|
Re: متداول .. تحالف قحت مع الدعم السريع (Re: Hafiz Bashir)
|
سلام يا مولانا حافظ
معا لتجميع المواد.
Quote: جمهورية ودنوباوي [4 فبراير] يجب ان يستمع الشرفاء من الشعب السوداني لهذا التسجيل مرة و مرتان و أكثر..... حديث استاذ بابكر فيصل هنا واضح جدا و يعتبر مبادئ عامة التزموا يها كتنظيمات سياسية و مهنية و مجتمعية لا تتغير. ورغم اختلافنا مع القوى السياسية في بعض القضايا إلا اننا لن نجرم اي رؤية سياسية تضع حلولا للمشاكل التي تواجه الشعب السوداني فهو رأي و صوت مدني يقبل الأخذ و الرد مثله تماما و مواقف بقية القوى السياسية الداعمة لثورة ديسمبر و تبحث عن تحول مدني ديمقراطي حقيقي وفق حلول وضعتها. في هذا التسجيل بتاريخ 2سبتمبر2023 اي بعد خمسة أشهر من بداية الحرب ومن ندوة إقامتها الحرية والتغيير في الدوحة تحدث فيها استاذ بابكر فيصل بالآتي بإعتباره عضو المكتب القيادي للحرية و التغيير و ايضا عضو المكتب القيادي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية موضحاً الآتي: عدم الإصطفاف من قبل وقوع الحرب كان هو القرار الصحيح لتفادي إنزلاق البلاد في أتون حرب كارثية وهي ما نراه الآن . الكلام واضح : " إذا أردتم للحرية و التغيير أن تصطف مع الدعم السريع ضد الجيش فهذا أمر مرفوض و لن نقبل به " الإتفاق الإطاري أول وثيقة سياسية سودانية تتحدث عن دمج قوات الدعم السريع داخل القوات المسلحة. و النص الذي يوضح ذلك : " ضمن خطة الإصلاح الأمني و العسكري و الذي يقود إلي جيش مهني قومي واحد يتم دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وفق الجداول الزمنية المتفق عليها " #مدنية_قرار_الشعب |
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: متداول .. تحالف قحت مع الدعم السريع (Re: Yasir Elsharif)
|
من موقع النيلين بتاريخ أغسطس 2023 نقرأ:
Quote: رأي ومقالات تحالف قوي نشأ بين حميدتي وقحت بأهداف مشتركة وبوجود داعم خارجي واحد للقوتين 2023/08/26
 احمد الخليفة لما نتكلم عن التحالف بين ميليشيا الجنجويد وقوى الحرية والتغيير بتجي دايما نفس الحجة “قحت ما أسست الدعم السريع امشوا شوفوا الاسسوها وسلحوها وقوها” ودا استهبال فكري، مافي زول إدعى أنه قحت أسست أو سلحت الدعم السريع، كل الفكرة أنه في ال٤ سنين بين سقوط البشير وقيام الحرب نشأ تحالف قوي بين حميدتي وقحت بأهداف مشتركة وبوجود داعم خارجي واحد للقوتين بعد تخلص حميدتي من كفيله القديم والتحالف بقى واضح جداً في خضم الحرب.
تبني رواية الدعم السريع في بداية الحرب دون تقديم أدلة حقيقية للعامة مع اعتماد رواية “في حاجات انتوا ما عارفنها.. محاولة حصر وجود الكيزان في الجيش مع التغاضي عن كيزان الجنجويد.. التغاضي عن انتهاكات الجنجويد المقصودة تجاه المواطن وتفسيرها بأنها نتائج طبيعية للحرب بل والاحتفاء بها في بعض الأحيان.. التغاضي عن انتهاك الجنجويد لأهم بنود اتفاقيات جدة وخرقهم لآخر وقف إطلاق نار مؤقت.. وأسوأ الجرائم على الإطلاق وهي الاستنجاد بالمجتمع الدولي لحظر أسلحة الجيش حصراً دون الجنجويد.
كلها شواهد لا تدع مجال للشك بأن قوى الحرية والتغيير -أو بعض قيادتها بأحسن الفروض- يقفون صفاً إلى صف مع الدعم السريع بسبب تشارك في الأهداف السياسية وطمعاً في السلطة.
ومن آخر محاولات قحت لتمكين نفسها في المشهد هي محاولة حصر المجتمع المدني والقوى المدنية فيها وفي من حالفها حصراً، وهو استهبال فكري أيضاً يقارب استهبال “البديل منو؟” في أول أيام ديسمبر فالمجتمع المدني قادر على بناء أجسامه وتقديم قياداته بدون الحوجة لتحالف قحت السياسي.
الدولة باقية وتتمدد، الكهنة باقون وحراس المعبد القديم سيدافعون عن أرضهم.
أحمد الخليفة
|
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: متداول .. تحالف قحت مع الدعم السريع (Re: Yasir Elsharif)
|
سلام أخي العزيز دكتور ياسر الشريف
Quote: معا لتجميع المواد. |
من المهم جداً التأكد من سلامة وصحة المواد قبل أن نبني عليها أي تحليلات وآراء. المديا مليئة بالكتابات والتسجيلات المضروبة.
أشكرك على اثراء البوست بتسجيل بابكر فيصل في ندوة بتاريخ 2 سبتمبر2023. وهو تسجيل فيديو من ندوة محضورة وفيه تصريح واضح من بابكر فيصل بأنه لم تكن هنالك أي تفاهمات بين قحت وبين الدعم السريع في اغسطس وسمبتمبر 2022. التسجيل المزعوم لقريب الله محمد الحسن ذكر أن إجتماعات دارت في سبتمبر 2022 تحدث فيها بابكر فيصل عن تحالف بينهم والدعم السريع.
عموما تسجيل قريب الله محمد الحسن لا يمكن الإعتماد عليه قبل أن تثبت صحته او على الأقل مرور زمن كافي لتفنيد صحته.
| |

|
|
|
|
|
|
Re: متداول .. تحالف قحت مع الدعم السريع (Re: هدى ميرغنى)
|
من أحاديث الهادى إدريس عن أموال من الأمارات وأثيوبيا وكينيا - وكان حمدوك وخالد سلك حضورا🤷♀️
Quote: وفيما يتعلق بالتمويل الذي تعهدت الإمارات وإثيوبيا وكينيا بتقديمه، قال: “هذه الأموال لن تذهب إلى جهة غير حكومة السلام”.
وتعهدت الإمارات بتقديم 200 مليون دولار، وإثيوبيا بـ 15 مليون دولار، وكينيا بمليون دولار، لتعزيز جهود الاستجابة للوضع الإنساني في السودان ، خلال مؤتمر نظمته أبو ظبي على هامش اجتماعات قمة الاتحاد الإفريقي. |
#الصمت من دلائل الإتفاق وعلامات الرضا والقبول … *مع العلم الهادى ادريس ما وقف من ترديد عبارة "شراء الطيارات" - ما للمواصلات طبعا ، لتدمير ما تبقى من السودان والفتك بشعبه!
| |
  
|
|
|
|
|
|
Re: متداول .. تحالف قحت مع الدعم السريع (Re: هدى ميرغنى)
|
سلامات حافظ كل الدلائل كانت وماتزال تشير الى تحالف قحت حميدتي لتنفيذ الانقلاب على الجيش والتخلص من الاسلاميين في السودان تحت رعاية الأمارات .. قدمت في هذا المنبر العديد من الاثباتات والتحليلات ، ولكن أجد د. التجاني عبد القادر كفى وأوفى في سلسلة مقالاته المعنونة بالصفقة الكبيرة الخاسرة (4-7) الفريق حميدتى بين العصا والجزرة التيجاني عبد القادر حامد 24 يوليو 2024 حينما اندلعت الحرب الأوكرانية الروسية اصطفت القوى الغربية كلها في جهة، واصطف المؤيدون لروسيا في الجهة الأخرى. وأطلت الحرب الباردة بين القوتين العظميين من جديد، وأطل معها الشعار المألوف: من ليس معنا فهو ضدنا. لم تمض سوى أسابيع على زيارة الفريق حميدتى الى موسكو- تلك الزيارة سيئة الحظ-وقبل أن يتمكن من القفز من السفينة الروسية، إلا وقد دُعي-بحسب ما ترجح لدينا- إلى لقاء خاص وعاجل مع ممثلي "مجموعة الرباعية" المعادية لروسيا، والتي لم تكن غائبة عن المشهد، أو غافلة عن محاولات الاختراق الروسي لأفريقيا عبر السودان. في ذلك اللقاء واجه ممثلو "مجموعة الرباعية" الفريق حميدتى بثلاثة ملفات خطيرة: ملف التطهير العرقي والإبادة الجماعية في دافور، وملف التقارب الروسي، وملف "فض اعتصام القيادة" (بصوره وعدته وعتاده). وضعت هذه الملفات أمام الفريق حميدتى، ثم قُرئت عليه المواد المتعلقة بجرائم الحرب وعمليات الإبادة الجماعية من قانون المحكمة الجنائية الدولية، وأوضح له بصورة لا غموض فيها أن مصيره بات رهيناً بالقوى التي تمسك بتلك الملفات، وهو مصير لن يختلف عن مصير على محمد على كوشيب الذي وجهت له 31 تهمة ارتكاب جرائم مماثلة، أو مصير لوبانقا زعيم المليشيا الكنغولية. وبين ممثلو الرباعية للفريق حميدتى بلغة واضحة لا غموض فيها أن أمامه واحداً من خيارين: أن يصبح هو نفسه متهماً بجرائم حرب وابادة جماعية (بعد اعلان الدعم السريع منظمة إرهابية)، فينهى بذلك مسيرته السياسية، أو أن يبدأ صفحة سياسية جديدة تنتهي به إلى رئاسة جمهورية السودان. وفى حالة ذهابه نحو الخيار الأول، فان النقاش في ذلك اللقاء يكون قد انتهى، وعليه الاستعداد للمحاكمة وحسب. أما في حالة قبوله بالخيار الثاني (وهو الخيار المفضل لدى المجموعة) فعليه أن يعود أدراجه لينخرط حالاً في تنفيذ ثلاثة أمور محددة: الأول: أن يعلن اعتذاره عن انقلاب 25 أكتوبر بعبارات واضحة لا لبس فيها (مع ما يتبع ذلك من فرز للصفوف وقطع للعلاقات-سواء مع البرهان أو الإسلاميين أو الزعامات الأهلية المتجاوبة معهم)؛ الثاني: أن يغلق كل نافذة كان يطل منها على روسيا (أو تركيا أو إيران أو حلفائهما في المنطقة)؛ الثالث: أن يطوى خلافاته مع مجموعة "قحت" وأن ينضم فوراً بكل ثقله (العسكري والاقتصادي) إلى ما تقترحه مجموعة الرباعية من ترتيبات ومشاريع وتقدمها (من خلال قوى الحرية والتغيير). وفى مقابل هذه الخطوات الثلاث فان المجموعة ستلتزم له بالآتي، أولاً: أن يُطوى تماماً "ملف اعتصام القيادة" وما يتصل به من ذكر للمحكمة الجنائية الدولية، أو لجنة تحقيقات المحامي نبيل أديب، أو لجنة أسر الشهداء، وما شابه ذلك من مطالبات بحل الجنجويد والقصاص للقتلى؛ الثاني: أن يُغض الطرف عن شركاته واستثماراته، وأن يزاد له في الدعم العسكري، وأن توفر له التغطية السياسية والإعلامية (على المستوى الاقليمي والدولي) حتى يكتمل الصفقة. لم يكن أمام الفريق حميدتى خيار غير تناول الجزرة؛ أي قبول "الصفقة" والانصياع التام لقرارات الرباعية (والعودة إلى منصة التأسيس). ومنذ ذلك الحين تيقن ممثلو الدول الكبرى وحلفاؤها الاقليميون والمحليون أن مجهوداتهم السابقة في صناعة الشخصية "الظرفية" المثالية لم تذهب سدى. فخرجوا من السر إلى العلن، وصارت جماعتهم تُعرف في الصحافة باسم "الآلية الرباعية الدولية"، وتتكون من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والامارات. وصارت هذه المجموعة تواصل امساكها بالشأن السوداني كاملاً من خلال سفرائها في الخرطوم أو ممثليها أو أجهزة مخابراتها. وصارت تعقد اجتماعات متواصلة مع بعض الناشطين السياسيين ممن تسميهم "الفاعلين السياسيين"، وكان العنوان الدائم لتحركاتها هو التوسط لحل الأزمة السياسية في السودان عن طريق الحوار لاستكمال "العملية السياسية"، والوصول إلى حل ينهى الوضع الإنقلابي القائم منذ 25 أكتوبر. هذا، ومن المفهوم بداهة أن فك الارتباط بالانقلاب، وإعادة التقارب مع قوى الحرية والتغيير يأتيان على رأس المطالب المتوقعة من قبل كل أعضاء المجموعة ولا يحتاجان إلى تفسير، وذلك لما عرف عنها من استثمار كبير في حكومة حمدوك المخلوعة (بجناحيها العسكري والسياسي)، ولما عرف عنها من فوبيا الإسلام السياسي ومن كراهية لإيران. أما المطلب الثالث المتعلق بقطع الصلة مع روسيا فهو المحرك الرئيس الذي قد يحتاج إلى مزيد من التفسير. فلماذا تتخوف مجموعة الأربعة من تقارب روسي-سوداني يتزعمه حميدتى؟ أن أياً من هذه الدول الأربع كانت ترى أن التسلل الروسي إلى السودان (خصوصاً على البحر الأحمر) سيكون خصماً على مصالحها. إذ أن أي واحدة من هذه الدول تحرص أن يكون لها نفوذ لا يضارع على سواحل البحر الأحمر، أو على أرض السودان الزراعية الوافرة، أو معادنه النفيسة، ولا تحتمل وجود منافس قوى ومعاد مثل روسيا أو تركيا أو إيران. ويدرك المراقبون أن الطموح الأساس للإمارات-على وجه الخصوص- هو أن تصبح مركزاً اقتصادياً يربط شرق أفريقيا وجنوب آسيا من خلال ما بات يعرف باستراتيجية "سلسلة الموانئ"، أي التحكم في مواني جنوب شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي. وبما أنها لا تملك قوات عسكرية مقاتلة فهي تبحث باستمرار عن مقاتلين محليين (مليشيات) لتقوم بتدريبهم وتسليحهم كما فعلت في جنوب اليمن أو في ليبيا، وكما ظلت تفعل مع قوات الدعم السريع في السودان. فاذا تحول حميدتى بمليشيات الدعم السريع نحو روسيا فان كل ما استثمرته الامارات في تلك القوى يكون قد ذهب ادراج الرياح. ومن خلال التحكم في الفريق حميدتى وقواته المقاتلة يمكن التحكم في السودان وفى جواره الأفريقي. وكما تحتاج الامارات إلى جنود لتحقيق تمددها الأفريقي، فان المملكة السعودية تحتاج إلى قوات مقاتلة يمثلون حاجزا بينها وبين الحوثيين في جنوب المملكة. أما حكومة الولايات المتحدة فلا تطيق- في إطار حربها مع روسيا ودعمها لأوكرانيا- أن ترى الفريق حميدتى وهو يضخ أطناناً من الذهب في الخزينة الروسية. ولا يوجد بالطبع ما يكبح جماح الفريق حميدتى وضبط تحركاته غير اخافته بملف فض الاعتصام؛ ولا يوجد ما يحركه أفضل من اغرائه بالسلطة. ومن خلال التخويف والاغراء استطاعت مجموعة الأربعة أن تبرم واحدة من أخطر الصفقات وأكثرها دموية في تاريخ السودان الحديث- كما سيتضح لاحقاً. الصفقة الكبيرة الخاسرة (5-7) ترتيبات ما قبل الحرب
وليتم تنفيذ “الصفقة” بدقة رُسمت لحميدتى ثلاثة خطوات تكتيكية يسير عليها، وهي: التصريحات الإعلامية، الترتيبات الدستورية، الاستعدادات العسكرية-الميدانية. أما من حيث التصريحات الإعلامية- وهي الخطوة الأسهل- فلم تمض سوى شهور قلائل على ابرام الصفقة إلا وقد بدأ حميدتى في إطلاق التصريحات المتفق عليها، فأعلن بصورة مفاجئة عن تخليه عن الحكم للمدنيين. ورغم أنه لم يتخل عن موقع “النائب” الذي دبر الانقلاب، إلا أن قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي-سارعت (السبت 23 يوليو 2022) إلى الإشادة بذلك الإعلان (المتفق عليه سلفاً)، وقالت في بيان لها إن بيان حميدتى قد حوى اقراراً ايجابياً ببعض مطالب الحركة الجماهيرية، أهمها ضرورة تسليم السلطة كاملة للمدنيين، وخروج المؤسسة العسكرية كلياً من السياسة(1). وأردف الفريق حميدتى ذلك التصريح بتصريح ثان(2) قائلاً إن الجيش فشل في تصحيح المسار، والسودان يسير نحو الأسوأ. وفى سؤال ما إذا كان يفكر في الترشيح للرئاسة قال إنه ليس له طموح سياسي ولكن “إذا رأينا السودان ينهار سنكون حاضرين”. ثم اراد وللمرة الثالثة أن يؤكد موقفه الجديد، فاختار هذه المرة ولاية كردفان (حيث توجد حاضنته القبلية)، وذلك أثناء مخاطبته لملتقى الإدارات الأهلية لولايتي غرب وجنوب كردفان. كان يتحدث في ذلك اللقاء وقد تقمص تماماً دور رئيس الجمهورية الذي وعد به في اجتماعه مع مجموعة الأربعة، حيث أكد أنه “لن يسمح” بعودة السودان لما قبل سقوط نظام الرئيس المعزول، في إشارة إلى القوى (الإسلامية والأهلية) التي كانت تقف مع مبادرة الخليفة الجد. ولم يفت على بعض الصحف المحلية أن تلاحظ ذلك التحول الكبير، فجاء العنوان الرئيس في صحيفة سودان تربيون: حميدتى يطلق تصريحات مثيرة وينتقد السماح للمتظاهرين بالوصول للقصر وقمع آخرين.(3) وواضح من تلك الإشارة أن حميدتى كان يريد أن يغازل شباب الثورة الذين كانوا يتظاهرون ضد الانقلاب الذي كان هو أحد أعمدته، فكرر القول: “أنا مع التغيير، حتى الشباب الذين يسيئون إلى في الشوارع أنا معهم”. ورغم أنه لم يهاجم الفريق البرهان ولكنه أطلق إشارات سالبة إلى الفريق كباشي عضو مجلس الثورة والشريك الأساسي في الانقلاب، على خلفية النزاع القبلي بين المسيرية والنوبة في مدينة لقاوة، واتهمت قوات الدعم السريع بالمشاركة فيه لصالح المسيرية. على أن التصريحات وحدها لم تكن كافية، إذ لا بد من غطاء دستوري مناسب تستطيع قوى الحرية والتغيير أن تستعيد من خلاله ما صار يعرف ب “شراكة الدم”(4) مع من كانت تصفهم بالمكون العسكري-الانقلابي، فيتثنى لها التموضع من جديد في الساحة السياسية. كما كان الفريق حميدتى أيضاً في حاجة مماثلة إلى غطاء دستوري يستطيع من خلاله أن يتحول من انقلابي متآمر إلى ديموقراطي نبيل. وجاء ذلك الغطاء فجأة من ركن غير متوقع تجرجره لجنة مؤقتة لنقابة المحامين. نقابة المحامين وترتيباتها الدستورية: ولكي تكتسب الترتيبات الدستورية المقترحة زخماً يخفى مصدرها ومحتواها، فقد أريد لها أن تخرج في صورة احتفالية صاخبة. فشهدت دار المحامين بضاحية العمارات-كما جاء في بعض التقارير الصحفية(5)- تجمعاً غير مسبوق، تحت سرادق ضخم كان لافتاً فيه حضور سفراء مجموعة الرباعية (الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والامارات)، إلى جانب سفراء ألمانيا والنرويج وكندا والسويد واسبانيا وآخرين. الاجتماع المنعقد كان عبارة عن ورشة عمل دعت لها اللجنة المؤقتة لنقابة المحامين لعرض مشروع دستور مقترح للفترة الانتقالية يلغى الوثيقة الدستورية الأساسية التي كان يقوم عليها الائتلاف الحاكم السابق للانقلاب. ويتضمن المشروع بنوداً كثيرة لا مكان الآن لتعدادها ولكن اللافت فيه أمران، الأول: إلغاء القرارات التي صدرت قبل أو في أو بعد 25 أكتوبر 2021، بما في ذلك الاتفاقات الإقليمية والدولية (والمقصود بالطبع الاتفاقية السودانية-الروسية)؛ أما الأمر الثاني فهو ما ورد في شأن جريمة فض الاعتصام (يونيو 2019)، وفى شأن الحصانات لشاغري المواقع الدستورية. إذ أشار المشروع من طرف خفي إلى المسألة الجوهرية الحساسة المتعلقة بجريمة “فض اعتصام القيادة”، فنص على تكوين لجنة وطنية جديدة (متجاوزاً اللجنة السابقة برئاسة المحامي نبيل أديب) توكل لها مهمة التحقيق في كافة الجرائم المرتكبة خلال النزاع المسلح في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، مع إعادة تشكيل اللجنة القومية للتحقيق في الانتهاكات والجرائم التي ارتكبت في3 يونيو 1019 (أي جرائم فض الاعتصام). وأشار-في بند الحصانات- على عدم جواز اتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة شاغري المواقع السيادية العليا بالأجهزة النظامية عند صدور الدستور بحكم مناصبهم الدستورية او العسكرية بشأن أي مخالفات قانونية تم ارتكابها قبل توقيع الدستور الانتقالي. ثم أجرت مسودة الدستور تعديلاً جوهرياً على تكوين وصلاحيات مجلس السيادة، فجعلت رئاسته دورية، وجعلت من ضمن مهامه منح “العفو الشامل والمشروط واسقاط العقوبة”. وبناء على هذا فلم يكن مستغرباً أن يكون الفريق حميدتى أول من يبدى ترحيباً حاراً بهذه المسودة دون الاطلاع على بنودها الأخرى، إذ أن هذه البنود توفر له ولقواته حصانة قانونية كافية، ثم تفتح أمامه الباب واسعاً ليكون رئيساً محتملاً لمجلس السيادة (طالما هي رئاسة دورية)، كما يجعله في موضع “يمنح العفو ويسقط العقوبة” إذا تغيرت الظروف وتحرك ملف “الاعتصام” ووصل ساحة القضاء. أما حضور سفراء مجموعة الأربعة فيمثل دعما قوياً للفريق حميدتى، وتأكيداً للالتزام بالصفقة التي أبرمت معه سابقاً. أما في الجانب الآخر فان المكون العسكري (جناح البرهان) قد وجد نفسه في مكان حرج، إذ لم يكن في مقدوره أن يعترض بصورة كلية على وثيقة يعلم أن الآلية الرباعية تقف من ورائها، فلجأ إلى مدخل “التعديلات”. فتقدم بتعديلين أحدهما في باب الحصانات والآخر في إجراءات التحقيقات المتعلقة بفض الاعتصام. فاقترح في بند فض الاعتصام أن: “تتعهد قيادات القوات المسلحة وقوات الدعم السريع بالمساعدة وعدم الاعتراض أو الإعاقة في تنفيذ الآتي: الإسراع بالانتهاء من تحقيق فض اعتصام يونيو 2019، وتحديد المسئولين جنائياً عنها، وتكوين مفوضية العدالة الانتقالية، وتصميم عملية شاملة بمشاركة أسر الضحايا تضمن كشف الحقائق، وانصاف الضحايا والمصالحة الشاملة والإصلاح المؤسسي الذي يضمن عدم تكرار جرائم الماضي”. وهذا نص أدخلته القوات المسلحة لاعتقادها أنها لن تخسر من ورائه شيئاً، أما بالنسبة للفريق حميدتى وشركائه في الرباعية فهو نص ثقيل ومرير يصعب من ثم ابتلاعه. أما النص الآخر الذي سيقضى على المسودة وعلى الصفقة معاً فهو ما ورد في التعديل الثاني الذي تقدم به المكون العسكري في باب الحصانات. فبدلاً من الاكتفاء بما ورد في المسودة من القول “بعدم جواز اتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة شاغري المواقع السيادية العليا بالأجهزة النظامية عند صدور الدستور بحكم مناصبهم الدستورية او العسكرية بشأن أي مخالفات قانونية تم ارتكابها قبل توقيع الدستور الانتقالي” جاء في التعديل: ” ما لم يكن ذلك الفعل أو الامتناع موضوع المخالفة ينطوي على اعتداء جسماني أمرت به القيادة العليا فرداً أو عضواً بشكل مباشر بارتكابه”؛(6) أي أنه لا حصانة للقيادات الدستورية والعسكرية العليا إذا أثبت التحقيق أنها متورطة في جريمة فض الاعتصام. وكانت هذه بلا شك تعديلات صادمة للفريق حميدتى، لأنها ستقوض التعهد الذي ابرمته معه الآلية الرباعية، مما جعل مسودة المحامين ولجنتهم يقذفان معاً الى سلة المهملات (تأكد فيما بعد أن لجنة المحامين لجنة محلولة ليس لها سند قانوني أو تمثيل حقيقي للمحامين السودانيين، كما رشح أن المسودة التي طرحت باسمهم ما هي إلا ترجمة لوثيقة أعدتها أحدي المنظمات الأمريكية.
حميدتي و الصفقة الكبيرة الخاسرة (6-7) من مسودة المحامين إلى الإتفاق الإطارى !! بداية الحرب في مروي و ليس في الخرطوم !!! التيجاني عبد القادر حامد 26 يوليو 2024 لم تتوانى "الرباعية" في مواصلة جهودها الرامية لتنفيذ "الصفقة الكبيرة". إذ لم تمض ثلاثة أشهر على مسودة دستور المحامين الا وقد برز الى السطح مشروع جديد بعنوان الاتفاق الاطاري (ديسمبر 2022). وقد حشدت له هذه المرة حشود أكبر من الخبراء الأجانب، ورافقته ضجة إعلامية لافتة. وقد يتساءل المرء هل يوجد فرق بين مسودة المحامين التي صُرف عنها النظر والاتفاق الاطارى الجديد؟ الفرق الأساس هو أن أصحاب الاتفاق الاطاري قد عمدوا هذه المرة إلي الإطاحة التامة بمجلس السيادة، ومنح السلطة العليا في البلاد-دون مواربة- إلى ما صار يعرف ب"القوى الثورية الموقعة على الإعلان"- أي بعض عناصر قوى الحرية والتغيير (قحت). فهي التي ستتحكم في هياكل السلطة بمستوياتها الأربعة؛ فتكون المجلس التشريعي الانتقالي، وتختار المستوى السيادي المدني (الذي سيكون قائداً أعلى للأجهزة النظامية-أي المساواة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع)، وتختار رئيس الوزراء (الذي سيرأس مجلس الأمن والدفاع). أما الفريق حميدتى فقد ضمنت له الوثيقة وضعاً دستورياً في غاية الغرابة. فهو وقواته لا يخضعون لرئاسة القائد العام للقوات المسلحة، كما أنه لا يخضع لرئاسة الوزراء. كل ما هناك أنه يتبع شكلياً لرئيس مدني للدولة، ولكن هذا الرئيس ليست له سوى مهام تشريفية رمزية. أما قوات الدعم السريع فقد ضُمن لها وضع مستقل وموازى للقوات المسلحة (على أن تُدمج في القوات المسلحة لاحقاً (بعد عشر سنوات) بعد أن تتم تنقيتها من عناصر النظام السابق وتغير عقيدتها القتالية). على أن المدقق في الوثيقتين (المحامين والاطارى) سيلاحظ أن هناك خطاً ثابتاً لم يتغير فيهما وهو: تجنب أي حديث مباشر عن جريمة "فض الاعتصام"، أو الالتزام الواضح بتحديد المسئولين جنائياً عنها. كل ما هناك هو عبارة فضاضة عن "إطلاق عملية شاملة تحقق العدالة الانتقالية تكشف الجرائم (منذ عام 1989) وتحاسب مرتكبيها وتنصف أسر الضحايا". أما لجنة التحقيق المكونة منذ عامين، والتي توجد بين يديها صور وأدلة، والتي اطلع عليها رئيس الوزراء السابق وأعضاء "الرباعية"، فلا ذكر لها- تماماً كما هو متفق عليه في الصفقة. ويضاف إلى هذا-بل ويعلو عليه- أن الفريق حميدتى لم يعد-بموجب هذا الاتفاق- تابعاً للقيادة العليا للقوات المسلحة، ولا "نائبا" لأحد، بل صار هو "الأمير" المرتقب، المطلع على كل أسرار الدولة، والذي توجد طوع بنانه قوات يزيد أفرادها على المائة ألف، مزودة بأحدث الآليات-الأمير الذى تتبناه مجموعة الأربعة وتعقد عليه الآمال. ولذلك فليس من المستغرب-للمرة الثانية- أن يكون الفريق حميدنى أول المبادرين لقبول الاتفاق، حيث أعلن (4 فبراير 2023) التزامه به التزاماً كاملاً، مؤكداً أنه سيعمل بأقصى جهده للإسراع بتنفيذه.(1) ثم يقول-في تهديد مباشر للقيادات المناوئة له في القوات المسلحة: "أمشوا لينا في الاتفاق الاطاري دا كان ما دايرين البلد دى تتفرتق وتجوط، وتحصل فيها مشاكل"،(2) وقبل أن يجف الحبر الذي كتب به الاتفاق ذهب الفريق حميدتى إلى الامارات في زيارة لم يعلن عنها (24 فبراير 2023)، وكان في استقباله-كما ورد في الصحف-الشيخ منصور بن زايد وأكد له دعم دولة الامارات للاتفاق الاطاري (3). هذا، ولم يكن مستغرباً أن توقع قوى الحرية والتغيير بأصابعها العشر على الاتفاق، فهي تمثل الضلع الثالث في الصفقة الكبرى. أما المستغرب فهو أن يوقع الفريق البرهان على وثيقة تزاح فيها القوات المسلحة التي يترأسها، وتؤسس على أنقاضها قوات الدعم السريع. فلماذا قبل البرهان بالتوقيع على الاتفاق الاطاري؟ لا شك أن الفريق البرهان كان مطلعاً على حيثيات الاتفاق واهدافه، وكان يدرك أن مغزاه الأساسي هو أن تُوضع المؤسسة العسكرية (وقائدها العام) على الرصيف، وأن تُحوّل قوات الدعم السريع إلى مؤسسة عسكرية بديلة ومستقلة، وأن يُرفّع الفريق حميدتى لموقع القائد العام الجديد لعشر سنوات قادمة. فلماذا إذن وقع الفريق البرهان على ذلك الاتفاق؟ لا توجد بالطبع إجابة واحدة قاطعة، إذ أن الفريق البرهان يتخذ أحياناً مواقف متناقضة-مثله مثل الفريق حميدتى- ويطلق تصريحات ثم يتراجع عنها. ولكن الراجح لدينا أن ضغوطاً-وربما تهديدات- كانت تأتى من تحته (من تلقاء الداخل العسكري) ومن يمينه (من تلقاء الفريق حميدتى-غريمه اللدود)، ومن فوقه (من تلقاء الخارج الاقليمي-الدولي) (4). وللخروج من هذا المأزق الوجودي فربما رأى الفريق البرهان أن يتبع هذا السيناريو: أن يُوقّع على الإطار العام للاتفاق باعتبار أنه يمثل مبادئ عامة، فيخفف بذلك ضغوط القوى الإقليمية والدولية، وربما ينال شيئاً من رضاها، ثم يحوّل "القضايا الخلافية" (وعلى رأسها الوضعية الجديدة لقوات الدعم السريع) إلى ممثلي القوات المسلحة في ورشة الإصلاح العسكري والأمني. فاذا وافق ممثلو القوات المسلحة على تلك الوضعية فتكون موافقتهم بمثابة تأييد لتوقيعه السابق، أما إذا لم يوافقوا- وذلك غير مستبعد- فإنه سيكون في حل من الاتفاق باعتبار أن المؤسسة العسكرية لا توافق عليه، وهو مصمم في كل الأحوال ألا يسلم السلطة إلى جهة سياسية غير منتخبة (5). العجيب في الأمر أن الأحداث سارت تماماً وفقاً لهذا السيناريو، مما يعنى أن قدرة الفريق البرهان على التكتيك السياسي والمراوغة لا تقل عن رصفائه من الفاعلين في ساحة السياسة السودانية. غير أن دعاة الاتفاق الإطاري ومنظمي المؤتمر أخطأوا التقدير حينما حسبوا أن التوقيع على المبادئ العامة للاتفاق سيُمهد الطريق للتوقيع على ما دونها من تفاصيل فنية واجرائية مختلف عليها، فحُوّلت من ثم الى ما عرف بورش العمل. وكان من ضمن تلك القضايا الخلافية (بل ومن أهمها) قضية دمج قوات الدعم السريع في قوات الجيش الوطني، فأحيلت إلى ورشة الإصلاح العسكري والأمني وحدد لها تاريخ 26-29 مارس 2023. تمحور الخلاف حول الفترة الزمنية التي ستسبق عملية الدمج، إذ أصرت قوات الدعم السريع أن تظل جيشاً مستقلاً موازياً للقوات المسلحة لمدة عشر سنوات (أليس هذا بالأمر المريب حقاً؟). أما القوات المسلحة فقد رأت ألا تزيد المدة عن عامين. وترتب على ذلك الخلاف أن فشلت ورشة العمل في الخروج بتوصيات متفق عليها، وانسحب منها ممثلو القوات المسلحة، وانهارت بذلك واحدة من الركائز التي بنى عليها الاتفاق الإطاري. أما في الجبهة الخارجية فإن ممثلي الرباعية لم يكونوا غافلين عما كان يدور من نقاشات في داخل المؤسسة العسكرية، كما لم يكونوا يتصورون أنها من الغفلة بحيث توقع بسهولة على وثيقة تنهى وجودها. وبناء على ذلك فقد كثفوا اللقاءات مع الفريق حميدتى للتأكد من استعداده لتفعيل الخطة (ب)؛ أي استعداده لتنفيذ بنود الاتفاق الاطارى بقوة السلاح إذا لم تنجح المفاوضات مع قادة الجيش. وفى هذا السياق يمكن أن تفسر الزيارات المتكررة التي ظل الفريق حميدتى يقوم بها إلى دولة الامارات طيلة الأسابيع التي طرح فيها مشروع الاتفاق الاطارى. إذ علم أنه قام في 24 فبراير بزيارة إلى الامارات (لم يعلن عنها رسمياً)، وأجرى مباحثات في أبو ظبي مع نائب رئيس الوزراء الاماراتي منصور بن زايد،(6) حيث أكد الأخير دعم دولة الامارات للاتفاق الاطاري.(7) ثم أعلن في 4 مارس 2023 أنه عاد إلى الخرطوم بعد زيارة استغرقت أكثر من أسبوع للإمارات العربية، وجاءت الزيارة وسط تكهنات لموجهات قد تتطور إلى عسكرية بين الدعم السريع والجيش-على خلفية الخلافات الحادة والتراشق الاعلامي بين قادتهما. لم تنقض الفترة من مارس 2023 إلى منتصف ابريل 2023 إلا وقد أكمل الفريق حميدتى سلسلة زياراته المقررة إلى الامارات، وفرغ من مشاوراته مع الرباعية، وتهيأ كأحسن ما يكون التهيؤ لتنفيذ الخطة (ب)، والتي لا تختلف في جوهرها عن خطط الانقلابات العسكرية المعهودة: بأن ينقل قطعه العسكرية الثقيلة من شمال دارفور إلى الخرطوم فيحكم سيطرته على كل المواقع الاستراتيجية في العاصمة المثلثة، وأن يحرك عدداً من قواته للاستيلاء على مطار مروي، وأن يحرك بعض قواته العسكرية إلى مقر القيادة العامة للجيش (مع ما يترتب على ذلك من قتل القائد العام أو اعتقاله)، وأن يحرك بعض قواته إلى مقر الإذاعة والتلفزيون لإعلان بيان الانقلاب وشكل الحكومة الجديدة(😎. ويلاحظ أن معظم هذه الخطوات لا تختلف عن نمط الخطوات الانقلابية المألوفة التي لا تحتاج إلى شرح. ولكن الذي يحتاج إلى شرح فهو تحريك قوات الدعم السريع إلى مطار مروي العسكري على بعد 350 كلم شمال الخرطوم. فلماذا هذه الخطوة، وهل لهذا المطار أهمية خاصة؟ المعلومات المتوفرة تفيد بأن هذا المطار يعتبر من أكبر المطارات في أفريقيا، على مساحة 18 كلم، وقد صمم لإقلاع وهبوط الطائرات الكبيرة، إذ به مهبط بطول 4كلم ويمكنه استقبال. 10 طائرات دفعة واحدة، وتوجد به قاعدة جوية مساندة وبديلة للقواعد العسكرية الأخرى في السودان، كما توجد به قوات الفرقة 19 المسئولة عن حماية المرافق الاستراتيجية. (9) ولأن هذه المعلومات لم تكن غائبة على الفريق حميدتى، فكان يقدر أنه إذا تمكن من الاستيلاء على هذا المطار فإنه سيتمكن (أولاً) من اخراج سلاح الجو السوداني من الخدمة مبكراً، وسيتمكن (ثانياً) من استقبال الامداد العسكري الجوي من الدولة الراعية للانقلاب دون حاجة إلى مطارات يوغندا أو تشاد، وسيتمكن (ثالثاً) من تحريك قواته وآلياته وامداداته بالسرعة المطلوبة إلى كل أقاليم السودان. وبناء على هذه التقديرات لم يتردد الفريق حميدتى في تحريك قواته وآلياته إلى مروي- قبل 15 أبريل ودون إذن من القوات المسلحة أو اخطار لها (10). ولم تتردد تلك القوات في الانتشار في محيط المطار ثم اقتحامه واعتقال عدد من القوات المصرية (التي كانت تجرى تدريبات عسكرية بموجب بروتوكول مع الجيش السوداني)، ونشرت تلك القوة مقاطع مصورة لجنودها داخل قاعدة مروي الجوية، مع صورة لقائدها وهو يتلو خطبة الانتصار (11). فكان من الطبيعي أن تقوم القوات المسلحة بتطويق قوات الدعم السريع، وأن تأمرها بمغادرة الموقع. رفضت قوات الدعم السريع الانسحاب فوقع الاشتباك. وبعد معارك شرسة استطاعت القوات المسلحة أن تستعيد السيطرة على مطار مروي. وهكذا تلاحظ أن الطلقة الأولى في الحرب لم تطلق في الخرطوم، وإنما أطلقت في مروي، كما تلاحظ أن الحرب لم تبدأ في 15 أبريل وإنما بدأت قبل ذلك بأيام.(12) أما حينما نعود إلى يوم 15 أبريل في الخرطوم فسنجد أن خطوات الانقلاب لم تنجح كما كان متوقعاً- رغم كل الإمكانات والاستعداد. فلم تتمكن قوات حميدتى من قتل القائد العام للجيش أو اعتقاله، ولم يتمكن الفريق حميدتى من الظهور على التلفاز لإذاعة بيان العهد "الديموقراطي" الجديد. أما في الجانب الآخر فقد ظهر جلياً أن القوات المسلحة لم تستسلم بعد، فتحول الانقلاب منذئذ ( 15 أبريل 2023) إلى حرب متطاولة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، واختفى الفريق حميدتى من مسرح العمليات العسكرية والسياسية، وتحول إلى ما يشبه الأسطورة التي تختلط فيها الحقيقة بالذكاء الاصطناعي. (ومع كل هذا يحاجج بعض مؤيدي الاتفاق الإطارى أن الفريق حميدتى لم يبدأ الحرب، كما لم تبدأها القوات المسلحة، وإنما بدأها "طرف ثالث من أنصار النظام السابق" رافض للاتفاق الاطارى. ورغم أنه لا توجد أدلة موضوعية يعتد بها في هذا الصدد، ولكن دعنا نفترض صحة هذه المقولة، فان المنطق السليم يقتضينا أن نتساءل: هل كان هذا الطرف الثالث من أنصار النظام القديم يعمل بالتنسيق مع الجيش أم يعمل بمفرده؟ فإن قلنا إنه كان يعمل بعلم الجيش وبالتنسيق معه (لاتحادهما في رفض الاتفاق الاطارى) فلا مناص من أن تنسب الطلقة الأولى إلى الاثنين معاً-سواء في مروي أو في الخرطوم. أما إذا قلنا إن الطرف الثالث كان يعمل بمفرده، وأنه قد أطلق رصاصته الأولى دون علم من الجيش أو تنسيق معه (كما يقول أصحاب هذا الرأي)، فإن هذا الطرف الثالث يكون قد قدم في هذه الحالة "طعنة" خلفية قاتلة للجيش الذي يتحالف معه، كما يكون قد قدم في الوقت ذاته "خدمة" جليلة لقوات الدعم السريع، إذ أتاح لها فرصة أن توجه ضربة مفاجئة إلى الجيش في وقت لم يكن على أهبة الاستعداد، كما أتاح لها فرصة أن تظهر في صورة الضحية التي وقع عليها الاعتداء. مما يعنى أن تلك "القوة الثالثة" -إن وجدت- فهي إما أن تكون قوة خرقاء تعمل ضد مصالحها ومصالح حلفائها، وإما أن تكون واحدة من الخلايا النائمة التي تعمل بالتنسيق مع قوات الدعم السريع وليس ضدها. وهذا غير بعيد إذا علمنا أن قوات الدعم السريع كانت لها عناصر داخل المؤسسات العسكرية والأمنية، تخفيها حيناً وتستدعيها حيناً آخر- بحسب ما يقتضي المقام. نواصل.. الصفقة الكبيرة الخاسرة (7-7) خاتمة: الانفكاك عن الدعم السريع التيجاني عبد القادر حامد 30 يوليو 2024 كما توجد أحياناً في الأدب الروائي "قصة داخل القصة"، فكذلك قد توجد في السياسة قصة داخل القصة، وحرب داخل الحرب. ولعله قد اتضح من المقالات السابقة أن هناك حرباً إقليمية-دولية كبيرة تدور في السودان، وفى داخل هذه الحرب تدور حروب أخري. فمن ناحية الحرب الكبرى يتضح أن السودان قد صار واحداً من ميادين الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة، وهي حرب تحولت في نظر بعض المراقبين من مجال الأيديولوجيا والجغرافية السياسية (the geo-politics) إلى مجال الجغرافيا الاقتصادية (the geo-economics). أي أن التغلغل الروسي في أفريقيا (بحثاً عن الذهب والمعادن في مقابل القمح والوقود والسلاح)، والتموضع على ساحل البحر الأحمر شرقاً والصحراء الليبية غرباً سيقابله توجه مضاد من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وبعض الدول الأوربية (خاصة بريطانيا وفرنسا). وما الرهان على الفريق حميدتى، والإصرار على تحويل قوات الدعم السريع إلى قوة عسكرية حاكمة في السودان إلا جزءاً من خطة الهجوم المضاد، وهي بلا ريب حرب داخل تلك الحرب الكبرى. ولكن السرد السابق للأحداث وضح أيضاً أن رهان مجموعة الأربعة على الفريق حميدتى وعلى قوات الدعم السريع لم يحقق أهدافه. فرغم أن الفريق حميدتى استطاع أن يلعب دور الشخصية "الظرفية" الفاعلة في تحريك الأحداث وفق الخطة المرسومة له، ورغم ما توفر له من قوة عسكرية ومن غطاء اقليمي ودولي إلا أن محاولاته باءت بالفشل لأربعة أسباب لم تكن متوقعة. أول تلك الأسباب هو الخروج المبكر للفريق حميدتى من ساحة المعركة ومن كابينة القيادة (حتى أن ممثلي الدول الكبرى الداعمة لم يتمكنوا من التواصل معه)، والسبب الثاني هو الحضور الفعال للفريق البرهان في موضع القيادة العسكرية والسياسية؛ وثالث الأسباب هو تماسك القوات المسلحة السودانية وعدم حدوث انشقاقات فيها (كما كان متوقعاً)؛ أما السبب الأخير فهو استعادة القوات المسلحة لمطار مروي، فانقطعت بذلك فرصة أن تتلقى قوات الدعم السريع عن طريق الجو امدادات عسكرية عاجلة من الدول الراعية-كما كانت تتوقع. هذا الفشل العسكري المبكر لخطة الانقلاب السريع الخاطف قاد إلى الفشل الأكبر حينما سعت قوات الدعم السريع إلى تحويل المسألة من انقلاب محدود ضد قيادة القوات المسلحة وعناصر النظام السابق إلى حرب شاملة ضد أفراد الشعب السوداني- احتلالاً لمنازلهم، ونهباً لممتلكاتهم، وتهجيرا قسرياً لهم. وبإزاء هذا الوضع بدأت بعض عناصر مجموعة الأربعة تعدل في خطتها الأولى وفى خطابها، وتستبدلها بما يمكن أن يسمى استراتيجية "الانفكاك المتدرج"؛ أي ترك مسافة بينها وبين ما تقوم به قوات الدعم السريع من فظائع (دون أن تتخلى عن أهدافها تماماً)، وأن ترفع شعار حماية المدنيين وتوصيل الإغاثة إلى اللاجئين عن طريق الحوار بين الجنرالين. فبرز في هذا السياق مؤتمر جدة الاستثنائي (3 مايو 2023)، برعاية سعودية-أمريكية (مع توارى الامارات وبريطانيا). ومع أن المؤتمر لم يشأ أن يوجه-في بيانه الختامي-إدانة للفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، إلا أنه أكد أن النزاع في السودان شأن داخلي، وحذر من التدخلات الخارجية، وأكد على ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة، كما أكد على حتمية الحوار السياسي. )1) ويلاحظ أن الالتزامات التي وردت في الإعلان الصادر عن المؤتمر ينصب معظمها على أمور تقع على عاتق قوات الدعم السريع، مثل ضرورة التمييز بين المدنيين والمقاتلين، والسماح للمدنيين بمغادرة مناطق القتال، والامتناع عن الاستحواذ على المرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن النهب والسلب. (2) اللافت أن المؤتمر لم يضع آليات عملية لإجبار أي من الطرفين على تنفيذ ما التزم به، أما الامارات وبريطانيا فلم يبديا اهتماماً بمخرجاته ولا بآليات تنفيذه، مما يشير إلى أن نوعاً من الخلاف ربما يكون قد بدأ يطل داخل الرباعية. ثم اشتدت فظائع الدعم السريع، وتعالت أصوات الاحتجاج، فاضطرت الرباعية إلى الحديث مرة أخرى عن أهمية الحوار. وبما أن الحوار يحتاج إلى طرف ثان مقابل للقوات المسلحة، فلابد من البحث عن شخصية "ظرفية" أخرى أكثر مقبولية لتحل مكان الفريق حميدتى- الذي صارت قيمته السياسية والعسكرية تتضاءل بوتيرة متصاعدة. وفى هذا السياق يمكن أن يفهم الظهور المفاجئ (في 26 أكتوبر 2023) لتنسيقية القوى الديموقراطية التقدمية (تقدم) لتحل مكان قوى الحرية والتغيير (قحت)، التي- هي أيضاً- قد فقدت قيمتها السياسية. ولم يكن مستغرباً أن تكون الشخصية "الظرفية" الجديدة هي د. حمدوك، وأن تقدمه صحيفة الشرق الأوسط في صورة المنقذ الذي يقود جبهة مدنية سودانية لوقف الحرب، بعد أن فشلت الجبهة العسكرية التي كان يقودها الفريق حميدتى) (3). على أن مجموعة الأربعة لم تلجأ إلى استراتيجية "الانفكاك المتدرج" رأفة بالشعب السوداني، أو رغبة في التحول الديموقراطي، أو تخل عن أهدافها الأساسية، ولكن هناك عوامل أخرى كثيرة ألجأتها لذلك. من تلك العوامل: ارتفاع الأصوات المنددة بالانتهاكات الفظيعة التي ترتكبها قوات الدعم السريع حيثما زحفت، والأضرار التي أوقعتها على المدنيين، إذ شردت ما لا يقل عن ستة ملايين منهم، وقتلت ما لا يقل عن 15 ألف، علاوة على أن ما مارست من قتل ونهب وتدمير قد بلغ حداً لم يكن في مقدور وسائل الاعلام والمنظمات الدولية لحقوق الانسان السكوت عليه. وكانت حادثة اغتيال الوالي خميس عبد الله ابّكر والى غرب دارفور في 14 يونيو 2023، والتمثيل بجثته على مرأى من العالم بداية لموجة التذمر العالمي، فبدأت المفوضية السامية لحقوق الانسان تدين الجريمة، وبدأت الأمم المتحدة تدعو للتحقيق، مما اضطر وزير الخارجية الأمريكي أن يعلن أنه- استناداً على مراجعة دقيقة للحقائق وتحليل قانوني- قد خلص إلى أن أفراداً من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع قد ارتكبوا جرائم حرب.(4) ومن تلك العوامل: أن التقدم العسكري لقوات الدعم السريع واستيلائها على عدد من الولايات، مع الضعف النسبي للقوات المسلحة، قد أدى إلى بلورة تيار شعبي رافض لوحشية الدعم السريع، وقابل للاستنفار والقتال إلى جانب القوات المسلحة. وقد صارت قوة هذا التيار تزداد مع تجاوب عناصر من الشباب (الإسلاميين وغيرهم) ومن قطاعات من الجمهور الغاضب ممن أخرجوا من منازلهم، وجردوا من ممتلكاتهم، وفرضت عليهم الهجرة والنزوح. وقد يشكل هذا التيار جبهة مدنية-عسكرية يصعب معها إقامة النظام البديل بقيادة الفريق حميدتى-كما كانت تأمل الرباعية. . ومن تلك لعوامل: أن الامداد العسكري الذي تلقته قوات الدعم السريع، ومكنها من الاستيلاء على عدد من ولايات السودان، إضافة إلى الغطاء السياسي والقانوني الذي وفرته لها مجموعة الأربعة، قد يجعل القوات المسلحة السودانية تسعى بدورها للتقارب مع المحور الروسي الايراني التركي، وهو التقارب الذي سعى إليه الفريق حميدتى من قبل وبذلت مجموعة الأربعة الغالي والنفيس في سبيل إحباطه. وقد أثبتت الأحداث فيما بعد أن هذا التخوف كان في مكانه تماما؛ فرغم كل ما بذلته مجموعة الأربعة في تعميق الهوة بين السودان وروسيا، إذا بنائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الروسي الى الشرق الأوسط (ميخائيل بوغدانوف) يصل الى بورتسودان (29 بريل 2024) على رأس وفد من وزارتي الخارجية والدفاع استمرت يومين، ويؤكد في ختام زيارته أن مجلس السيادة السوداني هو السلطة التي تمثل الشعب السوداني وجمهوريته. وإذا بمالك عقار-نائب رئيس مجلس السيادة السوداني يقوم بزيارة الى روسيا (3 يونيو 2023) على رأس وفد من وزارات الخارجية والمالية والمعادن. ومن تلك العوامل أن الخلاف بين مجموعة الأربعة أصبح يتسع فيما يتعلق بمجمل الوضع السوداني، إذ صارت الولايات المتحدة وبريطانيا يختلفان مع الامارات حول مجريات الحرب في السودان، ويحثانها على المساهمة في انهاء الحرب بالتوقف عن امداد قوات الدعم السريع بالسلاح. وصار بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي يضغطون على إدارة الرئيس بايدن لتتخذ إجراءات صارمة ضد قوات الدعم السريع. وسقطت حكومة المحافظين في بريطانيا وجاءت على أثرها حكومة عماليه لم تكن جزءاً من الصفقة التي أبرمت مع الفريق حميدتى، ولا يعرف ما إذا كانت ستلتزم بها أم لا تلتزم. أما المملكة السعودية فهي قد صارت أقرب إلى الجانب الروسي-الإيراني-الصيني، ولم تعد-من ثم- متحمسة ومندفعة في اتجاه الدعم السريع كاندفاع الامارات. فاذا تضاءل الموقف العسكري لقوات الدعم السريع (بغياب قائدها ومقتل كثير من قادتها الميدانيين)، وتباينت الرؤى والمواقف بين مجموعة الأربعة، فقد تتعالى الأصوات المطالبة بفتح ملف الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع أثناء الحرب الأخيرة (خاصة المذابح التي ارتكبت في الجنينة والجزيرة، كما قد يضاف إلى ذلك الدعم العسكري الذي قدمته الامارات لقوات الدعم السريع في مخالفة صريحة لقرار مجلس الأمن السابق. وقد تجد الامارات نفسها وحيدة في موقف الاتهام؛ مما يضطرها في هذه الحالة الى واحد من خيارين: خيار التراجع، فتوافق على الانسحاب المتدرج من "الصفقة الكبيرة الخاسرة" كما انسحب الآخرون، وأما الخيار الآخر فهو أن تتصلب في مواقفها-اعتماداً على مواردها المالية الوافرة، فتجلب المرتزقة من دول الجوار الأفريقي، وتضخ الدماء في عروق الدعم السريع التي أصابها الجفاف. فإذا سارت في هذا الاتجاه، وسار معها بعض حلفائها الدوليين، فمن المتوقع أننا سنشهد بروز "صفقة معدلة جديدة"- صفقة يختفي فيها الفريق حميدتى ليحل مكانه أحد أخويه عن الدعم السريع، ويُدعى إليها الفريق البرهان (أو أحد نوابه) عن القوات المسلحة. وفى هذه الحالة سيجد الفريق البرهان نفسه في "الغرفة المغلقة" ذاتها التي وضع فيها الفريق حميدتى من قبل، وستخرج له ملفات، وستعرض عليه الجزرة والعصا اللتين عرضتا من قبل على حميدتى، مع إضافة بعض البهارات التي تسهل ابتلاع الصفقة الجديدة المعدلة. في مثل هذا الموقف سيبدو الفارق جلياً بين القائد الحقيقي والقائد الظرفي. ملامح الحل هذا، ويسألني بعض القراء: هل لديك-بعد هذه الجولة الطويلة من البحث- حل أو ملامح حل للخروج من هذه الأزمة؟ والاجابة هي أنني لست قريباً-كما هو معلوم- من أي موقع تنفيذي مباشر-سياسي أو عسكري-فتنكشف لدى الخفايا ويتضح أمامي المشهد. كل ما لدى هو معلومات منشورة ومتاحة للجميع، وكل ما قصدت إليه هو أن أقدم تفسيراً لهذه المعلومات قد يساعد الآخرين-كما ساعدني- في فهم أعميق للأحداث. أما إذا كان لابد من المجازفة باقتراح حل فإني رأيت أنه قد يكون من المناسب أن أنظر أولاً في الحلول التي لجأ عامة السودانيين في مواجهة الهجمة التي شنتها عليهم قوات الدعم السريع (أبريل 2023-) فأدير معهم حواراً عنها لكي نتدارك ما فيها من أخطاء، وما إذا كانت هناك حلول أفضل منها. إن أول ما يلاحظ في هذا الصدد أن الحلول التي لجأ إليها عامة الناس لا تختلف كثيراً عن الطريقة التي واجهوا بها من قبل "جائحة كرونا"- أي محاولة التعايش/ثم الهروب/ ثم الثبات والمقاومة. ويلاحظ أنهم في كل هذه المراحل كانوا يلوذون بخيار "الخلاص الفردي"- سواء اختاروا التعايش أو الهروب أو المقاومة. دعنا إذن ننظر في هذه الخيارات. خيار التعايش: حينما وقعت الواقعة في 15 أبريل كان عامة الناس ينظرون اليها كنوع من صراع عسكري داخلي بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة، أو كأنها صراع في داخل الداخل بين جنرالين أحمقين، ولا تخص عامة الناس إلا كما تخصهم الخسائر الوطنية العامة التي تنجم عن الانقلابات العسكرية-الفاشلة منها والناجحة. وكان الحل في نظر هؤلاء النفر من المواطنين يتلخص في نظرية "التعايش"؛ أي علينا أن نراقب وننتظر لمن تكون العاقبة. وحينما بدأت قوات الدعم السريع تدخل منازل المواطنين في الأسابيع الأولى للحرب، وتتخذ لها "إرتكازات" في الأزقة والسطوح، كان أصحاب هذه النظرية يظنون ذلك نوعاً من "التكتيك" الوقائي المؤقت تلجأ اليه قوات الدعم السريع خوفاً من الغارات الجوية التي تقوم بها القوات المسلحة. وبدأ بعضهم يتقاسمون معهم الطعام والشراب. وحينما شرعت قوات الدعم السريع في تعقب بعض المواطنين واحتجازهم في أماكن غير معلومة، كان أصحاب هذه النظرية يظنون أن قوات الدعم السريع لا تبحث إلا عن عناصر النظام السابق، أو عن العناصر العسكرية والأمنية. ولكن سرعان ما تبين خطأ هذه النظرة حينما بدأت قوات الدعم السريع تكشر عن أنيابها فتجبر النساء على تسليم الذهب (وعلى ما هو أنفس من ذلك)، وتجبر الرجال على تسليم مفاتيح سياراتهم والخروج من منازلهم، وكان من يرفض الخروج يُشهر في وجهه السلاح، ويُبطح على الأرض ويضرب بالسياط، ويصفع على وجهه ويشتم أمام أبنائه وبناته. تأكد حينئذ أن قوات الدعم السريع لا تشن حرباً ضد القوات المسلحة وحسب، وإنما تخوض حرباً ضد المواطن، وأنها تتبع سياسة الأرض المحروقة، فتحتل المساكن، وتسلب الممتلكات، وتغتصب، وتقتل، في حرب وحشية مجنونة لا تفرق بين المرأة العاجزة أو الشيخ الكبير، وبين مؤيدي النظام القديم وبين معارضيه. عندئذ سقط خيار "التعايش" تماماً، ولجأ عامة المواطنين إلى خيار الهروب والمخارجة. فهل كان ذلك خياراً نافعاً؟ خيار الهروب: حينما اشتدت وطأة الحرب، وبدأت مؤسسات الدولة في الانهيار، أدرك المواطنون المدنيون العزل أن التعايش مع قوات الدعم السريع غير ممكن-كما ذكرنا. فلجأ أكثرهم إلى سياسة "انجو سعد فقد هلك سعيد"؛ أي الخلاص الفردي من قبضة قوات الدعم السريع. فخرج السودانيون زرافات ووحدانا فيما يشبه رحلات الموت. وترتب على هذه السياسة أن بلغ مجمل السودانيين الفارين من الحرب نحواً من عشرة ملايين (بعضهم في الولايات السودانية الآمنة وبعضهم في دول الجوار). وفى موجة الهروب الكبير هذه تفاوتت الحظوظ، فالذين لجأوا إلى مصر مثلاً-وأكثرهم من الطبقات الوسطي كانت لهم من الوفورات المالية أو تحويلات أبنائهم المغتربين ما يمكنهم من العيش الكريم. أما الذين لجأوا إلى تشاد (حوالي 900 ألف) فكانوا أسوأ حظاً لأن أغلبهم كانوا من النساء والأطفال فانتهوا إلى معسكرات أدرى وأرديمي وظلوا يعانون من نقص المياه والغذاء والدواء، ويتجرعون غصص الذل والمهانة. أما الذين لجأوا إلى أثيوبيا فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار. لقد لجأوا إلى معسكر للأمم المتحدة طلباً للحماية فاذا المليشيات الأثيوبية المحلية المسلحة تهجم عليهم، تنهب وتقتل وتطردهم إلى الغابات والأدغال. خلاصة هذه التجارب المريرة أن خيار الخلاص الفردي باللجوء إلى معسكرات في دول الجوار خيار الضرورة القصوى، وقد يكتشف أصحابه أن العودة إلى الديار السودانية والموت فيها بشرف خير من الموت الذليل في المعسكرات الأثيوبية والتشادية. فاذا كان خيار التعايش غير ممكن، وخيار الهروب غير مجد، فهل من الممكن أن يوجد خيار أفضل عاقبة؟ ماذا عن خيار الدفاع المجتمعي المشروع؟ الدفاع المجتمعي-المشروع: فكرة الدفاع المدني المشروع ليست اختراعاً جديداً، بقدر ما هي فكرة قديمة لجأت اليها كثير من المجتمعات التي واجهت حروباً استئصالية تدميرية قاهرة. والفكرة تتطلب في أساسها (أولاً) أن يقتنع أفراد المجتمع المستهدف أن الحرب التي تدور فوق رؤوسهم ليست مجرد صراع سياسي-عسكري محدود على مستوى القيادات، وإنما هي حرب قاعدية شاملة تستهدفهم جميعاً على اختلاف مكوناتهم العرقية وتياراتهم السياسية؛ وتتطلب (ثانياً) أن يتأكد أفراد المجتمع المعنى أن طريق "الخلاص الفردي" ليس هو طريق النجاة، إذ أن الفرد مهما بلغت قوته وشجاعته لا يمكن أن يتصدى بمفرده إلى قوات مدججة بالسلاح ولا تتورع عن القتل. وتتطلب (ثالثاً) أن يتيقن الجميع أن الحرب لا تتوقف بالاستسلام لمعتدى جاء عارضاً رمحه، ولكنها ستتوقف إذا علم أن بنى عمه "فيهم رماح"، كما قال شاعر العهد القديم حجل بن نضلة الباهلي. وتتطلب (رابعاً) أن يؤمن الجميع في أعماقهم أن الحرب هي حربهم، ولا يوجد-بكل أسف- عسكري يخوضها نيابة عنهم، أو مبعوث دولي يوقفها رأفة بهم. ينبغي في مثل هذه الظروف أن يُرفع شعار "الحصة وطن"، فتتحد إرادة المدنيين والعسكريين، واليمينيين واليساريين، فتكون حربهم واحدة وسلمهم واحد، ولا يوجد خلف ذلك غير السقوط. فإذا تأكدت هذه المبادئ العامة، ورأى غالب السودانيين أن يسيروا في هذا الاتجاه، فذلك يعنى أنهم قد بدأوا يضعون أرجلهم على طريق الحل-على ما فيه من مرارة ومشقة. إذ ربما تكون هذه المرة الأولى التي يجد فيها الانسان السوداني نفسه أمام امتحان ليس في الوطنية وحسب، وإنما في الرجولة أيضاً. أما مبعوث القوى الدولية الكبرى فيستطيع بالطبع أن يحرك المجموعة الرباعية والمجموعة الأفريقية، وأن يعقد المؤتمر بعد المؤتمر، وأن يرسل المساعدات الإنسانية أو يوقفها، وأن يعارض أي ادانة توجه لقوات الدعم السريع، أو أي اقتراح لوضعها في قائمة المنظمات الإرهابية، أو لفرض عقوبات على الدول التي تمدها بالسلاح، ولكنه لن يستطيع-في المحصلة النهائية- أن يكسر إرادة الشعب السوداني. ولا قوة إلا بالله.
| |

|
|
|
|
|
|
|