قراءة كتاب يغتسل النثر في نهره لشربل داغر من منظور بنيوي البنية بوصفها آلية إنتاج المعنى يندرج كتاب يغتسل النثر في نهره ضمن تجربة شربل داغر الإبداعية التي تمزج بين النثر والشعر، في بحث متواصل عن أساليب جديدة في التعبير. ومن خلال منظور البنيوية، يمكننا تفكيك النص وتحليل أنظمته الداخلية، مع التركيز على العلاقات بين عناصره اللغوية والرمزية، دون إقحام العوامل الخارجية مثل نوايا المؤلف أو سياق إنتاجه.
النص كشبكة علاقات- تقاطعات النثر والشعر يرتكز العمل على جدلية ثنائية بين النثر والشعر، وهو ما يظهر بوضوح في العنوان ذاته، حيث يصبح النهر استعارة ديناميكية تشير إلى سيولة النص وانفتاحه على إمكانيات متعددة للقراءة. تقول البنيوية إن أي نص أدبي لا يُقرأ في معزل عن بنيته الداخلية، وهنا نجد أن النص يعيد إنتاج نفسه باستمرار عبر الاستعارات والتماثلات البنيوية -المشي بوصفه كتابة و يتكرر مفهوم المشي في الكتاب باعتباره شكلاً من أشكال الكتابة، إذ يتموضع في علاقة جدلية مع عملية الإبداع نفسها. المشي لا يقود إلى وجهة نهائية، بل إلى إنتاج مستمر للنص، تمامًا كما أن الكتابة ليست بحثًا عن يقين بقدر ما هي حركة دائمة داخل اللغة.
النهر بوصفه نصًا: كما يتدفق النهر بلا توقف، فإن النص الشعري/النثري في كتاب داغر لا يخضع لمنطق الانقطاع أو النهايات الحاسمة، بل يتبع بنية متتابعة ذات طابع حلقي حيث يعيد النص إنتاج ذاته عبر تراكماته الدلالية.
البنية الإيقاعية والمعجمية: تفكيك الأنماط الدلالية من منظور بنيوي، يتأسس الكتاب على تكرار بنيات صوتية ومعجمية تُحدث إيقاعًا داخليًا يؤسس لنسيجه الدلالي. على سبيل المثال:
تكرار مفاهيم مثل (المشي، النهر، الكتابة، القصيدة) يخلق دوائر دلالية مغلقة تتشابك فيما بينها، مما يُرسّخ بنية نصية تتجاوز الفهم الخطي التقليدي للنص.
التوازي التركيبي- يعتمد الكاتب على ثنائيات متضادة ومتكاملة (الشعر/النثر، النهر/الغبار، المشي/الثبات)، مما يعزز من طبيعة النص كبنية متماسكة تقوم على علاقات داخلية بين مكوناته، لا على المعاني الفردية للكلمات.
تفكيك الذات- هل الكاتب هو مركز النص؟ ترفض البنيوية فكرة أن يكون النص انعكاسًا مباشرًا لذات الكاتب، بل ترى أن المعنى يُنتج من داخل النص ذاته. في كتاب داغر، نجد أن الشاعر لا يقدم ذاته بوصفه محور النص، بل يذوب في الحركات التي يصفها: يا نهري، يا أناي هنا، تتماهى الذات مع النهر، مما يُفقدها مركزيتها ويجعلها جزءًا من بنية أوسع. فالكاتب ليس سوى نقطة عبور في شبكة من العلامات التي يتشكل منها النص، وهو ما يتوافق مع أطروحات رولان بارت حول "موت المؤلف" وكون المعنى يُستخرج من النص نفسه وليس من نوايا كاتبه. تفكيك الحدود بين الأجناس الأدبية من السمات البنيوية البارزة في الكتاب هو رفضه الصريح للتمييز التقليدي بين الشعر والنثر. إذ لا توجد في العمل حدود فاصلة بينهما، وإنما يحدث تداخل وانزياح مستمر، بحيث يصبح النص في حالة تشكُّل دائم، ما يجعله أقرب إلى مفهوم "النص المفتوح" كما تصوره أمبرتو إيكو.
النص بوصفه كيانًا مستقلاً من منظور البنيوية، يمكن قراءة يغتسل النثر في نهره على أنه تجربة في تفكيك اللغة وإعادة بنائها بطريقة تُبرز العلاقات الداخلية للنص بدلًا من البحث عن مرجعيات خارجية. إنه كتاب يتحدى القارئ للغوص في بنيته العميقة، حيث تُصبح اللغة ذاتها موضوعًا للكتابة وليس مجرد وسيلة للتعبير.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة