|
Re: *** عليك سلام الله: يا عم سعيد (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
لماذا تصر صورتك أن تطرق ذهني الآن بكل هذا الإلحاح؟ أهو أمر رباني؟ أم رسالة من وراء الحجب لكي أدعو لك؟ أهو تخاطر (توارد خواطر) واندياح روحاني بين الأحياء والأموات،؟ أم هي رسالة تذكير بأن الأموات يعيشون بيننا وإن غابوا؟. أم هي صحوة ضمير متأخرة؟ أم يا ترى هو كل ذلك؟ ماذا فعلت لكي أجد نفسي أدعو لك في هدأة الليل؟ قد يكون ذلك بعض من ميتافيزيقيا الغياب والعلاقة الغامضة التي تربط أحيانا بين الأحياء والأموات والغائبين. سبحان ربي عالم الغيبة والشهادة. عندما تعيينا الحيلة لفهم ذلك نرده إلى عالم الماورائيات الذي يعج بالكثير من الاستفهامات، والتي عجزت عند تقديم إجابات محددة لكثير من المسائل المستعصية. منذ أول أمس جاءت صورة عم سعيد وهي تسعى من بين طيات الغيب. وظلت تلِحُّ على ذهني بشدة كأنها تنبِّهني إلى أمر ما...
مواصلة
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: *** عليك سلام الله: يا عم سعيد (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
وهكذا أتاني طارق خفي بعم سعيد بالتأكيد هو طارقُ يطرق بخير الذي أتاني به في هدأ الليل البهيم. وهكذا ظللت ولمدة ثلاثة أيام لا تفارقني ذكراه، وأنا أدعو له في صلواتي بالخير والبركة، إن كان لا يزال حيا، وبالرحمة والمغفرة إن كان غير ذلك. كان لعم سعيد يد سلفت علينا ونحن طلاب، ودين مستحق ونحن في الغربة، ومعروف سابغ علينا وكنا نستحقه بحكم أشياء كثيرة سيأتي ذكرها. كانت في تلكم الأيام يتناوشنا القلق من أن يضيع منا العام، وتتقاذفنا أحيانا صبوات الشباب لنندلق يمنة ويسرى. كان ذلك في بداية الثمانينات في تلك الفترة التي كان فيها السادات هو الرئيس، وزكي بدر (وما أدراك ما زكي بدر) وزيرا للداخلية، وكانت الحملة على أشدها ضد المعارضين (خاصة الجماعات الإسلامية). كنا موجودين في تلكم الأيام نحن الطلاب الأربعة الذين ندرس في جامعة الإسكندرية. كنا نقيم في شقة يملكها عم سعيد. كانت قيمة إيجار الشقة في ذلك الوقت تعادل ثلاثين جنيها مصريا ولكنه كان مبلغ مقدرا في تلك الأيام. كنا لأسباب متعددة نتأخر في تسديد الإيجار لأسباب مختلفة. كان إرسال المصاريف مرتبط بالمرتبات في أول كل شهر. كانت المصاريف تُرسل إما بالبريد الذي قد يستغرق أسبوعا أو أسبوعين، أو تُرسل مع شخص وقد تتأخر إلى ما شاء الله لها أن تتأخر.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: *** عليك سلام الله: يا عم سعيد (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
كان يحضر إلينا عم سعيد في أول كل شهر لأخذ الإيجار. لم يكن يأتي بوجه صارم ٍولا عبارات خشنة خبِرناها ممن يطالب بحقه. بل كان يأتي بوجهٍ طلِق تسبقه دائما ابتسامة رقيقة كأنه زميل أو صديق قديم .. وبصوت خفيض وفي سمتٍ أبوي يستفتح حديثه ليسأل عن ظروفنا وعن أحوال الدراسة. كنا أحيانا لا نملك قيمة الإيجار، أو أن المبلغ يكون غير مكتمل. فكان ثِقل تلك اللحظات يتبدَّى في الملامح والأعين الحائرة... لا زلت أذكر كيف كانت كلماته تبدِّد بكل سماحةٍ ولين حرج تلك اللحظات: -(ما في مشكلة متى ما تصل أعطوها لإبني في البقالة ( كانت في نفس المبنى) ... - ( إنتو زي أولادي...) ثم يضيف كأنه يضيف تأكيدا لما سبق: (مش إمكن أولادي برضوا يتغرّبوا زيكم؟) - ( أهم شيء إنكم تنجحوا يا أبنائي، فأهلكم منتظرنكم.. ).. يلقي عم سعيد هذه الكلمات ثم يستأذن ليذهب إلى حال سبيله. وتكرر هذا لأمر عدة مرات. ****************** وجاءت نهاية السنة الدراسية. ولم نكن نملك ما نسدد به قيمة الإيجار كما من قبل. ولكن خرجنا من الشقة ولم ندفع الإيجار على أمل أن نسدد لاحقا...ولكن اتكل كل منا على الباقين(تسويفا وتكاسلا واستسهالا). وهكذا مرت الأيام وانتهت مرحلة الدراسة الجامعية وعدنا إلى بلادنا، ولم نهتم بالتسديد (ولا حتى لاحقا كما وعدنا أنفسنا). ودار الزمان دورته وتفرقنا وانشغلنا بأشياء أخر. في اليومين السابقين وجدت نفسي أتذكر عم سعيد وابتسامته الودود وصوته الخفيض وكأن هاتف خفي يناديني لكي استصحب عم سعيد معي في الدعاء والابتهالات. سبحان الله! ...لعل روحا في الرياح هامت لتمر علينا.. كما قال بدر شاكر السياب وهو يخاطب طيف امه المتوفاة: (الباب ما قرعته غير الريح آه لعل روحا في الرياح هامت تمر على المرافيء أو محطات القطار لتسائل الغرباء عني عن غريب أمس راح) **لعل روحا منك هامت، لتأتيني على قدَر ٍيا سعيد، عبرتْ الحدود ولم يستوقفها حارس (فهي مأمورة). كيف ترِد إلى الذاكرة في لحظة ما، عابرة للزمان والمكان ملامح شخصٍ غائب منذ عقودٍ من الزمن، لتُوقِظ فيك الذكريات القديمة. . فكيف تزورنا الأحلام وطيف الغائبين كلما كِدنا أن ننساهم؟ وكيف تتكون الرؤى؟ وكيف تأتي الذكريات؟ وكيف يتم التواصل من خلال التخاطر (توارد الخواطر-telepathy).
غريبة فعلا هذه الحياة، بترتيباتها التي تتجاوز فهمنا المحدود، وتعلو على زهونا المكابر. أليس من خلال هذه الترتيبات تتنزَّل الرحمات البركات وتتوالى فيوض النفحات على عبادا مصطَفين؟ شكرا عم سعيد. الآن فهمنا الرسالة.
عليك سلام الله! عليك سلام الله! (محمد عبد الله الحسين) الدوحة-2018 **ملحوظة: هذه مسود لم تكتمل، أرحب بالإشارة للأخطاء(التنقيح)
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: *** عليك سلام الله: يا عم سعيد (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
أحبُ صوتكَ لأنه يُذكرني بباب بيتنا القديم الذي له رائحة البرتقال صوتكَ يُشبه هذه الرائحة
صوتكَ يجعلني أطمئن أن هذا الباب لن يموت أبدًا وأنه حتمًا سيعرف طريقي ويأتي إليّ
أحتاجُ لصوتكَ لأنني أسكنُ في بيتٍ بلا أبواب أحتاجُ لبابٍ كى أخرجُ منه
- اسراء النمر
| |
 
|
|
|
|
|
|
|