مقال "الفلاحون والقومية في إريتريا وتأثيرات النظام الطبقي الإقطاعي على مجتمع البني عامر" 1. طبيعة المصدر والمقاربة المنهجية يعتمد المقال على كتاب "الفلاحون والقومية في إريتريا" للكاتب جوردان جبري-مدحين، ويستند أيضًا إلى تقديرات الباحث لويد إلينجسون، مما يجعله تحليلًا يرتكز على مصادر أكاديمية، لكن الطرح نفسه يبدو موجّهًا أكثر نحو تقديم رؤية نقدية لمجتمع البني عامر بدلًا من كونه تحليلًا موضوعيًا متوازنًا.
يبدأ المقال بتوصيف البني عامر كمجتمع متأثر بآثار العبودية والاضطهاد الطبقي، ويضع هذا التأثير في سياق صراعات اجتماعية ممتدة، إذ يُشير إلى وجود طبقة نبلاء (النابتاب) التي استعبدت جزءًا كبيرًا من هذا المجتمع، مما ولّد لديهم إحساسًا بالدونية والرغبة في تعويض الماضي عبر سرديات جديدة عن تاريخهم.
2. العبودية والطبقية كعوامل مؤثرة في تشكيل البني عامر يُركز المقال على دور العبودية في رسم معالم مجتمع البني عامر، مستندًا إلى إحصائية تشير إلى أن عدد العبيد كان مقاربًا لعدد الأحرار، مما يعكس وجود نظام اجتماعي قاسٍ يقوم على التراتبية الطبقية. النقطة الأساسية هنا هي أن هذا الإرث ترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا عميقًا، يُفسَّر – وفق الكاتب – بمحاولات هذا المجتمع لصياغة هوية جديدة تتجاوز تلك الحقبة.
لكن الإشكالية في هذا الطرح أنه يختزل تطور مجتمع البني عامر في عقدة نفسية ناجمة عن العبودية، متجاهلًا عوامل أخرى كالتأثيرات السياسية والاقتصادية والتحولات الاجتماعية الطبيعية التي مرت بها هذه المجموعة عبر الزمن.
3. إعادة بناء الهوية بعد الهجرة إلى السودان ينتقل المقال إلى مرحلة أكثر حداثة، حيث يصف تحول مجتمع البني عامر بعد فرارهم من اضطهاد نظام أسياس أفورقي في إريتريا، ولجوئهم إلى السودان. هنا يُقدّم الكاتب تفسيرًا نقديًا لممارسات هذه المجموعة، معتبرًا أن محاولاتهم لإعادة بناء هويتهم التاريخية تهدف إلى تحقيق نفوذ سياسي في السودان.
يُشير المقال إلى أن البني عامر، بدلاً من أن يكونوا ضحايا فقط، استخدموا اللجوء كفرصة لإعادة كتابة تاريخهم وتصوير أنفسهم كـ"أسياد" وليس كضحايا. هذا الطرح يبدو إشكاليًا لأنه يقدّم قراءة غير متوازنة، إذ أنه يُحمّل اللاجئين مسؤولية صياغة سردية تُظهرهم في صورة أفضل، لكنه لا يُناقش السياقات السياسية والاجتماعية التي دفعتهم إلى ذلك، ولا يطرح أي منظور آخر يفسر هذه التحولات.
4. التحليل السياسي والموقف من الدور المستقبلي للبني عامر في خاتمته، يربط المقال بين استراتيجيات البني عامر وبين سعيهم إلى فرض نفوذهم السياسي في شرق السودان، مع الإشارة إلى أن هذه "المكائد" أصبحت مكشوفة مع ارتفاع الوعي المجتمعي في السودان.
هذا الطرح يطرح تساؤلًا حول مدى صحة افتراض أن هناك مشروعًا سياسيًا للبني عامر للهيمنة على السودان. ورغم أن الكاتب يستند إلى تحليلات أكاديمية، إلا أن المقال يغلب عليه الطابع التفسيري الذي يُظهر البني عامر كجماعة تتبنى استراتيجيات خفية لتحقيق مكاسب سياسية.
5. التحيزات المحتملة في المقال المقال يبدو غير متوازن في تحليله، حيث يركّز على تقديم البني عامر كفاعلين سياسيين مخادعين بدلًا من تحليل واقعهم الاجتماعي والتاريخي بطريقة موضوعية. هناك تعميم واضح بأن كل أفراد البني عامر يتبنون استراتيجيات للبقاء قائمة على "المكر"، مما يثير إشكاليات أخلاقية ومنهجية. المقال لا يناقش كيف أثرت النزاعات القومية في إريتريا والسودان على هويات هذه الجماعة، بل يختصر الأمر في عوامل داخلية متعلقة بالطبقية والعبودية.
02-18-2025, 00:34 AM
زهير ابو الزهراء زهير ابو الزهراء
تاريخ التسجيل: 08-23-2021
مجموع المشاركات: 11796
من كتاب “الفلاحون والقومية في إريتريا” وتأثيرات النظام الطبقي الاقطاعي على مجتمع البني عامر
آمنة أحمد مختار إيرا
يُعد كتاب (الفلاحون والقومية في إريتريا) (Peasants and Nationalism in Eritrea) للكاتب الإنجليزي إريتري الأصل(جوردان جبري-مدحين) (Jordan Gebre-Medhin) مرجعًا مهمًا لدراسة التاريخ الاجتماعي والسياسي لدولة إريتريا، لا سيما عند تحليله لواقع مجتمع قبيلة (البني عامر) . يشير الكاتب إلى أن هذا المجتمع حمل عبر تاريخه آثارًا عميقة للعبودية والاضطهاد، ما خلَّف شعورا بالغبن والحقد والكراهية بل وعقدة الدونية التي لا تزال تُلقي بظلالها على هويته وسلوكه الجماعي.
#العبودية وتاريخ البني عامر:
يستند الكاتب إلى تقديرات الباحث (لويد إلينجسون) (Lloyd Ellingson)، الذي أشار إلى أن عدد العبيد في قبائل البني عامر كان مُقاربًا لعدد الأحرار (النبلاء)، ما يُظهر حجم النظام الطبقي القاسي الذي حكم العلاقات الاجتماعية. فقد عاش أفراد هذه المجموعة السكانية لعقود تحت سيطرة طبقة (النابتاب النبلاء)، الذين فرضوا نظامًا استعباديًا قائمًا على الاضطهاد والتبعية المطلقة، حيث كان العبيد يعتبرون ملكية تورث وتباع وتشترى. يوضح الكتاب أن هذه الحقبة خلَّفت جراحًا نفسية واجتماعية عميقة، تجلَّت في محاولات هذا المجتمع لاحقًا لتعويض هذا الدونية التاريخية عبر تزييف سرديات تُظهرهم بأنهم أبطال وأصحاب تاريخ وبطولات عريقة بينما الواقع يؤكد أنهم تنقلوا بين عبوديات متتالية من سيطرة البلو ( بلو كلو ) إلى هيمنة النابتاب، ثم استغلال النظام الإريتري الحالي بقيادة أسياس أفورقي.
#من العبودية إلى التمرد: استراتيجيات مجنسي البني عامر الحديثة في السودان
يرصد الكاتب تحولًا في سلوك البني عامر بعد لجوئهم إلى السودان هربًا من اضطهاد أفورقي، الذي وصفه الكتاب بأنه تعمد تشريدهم وتعذيبهم حتى لجأوا إلى السودان. وجدت هذه المجموعات بيئة أكثر تسامحًا لكنها بحسب التحليل استغلت هذا التسامح لبناء سردية تاريخية جديدة تهدف إلى تعزيز نفوذها السياسي والجغرافي، ويشير جبري-مدحين إلى أن هذه السرديات المُفبركة تهدف إلى إعادة كتابة التاريخ لتصويرهم كـ”أسياد” بدلًا من ضحايا وعبيد، وتمهيد الطريق لتحقيق هيمنة سياسية على إقليم شرق السودان، بل والسودان ككل عبر تحالفات مبنية على المكر والدهاء.
يُنهي الكتاب تحليله بتأكيد أن محاولات مجموعات من البني عامر لفرض هيمنتهم ليست نتاج ذكاء استثنائي بل هي استمرار لاستراتيجيات البقاء التي طوروها خلال قرون من القمع. لكن الكاتب يشير أيضًا إلى أن هذه المكائد بدأت تكشف شيئا فشيئا، خاصة مع تنامي الوعي المجتمعي في السودان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة