قال تعالى (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) صدق الله العلي العظيم بلغنا اليوم خبر وفاة الصديق ، العالم البروفسور محمد فرح جبريل بكمبالا ، عالم الاقتصاد والدراسات الاجتماعية.ابن السودان البار، و أحد علمائه ، قادة مجتمع ولاية غرب كردفان المكلومة ، فأصابنى حزنً غائر النياط ، فجرى شريط الذكريات وخطر فوق رأسى بعد أن انتاشتنى وحشتى ، تتبارق الذكريات هنا وهناك مثل تلك الحشرة التى نسميها الجوهرة فى "جلوى" بلادى وخريفها الهطول ... تذكرت قول المتنبئ : ما كنتُ أحسبُ قبل دفنكَ في الثرى أنّ الكَواكِبَ في التّرابِ تَغُورُ لكن تتم اليوم موراة محمد فرح ثرى المنافى ، وأرض الاستواحش الغفر بيوغندا، واليوم لا نملك غير المراثى فى وداع الأحبة ، والدمع الموالح فى ازمنة المفاجآت العظام . والحرب الجريمة. يموت الدكتور محمد فرح فى المنافى القهرية التى عافها منذ شرخ الصبا وآثر البقاء فى وطنه نظيفاً عفيفاً مثل بليلة بلادى لا بتغلط عليك ولا بتوسخ يديك ، ان كان هناك شخص لا خصوم له هو محمد فرح ... ومحمد فرح هو أحد النجيمات السامقات القلائل ، والثريات العالقات منارة للعلم ْ،كسر محارات الجهل واصفاد القبلية ، فتخرج فى جامعة الخرطوم وعمل بها ثم معهد الدراسات والبحوث الاجتماعية....ظل مكتبه الصغير كوة لمنفذ الروح الطموح ، وقبلة للهاربين لمدارج العلم من أبناء جلدته ، كنا نطلق على مكتبه اسم منتدى القشاية والتراب امعاناً فى الحياد وعدم الانتماء السياسى . لكن ها هم زملاء "منتدى القشاية والتراب " يتساقطون واحداً تلو الآخر ، محمد سليمان قور ، نمر بابو نمر ، الدقم ، محمد فرح جبريل ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. توطدت علاقتى بالدكتور فرح منذ عام ١٩٩٥م وانا بالسنة الخامسة كلية الآداب جامعة الخرطوم فى رحلة الدراسات العليا ، كان مكتبه حينها ملاذاً للبؤساء فى ازمنة الديناصورية السياسية، والحسد السودانى الأصيل .كنا نتكأكأ حول "وجبة العفوس " الا من ام حلاوات يجلبها لنا استحلاباً عضو المنتدى محمد يعقوب من الناس المهمين " الكبار " ، كم كنا مستضعفين، لكن فى منتدانا قوة الأشياء التى حدثت ذات يوم والأشياء التى لم تحدث بعد. كان الفقيد محمد فرح جبريل ضاحكاَ ، باشاً ، لا يعرف دروب الشطط ولا الاختصام، فوق كل ذلك كان خافض الصوت ، موطأ الأكناف. نهراً متدفقاً بين الحقول ، اكاديمياً فطحولاً وعالماً مفلقاً الا رحم الله البروفسور محمد فرح جبريل ، وارزقه مقامًا كريمًا عنده، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. اللهم اجعل قبره نورًا وبركة، واغفر له وارحمه، واجعل له نصيبًا من الجنة ورضوانك. يا رب، في هذا اليوم المبارك.
بروفسور ابوالقاسم قور حامد
03-29-2025, 06:37 PM
حيدر حسن ميرغني حيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 28857
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة