جلس "إبراهيم" في ركن المسجد القديم، حيث كان والده يقضي أيامه في الخلوة، يُعلِّم الأطفال القرآن. لم يكن يُشبه أقرانه ممن وُلدوا في بيوت العزّ والجاه، لكنه كان يحمل في صدره قلبًا عامرًا بالحب، وعقلًا مشرقًا بالعلم.
عندما أحبّ "إبراهيم" ابنة الشيخ "مختار"، لم يكن حبه عابرًا. رآها وهو يمرّ بجوار منزلها، سمع صوتها تروي لأخيها الصغير قصةً من كتاب، فتأملها من بعيد، وتمنى لو أن الأيام تقرّب بينهما، أن يسكن قلبها كما سكن قلبه.
ذات مساء، حمل قلبه بين يديه وطرق باب الشيخ، جلس أمامه في تواضع، وألقى طلبه: "يا سيدي، أطلب يد ابنتكم على سنة الله ورسوله."
نظر الشيخ إليه طويلًا، ثم تنحنح وقال: "وكيف نزوّجك، وأنت ابنُ كتابية؟ أمّك كانت مسيحية وأسلمت، وأبوك درويشٌ يعيش في خلوة لا يملك من الدنيا شيئًا؟ نحن أهل نسب وحسب، وأهل علم ومال، وأنت صاحب الأصل المغمور، قليل المال، فكيف يكون بيننا زواج؟"
كتم إبراهيم وجعه، كأن سهمًا أصاب قلبه ولم يخرج. أراد أن يقول إن الدين هو الميزان، وإن قلبه لا يعرف سوى الحب والإخلاص، لكنه أدرك أن كلماته لن تغير شيئًا.
خرج من بيت الشيخ مُثقلًا بالحزن، ومنذ ذلك اليوم، لم يطرق باب الزواج مرة أخرى. عاش عمره الطويل بين الكتب والأوراق، بين آيات كان يسمعها من أبيه في الخلوة، وبين حكايات عن الحب الذي لم يُكتب له أن يكتمل.
وفي ليلةٍ باردة، بعد سنين طويلة، وجدوه جالسًا في ركن مسجده، عيناه معلقتان في الفراغ، وعلى شفتيه بسمة هادئة، وكأن قلبه أخيرًا وجد السكينة التي حُرم منها طويلًا.
02-25-2025, 07:12 AM
الزبير بشير الزبير بشير
تاريخ التسجيل: 08-11-2009
مجموع المشاركات: 1149
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة