سلام يا عبد الله و الله قرأت مكتوبك في سيرة "الحاجة جمال عبد الناصر" بمتعة كبيرة لأن هذه السيدة الجليلة الماثلة في صورة "موناليزا" من بلدنا ،صارت ـ بفضل بلاغة الإبن البار ـ أيقونة عالية الكفاءة لجماعة الأمهات اللواتي كتب عليهن ـ تحت ظروف بالغة التعقيد ـ عقلنة اختطاف دولة الإستبداد لأبنائهن و تسويغ موقف هؤلاءالأبناء المنخرطين (بلا رجعة؟) في مناهضة الإستبداد.ـ و قد ظلت "الحاجة جمال عبد الناصر" تتردد في مكاتيبك عبر السنين فألفنا حضورها الجميل و شاركناك في امومتها فتشتبه علينا بأمهاتنا في سعيهن التراجيدي بين المعتقلات و مقامات" الفقراء" الذين يتوسمن فيهم فرص الشفاعة، و دور الأقارب و الجيران القادرين على التوسط لدي المسؤولين..ـ بعد فشل انقلاب "حركة يوليو التصحيحية"ـ اعتقل أمن النميري إخوتي الأكبر( أحمد و عثمان) لمدة عامين جرّبت فيهما أمي كل شيئ بما فيها الدعاء على نميري و نظامه ،ببركات كل الأولياء الصالحين ،أن يخسف الله بهم الأرض أو يقطع دابرهم أو يحرقهم او يجعلهم كعصف مأكول حتى يخرج أولادها من معتقلات النميري أحرارا من غير سوء.ـ لكني يا صديقنا العزيز تعلمت منك أن أقرأ سطور المكتوب و ما بينها و ما خلفها من معان يبذلها الكاتب لقرائه.ولو فحصنا مكتوبك الأخير في سيرة "الحاجة جمال عبد الناصر" فهو طرف في سلسلة من المكاتيب التي تستعين فيها يا عبد الله بصورة هذه السيدة الجليلة في معارضة صورة زائفة فبركتها لتوصيف خصوم السياسة ممن تسميهم مرات بالـ "صفوة"و " المثقفين" ومرات بـ" الشيوعيين" و في الغالب بـ " اليساريين الجزافيين" و غير ذلك من اسماء العصافير. ـ
في كلامك عن نموذج شيخكم "ود ابراهيم" تقول في عبارتك السمحة " جاءتني يوماً وأنا في "الغميلة ديك" بين الشيوعيين بكتاب "الحصن الحصين" من بركة قريبنا سر الفتوح الذي يجمع بين التربية الروحية وإصلاح الدراجات. أظن. واحتفظت به طويلاًً لبركة الكتاب الصغير وبراً بالوالدة وللمسة البروليتاريا عليه « ـ...لكنك يا عبدالله تستثمر شحنة البلاغة العاطفية في عبارتك لكيتعارض " المثقف التقليدي " هذا الشيخ الحداثي : "العجلاتي"(أيوه العجلاتي يعني الحداثة دي إلا يكتبوا عليها هنا حداثة؟)، هذا الشيخ العجلاتي المجامل الذي استمع بأريحية سمحة لمطالب"الحاجة جمال عبد الناصر"، تعارضه بـنموذج المثقف الحداثي المستعجل في صورة الطبيب الأطرش (ترباية " بخت الرضا") الذي لا يبالي بشكوى المريض ،".. وجلال الاستماع فريضة غائبة في المثقف الحديث. فما أن تبدأ بالشكوى لطبيب عن علتك حتى قاطعك بقوله: "افتح خشمك. قول عاع". يظن أن رواية المرض زائدة لا معنى لها" ، و هذا يا استاذنا رجم بالغيب في حق أغلب اطباء السودان الذين يحتالون على الفقر الأداتي في مؤسسات الطب الحديث بالتأني عند رواية المريض كونهم يعرفون أن الطبيب إنما يعالج المريض في فرادته كـ "زول" قبل ان يعالج المرض في عموميتة كفئة أكاديمية.و إعجابك بـالشيوخ التقليديين يصعدهم ، كُوار ساكت ، لمقام أفضل المستمعين على زعم تقريبي بأن " مهنتهم هي الاستماع الجليل لما يؤرق "زبائنهم". يسمعون بلا كلل ولهم عبارة مطمئنة لكل مشتك « ـ »ـو تستنتج من فضيلة الإستماع عند الشيخ نقيصة سوء الإستماع عند المثقف الحديث و تتساءل متحسرا : « متى يكون للمثقف الحديث مقبضاً على طقوس مثل تلك التي تتنزل على يد ود شيخنا عذباً سلسبيلا في يوم حزين؟ «، و أنت ادري بأن المقبض الذي في يد ود شيخكم هو غنيمة مسمومة من مواريث ثقافة المجتمع قبل الرأسمالي، كونه ـ في يد شيخ آخر ـ يملك ان ينمسخ لمقبض علي طقوس الإستعباد و القهر و الإذلال، و هذه كلها أمور لا تخفى عليك يا استاذنا الباحث الأنثروبولوجي و المؤرخ الواقع من السما سبعة مرات (و أكثر)، لكن "الغرض مرض" كما تعبر بلاغة الشعب.
فما هو مرضك الذي يدفع بك في جغوب اللولوة السياسية بوسيلة الدغمسة العاطفية؟ اي مرض يملك ان يلهم عبد الله علي ابراهيم رفع صورة أمّه على اسنة الرماح؟
أول خبرتي برفع صور ة " الحاجة جمال عبر الناصر » على اسنة الرماح ، كانت يوم قرأت مكتوبك القديم في تشنيف الشيوعيين السودانيين ـ و قد علقت على هذه السيرة في مكتوب قديم نشر بمنبر سودان للجميع (2012)جاء فيه :ـ « .. عبد الله، أنت من اكثر الكتاب إظهارا لبر الوالدين، كونك تحرص على ذكرهم بالخير في كل مناسبة و تهدي لهم مؤلفاتك و تروي عنهم أطرف القصص حتى أنهم صاروا بعضا من أيقونات عالمك الأدبي. ولأمّك العزيزة، الحاجة جمال أحمد محمد،" زولة العملية "، مركز حظوة في الأدب العائلي الذي تبثه بيننا ، حتى أننا تعودنا على حضورها الحبيب، بل و شاركناك أمومتها اللطيفة في اكثر من مناسبة. [ " إيه إيه وا حلاتي دي مي عبد الله " ]ـ في الرابط https://www.sudan-forall.org/forum/viewthttps://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... e0b6#33000 و https://www.sudan-forall.org/forum/viewthttps://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 7c4e61e0b6
] و مؤخرا أوردت ذكرها في حكاية نعي "السيد" لأمك، التي سندت بها حجة التضامن مع مسلمات الشعب الأمّي و لو كلف الامر التراجع عن قيم الحداثة [ المساواة و الحرية و الديموقراطية و العدالة الإجتماعية ]. و تستعين على " الطليعيين " و " الجزافيين " بسند قوي وجدته عند الشاعر الراحل " حميد". تقول: " و قد وجدتني لا أمل استعادة قصيدته في السيد محمد عثمان الميرغني.فمن الواضح أنه لا "يعتقد" فيه، و لكن من أجل وشيجة بيته بالمراغنة و كتل الختمية تكرم كل عين. ربما عدّ بعض الطليعيين "وجد" الختمية بالمراغنة مجرد " وعي زائف"، أي آيديولوجية، و لكن ما أحلى الوعي الزائف ذاته عند الشعب [ كذا!]. و ذكرتني قصيدته في الختم مرثيتي للسيد علي الميرغني في 1968 التي عزيت فيها أمي و استعدت تاريخا كاملا من الندور و الأتربة المقدسة التي انهالت عليّ من بركة السيد قبيل الإمتحانات و المنعطفات . أعجبني كيف تسللت اكليشيهات الختمية في القصيدة حتى " نحن نؤيد حزب السيد". فاقترابه من الختمية كان اعترافا بأنه ربما لم يفهم حقيقتهم ." انظر الرابط: https://www.sudan-forall.org/forum/viewthttps://www.sudan-forall.org/forum/viewt ... 7c4e61e0b6
المهم يا زول ،أقول: أن المسافة التي تصونها أنت ياعبد الله عن "السيد" علي تختلف نوعا عن المسافة التي تصونها أمك عن نفس الشخصية.فأمك ،( و أمي أيضا)، تقف مع جموع التابعين و المريدين التقليديين الذين تربوا على قيم المجتمع قبل الرأسمالي."هؤلاء الناس" يعتقدون في كرامات" السيد" و يرونه شفيعا و واسطة بينهم و الخالق، و ضمن هذا المشهد فهم يفوضونه عنهم في أمور الدين و الدنيا و يبذلون في سبيله كل ما يملكون. بينما أنت يا عبد الله ،يا ابن الثقافة الحديثة، افسدت المدرسة عقيدتك الموروثة في "السيد" ،ثم مسخك تأثير الفكر المادي لذلك المتمرد المنخرط في صراع طبقي غايته تدمير مؤسسة "السيد" باسم قيم الحداثة [ المساواة و الديموقراطية و الإشتراكية و العلمانية و حقوق الإنسان]. و فوق كل هذا أدركتك صناعة الأنثروبولوجي و جعلت بينك و بين مشاعر القبول بالسيادة سدا من المحاذير و التحسبات النقدية المنظورة و غير المنظورة. و بعد كل سنوات مسارك المفهومي البالغ الوعورة ، صرنا نقرأك، باسم المعزّة التي تكنها لأمّك،مستعدا لمشاركتها الأحزان على موت" السيد" العزيز، لا لأنك حزين بالفعل على رحيل " السيد" ، عدوك "الطبقي"، و موضوعك الأنثروبولوجي ، و إنما لأنك تريد أن تظهر تضامنك مع أمّك في مصابها، و لو أدّى بك ذلك التضامن للتنصّل من إلتزامات الحداثة التي قد لا تفهمها هذه الأم المكلومة بموت" السيد" .و قد أوقعك هذا التضامن الفادح في قياس أقرن غليظ، أي من حديه أزرط من الآخر، لأنك ، لو خرجت يا عبد الله في مظاهرة هاتفا " نحن نؤيّد موت السيد"، أو حتى أظهرت، أمام أمك المحزونه، لا مبالاتك تجاه موت "السيد" لأوقعك ذلك في عقوق الوالدين. و لو نحـْت مع أمك على موت "السيد" أوقعك تضامنك الأسري في "الغش الثقافي" الذي سبق أن آخذت عليه جماعة الشعراء الأفروعروبيين و آخرين في المتاع النقدي الثمين الذي بذلته لنا ضمن تفاكير أدب الهويولوجيا السوداني [ تحالف الهاربين] . أن القطيعة التي صنعتها ثقافة الحداثة بينك و أمك، [ و كلنا في الهم شرق! ] ،تنتصب بيننا و بين أهلنا الأميين سدّا من العنف الرمزي المصنوع من تناقضات التاريخ.و هي قطيعة نهائية لا سبيل لرتقها و مضايرتها بالأدب العشائري الموروث من ثقافة الأسلاف التقليديين من نوع " إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، لأن رأيك في ما يمثله " السيدّ" إجتماعيا قد فسد منذ أن ضايرته جانبا بذريعة صيانه الأمن الرمزي العائلي للبسطاء من اتباع " السيد" و التضامن معهم على البلاء بأحزان و تعازي مزيفة تعرف أنها قد لا تنطلي على فطنتهم. و حرصك الظاهر على الأمن الرمزي للبسطاء من أتباع السيد يموّه حبّا بلا حدود لخرافة " الشعب" التي يجسدها البسطاء الأميين المفتونين ببركات السادة. و عند مربط هذا الحب الفيّاض، الذي يتجاوز شخص أمك، ليشمل كافة جماهير الغبش المستبعدين تتقاطع تجليات ضعفك السياسي مع آيات منعتك العاطفية. و أنت يا صديق لست نسيج وحدك في هذا المقام، مقام الإلتباس بين تناقض السياسة و العاطفة ، و كما قلت لك فكلنا في الهم شرق.و لذا يلزم التنويه و التنبيه ، و لو احتاجت نضرب عليها جرس عديل! . و لعلك في هذا الموقف البالغ الإلتباس تشابه ـ في بعض الوجوه ـ موقف استاذنا محمود محمد طه حين تضامن مع أهله، في رفاعة، ضد سلطات الإستعمار التي منعتهم من ختان بناتهم. و رغم أن سابقة اللبس السياسي و الأخلاقي بين محمود و أهل رفاعة و سلطات الإستعمار تطرح نسخة فريدة من نسخ التناقض بين حداثة رأس المال، من جهة، و حداثة قوى التحرر الوطني، من الجهة الثانية ، إلا أن تضامنك مع عشيرة الأميين في حزنهم [الحقيقي!] على رحيل" سادتهم" يوقعك في شبهة فسخ العقد المضمر بيننا نحن، جماعة التقدميين السودانيين المشغولين بصيانة نسختنا الخاصة للحداثة الإنسانية . و هو عقد سياسي و أخلاقي و جمالي يمثل الأساس الذي نشيد عليه المشروع الإجتماعي المشترك. و كما ترى فكل هذا يردنا للقولة المشهودة بأن "الجنة تحت اقدام الأمهات" (و النار أيضا) .. لعلك تشرح لنا كيف تعقلن كل هذا من منظور "شوفك الشامل" ؟ و أنا اسألك شرحا ولا أستعجلك، كوني اعرف ان كل اشغالك تقتضي المهلة و طوله البال، لكن كمان أمور العمل العام تراكمت علينا و نخشي على نضارة هذه المناقشة الثمينة أن تذبل على رف المُسَوَّفات . و بعدين برضو شايفين الموت العاير هذه الأيام صار لا يبالي بخططنا و لا يراعي أولوياتنا ، طالع ياكل نازل ياكل ، زي المنشار ، بينما الجماعة الطيبين ناوين " يستأجروا" فينا و يدفنونا في مقابر المسلمين كمان. « .. » . غايتو " ربنا يجيب العواقب سليمة و يولـّي الأصلح
Quote: لأن رأيك في ما يمثله " السيدّ" إجتماعيا قد فسد منذ أن ضايرته جانبا بذريعة صيانه الأمن الرمزي العائلي للبسطاء من اتباع " السيد" و التضامن معهم على البلاء بأحزان و تعازي مزيفة تعرف أنها قد لا تنطلي على فطنتهم.
فعبد الله مجسد حقيقي لصراع الحداثة والتقليد وأذكر في هذا المقام قصة الطيب صالح دومة ود حامد حين تصادمت الحداثة مع التقليد وجملة كدا في أخر القصة (الذي فات عليهم جميعا أن المكان يسمج بكل ذلك ... الضريح والمرسي وبيارة المشروع) بيد أن عبد الله تعب كثيرا أن يهندس هذا المكان ليتسع لهم جميعا وما أصعب تلك المهمة السيريفية
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة