حكم فيها العسكر لم يفقدوا زبائنيتهم لمركز السلطة.
    لقد استثمرت مصر عبر قرنين من الزمان استثمارًا ضخمًا في استتباع العقول السودانية. فخلقت بذلك وسط كثيرٍ من السودانيين شعورًا بالدونية تجاهها. وقد أغرى هذا الانكسار العقلي والنفسي النخب العسكرية المصرية الحاكمة بالمزيد من محاولات الهيمنة على القرار السياسي السوداني، وعلى الموارد السودانية. بل، من شدةِ وثوقِ الأنظمة المصرية من انكسار النخب السودانية أمامها، وقبول التبعية لها، والتودد لها، أصبح غمار المصريين يتحدثون عن السودان بكثيرٍ من قلة الحساسية وعدم الاكتراث. ومن أمثلة ذلك، حديث وزير التجارة المصري الذي سبق أن أوردناه وهو يباهي العالم بجودة المنتجات السودانية، التي تُصَدِّرُها مصر نيابةً عن السودان!!
    وفيما يتعلق بقلة حساسية المصريين وهم يخوضون في أمور السودان تذهب الأمور إلى ما هو أسوأ من حديث وزير التجارة المصري، لتصل إلى دركٍ سحيقٍ من الوقاحة والصفاقة. ومن أبرز أمثلة ذلك ما لا ينفك يردده توفيق عكاشة، وغيره من جهلاء المصريين، من أن السودان مستعمرةٌ مصريةٌ ينبغي أن تُستعاد. إلى جانب ذلك، نشط كثيرون من رجال ونساء المخابرات المصرية، منذ نشوب الحرب الحالية، في وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحوا يطلُّون علينا كل ساعةٍ وأخرى من خلال تطبيق “تيك توك”، منخرطين تارة في هجاء السودانيين، وتارة في مدحهم، وتارة أخرى في تدريسهم ما ينبغي عليهم أن يفعلوا أو يدعوا. وهو ما يعكس نزعةً وصائيةً أبويةً، أقحمت نفسها بنفسها في شؤوننا، لاعبةً دورًا أشبه ما يكون بدور وليِّ الأمر الحريص على مصلحة أحد أفراد ذريته القُصَّر.
    كيف صَبَّ فشلُنا وإفشالنا في صالح مصر؟
    لقد كانت مجمل حقبة ما بعد الاستقلال في السودان، التي بلغت حتى الآن 69 عامًا، حقبةً فاشلةً من جميع الوجوه. وقد بلغت في الفشل الأوج في العقود الثلاثة والنصف التي حكم فيها البلاد هذا التنظيم الإخواني. وما الحرب الأخيرة التي أشعلها هذا التنظيم، لكي يعود إلى السلطة من جديد، وتسبيبه هذه النكبة الشاملة التي لم تشهدها البلاد مثيلاً لها في كل تاريخها الطويل، سوى الخلاصة الأخيرة لهذا الفشل. لكن، للأنظمة المصرية المتعاقبة إسهامها الكبير في إفشال الدولة السودانية، عبر تشجيعها ودعمها للانقلابات العسكرية في السودان، وعبر الانخراط المستمر في هندسة الحياة السياسية السودانية. ويجري هذا عبر وضعها العسكريين السودانيين والقوى الأمنية في قبضتها. وكذلك في جر العديد من القوى السياسية السودانية، بمختلف الطرق، لكي تتبنى أجندتها. فقد استعمر المصريون بلادنا بجيوشهم مرتين، وحين خرجوا تركوا بيننا نخبًا مُسْتَعْمَرةً عقليًا ووجدانيًا ومستتبعةً بمصالحها لمصر، ما مكن لها فرص السيطرة الناعمة على مجريات الأمور في بلادنا.
    آخر جهود مصر في منع السودان من العودة إلى الحكم الديمقراطي، هو ما جرى منها عقب الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير. فمصر لم تتوقف، منذ بداية الفترة الانتقالية عقب الإطاحة بعمر البشير، من التدخل السياسي والعسكري والاقتصادي في الشأن السوداني. وقد نشرت صحيفة لوموند الفرنسية مقالًا يقول كاتبه جان فيليب ريميه، إنه يرى أن الانقلاب الذي قاده الفريق البرهان في السودان قد كان انتصارًا لمصر. ويقول: إن الفريق البرهان ذهب إلى مصر لإبلاغ الرئيس عبد الفتاح السيسي عن خططه، أو، لأخذ أوامره، قبل الإطاحة بالسلطة الانتقالية. (راجع: “صحيفة لوموند”، على الرابط: https://shorturl.at/UoWn6. وذكرت “لوموند”، أيضًا، أن مصر أرادت، بعد أن تلقت في ذلك دعمًا من دول الخليج، أن ترى الجيش السوداني وهو ينهي المغامرة المدنية للانتقال الديمقراطي في السودان.

    كيف أصبحت مصر وطنًا بديلاً

    تزامن تدهور الأحوال الاقتصادية ومن ثم المعيشية في السودان في حقبة حكم الرئيس جعفؤ نميري (1969 – 1985)، مع حدوث الطفرةَ النفطيةَ الكبيرةَ في دول الخليج العربية. وقد مثَّل النصف الثاني من عقد السبعينات بداية سوء الأحوال المعيشية في السودان وتفشِّي الفقر في الطبقة الوسطى. فبسبب التدهور الاقتصادي وتراجع قيمة الجنيه السوداني وتزايد الضغوط المعيشية، بدأ المهنيون السودانيون في الهجرة إلى دول الخليج طلبًا للعمل. وبدأ، من ثم، نزيف العقول السودانية. وتفاقمت، من ثم كارثة التجريف الكبرى للطبقة الوسطى السودانية. أدَّت الهجرة إلى دول الخليج النفطية إلى تحسُّن الأحوال الاقتصادية للمهاجرين السودانيين. فأخذوا يعينون أهلهم ماليًّا في الداخل. كما شرعوا في شراء الأراضي وفي تشييد المساكن الحديثة. غير أن شعورهم بعدم استقرار البلاد كان حاضرًا في أذهانهم على الدوام. فالغلاء في السودان يتفاقم وفق متوالية هندسية جعلت الفارق بين كلفة المعيشة في السودان ونظيرتها في مصر، كبيراً للغاية. وبما أن السودانيين مسموحٌ لهم بالتملك في مصر، فقد شرع كثيرون منهم، نتيجة للغلاء الطاحن في السودان، في شراء العقارات هناك. وعمومًا فإن الروابط التاريخية والتأثير التعليمي والإعلامي والثقافي والسهولة النسبية في التنقل بين البلدين قد جعلت مصر هي الوطن البديل في مخيلة كثيرٍ من السودانيين. وقد قادت الهجرة الملحمية التي قام بها إلى مصر بضع ملايين من السودانيين قبل بداية الحرب، وما يقارب المليون بعد اشتعال الحرب، إلى رسوخ فكرة أن مصر هي الوطن البديل وسط قطاعٍ كبيرٍ من السودانيين.

    ظاهرة النزوح إلى مصر

    بسبب تدهور الأحوال العامة في السودان ومن ضمنها أحوال المشافي، أصبحت كثيرٌ من الأسر السودانية المقيمة في الخليج تطلب من مرضاها في السودان القدوم إلى مصر للعلاج، حيث يجتمع شمل الأسرة في القاهرة مع أبنائها الذين يعملون في الخليج، أو في الدول الغربية. ففي العقود الأربع الأخيرة ازدادت أعداد السودانيين القادمين إلى مصر عبر مطار القاهرة وعبر معابر قسطل وإشكيت وميناء السد العالي النهري، وغيرها من المنافذ بصورة كبيرةٍ جدا. فمنذ وصول نظام الإنقاذ إلى الحكم في السودان في عام 1989، ازدادت معدلات تردد السودانيين على مصر، وازدادت، من ثم، معدلات تدفق العملة الصعبة التي يجلبها السودانيون العاملون في الخارج إلى هناك. لقد أصبحت زيارات السودانيين مصدرًا من مصادر الدخل الكبيرة للدولة المصرية. وحين تذكر السلطات المصرية أثر السياحة الخليجية أو الأوربية كنشاط رافد للاقتصاد المصري، فإنها تتجاهل دور السياحة السودانية؛ من علاجية وغير علاجية، وما تدره هذه السياحة، التي لا تضاهي حجمها أي سياحة أخرى، على الخزينة المصرية من عملات أجنبية. فمصر تحرص على ألا يُنسب للسودان أي فضلٍ عليها، مهما كان، وأن ينحصر الأمر في ذكر أفضالها هي على السودان، التي لا يمكن أن تقارن بأي حال بأفضال السودان عليها. فأفضال السودان على مصر لا تعد ولا تحصى، في حين أن أضرار مصر بالسودان لا تعد ولا تحصى.
    لقد أسهمت الأموال التي يجلبها السودانيون إلى مصر للعلاج في زيادة مداخيل المشافي المصرية الخاصة. كما أنعشت وبصورة بالغة الضخامة سوق العقار المصري عبر امتلاك واستئجار السودانيين للشقق. ويكفي أن نذكر ما يقوله المصريون أنفسهم، عن ضخامة استثمار السودانيين في قطاع العقار في مصر. فقد كشف الخبير العقاري المهندس محمد صلاح عن زيادة حجم الاستثمارات العقارية للسودانيين في مصر، قائلاً إنها قد تتجاوز ال 40 مليار دولار، بما يعادل مبيعات الشركات العقارية تحت الإنشاء، والوحدات العقارية الجاهزة؛ السكنية منها والتجارية والصناعية. (راجع: موقع “سودان نيوز”، على الرابط: https://shorturl.at/mD6zy. أما المهندس، فتح الله فوزي فيقول إنها تبلغ 20 مليارا. (راجع: برنامج “القاهر والناس” على تطبيق يوتيوب، على الرابط: https://shorturl.at/NgC9g. وكلا الرقمين، على الاختلاف الكبير بينهما، كبيرين جدًا.
    إلى جانب ذلك، هناك انعاش هذه الأعداد الضخمة من السودانيين لأسواق البضائع في القاهرة. لقد تسبب فساد الكيزان في فترة حكمهم في حدوث ارتفاع خرافي في أسعار الأراضي والعقارات في السودان إلى الحد الذي أصبح فيه سعر منزلٍ أو شقةٍ متوسطةٍ في السودان يكفي لشراء شقة وربما شقتين بمواصفاتٍ مماثلةٍ في القاهرة. بهذا يمكن للسوداني أن يشتري شقةً في القاهرة للسكن، ويقوم بإيجار الشقة الأخرى لمستأجرين، لمقابلة كلفة المعيشة. كما أن ما يكفي للمعيشة في الخرطوم لمدة شهر، يمكن أن يغطي المعيشة في القاهرة لشهرين أو ثلاثة. باختصار، أصبح عيش السودانيين في مصر أرخص بالنسبة لهم من عيشهم في السودان. ويأتي إلى جانب ذلك من المزايا، العيش في مدينةٍ حديثةٍ بها روح المدينة. إلى جانب، حلاوة العيش وطلاوته وثبات الخدمات من مياه وكهرباء وتلفون وانترنت، وشبكة مواصلاتٍ كفؤةٍ زهيد التكلفة، مقابل عسر وتقطُّع وغلاء في كل تلك الخدمات في السودان.
    إلى جانب ما تقدم، أصبحت مصر وجهةً لبعض المعاشيين السودانيين العاملين في الخليج وفي الدول الغربية. فراتب التقاعد الذي يجعلك تعيش على حافة الفقر في الدول الغربية يوفر للسوداني في مصر معيشةً مريحةً في مصر. كل هذه الأموال جعلها فشل النخب السياسية السودانية في إدارة السودان تذهب إلى مصر. وقد كان من الممكن أن تصب في بناء السودان وتنميته وتقوية اقتصاده. لكن السياسات الخرقاء خاصة التي انتهجها الإخواني تجاه المغتربين، نفرَّت السودانيين من بلدهم وجعلتهم يتجهون إلى مصر.


    (يتواصل)
                  

06-02-2025, 02:08 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)

    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (18 – 20)

    د. النور حمد


    “لن يستطيعَ أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تَكُنْ مُنحنياً”
    مارتن لوثر كينج



    الخنق الإخواني للحياة في السودان

    لقد أفقر النظام الإخواني الحياة في السودان؛ إذ أفقر غالبية أهلها ماديًّا وقضى على ما تسمى الطبقة الوسطى، بعد أن خلق طبقةً مترفةً بالغة الثراء، مرفهةً، تعيش في فقاعةٍ خاصةٍ بها في الأحياء الراقية في الخرطوم، وفي بعض المدن الكبرى. هذه الطبقة بالغة الثراء منغمسةٌ في نمط عيش مختلفٍ في فقاعتها المعزولة، ولم تعد تشعر بحياة من حولها من بقية السودانيين. يعيش هؤلاء فقاعتهم الخاصة بهم في الخرطوم، حيث يرتادون مطاعم لا يرتادها غيرهم، ويصلون في مساجدَ فاخرةٍ جعلتها مواقعها في الأحياء الراقية خاصةً بهم، ويركبون سياراتٍ فاخرةً لا يركبها إلا أهل الخليج. ويسافرون بالدرجة الأولى في الطائرات، ويخرجون ويدخلون عبر صالة كبار الزوار متجنبين العبور بالصالة العمومية الكئيبة لأبأس مطار دولي في العالم. ويقيمون حفلات زفاف أبنائهم وبناتهم في صالات لا يطالها غيرهم. أما أولادهم وبناتهم فلهم عوالمهم الخرطومية الخاصة، ومفاهيمهم الخاصة وجامعاتهم الخاصة، بل لهم لغتهم الخاصة، أيضا. وهكذا أصبح السودان طاردًا لبنيه الباحثين عن حياةٍ حديثةٍ طبيعيةٍ، وأصبح أول ملاذٍ سهل للدخول وللإقامة هو القاهرة وغيرها من مدن مصر. وحين تمل هذه الطبقة الحياة في فقاعتها المخملية المعزولة في الخرطوم، وتحس بأنها تريد عيشًا مؤقتًا في إطار حضاريٍّ متكاملٍ الجوانب،يمنحها مزيدًا من الترفيه ومن التميُّزِ الاجتماعي، فإنها تسافر إلى منازلها وشققها الفاخرة في القاهرة، واستنابول، ودبي، وكوالالمبور، وغيرها من عواصم العالم. والآن، بعد أن نشبت هذه الحرب، هرب كثيرٌ من هؤلاء الذين خنقوا الحياة المدينية في السودان حتى أماتوها، إلى القاهرة حيث يعيشون الآن في أفخم الأحياء السكنية مستمتعين بكل مباهج الحياة الحديثة هناك.
    إلى جانب الإفقار المادي، أفقر النظام الإخواني الحياة السودانية ثقافيًا. فقد حارب الابداع والمبدعين الحقيقيين وجاء بالكثير من أدعياء الإبداع في كل مناحي الثقافة من آداب وفنون وملأ بهم الفضاء العام حتى أثقله بالغثاثات والفجاجة والرِّكة. قضى الإنقاذيون تمامًا على دور السينما، وخنقوا النشاط المسرحي. وقضى الفقر وسوء الطرق والظلام وصعوبة التنقل على حيوية الأمسيات التي تتسم بها كل مدينةٍ حديثة. ماتت الحيوية المسائية المتمثلة في نشاط الأسواق والمقاهي والمطاعم في وسط المدن، وانسحب إلى الأطراف في شوارع أحياء الطبقة المرفهة. فوسط مدينة الخرطوم، على سبيل المثال، الذي كان بالغ الحيوية في الأمسيات في عقود الستينات والسبعينات والثمانينات، وكان متاحًا للجميع، أصبح يخيم على الصمت والظلام مع مغيب الشمس. لذلك، أتخذت الطبقة الوسطى التي أعادت تشكيل نفسها بسبب الهجرة إلى العمل في الخارج، وما تبقى من الطبقة الوسطى داخل البلاد، من القاهرة مدينةً بديلة. فأقام بعض هؤلاء فيها بصورةٍ ثابتة، وأصبح البعض الآخر يتردد عليها بكثرة لمختلف الأسباب. بل أصبح صيام رمضان في القاهرة، في العقود الأخيرة، حجًّا سنويًا لدى كثيرين. فحرارة الجو في السودان وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر الذي يمتد لساعات طويلة جعل القاهرة قبلةً رمضانية لدى كثيرين. هذا الانهيار العام وانسداد الأفق الذي أحدثه التنظيم الإخواني في السودان، والشعور العام بأن كارثةً وشيكة الحدوث قد أخذت ترفرف فوق الرؤوس، جعل كثيرًا من السودانيين يحتاطون لأنفسهم بشراء شقة في القاهرة. وهذا هو الذي خلق هذا الانفجار الضخم في تملُّك السودانيين للشقق في مصر بالصورة التي ذكرناها إلى جانب ذلك، فإن القاهرة تتسم بحيويةٍ خاصةٍ في رمضان، حيث يصبح الليل هناك معاشًا كما النهار.
    القاهرة مدينةٌ حافظت على نبض الحداثة فيها، بل وزادت فيه الكثير في العقود الأخيرة، في حين فقدت الخرطوم وباطِّراد، حداثتها تمامًا التي عُرفت بها في ستينات القرن الماضي، وفي النصف الأول من سبعيناته. لقد حوَّل التنظيم الإخواني الخرطوم إلى مدينة رَثَّةٍ، ميِّتة، كالحةٍ، وغَبِرة، وقد طال ذلك بقية المدن السودانية. وأدى الغلاء المنفلت والإفقار المتزايد للناس إلى أن ينحصر همهم في البحث عن لقمة عيشٍ لا يتحصَّلون عليها إلا بشق الأنفس. الجميع راسفون في قيود الفقر وقلة الحيلة، وغارقون في جو من الكآبة المستدامة والتشبث بحلمٍ بالتغيير لا يتحقق أبدا. باختصارٍ شديد، حوَّل التنظيم الإخواني مدينة الخرطوم، التي هجر كثيرٌ من أهل الريف أريافهم وأتوا للعيش فيها، إلى غابة ملؤها أنيابٌ زرقٌ ومخالبُ حمر. عاصمةٌ مسؤولي محلياتها لصوص وشرطتها مرتشية وكل إجراء حكوميِّ فيها يتم بشق الأنفس ولابد فيه مع ذلك من سلوك الطرق الملتوية.
    منذ بضعة عقود أصبح قضاء العطلة في القاهرة مع بقية الأسرة القادمة من السودان من أمٍّ مسنة وأبٍ مسن ومن حالات طبية طارئة لمرضى في نطاق الأسرة هي الخيار الأفضل للمغتربين السودانيين. فمصر أسهمت في إفشال الدولة السودانية وقد ساعدتها النخب السودانية، خاصة العسكرية، في هذا الإفشال. والمحصلة النهائية هي تدفق مدخرات السودانيين من العملات الصعبة داخل مصر. أيضًا، جعلت القبضة الأمنية الشديدة ومطاردة المعارضين، في فترة حكم الإنقاذ، كثيرًا من السودانيين يتجنبون العودة إلى السودان، ويفضلون قضاء عطلاتهم في مصر. وقد ساعد على ذلك في فتراتٍ سابقة أن السودانيين لم يكونوا مطالبين بالحصول على فيزا مسبقة لدخول مصر. بل، في فترة حكم نميري وأثناء بداية ما سُمِّي التكامل الاقتصادي بين السودان ومصر، أخذت السلطات في البلدين إصدار ما سُمِّيت بطاقة وادي النيل التي تسمح بالتنقل بين البلدين من غير الحصول على فيزا. لكن، ظلَّت مصر تتنكر، كل حينٍ وآخر، لما يجرى الاتفاق عليه، أو تقوم بالالتفاف عليه بطريقة ما، حين تتوتر العلاقات بين البلدين. وهكذا اتسم النهج المصري في السماح للسودانيين دخول مصر من غير فيزا بالتذبذب. فهو قد ابتُدِع أصلاً بغرض التكسب السياسي من أجل استلحاق القطر السوداني بمصر. ثم، ظهر أن الممكن استخدامه كوسيلةٍ للضغط السياسي حين يقتضي الظرف السياسي، وايضًا للَكسُب المالي بجذب مدخرات السودانيين إلى داخل مصر. فالمبدأ الأصيل المتعلق بفتح الحدود بين البلدين، تستخدمه مصر بأسلوبٍ انتقائيٍّ يتغيَّر وفقًا لمقتضى الأحوال السياسية والاقتصادية.

    التكسب من وراء تَشَرُّدِ السودانيين

    في هذه الحرب الجارية الآن استثمر النظام المصري إجراءات الدخول لتصبح أداةً لمص دماء السودانيين بقسوةٍ ووحشيةٍ بالغة. فالسودانيون الآن شعبٌ مشرَّدٌ يبحث عن ملجأٍ آمنٍ، وهو يحتاج ذلك الملجأ حاجة حياة أو موت. وغالبية الذين يذهبون إلى مصر بسبب هذه الحرب، لا يكلفون الدولة المصرية قرشًا واحدًا. فمن يسجلون أنفسهم في مفوضية اللاجئين، تتكفل برامج الأمم المتحدة بإعاشتهم. وإلى جانب فإن كثيرين منهم يتلقون تحويلاتٍ مالية من أقاربهم المغتربين في جهات الدنيا الأربع. لكن الذي حدث أن مصر تفننت عبر سنتيْ هذه الحرب، في تغيير سياسة دخول السودانيين إليها. فاخترعت بالإضافة إلى رسوم الفيزا شيئًا جديَدًا اسمه “الموافقة الأمنية”. وتبلغ تكلفة الحصول على هذه الموافقة 2500 دولارًا، وفقاً لما ذكرته بعض وكالات السفر والعاملين في هذا المجال. فهل رأى الناس رسومًا باهظة كهذه في أي بلدٍ من بلدان العالم في أمورٍ تتعلق بإجراءات فيزا الدخول؟ (راجع: موقع “أخبار السودان” على الرابط: https://shorturl.at/lprGc. ولابد من الإشارة هنا إلى أن دول الخليج العربي، التي استقبلت أعدادَا غفيرةً من السودانيين بسبب هذه الحرب، ومنحتهم إقاماتٍ مؤقتةٍ، لم ترهق كاهلهم بالأتاوات الباهظة وبالتعقيدات وبالفساد الإداري المؤسسي، ولم تتفنن في إذلالهم وفي الجَّأْرِ بالشكوى منهم، كما فعلت مصر التي تكسب من ورائهم ذهبا.
    اخترع النظام المصري هذه البدعة المسماة “الموافقة الأمنية”، على الرغم من أن بين مصر والسودان اتفاقية موقعة منذ عام 2004، تُسمى “اتفاقية الحريات الأربع”. والحريات الأربع هي: حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك. ويعني هذا أن كل سوداني ومصري يستطيع دخول البلد الآخر ويستطيع الإقامة والعمل والتملك فيه. وهي اتفاقية ظل السودان يطبقها حرفيًا ويدع المصريين يدخلون إلى السودان ويعيشون فيه مثلهم مثل السودانيين. لكن مصر ما أن نشبت الحرب وظهر أن ما يقارب المليون سوداني يقفون على حدودها هاربين من لظى الحرب شرعت في التفنن في التكسب من هذا المورد الجديد. والحق يقال إن كثيرًا من الأصوات المصرية قد طالبت النظام المصري بتطبيق اتفاقية الحريات الأربع، وألحَّ هؤلاء المطالبون أن يجري فتح الحدود المصرية الجنوبية لدخول السودانيين النازحين بسبب الحرب، دون أي قيد أو شرط. لكن ما يراه الشعب المصري وما يريده شيءٌ، وما تراه وتريده الأنظمة الدكتاتورية التي ظلت تحكم مصر منذ منتصف القرن الماضي، شيءٌ آخر. (راجع: موقع قناة “بي بي سي” العربية، على الرابط: (https://shorturl.at/5V8im. وللمرء أن يتساءل ماذا تعني هذه الاتفاقية الأمنية وما سبب جعلها شرطًا؟ أهي خوفًا من دخول إرهابيين؟ فالإرهابيون ليسوا عامة شعب السوداني المشرَّد ان، وإنما هم نفس النظام الإخواني الذي يحكم السودان حاليًا، وكثيرون منهم يعيشون مع النظام المصري في قلب القاهرة. هؤلاء هم أنفسهم من أتوا بأسامة بن لادن وكارلوس إلى السودان. وهم أنفسهم من قاموا بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا. وهم أنفسهم من أتوا بالإيرانيين إلى المنطقة. وهم أنفسهم من يهربون الأسلحة الإيرانية إلى حماس عبر بدو صحراء سيناء. وهم أنفسهم من يقومون في هذه اللحظة باستجلاب الدواعش من كل أركان الدنيا ليحاربوا معهم في هذه الحرب الأكثر قذارةً منذ مطلع العصر الحديث. باختصار، لم يكن شرط “الموافقة الأمنية” الذي ابتدعه النظام المصري سوى حيلةٍ لمص دماء شعبٍ مشرَّدٍ يبحث عن أمن ومأوى ومأكل.

    البرهان والإخوان يحققون لمصر حلمها

    سيذهب الفريق عبد الفتاح البرهان في التاريخ السوداني بوصفه أسوأ حاكم مر على البلاد منذ الحقبة الكوشية القديمة. ويمكن أن ينال في حداث الخراب العميم، لقب نيرون السودان بلا منازع. ولسوف يذهب النظام الإخواني السوداني كأسوأ منظومةٍ سياسويةٍ أيديولجيةٍ، أحالت البلاد التي حكمتها على مدى ستة وثلاثين عامًا إلى كومةٍ من الحطام والرماد. لقد حقق الفريق البرهان والنظام الإخواني للأنظمة المصرية حلمًا ظلَّت تحلم به منذ أن أخرجتها الثورة المهدية من السودان في عام 1885. هذا الحلم القديم المتجدد هو أن يسقط السودان بين فكيها كما تسقط الثمرة الناضجة. فنحن الآن في أخطر منعطف تمر به الدولة السودانية، فعلينا أن نعي خطر الهيمنة المصرية والدور المصري في إفشال الدولة السودانية. وقد ظل يجري استخدام عديد القوى والنخب السياسية السودانية في هذه الخطة القديمة المتجددة. ولو سارت الأمور على هذا المنوال، فإنها سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة استعمار مصر للسودان من جديد. وفي تقديري، أن ذلك سوف يبدأ بسقوط شمال السودان وشرقه، وربما وسطه، لقمةً سائغةً في الفك المفترس للأوليغاركية المصرية الحكومية.
    باختصارٍ شديد، لقد فشلنا نحن السودانيين عبر ما يقارب السبعين عامًا من الاستقلال في إدارة بلدنا. فنحن المسؤولون عن هذا الفشل، ولا ينبغي أن نلومَنَّ عليه أحدًا سوانا. لكن، لابد من القول: إن للأنظمة المصرية المتعاقبة دورًا في تسبيب هذا الفشل، بل، وبقسطٍ وافرٍ جدا. وحين نقول ذلك لا نقوله للتشنيع بالأنظمة المصرية. فالأنظمة المصرية، مثلها مثل أنظمة كل الدول؛ ديكتاتوريها وديمقراطيها، تهتبل فرص ضعف الدول الأخرى والثغرات التي تنشأ فيها لخدمة أهدافها. وحين نشير إلى يد الأنظمة المصرية في تكبيل السودان وتعطيله بغرض إلحاقه، إنما نريد إيقاظ الشعب السوداني ونخبه الفكرية والثقافية والسياسية، لنخرج جميعًا من حالة الغيبوبة الطويلة التي أنامتنا فيها الشعارات البراقة الخادعة المتعلقة بالقومية العربية وبالأممية الإسلامية، والأممية البروليتارية، وكذلك الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة.
    مصر لا تريد سودانًا قويًا ناهضًا مستقل القرار السياسي، لأن ذلك يسير على العكس تمامًا من استراتيجتها وأجندتها المستقبلية. وهي استراتيجيةٌ وأجندةٌ ممعنةٌ في الخطأ. وهي استراتيجيةٌ لا تضر بمصالح السودان وحده، وإنما تضر بمصالح مصر أيضا. تتمثل أجندة مصر في: احتكار مياه النيل، وتدفُّق المواد الخام إليها من السودان بأبخس الأثمان. وكذلك، إتاحة الأراضي السودانية لها للزراعة. بل، وحين تسنح الفرصة، تقوم بإرسال المصريين الذين اكتظت بهم أراضي مصر فوق ما تحتمل، إلى الاستيطان في أراضي شمال السودان الشاسعة الخصبة، قليلة السكان وفيرة المياه. مصر تتجنب بكل سبيلٍ إقامة علاقة تبادل تجاري وتكامل إقتصادي شفافةً معافاةً. هي تريد أن تُملي عبر مختلف الطرق أجندتها دون أدنى مراعاة لمصالح الشعب السوداني ولتنمية القطر السوداني. مصر تحارب الديمقراطية في السودان لأنها تريد أن تعقد الصفقات من وراء ظهر الشعب السوداني. هي تريد أن تملي إملاءً على الديكتاتور الذي تنصبه لحكم السودان. وعمومًا، فإن مصر تعمل على مساراتٍ متعدِّدةٍ وبصبرٍ ومثابرةٍ، منتظرةً مجيء تلك اللحظة التي تستلحق فيه السودان بالدولة المصرية عبر أهله أنفسهم. وستأتي هذه اللحظة حين لا يصبح لدى سكان السودان الشمالي أي حيلةٍ متبقيةٍ لضمان أمنهم واستقرارهم، سوى أن يلجأوا إلى الحماية المصرية. وترجو مصر من هذه الحرب الجارية الآن، التي ينخرط فيها النظام المصري بفعاليةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ عاليةٍ أن تحقق لها هذه الخطة بصورةٍ نهائية. وفي تقديري، أن لحظة نجاحها قد قاربت، وهو ما ألح عليًّ ودفعني دفعًا لدق ناقوس الخطر.

    استدعاء الاستعمار Colonization by Invitation

    لقد سبق أن ناقشت في كتاباتٍ سابقة كيف خرجت إلى العلن، عقب هذه الحرب، دعواتٌ لبعض النخب السياسية والتجارية السودانية، التي نادت، بلا مواربة، لضم شمال السودان إلى مصر. بل، وأشرت إلى حديثٍ لعلي كرتي الزعيم الحالي للتنظيم الإسلامي في السودان يدعو فيه المصريين إلى الهجرة إلى السودان لكسب الرزق مع إخوتهم السودانيين. وهناك الكثير من هذا النوع من الأحاديث التي بدأت تظهر بتزايد ملحوظ في الآونة الأخيرة. وأفضل طريقة لمصر لإكمال هيمنتها على السودان، فيما أحسب، لهي تلك التي تأتي عبر مطالبة السودانيين أنفسهم بالانضمام إليها. فهذه هي أفضل صيغةٍ وأقلها كلفةً لتحقيق الهدف النهائي للماراثون المصري الطويل الساعي إلى استعادة السودان ووضعه، من جديدٍ، تحت كامل الهيمنة المصرية، مثلما حدث في الحقبة الخديوية، (1821 – 1885). فالنظام الإخواني الذي حكم السودان حتى الآن 36 عامًا يعمل أفراده الآن، بعد أن تبددت أحلامهم في السيطرة الكاملة على البلاد، على الحفاظ على الثروات التي نهبوها. ولم يعد متاحًا أمامهم لتحقيق ذلك سوى دمج النظام الأوليغاركي السوداني، في النظام الأوليغاركي المصري، الذي شرع في فتح الباب لهم على مصراعيه. خلاصة القول، لن يتقدم السودان خطوةً واحدةً إلى الأمام، ما لم نعرف نحن السودانيين الكيفية التي نُبطل بها هذا الدور المصري المدمر بالوعي به، وبالوقوف ضده بقوة. وأيضًا، لن تنهض مصر، نهضةً حقيقيةً مستدامةً، تليق بتاريخها القديم السابق لعصور الظلام والامتهان الأجنبي التي عاشتها، ما لم تعرف الطريقة الأمثل لخلق علاقةٍ صحيحةٍ منتجةٍ مع السودان.


    (يتواصل)
                  

06-02-2025, 02:12 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)


    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (19 – 20)

    د. النور حمد

    “لن يستطيعَ أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تَكُنْ مُنحنياً”
    مارتن لوثر كينج


    دولة الجيش ودولة الشعب
    لا أريد أن يفهم مما سبق ذكره أن انخفاض كلفة المعيشة في مصر مقارنةً بالسودان، قد كان نتيجةً لقوة الاقتصاد المصري، أو لحسن إدارة النخب العسكرية المصرية للاقتصاد، وهي نخبٌ بقيت في السلطة على مدى 73 عامًا. يعود إنخفاض كلفة المعيشة في مصر للدعم الحكومي للسلع. وهي ظاهرةٌ أخذت في التفاقم منذ حدوث ما سُمىَّ “الانفتاح”، في فترة حكم الرئيس الراحل، أنور السادات. منذ ذلك التاريخ، أضحت مصر دولةً معتمدةً، إلى حدٍّ كبيرٍ جدًا، على العون الأجنبي. لقد قدَّمت النخب العسكرية المصرية، في العقود الخمسة الأخيرة من هذه الثلاثة وسبعين عامًا، أسوأ أنموذج لتحوِّل الجيش إلى مؤسسةٍ اقتصاديةٍ مهيمنةٍ على الدولة ومواردها. أصبح الجيش المصري أخطبوطًا اقتصاديًا مهيمنًا سائر جوانب اقتصاد الدولة؛ من تجارةٍ وصناعةٍ وخدماتٍ واستثمارٍ في شتى المجالات، وإنشاءاتٍ، وغير ذلك. يقول عزمي بشارة في توصيف علاقة الجيش المصري بالدولة: “حصل الجيش منذ تولي المشير عبد الحليم أبو غزالة وزارة الدفاع (في نهاية عهد السادات وخلال عهد مبارك)، على امتيازاتٍ كثيرةٍ، بما في ذلك حقه في حسابٍ بنكيٍّ غير حساب الحكومة، والقيام بنشاطات اقتصادية وخدماتية وإسكان وغيره بحجة ضرورة تلبية حاجاته وحاجات ضباطه، بعيدًا عن أزمات الاقتصاد المصري، ما رفعه فوق المجتمع المصري وقضاياه. وتضاعفت هذه الامتيازات في مرحلة مبارك ووزير دفاعه طنطاوي، حتى تحولت إلى نوع من إدارة ذاتية اقتصادية وعسكرية للقوات المسلحة؛ بحيث تأسس مجتمع عسكري أو جمهورية ضباط ذات اقتصادٍ موازٍ، وشبكة خدمات خاصة. وهي ظاهرةٌ مصريةٌ بالغة الخصوصية”. (راجع مجلة “سياسات عربية”، العدد 22، مجلد 4 سبتمبر 2016). هذا الأنموذج المصري الكليبتوقراطي القح، جرى نقله إلى السودان بحذافيره. فالجيش والقوى الأمنية من جهاز أمنٍ بكل أذرعه، وجهاز شرطة بكل تفرعاته، أصبح يقوم بنشاطاتٍ اقتصاديةٍ وخدماتيةٍ وإسكانٍ وغير ذلك بحجة ضرورة تلبية حاجاته وحاجات ضباطه، بعيدًا عن أزمات الاقتصاد السوداني، وبعيدًا عن معاناة عامة الشعب، ما رفع هذه الأجهزة الأمنية فوق المجتمع السوداني وقضاياه.
    هذا النموذج المصري الذي وصفه عزمي بشارة بأنه خصوصية مصرية، عبر الحدود إلى السودان نتيجةٍ للهيمنة الاستخباراتية المصرية على قيادات الجيش السوداني، خاصة عقب محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا، التي تأكد أن نظام ما تسمى الحركة الإسلامية في السودان هو الذي وقف وراءها. وهو أمر استخدمته مصر في ابتزاز النظام السوداني بدعمها للعقوبات الدولية التي فُرضت عليه، ثم جعلت نفسها وسيطًا إقليميا ودوليًا لرفعها. ولم يكن غرض النظام المصري من ممارسة الضغوط على النظام السوداني إزاحته عن السلطة، وهو ما يريده الشعب السوداني، وإنما إضعافه ليصبح خاضعًا لها خضوعًا تامًا. وقد تحقق لها ذلك بالفعل، خاصة في هذه الفترة التي سيطر فيها على مقاليد الأمور في السودان الفريق عبد الفتاح البرهان. وقليلاً، قليلاً، نقلت مصر نموذج سيطرة الجيش على الاقتصاد التي جرت في مصر إلى عسكر السودان، لتجعل منهم، في ظل رضوخهم التام لها وسيلةً لشفط موارد السودان ولاستلحاقه بمصر بطريقةٍ بالغة النعومة. بذلك أصبحت المؤسستان العسكريتان في كلٍّ من مصر والسودان، تديران البلدين عبر أنموذج تكامليٍّ واحدٍ هو أنموذج الدولة الكليبتوقراطية الموازية. أي، دولة الجيش التي تضخمت على حساب دولة الشعب وأضحت تدير اقتصادًا منفصلا خاصًا بها غير مرتبط باقتصاد الدولة التي تديره مؤسساتها. لقد أضحى السودان في فترة حكم البرهان، التي امتدت حتى الآن لست سنوات، يسير بخطىً حثيثة لكي يصبح مستعمرةً مصرية.
    انتهى الأمر في السودان بأن سيطرت الدولة الموازية للتنظيم الإسلامي وجيشه المؤدلج على 80% من الاقتصاد السوداني، وفقًا لما صرح به رئيس وزراء الفترة الانتقالية، عبد الله حمدوك، الذي انقلب عليه الفريق البرهان، بتعليماتٍ مصرية: “حمدوك لازم يمشي”. فالبرهان يريد القضاء على ثورة ديسمبر مهما كلفه ذلك، ليحقق رؤيا والده التي تنبأت له بحكم السودان، وليقضي لبانةَ شبقِهِ الشخصيِّ العارمِ للسلطة. ومن الجانب الآخر، يريد التنظيم الإخواني السوداني وحزبه الحاكم، المؤتمر الوطني، العودة إلى السلطة بأي سبيل. وقد وافقت رغبة هذين الطرفين السودانيين رغبة النظام المصري، بل وانطبقت عليها انطباقًا كاملا. فهذا الحلف الثلاثي يتشارك، وبقوة، غرض القضاء على الثورة السودانية وإبعاد بعبع التحول الديمقراطي الذي طالما حاربته مصر في السودان. هكذا تطابقت رغبات هذا الثلاثي ليدخل السودان في هذه الحرب المدمرة التي سيكون المنتفع الوحيد منها في نهاية المطاف النظام المصري، إذا سارت الأمور وفق ما يخطط ويناور. وإذا لم تنتبه القوى السياسية المدنية السودانية المتشرذمة إلى الانغماس المصري في الشأن السوداني، خاصةً منذ اندلاع ثورة ديسمبر 2018 فسوف يلتفون قريبًا ولن يجدوا أي أثر للسودان الذي عرفوه.

    مصر تعيش على غيرها
    انخفاض كلفة المعيشة في مصر وتماسك الدولة المصرية وأمنها واستقرارها النسبي، وتمتُّع مُدنها بمزايا عيش الحداثة، التي اجتذبت كثيرًا من السودانيين للهجرة إليها ليست نتيجةً لنظامٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ مقتدر، وإنما لأن الجيش المصري الممسك بالسلطة بقوة السلاح عرف كيف يجعل مصر تعيش على حساب غيرها. فمصر لا تنفك تتلقى أمولاً ضخمة من المجتمعين الدولي والإقليمي الخليجي، لاعتباراتٍ سياسية محضة؛ مرَّةً من السعودية، ومرَّةً من قطر، ومرَّةً من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومرَّةً من الكويت، إلخ. ويجري ذلك وفقًا لتقلُّبات مصالح هذه الدول الخليجية مع تقلُّب الأحوال المصرية الداخلية وتقلب الأحوال العربية بصورةٍ عامة. وعلى سبيل المثال، قدمت قطر لمصر في فترة حكم محمد مرسي حزمةً أوليةً من المساعدات المالية بلغت 2.5 مليار دولارًا؛ منها نصف مليار في صورة منحة، وملياران عبارة عن ودائع. وقال وزير الخارجية القطري آنذاك، حمد بن جاسم آل ثاني، إن الدوحة تتباحث مع القاهرة لتحويل جزء من وديعتها إلى منحة، ليصبح إجمالي قيمة المنحة القطرية مليار دولار، بينما يتضاعف حجم الوديعة إلى أربعة مليارات دولارا. (راجع: الجزيرة نت على الرابط: https://shorturl.at/1aP0M. والسبب في ذلك الدعم القطري لمصر في تلك الفترة، هو مساعدة حكومة الأخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي، بعد أن وصلوا إلى السلطة في مصر.
    وما أن أطاح الفرق عبد الفتاح السيسي بالرئيس المنتخب محمد مرسى، دخلت كل من السعودية ودولة الإمارات على الخط لدعم النظام العسكري الجديد الذي قوَّض حكم الإخوان المسلمين. ففي 13 مارس/ آذار 2015، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، وحاكم دبي، خلال مشاركته في مؤتمر القمة الاقتصادية بشرم الشيخ، أن المساعدات الإماراتية لمصر بلغت خلال العامين اللذين سبقا ذلك المؤتمر، أكثر من 51 مليار درهما. وقد شملت مجالاتٍ حيويةً كالتعليم والتدريب والإسكان والنقل والمواصلات والرعاية الصحية والأمن الغذائي والطاقة. وفي نفس تلك الفترة أعلنت الكويت عن مساعداتٍ لمصر قيمتها 4 مليار دولارًا في صورة معونةٍ عاجلةٍ لدعم الشعب المصري في مواجهة ما أسمته “الأوضاع الدقيقة”، التي يمر بها. ويقول موقع بي بي سي العربية، إن مساعدات كلٍّ من السعودية والإمارات بلغت جملتها 8 مليار دولارًا. (راجع: موقع بي بي سي العربية على الرابط: https://shorturl.at/hO8y5.
    الشاهد أن تدفق المال الخليجي على مصر لم يتوقف قط وظل مستمرًا إلى الآن. ففي فبراير 2024، نقل ـموقع “عربي21” عن مصادر خاصة، أن رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، قدم مساعداتٍ ماليةً عاجلةً لمصر بهدف تخفيف الاحتقان الشعبي المتنامي ضد رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية. فالإمارات، وفقًا لتلك المصادر، تسعى لمساعدة نظام السيسي للتخفيف من حدة غلاء المعيشة الذي يعاني منه المواطن المصري. وكذلك، لضبط سوق العملة الصعبة، لضمان استقرار النظام ومنع تفاقم الغضب الشعبي. وذكر الموقع، أيضًا، أن مصر تعاني من أزماتٍ اقتصاديةٍ خطيرةٍ قد تطيح بنظام السيسي، الأمر الذي يقلق داعميه الإقليميين والدوليين، في ظل ديونٍ خارجيةٍ تعدت 165 مليار دولارا. يضاف إلى ذلك، تراجع دخل البلاد من إيرادات قناة السويس، ومن قطاع السياحة، وانخفض معدَّل تحويلات المصريين العاملين بالخارج. وذكر الموقع أن رئيس هيئة الاستثمار في مصر حسام هيبة، أن تحالفًا إماراتيًّا، “المجموعة الاستثمارية كونسورتيوم” سيقود تطوير مشروع مدينة رأس الحكمة السياحي الذي يبعد بمسافة 350 كيلومترا شمال غرب القاهرة، بقيمة استثماراتٍ تبلغ 22 مليار دولارا. (راجع: موقع عربي 21، على الرابط: https://shorturl.at/J1QPL.
    أما موقع Fikra Forum الذي يصف نفسه بأن قد جرى إنشاؤه بمبادرة من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى فيقول: في عام 2013، أرسلت الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في إشارة إلى تأييدها الإطاحة بالرئيس التابع لجماعة “الإخوان المسلمين” محمد مرسي، 23 مليار دولارًا من الهبات والودائع النقدية. وكذلك، شحناتٍ من الوقود في الأشهر الثمانية عشر التي تلت الانقلاب العسكري. وعلاوةً على ذلك، عندما خفّضت مصر قيمة الجنيه المصري بنسبة 50 في المئة في عام 2016، أودعت المملكة العربية السعودية حوالي 3 مليارات دولارا، وأودعت الإمارات حوالي مليار دولارًا، في “البنك المركزي المصري”. ويقول الموقع، مع ذلك، لا توجد بيانات دقيقة وموحدة تحدد حجم المساعدات التي حصلت عليها مصر من دول الخليج. لكن الموقع يضيف قائلاً: إن جريدة “القبس “الكويتية نقلت عن مصادر في “البنك المركزي المصري” في آذار/مارس 2019، أن الدعم الذي تلقته القاهرة من دول “مجلس التعاون الخليجي”، منذ عام 2011، وصل إلى 92 مليار دولارا. ومع إضافة مبلغ بقيمة 22 مليار دولار تعهدت به دول الخليج لمصر في نيسان/أبريل 2022، يكون حجم المساعدات الخليجية لمصر قد بلغ نحو 114 مليار دولار. (راجع: موقع Fikra على الرابط: https://shorturl.at/QsAZM. (الخطوط تحت السطور من وضعي). ويقول محمد حسنين هيكل إن مصر من أكبر الدول تلقيًّا للمعونات. وأنها في فترة الثلاثين سنة من حكم مبارك حصلت على ترليون دولارًا من المعونات والمساعدات والتدفقات النقدية. وأضاف هيكل إن تلك المعونات والمساعدات والتدفقات لم يجر استخدامها على نحوٍ سليم. (راجع يوتيوب على الرابط: https://shorturl.at/BfJrP.

    تاريخٌ طويلٌ من المعونات
    في الفترة التي حكم فيها الرئيس جمال عبد الناصر مصر، والتي امتدت لقرابة العشرين عامًا، حصلت مصر على وضعيةٍ متميِّزةٍ في العالم العربي. فقد نال الرئيس المصري الأسبق، جمال عبد الناصر، ما يمكن أن نطلق عليه صفة “الزعيم العام” للعالم العربي. نال جمال عبد الناصر تلك الوضعية عبر خطبه النارية التي استهدفت إيقاظ الشعور القومي، وخوضه حرب القنال عقب تأميمه قناة السويس، ثم توعده المستمر لإسرائيل بالمواجهة العسكرية. وقد ساعدته في كل أولئك حالة الحرب الباردة القائمة آنذاك، ودعم الاتحاد السوفييتي له، إلى جانب ما رسَّخه الإعلام المصري في الذهن العربي من أن الاتحاد السوفيتي هو صديق الشعوب المضطهدة، وحاميها.
    في تلك الفترة كانت دول الخليج محمياتٍ بريطانيةٍ وكان اليمن الجنوبي محميةً بريطانية، أيضًا، وكان هجوم إعلام عبد الناصر منصبًّا على السعودية بوصفها بؤرةً رجعية وأنها وكيلة الامبريالية والاستعمار الغربي في المنطقة. لكن، عقب الهزيمة الساحقة التي تلقتها الجيوش العربية، وعلى رأسها الجيش المصري في حرب 1967، جرى مؤتمر الخرطوم وحدث فيه الصلح بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل بن عبد العزيز. ومنذ تلك الانعطافة التاريخية شرعت السعودية وغيرها من الدول العربية في تقديم العون المالي لمصر. ويمكن القول أن السنوات القليلة التي سبقت وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، والسنتين اللتين أعقبتا وفاته، وأيلولة السلطة للرئيس أنور السادات، قد شهدت العديد من التحولات الكبيرة في الساحة العربية.
    من التحولات التي جرت، آنذاك، سيطرة أحزاب البعث على كل من العراق وسوريا. وكان ذلك بين نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي. كما شهدت بداية عقد السبعينات استقلال اليمن الجنوبي وكل المحميات البريطانية في الخليج من الوصاية البريطانية. في نفس تلك الفترة، أيضًا، حدث انقلاب جعفر نميري في السودان على النظام الديمقراطي، وحدث انقلاب العقيد معمر القذافي على النظام الملكي في ليبيا. واصطف كلٌّ من نميري والقذافي وراء ناصر بقوة، حتى أوشك ثلاثتهم على إقامة وحدة ثلاثية تضم كلا من مصر والسودان وليبيا. لكن، بموت جمال عبد الناصر، ومحاولة الشيوعيين السودانيين الانقلاب على نظام جعفر نميري في السودان، تحول نميري ليصبح قريبًا من السادات، الذي كان قد بدأ الانقلاب على توجهات عبد الناصر اليسارية، ليصبح حليفًا للغرب. وبسبب ذلك، ابتعد القذافي عن كلٍّ من مصر والسودان، منتهجًا خطًا يساريًا، راديكاليًا، وناصب كلاًّ من السادات ونميري العداء. وقادت انعطافة أنور السادات نحو الغرب إلى توقيعه اتفاقية كامب ديفيد مع الإسرائليين في عام 1978.
    الشاهد، أن التوجه غربًا وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد جلبا عونًا لمصر كانت في أمس الحاجة إليه. يقول عبد الحافظ الصاوي، بعد توقيع مصر لاتفاقية السلام مع إسرائيل “كامب ديفيد” في نهاية سبعينيات القرن العشرين، تعهدت أميركا بتقديم معونة اقتصادية وفنية لمصر وإسرائيل، وحصلت مصر، منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، من المعونة الأميركية، على قرابة أربعين مليار دولار، تضمنت مشروعات للبنية الأساسية والمعونات الغذائية. هذا، فضلا عن المعونة العسكرية المقدمة لمصر سنويًّا، بحدود مليار دولار، وكانت تأتي في شكل أسلحة ومعدات عسكرية من أميركا. (موقع الجزيرة نت على الرابط: https://shorturl.at/BxjS4.
    يمكن أن نخلص مما تقدم أن مصر دولة غارقة في الديون، وتعيش أوضاعًا اقتصادية صعبة. وكل فترات حكمها منذ الثورة المصرية في خمسينات القرن الماضي، التي أدارها الجيش، لم تفلح في أن تضع البلاد في طريق النمو والازدهار المعافى. ظلت الأنظمة المصرية تعيش على إدعاء زعامةٍ للعرب غربت شمسها. وهي زعامة صنعها جمال عبد الناصر في ظرفٍ كان حينها مواتيًا لخلق صورة الزعيم البطل الأوحد. والآن، فإن مصر والسودان دولتان تعيشان أزمةً مزمنةً ممتدةً، وكلتاهما مرزوءتان بالحكم العسكري الأوليغاركي الكليبتوقراطي. تملك الدولتان معًا مقومات دولتين كبيرتين يمكن أن تكونا متعاونتين متآذرتين مقتدرتين وليستا بحاجةٍ إلى تسول المعونات. غير أن العسكرية الأوليغاركية أقعدت الدولتين، بل وجعلتهما حربًا على بعضهما، خاصة من جانب مصر التي ظلت تعمل على طول المدى على إضعاف الدولة السودانية بغرض الهيمنة عليها. لو جرى تصحيح هذا الوضع وقام التعاون بين الدولتين على أساسٍ معافى من هذه الأمراض المزمنة لأصبح حال الدولتين مختلفًا تمامًا مما هو عليه اليوم.


    (يتواصل)
                  

06-02-2025, 02:17 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22730

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تيراب محمد علي باشا (Re: HAIDER ALZAIN)


    على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (20 – 20)

    د. النور حمد

    “لن يستطيعَ أحدٌ أن يركبَ على ظهرِك، ما لم تَكُنْ مُنحنياً”
    مارتن لوثر كينج


    صفقة إعادة إعمار السودان
    انتشرت في الأسابيع الماضية في وسائط التواصل الاجتماعي السودانية حلقة فيديو مصوَّرة من إنتاج شخصٍ مصريٍّ اسمه محمد أبو عاصي. قدَّم هذا الشخص نفسه للمشاهدين بأنه “صحفي اقتصاد”. وقد وصف هذا الشخص المحتوى الذي سوف يبثه في المقدمة التي استهل بها التسجيل، بأن مبني على تسريباتٌ “من كواليس المطبخ ومراكز صنع القرار”، وأنه يتعلق بصفقةٍ ضخمةٍ لإعادة إعمار السودان. وأضاف، أن هذه التسريبات وصلته في رسالةٍ من سيدةٍ تُدعى داليا أحمد. وقد وضح من حديثه عنها أنها مطلعةٌ على ما يجري خلف الكواليس. وفحوى التسريب أن مصر والإمارات والكويت والسودان منخرطةٌ في لقاءاتٍ سرية بخصوص صفقة لإعادة إعمار السودان. وذكر أبو عاصي أن وفدًا حكوميًّا سودانيًا رفيعًا زار القاهرة في هذا الخصوص، وأن لقاءاتٍ متتاليةً رفيعة المستوى تضم وزراء سودانيين وشخصيات سيادية ظلت تجري مع مماثليهم من المصريين لهذا الغرض. وذكر أبو عاصي أن السعودية سوف تنضم قريبًا إلى هذه الصفقة التي تنخرط فيها في الوقت الحالي كلٌّ من مصر والإمارات والكويت والسودان.
    اختار محمد أبو عاصي لهذا الفيديو عنوانًا يقرأ: “مصر تطلق العملاق أقصى الجنوب .. ما الذي يجري سرًّا في جنوب مصر”. وأشار أبو عاصي أن هذه اللقاءات محاطةٌ بسريِّةِ كبيرة. قال أبو عاصي ذلك، رغم أنه قد كشف أمرها للملأ وبحماسٍ دافقٍ في هذا الفيديو الذي بثه! وأضاف قائلاً إن فريقًا مصريًا متكاملاً قد تحرَّك إلى منطقة حلايب وشلاتين. (وحلايب وشلاتين أرضٌ سودانية احتلتها مصر). قال أبو عاصي إن مصر أطلقت “عملاقها” هناك، ويعني به الجيش المصري وأذرعه المتمثلة في شركاته المختلفة لكي يقوم مع شركات القطاع الخاص بمهمة تطويري البنى التحتية في تلك المنطقةتمهيدًا لجعلها المنصة اللوجستية التي سوف تنطلق منها جهود إعادة إعمار السودان. (راجع: محمد أبو عاصي على تطبيق يوتيوب على الرابط: https://tinyurl.com/52889jcahttps://tinyurl.com/52889jca.
    ذكر أبو عاصي، أن ما يجري في حلايب وشلاتين وأبورماد، مهمةٌ وطنيةٌ غرضها تحقيق الاستقرار لمصر وتأمين العمق المصري، بالإضافة إلى الفوائد التي سوف يجنيها رجال المال والأعمال. ولكي تصبح منطقة حلايب وشلاتين منصةً مكتملةً وقادرة على إطلاق جهود إعادة إعمار السودان، قامت مصر، في البدء، بإنشاء شبكةٍ عملاقةٍ من الطرق السريعة ومن خطوط السكك الحديدية، وأن تلك الشبكة قد وصلت فعلاً إلى منطقة حلايب وشلاتين. وقال أبو عاصي إن محطةً عملاقةً للقطارات يجري إنشاؤها هناك لربط حلايب وشلاتين بالعمق المصري شمالا. وأن شبكة الطرق والسكك الحديدية لن تقف عند منطقة حلايب وشلاتين، وإنما ستتعداها إلى داخل الأراضي السودانية. كما أن المعابر الحدودية بين البلدين في هذه المنطقة قد اكتمل تجديدها. وبالإضافة إلى محطة السكة الحديد فهناك خطةٌ لإقامة 4 موانئ جافة ومحطة ضخمة للحاويات لنقل البضائع إلى السودان. كما أن مصر أنشأت عشرة صوامع للغلال كدفعة أولى، وسيتم إنشاء المزيد منها، لأن التخزين أصلاً بغرض التصدير. كما يجري انشاء محاجر بيطرية ومجازر للمواشي التي سوف تأتي من السودان. كما أن هناك نهرًا صناعيًا يجري إنشاؤه في الصحراء الغربية غرب توشكي. وبناءً على ذلك فاوضت كلٌّ من الكويت والإمارات الحكومة المصرية وحصلت كلتاهما، بالفعل، على أراضٍ زراعيةٍ في تلك المنطقة. (راجع: محمد أبو عاصي على تطبيق يوتيوب على الرابط: https://tinyurl.com/52889jcahttps://tinyurl.com/52889jca.
    وذكر أبو عاصي في مكانٍ آخر أن مصر تسلَّمت من السودان في أقل من شهرين ونصف 13 طنًا من الذهب وأن جزءًا من هذه هذا الكمية وصلت إلى البنك المركزي لدعم إحتياطات مصر. وأضاف أن مصر تسلَّمت أيضًا خمسة أطنانٍ أخرى من الذهب، مؤكدًا أن هذه الكمية ليست هي كل ما ستتسلمه مصر من السودان. فهناك كمياتٌ إضافيةٌ سوف تصل إلى مصر لاحقا. وقال إن مصر ستبني سدًّا على غرار السد العالي، ولكن ليس في مصر. (راجع: محمد أبو عاصي على تطبيق يوتيوب على الرابط: https://shorturl.at/JFDSs.


    مصر تحصل على المقاولة بلا مناقصة
    من اللافت في حديث أبو عاصي قوله إن مشروع إعمار السودان قد مُنح لتطلع به مصر بلا مناقصة. وذكر أبو عاصي أن سبب منح مصر مهمة إعادة أعمار السودان بلا مناقصة هو أن المهمة عاجلةٌ ولذلك تجري الترتيبات في هذا الشأن بسريةٍ تامةٍ حتى تكتمل كل البنيات الضرورية لهذا المشروع ثم يظهر للناس كحقيقةٍ مجسدة. وذكر بالإضافة إلى ذلك، وهذه أغرب من سابقتها، أن سبب تولي مصر للموضوع أن السودان محاصرٌ بالعقوبات ولا يستطيع التعامل في السوق الدولية. ولهذا السبب أخذت مصر زمام الأمور في يدها وانخرطت في القيام بهذه المهمة نيابةً عن السودان. ولابد هنا من تذكير القارئ الكريم بما سبق أن ذكرناه من قبل، وهو أن النظام المصري قد ظلَّ حريصًا على استمرار العقوبات الدولية على السودان. وقد كان النظام المصري يصوَّت مع مقترحات تمدي العقوبات على السوجان، وأن السبب وراء ذلك هو إعاقة نمو السودان، والحؤول بينه وبين التعامل المباشر مع العالم، من أجل أن يصبح النظام المصري هي وكيله في التعامل مع العالم. وها هو محمد أبو عاصي يؤكد هذه الحقيقة بلا مواربة، بل، وبلا أي شعور بالاستغراب. فمصر وفقًا لما قاله أبوعاصي قد وضعت نفسها وهي تنخرط في الخفاء في الاستحواذ على ما أسماها هو “صفقة إعادة إعمار السودان”، قد وضعت السودان بالكلية تحت وصياتها، بل، وبقرارٍ فرديٍّ منها وحدها. والأدهى والأمر، أن سلطة بورتسودان غير الشرعية قد رضخت لهذا الأمر رضوخًا تامًا. وقد صرح وزير الخارجية السوداني علي يوسف لقناة “العربية” بأن حكومته تتواصل مع السعودية ومصر والكويت وقطر، من أجل إعادة الإعمار وهو ما يؤكد ما قال عنه أبو عاصي إنه تسريبات. (راجع: موقع “قناة العربية” على الرابط: https://tinyurl.com/5n6myfynhttps://tinyurl.com/5n6myfyn.

    سودانيون مع منح مصر الأولوية
    في نفس هذا السياق ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط” أن سودانيين مقيمين في القاهرة اقترحوا منح الأولوية للشركات المصرية، للمساهمة بشكل موسَّعٍ في عمليات «إعادة الإعمار»، بعد انتهاء الحرب. ولنا أن نتساءل هنا لماذا يقترح هؤلاء منح الأولوية للشركات المصرية في عملية إعادة إعمار السودان؟ فهذا مقترح غير راشد بل ومغرض وغير القانوني لأن من تقوم به حكومة غير منتخبة؟ بل هي طرفٌ في النزاع القائم الآن وقرار منح مصر الأولوية قرارٌ سياسيٌّ وليس قرارًا إدرايًا سليما. كما أنه يجري من وراء الإرادة السودانية؟ وقد أشار هذا المركز إلى: “بدء شركات مصرية تنفيذ بعض الأعمال حالياً، من بينها تأهيل بعض الكباري في الخرطوم”. وأضافت الصحيفة أن مصر والسودان قد اتفقتا على تشكيل “فريق مشترك لدراسة خطة إعادة الإعمار والتجارب الدولية لتحقيقها”. وقد جرى ذلك خلال مشاوراتٍ سياسية، جمعت وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره السوداني علي يوسف الشريف، في القاهرة نهاية فبراير (شباط) الماضي. وذكر مدير «مركز التكامل السوداني المصري»، عادل عبد العزيز، لـصحيفة «الشرق الأوسط» أن شركات مصرية بدأت في صيانة وإعادة تأهيل اثنين من الكباري وهما شمبات والحلفايا. وأن ذلك يجري مع تقدُّم الجيش السوداني أخيراً، واستعادته مناطق حيوية. (راجع: صحيفة “الشرق الأوسط”، على الرابط: https://tinyurl.com/3an8nbp8https://tinyurl.com/3an8nbp8.

    أتت لحظة ابتلاع الفريسة
    يبدو أن النظام المصري الذي وقف بكل ما يملك ضد ثورة الشعب السوداني، معترضًا مسيرته نحو التحول الديمقراطي ومسهمًا في إشعال هذه الحرب التي دمرت البنيات التحتية السودانية المتهالكة أصلا، والتي قام الطيران المصري بدورٍ كبيرٍ في تدميرها قد أيقن أن لحظة التهام الفريسة التي طالما تلمَّظت لها شفتاه، قد أتت بالفعل. فهذا المشروع الضخم الذي يجري في سريةٍ تامةٍ، كما قال محمد أبو عاصي، ثم تبرَّع هو بتسريب أخباره، لهو الخطوة الأخيرة في مخطط استلحاق السودان بمصر بأسلوبٍ ناعم. وفي تقديري أن هذا التسريب جرى بإيعازٍ من جهاز مخابرات النظام المصري بعد أن أكمل المشروع في نظر القائمين عليه مراحلة الأولى. فقد تهيأ المسرح من جميع جوانبه لتنفيذه بعد أن وضع النظام المصري، بمختلف الأساليب الملتوية، سلطة القرار في يد أكثر جنرالات الجيش السوداني تهالكًا وعمالةً، وهوسًا بالسلطة، وشرهًا لجمع المال.
    هذا المشروع الضخم الذي يجري في منطقة حلايب وشلاتين المتنازع عليها بين السودان مصر والتي احتلتها مصر عنوةً في عام 1995، أي بعد حوالي أربعين عامًا من استقلال السودان، ليس المقصود منه تنمية منطقة حلايب، بوصفها منطقة مصرية وفقًا للزعم المصري. وإنما المقصود منه استتباع السودان لمصر اقتصاديًا وبصورةٍ نهائية. فالإحصاءات تقدر سكان مثلث حلايب بين 30 و50 ألف نسمة، فهم لا يساوون سكان حيٍّ في مدينةٍ كبيرة. لذلك، كل هذه البنيات الضخمة التي يجري إنشاؤها في حلايب القصد منها جعل حلايب رأس الرمح في وضع اللمسات الأخيرة لمشروع إلحاق السودان إقتصاديًا بمصر. وأيضًا، لوضع حلايب بصورةٍ نهائيةٍ تحت الاحتلال المصري بموافقة الفريق البرهان والتنظيم الإخواني. وذلك تطبيقًا لما جرى اقتراحه من قبل من حلٍّ متهافتٍ لأزمة حلايب بجعلها منطقة للتكامل بين البلدين.

    حلايب هي رأس الرمح لإعادة الاستعمار
    لقد جرى تطوير منطقة حلايب في نفس الإطار الزمني الذي قام فيه الناظر “الإخواني”، محمد الأمين ترك، قبل 4 سنواتٍ مدفوعًا من قبل الفريق البرهان والتنظيم الإخواني، بتنسيقٍ كاملٍ مع النظام المصري,وقد كان الغرض وراء ذلك، حينها، هلهلة ميناء بورتسودان وإضعاف فاعليته وإضعاف حكومة حمدوك وخنقها تمهيدًا للإطاحة بها. لكن، في فترة الإغلاق تلك للميناء والطريق البري الذي يربطه ببقية البلاد، تحوَّلت صادرات وواردات السودان إلى الموانئ المصرية. فهذا المشروع الجديد وبالصورة التي وصفها به محمد أبو عاصي يتجه إلى جعل منطقة حلايب ميناءً أساسيًا للصادر والوارد السوداني، بحجة أن السوان لا يستطيع التعامل مع السوق الدولية إلا من خلال مصر. والمقصود من هذه النقلة والقضاء على ميناء بورتسودان بصورةٍ نهائية. ولو بقي ميناء بورتسودان عقب ذلك، فسوف يكون بقاءه شكليا. أيضًا ستصبح، وفقا لهذا المشروع، منطقة حلايب مخزنًا لمواد السودان الأولية من نباتية وحيوانية ومعدنية. وأيضًا، مصنعًا ضخمًا لإضفاء القيمة المضافة عليها لتصدره مصر بعضه أو كله باسمها. وحين تصبح موانئ مصر الجنوبية الشرقية هي منفذ السودان لصادر ووارد السودان من الخارج، يصبح القطر السوداني برمته تحت رحمة الإدارة المصرية. فالقاهرة تستطيع خنقه متى ما أرادت. وسيقود هذا بصورة تلقائية إلى أن يصبح السودان مجرد محافظةٍ تابعةٍ لمصر تحمل الرقم 28؛ محافظة مصرية تجلس على رأسها دميةٌ تظن نفسها، وهمًا، أنها حاكمةٌ لقطرٍ اسمه السودان.

    خطة إعادة الإعمار الخبيثة
    لعلكم جميعًا قد لاحظتم العجلة المصرية على ما يسمى “خطة أعادة إعمار السودان”. بل، كما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط، فإن بعض الشركات المصرية قد شرعت بالفعل في إعادة تأهيل كل من كبري شمبات والحلفايا اللَّذيْن دمرهما الطيران المصري. فمصر هنا، كما يقول المثل السوداني: “تجرح وتداوي”. الشاهد، أن الحرب لم تنته بعد، وأن لم يذهب البرهان وجيشه الإخواني إلى مفاوضاتٍ جديدةٍ بنيةٍ صادقةٍ ورغبةٍ أكيدةٍ في تحقيق سلامٍ حقيقيٍّ يعيد السلطة المسلوبة إلى المدنيين، فإن هذه الحرب ستستمر طويلاً جدا. ويصبح، من ثم، من السابق لأوانه أي حديث عن “إعادة الإعمار”. اللهم إلا إذا كان النظام المصري والبرهان قد اتفقا على إخراج قوات الدعم السريع من الشمال والوسط والاستغناء عن بقية أقاليم السودان، وإلحاق الشمال والوسط بمصر، وفقًا لخطة الإعمار الخبيثة هذه. ووفقًا لمخططي مثلث حمدي والبحر والنهر. وحتى هذا لن يُحدث استقرارًا يسمح بإعادة الإعمار.
    هذه الخطة الخبيثة لإعادة الإعمار هي استباقٌ للإرادة الدولية، بل هي تآمر على شعب السودان وثورته. فالأولوية الآن ليست لإعادة الإعمار التي تبدو في هذه اللحظة وضعًا للعربة أمام الحصان. وإنما الأولوية لوقف الحرب وإيصال العون الإنساني لملايين الجوعى. وعقب ذلك، تحقيق سلامٍ راسخ مستدام يسمح بإعادة الإعمار تحت رعاية دولية وإقليمية وليس انطلاقًا من الغرف المظلمة. ما يسمى “صفقة إعادة إعمار السودان” هذه، تفوح منها روائح التآمر لاقتسام موارد السودان بعد أن أصبح أمره في يد قياداتٍ عميلةٍ متهالكةٍ لا يخمها سوى أمر نفسها. وللأسف، وكما ذكر محمد أبو عاصي، فإن هناك دولاً خليجيةً منخرطة في هذه الصفقة. وهي في تقديري صفقة لمنع التحول الديمقراطي في السودان ولاقتسام موارده من وراء ظهر أهله.

    من يعجز عن حكم نفسه سيأتيه من يحكمه
    نعيش الآن في السودان لحظةً فارقةً في تاريخنا المعاصر. وهي لحظةٌ وقفنا فيها عمليًّا بسبب فشلنا في إدارة شؤوننا في الحد الفاصل القاطع بين أن نكون وألا نكون. فالطمع المصري والطمع الخليجي في مواردنا والجرأة على التحكم في شؤوننا لم يأتيان من فراغ. وإنما أتيا من شعور هؤلاء بأننا أعجز من أن نحكم أنفسنا بأنفسنا. وقد رأى هؤلاء في رؤسائنا، أمثال عمر البشير من صور الفساد ومن الضعة وعدم الاختشاء من التسول، ومن التذلل، ما جعلهم لا يقيمون لنا وزنا. وكما قال نزار قباني قبل عقود عدة، وهو يُعرِّض ويُزري بالحالة العربية المتهالكة: “لم يدخل اليهود من حدودنا، وإنما تسرَّبوا كالنمل من عيوبنا”. فالطمع الخليجي في بلدنا يتحقق طرفٌ كبيرٌ منه عبر الطمع المصري في بلادنا. فمصر الطامعة دومًا في إلحاق السودان بها، تقدم نفسها للخليجيين بوصفها الأعرف بشؤون السودان الداخلية، والحارس في البحر الأحمر للأمن الخليجي. وهي تعرف كيف تستعين بالطمع الخليجي لتحقيق طمعها هي.
    هذه اللحظة الراهنة الفارقة بالغة الخطر، تقتضي يقظةً سودانيةً أرى أن حدوثها قد تعثَّر كثيرا. ورغم هذا الحال المتشظي ورغم الغفلة المطبقة ورغم موت الهمم، لا يملك المرء على الرغم من كل ذلك سوى أن يستمر في النفخ في بوق الإيقاظ من هذا السبات السوداني الطويل. فإن لم يتحقق المقصود اليوم، فإنه سيتحقق في الغد، كان على ربك حتمًا مقضيا. المهم أن يضع المرء نفسه في الجانب الصحيح من التاريخ. لقد رُزء السودان، دون غيره من الأقطار بنخبٍ عسكريةٍ يسود وسط كثيرٍ من قياداتها الجهلُ والغطرسةُ وانطفاء وقدة الحس الوطني وضعف الشعور بمعاناة الناس واللااكتراث بالتخلف المزري للقطر. كما رُزء بنخبٍ سياسيةٍ تستشري بينها محدوديةُ الأفق وحبُ المنصب، والاستعداد الدائم للمساومة بالأهداف السامية، والتضحية بتطلعات الشعب، من أجل تحقيق الطموحات الشخصية.
    ختامًا لا أملك سوى أن أقول: أيها السودانيون، افضحوا هذا المشروع المصري القديم المتجدد لإلحاق بلادكم بمصر وقاموه بشدة. وأعينوا مصر على نفسها بالمقاومة الواعية والضارية لأطماعها، حتى تضطر إلى أن تبني علاقةً معافاةً ببلادنا. ومرة أخرى: “لا يستطيع أحدٌ أن يركبَ على ظهرك ما لم تكن منحنيا”. قاوموا نهج الأنظمة المصرية المتعاقبة للاستحواذ الفوقي على السودان، متضافرين مع أحرار المصريين، الذين يحلمون نفس أحلامكم، ويتطلعون إلأى علاقات معافاة معكم، حتى يتحقق لمصر ما تريده من السودان، بالطرق الصحيحة. وحتى يتحقق للسودان ما يريده من مصر بالطرق الصحيحة، أيضا. فالنجاحات السياسية والاقتصادية الكبيرة والنهضة الباهرة والتكامل الاقتصادي بين الأقطار، وبناء الكتل الكبيرة الأقليمية القوية الوازنة، أمورٌ لا تتحقق بالفهلوة وبنزعات الاستحواذ وبأساليب العصابات وإحياء المقبور من نزعات التمدد الإمبراطورية الغابرة. وإنما يتحقق كل ذلك بالشفافية وسلامة القصد.

    (انتهت الحلقات العشرون، وإلى اللقاء قريبًا في مرافعةٍ ختامية).
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de