السودان والإمارات أمام محكمة العدل الدولية... معركة القانون كمرآة لصراع الهيمنة الإقليمية
الخطوة التي اتخذتها الحكومة السودانية برفع شكوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية ليست مجرد إجراء قانوني، بل هي استراتيجية متعددة الأبعاد تكشف عن تحولات جيوستراتيجية عميقة في المنطقة، وتُعيد تعريف أدوات المواجهة بين الدول في ظل نظام دولي مُتصدع. إليكم قراءة في الأبعاد الخفية لهذه المعركة:
1. لماذا الآن؟ السياق السياسي الداخلي للسودان إعادة ترتيب التحالفات الداخلية: تقديم الشكوى يأتي في تزامنٍ مع تصاعد الخلافات داخل تحالف السلطة في الخرطوم. فالفريق البرهان – الذي كان يُعتبر حليفًا إماراتيًا سابقًا – يحاول إعادة تشكيل شرعيته عبر تحويل نفسه إلى "مدافع عن السيادة" ضد التدخل الخارجي، خاصة بعد فقدان جزء من دعم الشارع الثوري.
استغلال الفراغ الدولي: مع انشغال العالم بحرب أوكرانيا والأزمة الفلسطينية، تسعى الخرطوم لجذب الانتباه الدولي إلى أزمتها، واستخدام القضاء العالمي كمنصة لـ"تحويل الهزيمة العسكرية إلى انتصار معنوي".
2. الرسائل الإقليمية: الإمارات بين التوسع والاحتواء اختبار حدود النفوذ الإماراتي: تُعتبر الإمارات لاعبًا رئيسيًا في القرن الأفريقي عبر استثماراتها العسكرية (مثل قاعدة "أسدادات" في إريتريا) والاقتصادية (مشاريع الزراعة في السودان). اتهامها بالتدخل يُهدد صورتها كـ"وسيط محايد"، ويفتح الباب لتدقيق دولي في أدوارها بالمنطقة.
تحذير للدول الأخرى: الشكوى تُرسل رسالة إلى تركيا وقطر وإيران – المتنافسين الإقليميين – بأن السودان لن يكون ساحة مفتوحة لصراعاتهم بالوكالة.
3. الأبعاد القانونية: معضلة الإثبات واستراتيجية "الفوضى المنضبطة" إشكالية إثبات "الدعم المباشر": حتى لو قدم السودان أدلة استخباراتية (كصور أقمار اصطناعية لشحنات أسلحة)، ستواجه الإمارات بتكتيكين:
التذرع بـ"الإنكار المُطلق": كالقول إن الدعم موجَّه لـ"أطراف محلية" دون علم أبوظبيل.
اللعب بورقة "المساعدات الإنسانية": كإظهار أن الشحنات تحتوي مواد إغاثية.
استغلال البطء القضائي: قد تستغرق القضية سنوات، وهو ما يسمح للسودان بتحقيق مكاسب سياسية مرحلية (كضغط دولي على الإمارات)، حتى لو فشلت قانونيًا.
4. التداعيات على النظام الإقليمي: تفكيك تحالف "العدو المشترك" اختبار التحالف السعودي-الإماراتي: الرياض وأبوظبي كانتا تتقاسمان النفوذ في السودان. إذا اضطرت السعودية لاختيار جانب، فقد تبتعد عن الإمارات لتحافظ على دورها كـ"وسيط" بين الخرطوم والمجتمع الدولي.
فرص جديدة لتركيا وإيران: قد تعرض أنقرة وطهران دعمًا دبلوماسيًا للسودان في المحكمة، مقابل تعزيز نفوذهما في البحر الأحمر، مما يُعقّد حسابات التحالف الإسرائيلي-الإماراتي.
5. السيناريوهات المحتملة: من "الصفقة" إلى "الحرب بالوكالة 2.0" سيناريو التسوية الخفية: قد تدفع الإمارات تعويضات مالية للسودان عبر قنوات غير مباشرة (كتسوية ديون أو استثمارات)، مقابل سحب الشكوى.
سيناريو التصعيد العسكري: إذا شعرت الإمارات بالتهديد، قد تزيد دعمها للدعم السريع عبر وسطاء ليبيين أو تشاديين، مما يُطيل أمد الحرب.
سيناريو التحول الجيوسياسي: توجه الخرطوم نحو تحالف مع محور تركيا-قطر-إيران، كردّ فعل على العزلة الإماراتية-السعودية.
الخلاصة: القانون كسلاح في حرب المصالح ما يحدث ليس مجرد نزاع قانوني، بل هو تكتيك لتحقيق أهداف سياسية عبر أدوات القانون الدولي، في مؤشر على:
تراجع فعالية التحالفات التقليدية (كالجامعة العربية) لحل النزاعات.
صعود أدوات "القوة الناعمة" (كالقضاء الدولي) في مواجهة "القوة الصلبة" (الدعم العسكري).
تحوُّل الصراعات الإقليمية من المعارك الميدانية إلى معارك إثبات الشرعية في المحافل الدولية.
السؤال الأكبر: هل ستصبح محكمة العدل الدولية ساحة دائمة لفضح صراعات الهيمنة الإقليمية؟ أم أن "قانون الأقوى" سيظل يحكم المشهد من خلف الكواليس؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير ابو الزهراء
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست